نبذة عن حياة الكاتب
معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم

حرف الهاء
(هـ)
ها: ها: للتنْبيه في قولِهِم: هذا وهذه، وقد رُكِّبَ مَعَ ذا وذِهِ وأولاءِ، حتى صارَ مَعَها بِمَنْزِلَةِ حرفٍ منها. وها في قولهِ تعالى: { ها أنتم } للتنبيه: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلاَءِ حَاجَجْتُمْ} [آل عِمرَان: 66]، {هَاأَنْتُمْ أُولاَءِ تُحِبُّونَهُمْ} [آل عِمرَان: 119]، {هَؤُلاَءِ جَادَلْتُمْ} [النِّسَاء: 109]، {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البَقَرَة: 85]، {لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ} [النِّسَاء: 143]. وها: اسمُ فعلٍ بمعنى خُذْ: ها الكتابَ أيْ خُذْهُ. ويجوزُ مدُّ أَلفيها «هاء» وتُستعملانِ بكافِ الخطابِ وبدونِها. ويجوز في الممدودةِ أن تستغنيَ عن الكاف بتصريفِ همزتِها تصاريفَ الكاف فيُقال هاءَ للمذكر وهاءِ للمؤنث وهاؤمَا وهاؤمْ وهاؤنّ {هَاؤُمُ اقْرَأُوا كِتَابِيَهْ } [الحَاقَّة: 19]. ويقالُ: هاتِ وهاتِيا وهاتُوا، قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [البَقَرَة: 111]. قال الفَرَّاءُ: ليسَ في كلامِهِمْ: هاتَيْتُ، وإنما ذلك في ألْسُنِ الخِبرَةِ، قال: ولا يقالُ لا تُهاتِ. وقال الخليلُ: المُهاتاةُ والهتاءُ: مصدرُ هات.
هبط: الهُبُوطُ: الانْحِدارُ على سبيلِ القَهْرِ، كهُبُوطِ الحَجَرِ. والهَبُوطُ، بالفتحِ: المُنْحدِرُ. يقالُ: هَبَطْتُ أنا، وهَبَطْتُ غَيْرِي، يكونُ اللازِمُ والمُتَعَدِّي على لَفْظ واحد {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 74]. يقالُ: هَبَطْتُ، وهَبَطْتُهُ هَبْطاً. وإذا اسْتُعْمِلَ في الإنسان الهُبُوطُ فَعَلى سَبِيلِ الاسْتِخْفافِ، وذلك بخلافِ الإنْزالِ، فإنَّ الإِنْزالَ ذَكَرَهُ تعالى في الأشْياءِ التي نَبَّهَ على شَرَفِها، كإنْزالِ المَلائِكَةِ والقُرآنِ والمَطَرِ وغيرِ ذلك. والهَبْطُ: ذُكِرَ حيثُ نبَّهَ على الغَضِّ، نحوُ: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البَقَرَة: 36]، {فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} [الأعرَاف: 13]، {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البَقَرَة:61] وليسَ في قولهِ: (فإنَّ لكُمْ ما سألتُمْ) تَعْظِيمٌ وتَشريفٌ، ألا تَرَى أنه تعالى قال: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البَقَرَة: 61] وقال جَلَّ ذكْرُهُ: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البَقَرَة: 38]. الهُبوطُ: النزول من موضع عالٍ إلى استِفَال، وقد يُستعملُ في هُبوطِ المنزِلة.
هبو: هَبا الغُبارُ، يَهْبُو: ثارَ وسَطَعَ. والهَبْوَةُ، كالغَبَرَةِ. والهَباءُ: دُقاقُ الغبارُ وما انْبَثَّ في الهَوَاءِ، فلا يَبْدُو إلاَّ من خلالِ ضَوْءِ الشمسِ في الكُوَّةِ أو غيرها، ومنه قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } [الفُرقان: 23] وقوله: {فَكَانَتْ هَبَاءَ مُنْبَثًّا } [الواقِعَة: 6].
هجد: الهُجُودُ: النَّوْمُ. والهاجِدُ: النَّائِمُ. وهجَّدْتُه فتهجَّد: أزلتُ هُجُودَهُ، نحو حَرَّضْتُهُ، ومعناهُ: أيْقَظْتُهُ فَتَيقَّظَ. وقولهُ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} [الإسرَاء: 79] أي تَيَقَّظْ بالقُرْآنِ. وذلك حَثٌّ على إقامَةِ الصلاةِ في الليلِ المَذْكُورِ في قولهِ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ} [المُزّمل: 2-3]. والمُتهجِّدُ: المُصَلِّي لَيْلاً أو القائمُ إلى الصلاةِ مِنَ النَّومِ وكأنَّهُ قِيلَ لَهُ مُتَهَجِّدٌ لإلقائِهِ الهُجُودَ عن نفسِهِ، كما يقالُ للعابدِ مُتَحَنِّثٌ لإلقائِهِ الحِنْثَ عَنْ نَفْسِهِ؛ وأهْجَدَ البَعِيرُ: ألْقَى جِرانَهُ أيْ مُقَدَّمَ عُنُقِهِ على الأرضِ مُتَحَرِّياً للهُجُودِ.
هجـر: الهجْـرُ، والهِجْرانُ: مُفارَقَةُ الإنْسانِ غيرَهُ، إمَّا بالبَدَنِ، أو باللِّسانِ، أو بالقَلْبِ أو بالتفكير. {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النِّسَاء: 34] أي أعرضوا عَنهُنَّ واتركوهُنَّ كِنايَةً عن عَدَمِ قُرْبِهِنَّ. وقولهُ تعالى: {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } [الفُرقان: 30] فهذا هَجْرٌ بالقَلْبِ، أو بالقَلْب واللِّسانَ. وقولهُ: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً } [المُزّمل: 10] يحتمل كل ما ذكرنا مع تحري المجاملة، وكذا قولهُ: تعالى: {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } [مَريَم: 46]. وقولهُ تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } [المدَّثِّر: 5] فَحَثٌّ علـى المُفارَقَـةِ بالوُجُـوهِ كُلِّها. والمُهاجَرَةُ في الأصْلِ: مُقاطعة الغَيْرِ ومُتارَكَتُهُ، من قولهِ عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا} [البَقَرَة: 218] و {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحَشر: 8]. وقولهُ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ} [النِّسَاء: 100]، {فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النِّسَاء: 89] فالظَّاهِرُ منـه الخُـرُوجُ من دارِ الكُفْرِ إلى دارِ الإيمانِ، كَمَنْ هاجَرَ من مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ. وقيلَ: مُقْتَضَى ذلك هُجْرانُ الشَّهَواتِ والأخْلاقِ الذَّمِيمَةِ والخَطايا، وتَركُها، ورَفْضُها. وقال: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [العَنكبوت: 26] أي إما أن أقاوم وإما أن أخرج من مجتمعت الظالمين لقبح أعمالهم وخبث سريرتهم ملتجئاً إلى العزيز الذي لا يضام مَنْ نصَره والحكيمِ الذي لا يَضيعُ من حَفِظه. {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النِّسَاء: 97]. ومنه: المهاجَرُ أي موضعُ المهَاجَرةِ؛ وكذا المجاهَدَةُ تَقْتَضِي مُجاهَدَةَ النَّفْسِ، كما رُوِيَ في الخبر «رَجَعْتُمْ مِنَ الجِهادِ الأصْغَرِ إلى الجِهادِ الأكْبَرِ»(93) ورُوِيَ «هاجِرُوا ولا تَهْجُرُوا»(94) أي كونُوا من المُهاجِرِينَ، ولا تَتَشَبَّهُوا بهم في القولِ دُونَ الفعلِ. والهُجْرُ: الكلامُ القَبِيحُ المَهْجُورُ لِقُبْحِهِ. وفي الحَدِيثِ «ولا تَقُولُوا هُجْراً»(95). وقُرىء: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ } [المؤمنون: 67]، أي مُستكبريِنَ على محمد أن تطيعوُه وعلى القرآن أن تقْبلوه. وتَسْمرون بالليلِ تتبجّحون وتختلقونَ معائبَ للنَّبيّ وتهجرونه، فتفجرونَ بالقولِ عنه أو عليه. وقد يُشبَّهُ المُبالِغُ في الهَجْر بالمُهْجر، فيقالُ: أهْجَرَ، إذا قَصَدَ ذلك كقولهم: «ما شأْنُهُ أهْجَرَ؟». أي هل كلامُهُ تغيَّرَ واختلَطَ لأجلِ ما بِهِ مِنْ مرضٍ؟ والهمزة للاستفهام، أو كما قال الشاعِرُ:
كماجِدةِ الأعْراقِ قال ابنُ ضَرَّةٍ عليها كلاماً جارَ فيه وأهْجَرَا
ورَمَاهُ بِهاجِراتِ كلامِهِ، أي فَضائِحِ كلامِهِ. والهَجِيرُ والهاجِرةُ: وقتُ اشتدادِ الحرِّ من نصفِ النهارِ فيُمتَنَعُ فيه مِن السَّيْر كأنها هَجَرَت الناس، وهُجِرَتْ لذلك. ويقالُ: لقيتُهُ بعد هَجْرٍ، أي بعد طول غِيابٍ.
هجع: الهجُوعُ: النَّوْمُ لَيْلاً {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } [الذّاريَات: 17] وذلك يصحُّ أن يكون معناهُ: كان هُجُوعُهُمْ قليلاً من أوقاتِ الليل، ويجوزُ أن يكونَ معناهُ: لم يكونُوا يَهْجعُون. والقليلُ يُعَبَّرُ به عن النَّفْيِ والمُشارِفِ لِنَفْيهِ لِقِلّتِهِ. و: لَقِيتُهُ بَعْدَ هَجْعَةٍ، أي بعدَ نَوْمَةٍ من أول الليل؛ وقولهُم: رجُلٌ هُجَعٌ، كقولِك نُوَمٌ، للمُسْتَنِيمِ إلى كل شيءٍ؛ ورجلٌ هِجْعَةٌ: أحمقُ، غافلٌ.
هدد: الهَدُّ: هَدْمٌ له وَقْعٌ، وسُقُوطُ شيءٍ ثَقِيلٍ. والهَدَّةُ: صَوْتُ وَقْعِهِ {وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا } [مَريَم: 90]. وهَدَّدْتُ البَقَرَةَ، إذا أوْقَعْتُها لِلذَّبْحِ، والهِدُّ: المَهْدُودُ، كالذِّبْحِ لِلمَذْبُوحِ. ويُعَبَّرُ به عن الضَّعِيفِ والجبَانِ. ويقال: «مَرَرْتُ بِرَجُلٍ هَدَّكَ من رَجُلٍ» أي حَسْبُكَ. وتحقيقُه: يَهُدُّكَ ويُزْعِجُكَ وُجُودُ مِثْلِهِ، لما أثْقَلَ عليكَ من وصفهِ، وهَدَّدْتُ فلاناً، وتَهَدَّدْتُهُ: إذا زَعْزَعْتَهُ بالوَعِيدِ. والهَدْهَدَةُ: تَحْريكُ الصَّبِيّ لِيَنَامَ. والهُدْهُدُ طائِرٌ معروفٌ. قال تعالى: {مَالِي لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ} [النَّمل: 20] وجمعُه: هَداهِدُ، والهُداهِدُ بالضَّمِّ: واحِدها. قال الشاعِرُ:
كَهُداهِدٍ كَسَرَ الرُّمَاةُ جَناحَهُ يَدْعُو بقارِعةِ الطَّريقِ هَدِيلا
هدم: الهَدْمُ: إسْقاطُ البِناءِ. يقالُ: هَدَمْتُهُ هَدْماً. والهَدَمُ: ما يُهْدَمُ، ومنه اسْتُعِيرَ: دَمٌ هَدَمٌ، أي هَدَرٌ. والهِدْمُ (بالكسْرِ) اخْتَصَّ بالثَّوبِ البالِي المُرَقَّعِ، أو بالشيخِ الكبيرِ الفاني، وجمعهُ أهْدامٌ، وهدَّمتُ البِناءَ (على التَّكْثِير) {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحَجّ: 40].
هدى: الهِدايةُ: دَلالةٌ بِلُطْفٍ على ما يوصِلُ إلى المطلوبِ، ومنه الهَدِيَّةُ. وهَوادِي الوَحْش، أي مُتَقَدِّمَاتُها الهادِيَةُ لغيرِها. ومنها قولهم: «أقبلتْ هوادي الإِبل». وخُصَّ ما كان دلالةً بهديْتُ، وما كان إعْطاءً بأهْدَيْتُ، نحوُ: أهْدَيْتُ الهدِيَّةَ، وهَدَيْتُ إلى البيت، وإنْ قيل كَيْفَ جُعِلَتِ الهدايةُ دلالةً بلُطْفٍ وقد قال اللَّهُ تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } [الصَّافات: 23]، {وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } [الحَجّ: 4] قيلَ: ذلك اسْتُعْمِلَ فيه اسْتِعْمالَ اللَّفْظِ على التَّهَكُّمِ مُبالَغَةً في المعنى، كقولهِ: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [آل عِمرَان: 21] وقولِ الشاعِرِ:
تَحِيَّةُ بينِهم ضَرْبٌ وجِيعُ
وهِدايَةُ الله تعالى للإنْسانِ على أرْبَعَةِ أوجُه. الأوّلُ: الهدايَةُ التي عَمَّ بجِنْسِها كُلَّ مُكَلَّفٍ مِنَ العَقْلِ والفِطْنَةِ والمَعارِفِ الضَّرُورِيَّةِ التي أعَمَّ منها كُلَّ شيءٍ بِقَدَرٍ فيه حَسْبَ احْتِمَالِهِ، كما قال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه: 50]. الثانـي: الهِدايَـةُ التـي جَعَلَ للناسِ بِدُعائِهِ إيَّاهُمْ على ألْسِنَةِ الأنْبِياءِ، وإنْزَالِ القُرآن ونحو ذلك، وهو المَقْصُودُ بقولِهِ تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبيَاء: 73]. الثالِثُ: التَّوْفِيقُ الذي يَخْتَصُّ به من اهْتَدَى، وهو المَعْنِيُّ بقولهِ تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محَمَّد: 17] وقولهِ: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التّغَابُن: 11] وقولهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يُونس: 9] وقولهِ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العَنكبوت: 69]، وكذلك: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً} [مَريَم: 76] و {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [البَقَرَة: 213] و {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [النُّور: 46]. الرَّابـعُ: الهِدَايَةُ في الآخِرَةِ إلى الجَنَّةِ، المَعْنِيُّ بقولهِ: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ *وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } [محَمَّد: 5-6]، {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا} [الأعرَاف: 43]. وهذه الهداياتُ الأرْبَعُ مُتَرَتِّبَةٌ، فإنَّ من لم تَحْصُلْ له الثانِيَةُ لا تَحْصُلُ له الثَّالِثَةُ والرَّابعَةُ، ومن حَصَلَ له الرَّابِعُة فقد حَصَل له الثلاثُ التي قَبْلَها، ومن حَصَلَ له الثالِثُة فقد حَصَلَ له اللتانِ قبلها، ثم يَنْعكِسُ، فقد تَحْصُلُ الأُولَى ولا تحْصُلُ له الثانِية ولا تحْصُلُ الثالِثة. والإنْسَانُ لا يَقْدِرُ أنْ يَهْدِيَ أحَداً إلاَّ بالدُّعاءِ وتَعْرِيفِ الطُّرُقِ دُون سائِر أنْواعِ الهِداياتِ وإلى الأوَّل أشارَ بقولهِ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقَيمٍ } [الشّورى: 52]، {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبيَاء: 73]، {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [الرّعد: 7] أي داعٍ. وإلى سائِر الهِدايـات أشـار بقولهِ تعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القَصَص: 56]. وكُلُّ هِدايَة ذَكَر اللَّهُ عـزَّ وجلَّ أنه منعَ الظالِمِيـنَ والكافِرِينَ منها، فهي الهِدايَـةُ الثالِثَةُ، وهي التَّوْفِيـقُ الـذي يَخْتَصُّ به المُهْتَدُونَ، والرابعةُ التي هي الثَّوابُ في الآخرةِ وإدْخـالُ الجَنَّةِ، نحوُ قولهِ عزَّ وجلَّ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا} [آل عِمرَان: 86] إلى قولهِ: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [البَقَرَة: 258] وكقولهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } [النّحل: 107]. وكُلُّ هِدايَة نَفاها الله عن النبِيِّ (ص) وعن البَشَر، وذَكَرَ أنهم غيرُ قادِرِينَ عليها، فهي ما عدا المُخْتَصَّ من الدُّعاءِ وتَعْرِيفِ الطريق، وذلك كإعْطاءِ العَقْلِ والتَّوْفِيقِ وإدْخالِ الجَنَّةِ، كقولهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البَقَرَة: 272]، {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البَقَرَة: 272]، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعَام: 35]، {وَمَا أَنْتَبِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلاَلَتِهِمْ} [الرُّوم: 53]، {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النّحل: 37]، {وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [الرّعد: 33]، {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} [الزُّمَر: 37]، {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [القَصَص: 56]، وإلى هذا المعنَى أشارَ بقولهِ تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [يُونس: 99]. قولهُ: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} [الإسرَاء: 97] أي طالِبُ الهُدَى ومُتَحَرِّيهِ هو الذي يُوَفِّقُهُ ويَهْدِيهِ إلى طريق الجَنَّةِ، لا مَنْ ضادَّهُ فَيَتَحرَّى طريقَ الضَّلالِ والكُفْرِ، كقولهِ: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[البَقَرَة: 264] وفي أُخْرَى: (الظالِمِينَ). وفي قوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } [الزُّمَر: 3] الكاذِبُ الكَفَّارُ هو الذي لا يَقْبَلُ هِدايَتَهُ، فإن ذلك راجِعٌ إلى هذا، وإن لم يكنْ لَفْظُهُ مَوْضُوعاً لذلك، ومن لم يَقْبَلْ هِدايَتَهُ لم يَهْدِهِ، كقولِكَ: من لم يَقْبَلْ هَدِيَّتِي لم أُهْدِ لَهُ، ومَنْ لم يَقْبَلْ عَطِيَّتِي لم أعْطِهِ، ومَنْ رَغِبَ عَنِّي لم أرْغَبْ فيه. وعلى هذا النحوِ: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [البَقَرَة: 258] وفي أخْرَى: (الفاسِقِينَ). وقولهُ: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهْدِي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى} [يُونس: 35] يَعْني أَنَّ الأَصْنَامُ لا تَهْتَدِي ولا تَهْدِي أَحَداً وإنْ هُدِيَتْ لم تَهْتَدِ لأنها مَواتٌ من حِجارَة ونحوها. وأما الذين يعبدون بشراً أو ملائكة أو سواهم فهم عبادٌ أمثالهم، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعرَاف: 194]، وقال في موضعٍ آخَرَ {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } [النّحل: 73]. وقـولهُ عزَّ وجلَّ: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسَان: 3]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } [البَلَد: 10]، {وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الصَّافات: 118] فذلك إشارةٌ إلى ما عَرَّفَ من طريقِ الخَيْرِ والشَّرِّ، وطريقِ الثَّوابِ والعِقابِ بالعَقْلِ والشرعِ. وكذا قولهُ: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ} [الأعرَاف: 30]، {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القَصَص: 56]، {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التّغَابُن: 11] فهو إشـارةٌ إلى التَّوْفِيقِ المُلْقَى في الرَّوْعِ فيما يَتَحَرَّاهُ الإنسـانُ، وإياهُ عَنَى بقولـهِ عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محَمَّد: 17]. وعُدِّيَ الهِدايَـةُ في مَواضِـعَ بِنَفْسـِهِ، وفي مَواضِعَ باللامِ، وفي مواضِع بإلى. فمن الأخير {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [آل عِمرَان: 101]، {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الأنعَام: 87]، {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ} [يُونس: 35]، {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ} [النَّازعَات: 18-19]. وما عُدِّيَ بِنَفْسِهِ نحوُ: {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } [النِّسَاء: 68]، {وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الصَّافات: 118]، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفَاتِحَة: 6]، {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [النِّسَاء: 88]، {وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا } [النِّسَاء: 168]، {أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ} [يُونس: 43]، {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } [النِّسَاء: 175]. ولَمَّا كانَت الهِدَايَةُ والتَّعْلِيمُ يَقْتَضِيان شَيْئَيْنِ: تَعْرِيفاً مِنَ المُعَرِّفِ، وتَعَرُّفاً مِنَ المُعَرَّفِ، وبهما تَمَّ الهِدايَةُ والتَّعْلِيمُ، فإنه مَتَى حَصَلَ البَذْلُ مِنَ الهَادِي والمُعَلِّمِ، ولم يَحْصُل القَبُولُ صَحَّ أن يقالَ: لم يَهْدِ، ولم يُعَلِّمْ، اعتباراً بِعَدَمِ القَبُولِ. وصَحَّ أن يقالَ: هَدَى وعَلَّمَ، اعتباراً بِبَذْلِهِ، فإذا كان كذلك صَحَّ أن يقالَ: إنَّ اللَّهَ تعالى لم يَهْدِ الكافِرِينَ والفاسِـقِينَ، من حيثُإنه لم يَحْصُلِ القَبُولُ الذي هو تمامُ الهِدايَةِ والتَّعْلِيمِ. وصحَّ أن يقالَ: هَداهُمْ وعَلَّمَهُمْ من حيثُ إنه حَصَلَ البَذْلُ الذي هو مَبْدَأُ الهِدَايَةِ. فَعَلَى الاعتبارِ بالأوَّل يصحُّ أن يُحْمَلَ قولهُ تعالى: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [البَقَرَة: 258]، و(الكافِرِينَ). وعلى الثاني قولهُ عزَّ وجلَّ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فُصّلَت: 17]، والأُولَى حيثُ لم يَحْصُلِ القَبُولُ المُفِيدُ، فيقالُ: هَداهُ اللَّهُ فَلَمْ يَهْتَدِ، كقولـهِ {وَأَمَّا ثَمُودُ} [فُصّلَت: 17] الآية. وقولهُ: {لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البَقَرَة: 142] إلى قولهِ: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البَقَرَة: 143] فَهُمُ الذينَ قَبِلُوا هُدَاهُ واهْتَدَوْا به. وقولهُ تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفَاتِحَة: 6]، {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } [النِّسَاء: 68] فقد قيلَ: عُنِيَ به الهِدايَةُ العامَّةُ التي هي العَقْلُ وسُنَّةُ الأنبياءِ، وأُمِرْنـا أن نقـولَ ذلك بألْسِنَتِنَا، وإن كانَ قد فَعَلَ لِيُعْطِيَنَا بذلك ثَوابـاً، كمـا أُمِرْنا أن نقولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ، وإن كـانَ قَـدْ صَلَّى عليـه بقولـهِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزَاب: 56]، وقيلَ: إن ذلك دُعاءٌ بِحِفْظِنا عن اسْتِغْواءِ الغُواةِ، واسْتِهْوَاءِ الشَّهَواتِ. وقيلَ: هو سُؤالٌ للتَّوْفِيقِ المَوْعُودِ به في قولهِ: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محَمَّد: 17]، وقيلَ: سُؤالٌ لِلهِدايَةِ إلى الجَنَّةِ في الآخرةِ. وقولهُ عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البَقَرَة: 143] فإنه يَعْنِي به منْ هَداهُ بالتَّوفِيقِ المذكورِ في قولهِ عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محَمَّد: 17]. والهُدَى والهِدَايَةُ في موضوعِ اللُّغَةِ واحدٌ، لكنْ قـد خَصَّ اللَّهُ عزَّ وجلَّ لَفْظَةَ الهُـدَى بمـا تَوَلاَّهُ وأعْطَاهُ واخْتَصَّ هـو بـه دُونَ مـا هـو إلـى الإنسانِ، نحـوُ: {هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ } [البَقَرَة: 2]، {أُولَئِكَ عَلَى هُدَىً مِنْ رَبِّهِمْ} [البَقَرَة: 5]، {وَهُدىً لِلنَّاسِ} [الأنعَام: 91]، {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البَقَرَة: 38]، {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البَقَرَة: 120]، {وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عِمرَان: 138]، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعَام: 35]، {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} [النّحل: 37]، {فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النّحل: 37]، {أُولَئِكَ الَّذِينَ اُشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} [البَقَرَة: 16]. والاهْتِداءُ: يَخْتَصُّ بما يَتَحَرَّاهُ الإنسانُ على طريقِ الاخْتِيارِ، إمّا في الأمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، أو الأخْرَوِيَّةِ. قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا} [الأنعَام: 97] وقال: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } [النِّسَاء: 98]، ويقالُ ذلك لِطَلَبِ الهِدايَةِ نحوُ: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [البَقَرَة: 53]، وقال: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشُوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [البَقَرَة: 150]، {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} [آل عِمرَان: 20]، {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البَقَرَة: 137]. ويقالُ: المُهْتَدِي لِمَنْ يَقْتَدِي بِعالِمٍ، نحوُ: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ } [المَائدة: 104] تنبيهاً أنهمْ لا يَعْلَمُونَ بأنْفُسِهِمْ ولا يَقْتَدُونَ بِعَالِمٍ، وقولهُ: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسرَاء: 15] فإن الاهْتِدَاءَ هَهُنا على كل وجوهه مِن طَلَبِ الهِدَايَةِ ومن الاقْتِداءِ ومن تَحرِّيها، وكذا قولهُ: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } [النَّمل: 24]. وقولهُ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } [طه: 82] فمعناهُ: ثم أدامَ طَلَبَ الهِدايَةِ ولم يَفْتُرْ عن تَحَرِّيه، ولم يَرْجِعْ إلى المَعْصِيَةِ. وقولهُ: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} [البَقَرَة: 156] إلى قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [البَقَرَة: 157] أي الذين تَحَرَّوْا هِدايَتَهُ وقَبِلُوها وعَمِلُوا بها. وقال مُخْبِراً عنهم: {وَقَالُوا يَاأَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } [الزّخرُف: 49]. والهَدْيُ مُخْتَصٌّ بما يُهْدَى إلى البَيْتِ الحَرامِ. قالَ الأَخْفَشُ: والواحِدَةُ: هَدِيَّةٌ. قال: ويقالُ لِلأُنْثَى هَدْيٌ، كَأنَّهُ مَصْدَرٌ وُصِفَ به. {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البَقَرَة: 196]، {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المَائدة: 95]، {وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ} [المَائدة: 97]، {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفَتْح: 25]. والهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ باللُّطَفِ الذي يُهْدِي بعضُنا إلى بعضٍ {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} [النَّمل: 35]، {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } [النَّمل: 36]. والمِهْدَى: الطَّبَقُ الذي يُهْدَى عليه. والمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إهْدَاءَ الهَدِيَّةِ، والهَدْيَةُ والهِدْيَةُ: الطَّريقَةُ والسِّيرَةُ، يقال: «ما أحسنَ هَدْيَتَهُ» أي ما أحسَنَ طريقتَهُ، أو سيرتَهُ بين الناس؛ و: فلان يُهَادِي بَيْنَ اثْنَيْنِ: إذا مَشَى بينَهما مُعْتَمِداً عليهما.
هربَ: الهَرَبُ: الفِرارُ، وقد هَرَبَ، يَهْرُبُ هَرَباً: جدَّ في الفِرارِ مَذْعُوراً. قال تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا } [الجنّ: 12] أي عَلِمْنا وتَيَقَّنَّا أَنَّنا لَنْ نَسْتَطِيعَ أنْ نَفِرَّ مِنْ أمرِ الله، وأَنَّهُ ـ جَلّتْ قُدْرَتُهُ ـ لا يفوتُهُ إِدراكُنا سواءٌ كُنّا في مَتاهاتِ الأرضِ أو في أَجواءِ السَّماءِ. والمَهْرَبُ: الموضِعُ الذي يُهرَبُ إليه، وجاءَ مُهْرِباً أي هارباً فزِعاً.
هرت: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البَقَرَة: 102] قيلَ: هُما المَلَكانِ. وقال بعضُ المُفَسِّرِينَ: هُما اسْما شَيْطانَيْنِ من الإنْسِ أو الجِنِّ، وجَعَلَهُما نَصْباً بَدَلاً من قولهِ تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ} [البَقَرَة: 102] بَدَلَ البعضِ من الكُلِّ. ورجلٌ هريتٌ: لا يكتُمُ سِرّاً ويتكلَّمُ مع ذلك بالقبيح؛ والمتهارِتُ: المتشَدِّقُ، المِكْثارُ.
هرع: يقالُ: هُرِع، وأُهْرِعَ الرَّجُلُ: أَسرَعَ، وأُهْرِعَ الرجلُ: إذا أُعْجِلَ على الإِسراع؛ أو إذا سِيقَ بِعُنْفٍ وتَخْوِيفٍ. {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هُود: 78] مسرعين في الضلال مقتدين بهم. تهرّع برُمْحِهِ: إذا أشْرَعَهُ سَرِيعاً. والهَرِعُ: السَّرِيعُ المَشْيِ والبُكاءِ الحريصُ؛ والمَهْروعُ: المصروعُ مِنَ الجَهْدِ.
هرن: هرُونُ: اسمُ نَبِيّ وهو اسمٌ أعْجَمِيٌّ {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي } [طه: 29-30].
هزز: الهَزُّ: التَّحْريكُ الشَّدِيدُ. يقالُ: هَزَزْتُ الرمْحَ، فاهْتَزَّ، وهَزَزْتُ فُلاناً للعَطَاءِ {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَخْلَةِ} [مَريَم: 25]، {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} [النَّمل: 10]. واهْتزَّ النَّباتُ، إذا تَحَرَّكَ لِنَضَارَتِهِ {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحَجّ: 5]. واهْتَزَّ الكَوكَبُ في انْقِضاضِهِ: أسرَعَ؛ وسَيْفٌ هَزْهازٌ، وماءٌ هُزَهِزٌ، ورجُلٌ هُزَهِزٌ خَفِيفٌ.
هزل: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ *وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ } [الطّارق: 13-14] الهَزْلُ: كُلُّ كلامٍ لا تحصِيلَ له ولا رَيْعَ تشبيهاً بالهُزالِ.
هزم: أصْـلُ الهَزْمِ: غَمْزُ الشيءِ اليابِسِ حتى يَنْحَطِمَ، كَهَزْمِ القِثاءِ والبِطِّيخِ، ومنه الهَزِيمَةُ، لأنه كما يُعَبَّرُ عنه بذلـك، يُعَبَّرُ عنه بالحَطْمِ والكَسـْرِ. قال تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 251]، {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ } [ص: 11] أخبر الله سبحانه، محمد (ص) وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين الذين تحزّبوا عليه وهو منصور عليهم بإذن الله تعالى. وأصابَتْهُ هازِمَةُ الدَّهْرِ، أي كاسِرَةٌ، كقولهِم فاقِرَةٌ. والهَزِيمُ: الرَّعْدُ أو صوتُ الرعدِ؛ وجيشٌ هزيمٌ: أي مهزومٌ.
هزو: الهُزْءُ: السخريةُ، ولكن هناك فرق بين السخرية والهزء. فالسخرية تعني طلب الذلة لأن التسخير هو التذليل، وأما الهزء فيقتضي طلب صِغَرٍ القدْر مما يظهر في القول. وقد يقالُ لما هو كالمَزْحِ، فَمِمَّا قُصِدَ به المَزْحُ قولهُ: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا} [الجَاثيَة: 9]، {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا} [الفُرقان: 41]، {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا} [الأنبيَاء: 36]، {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البَقَرَة: 67]، {وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البَقَرَة: 231] فقد عَظَّمَ تَبْكِيتَهُمْ ونَبَّهَ على خُبْثِهِمْ من حيثُ إنه وَصَفَهَم، بعدَ العِلْمِ بها، والوُقُوف على صِحَّتِها، بأنهمْ يَهْزَؤونَ بها. يقالُ: هَزِئْتُ به، واسْتَهْزَأْتُ. والاسْتِهْزاءُ: ارْتِيادُ الهُزُؤِ، وإن كان قد يُعَبَّرُ به عن تَعاطِي الهُزُؤ، كالاسْتِجابَةِ في كونِها ارْتِياداً للإجَابَةِ، وإن كان قد يَجْرِي مَجْرَى الإِجابةِ {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } [التّوبَة: 65]، {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [هُود: 8]، {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [الحِجر: 11]، {إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا} [النِّسَاء: 140]، {وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} [الأنعَام: 10]. والاسْتِهْزاءُ مِنَ اللَّهِ في الحقيقةِ لا يَصِحُّ كما لا يَصِحُّ مِنَ اللَّهِ اللَّهْوُ واللَّعِبُ، تعالى اللَّهُ عن ذلك عُلُوّاً كبيراً، وقولهُ: {اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [البَقَرَة: 15] أي يُجازِيهِمْ جَزاءَ الهُزُؤ، ومعناهُ: أنه أمْهَلَهُمْ مُدَّةً ثم أخَذَهُمْ فَجْأَةً عَلَى حِينِ غِرَّةٍ، فَسَمَّى إمْهَالَهُ إيَّاهُمْ اسْتِهْزاءً من حيثُ إنهم اغْتَرُّوا به اغْتِرَارَهُمْ بالهُزُؤ، فيكونُ ذلك كالاسْتِدْرَاجِ من حيثُ لا يَعْلَمُونَ، أو لأنهمُ اسْتَهْزَؤوا، فَعَرَفَ ذلك منهم، فَصَارَ كأنه يَهْزَأُ بهم، كما قيلَ: مَنْ خَدَعَكَ وفَطِنْت له، ولم تُعَرِّفْهُ فاحْتَرَزْتَ منه، فقد خَدَعْتَهُ. وقد رُوِيَ أنَّ المُسْتَهْزِئِينَ في الدُّنْيَا يُفْتَحُ لَهُمْ بابٌ من الجَنَّةِ، فَيُسْرِعُونَ نَحْوَهُ، فإذا انْتَهَوْا إليه سُدَّ عليهم، فذلك قولهُ: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ *عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ *هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المطفّفِين: 34-36]، وعلى هذه الوُجُوهِ قولهُ عزَّ وجلَّ: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [التّوبَة: 79].
هشش: الهَشُّ: يُقارِبُ الهَزَّ في التَّحْرِيكِ، ويَقَعُ على الشيءِ اللَّيِّنِ، كَهَشَّ الوَرَقَ، أَي خَبَطَهُ بالعَصا لِيَتَحاتَّ {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} [طه: 18]. وهشَّ فلانٌ يَهِشُّ ويَهَشُّ هشاشةً وهَشَاشاً: ارتاحَ وخفَّ. وناقةٌ هَشُوشٌ: لَيِّنَةٌ غَزِيرَةُ اللَّبَنِ، وفرسٌ هَشُوشٌ: ضِدُّ الصَّلُودِ. والصَّلُودُ: الذي لا يكادُ يَعْرَقُ. ورجُلٌ هَشُّ الوَجْه: طَلقُ المُحَيَّا.
هشم: الهَشْمُ: كَسْرُ الشيءِ الرِّخْوِ كالنَّباتِ {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: 45]، {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ } [القَمَر: 31] أي كالنباتِ اليابِسِ المُتَكَسِّر؛ وصارت الأرضُ هَشيماً، أي صار ما عليها من النباتِ والشجرِ يابساً ومتكسِّراً؛ يقالُ: هَشَمَ عَظْمَهُ، ومنه: هَشَمْتُ الخُبْزَ. قال الشاعِرُ:
عَمْرُو العُلا هَشَمَ الثَّريدَ لِقَوْمِهِ ورِجالُ مكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجافُ
هضم: الهَضْمُ: النَّقْصُ. يُقال: هَضَمَنِي حَقِّي، ويَهْضِمُني، أي أَنْقَصَني حقّي ويُنْقِصُني. قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا } [طه: 112]، أي لا يَخافُ أن يُؤْخَذَ، ظُلْماً، بِذَنْبٍ لم يَفْعَلْهُ، أو أَنْ يُنقَصَ مِنْ حَسَناتِهِ شَيءٌ. ويُقالُ أيضاً: هضمتُه فانهضم (ومنه هَضَمَتِ المَعِدَةُ الطَّعامَ، أي أَنْقَصَتْه عندما أَحَالَتْهُ إلى صُورةٍ صَالِحةٍ للغِذاء). والهَضِيمُ أيضاً: اللَّطيفُ في جِسْمِهِ. قالَ تَعالى: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } [الشُّعَرَاء: 148] أي يافِعٌ، ناضِجٌ، وقِيلَ هو الرَّطبُ الليّنُ الذي يُهضم بسرعَة.
هطع: الإهطاعُ: الإسراعُ مَعَ الخوفِ. هَطَعَ: أَسرَعَ مُقبِلاً خائِفاً، أو: أقبلَ بَبَصرِهِ على الشّيءِ لا يُقلِعُ عنه. أَهْطَعَ: مَدَّ عُنُقَهُ وصوَّبَ بَصَرَهُ. هَطَعَ الرجُلُ بِبَصَرِهِ، إذا صَوَّبَهُ على الشيء فلم يرفَعْهُ عنه، والمُهطِعُ: الذي يَرنو في صفاءٍ وخُشوعٍ غيرَ مُقْلِعٍ بَصَرَهُ، قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} [إبراهيم: 43] أي مصوِّبينَ النظرَ إلى ما يَرَوْنَ، لا تَطْرُفُ أعيُنهم؛ ومُقْنِعي رُؤوسِهِمْ: أي رافِعِي رؤوسِهِمْ إلى السَّمَاءِ. وقوله تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} [القَمَر: 8] أي مقبلين مجيبين صوت الداعي.
هل: هَلْ: حَرْفُ اسْتِخْبارٍ إِمَّا على سَبِيلِ الاسْتِفْهامِ، وهذا يكونُ مِنَ الإنسانِ ولا يكونُ من اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وإِمَّا على التَّقرير تَنْبِيهاً أو تَبْكِيتاً أو نفْياً. قولُهُ تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعَام: 148]، {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا } [مَريَم: 98]، قال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مَريَم: 65]، {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ } [المُلك: 3] وكُلُّ ذلك تَنْبيهٌ على النَّفْيِ. وأما قولُهُ تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلاَئِكَةُ} [البَقَرَة: 210]، وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ} [الأنعَام: 158]، و {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ} [الزّخرُف: 66] و {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعرَاف: 147] و {هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الأنبيَاء: 3]، قيلَ: ذلك تَنْبِيهٌ على قُدْرَةِ اللَّهِ وتَخْويفٌ مِنْ سَطْوَتِهِ.
هلع: هلعَ: هَلَعاً وهُلوعاً وهَلْعاً: حَرِصَ، حَزِنَ أشدَّ الحُزْنِ، جَبُنَ عندَ اللِّقاءِ. قالَ اللهُ تَعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا } [المعَارج: 19] معناه: خُلِق حَرِيصاً جَزوعاً، سَريعَ الحُزْنِ.
هلك: الهلاكُ: على ثلاثةِ أوْجهٍ: الأولُ افْتِقادُ الشيءِ عندك وهو عندَ غيرِكَ مَوْجُودٌ، كقولِهِ تعالى: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } [الحَاقَّة: 29]. والثاني: هَلاكُ الشيءِ باسْتِحالةٍ وفسادٍ، كقولِهِ: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البَقَرَة: 205] وقولِهِم: هَلَكَ الطَّعامُ. والثالِثُ: المَوْتُ، كقولِهِ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النِّسَاء: 176]. وقال تعالى مُخْبراً عن اعتقادِ الكُفَّارِ {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} [الجَاثيَة: 24] ولم يَذْكُر اللَّهُ المَوْتَ بِلَفْظِ الهَلاكِ حيثُ لم يُقْصَدِ الذَّمُّ إلاَّ في هذا الموضع وفي قولِهِ: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً} [غَافر: 34]، وذلك لفائدةٍ يَخْتَصُّ ذِكْرُها بما بعدَ هذا الكتابِ. والرابعُ: بُطْلانُ الشيء من العالَمِ وعَدَمُهُ رأساً، وذلك المُسَمَّى فَناءً، المُشارُ إليه بقولهِ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القَصَص: 88]. ويقالُ للعَذابِ والخَوْفِ والفَقْرِ: الهَلاكُ، وعلى هذا قولهُ: {وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } [الأنعَام: 26]، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} [مَريَم: 74]، {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأعرَاف: 4]، {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الحَجّ: 45]، {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } [الأعرَاف: 173]، {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} [الأعرَاف: 155]، {بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } [الأحقاف: 35] وهو الهَلاكُ الأكْبَرُ الذي دَلَّ عليه النبيُّ (ص) بقولهِ «لا شَرَّ كشَرٍّ بعْدَهُ النارُ»(96). وقولهُ: تعالى عن المؤامرة التي كان يدبرها الكفار لقتل النبيّ صالحٍ ومَنْ آمن معه: {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} [النَّمل: 49] دليلٌ على كذبهم وما بيّتوا من إهلاكهم ليلاً، وقولُه تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البَقَرَة: 195] معناه أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالى أمَرَ المُؤمنينَ بأَنْ يُنْفِقُوا في الجهاد، وإذا لَمْ يُنْفِقوا في سَبيلِهِ فإنَّهمْ يُؤَدُّونَ بأَنفُسِهِمْ إلى الهَلاكِ. و الإنفاقُ «في سبيلِ اللهِ» لا يكون إلا في الجهاد، وإذا لم تنفقوا في سبيل الله استهان بكم عدوّكم وغلبكم على أمرِكم.
هلل: الهِلالُ: القَمَرُ في أوّلِ لَيْلَةٍ والثانيةِ، ثم يقالُ له القَمَرُ. وجمعهُ: أهِلَّةٌ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البَقَرَة: 189] وقد كانُوا سألُوهُ عن عِلَّةِ تَهَلُّلِهِ وتَغَيُّرِهِ. وأهَلَّ الهِلالُ: رُئِيَ، واسْتَهَلَّ: طَلَبَ رُؤْيَتَهُ. ثم قد يُعَبَّرُ عن الإهْلالِ بالاسْتِهْلالِ، نحوُ الإجابةِ والاسْتِجابةِ. والإِهْلالُ: رَفْعُ الصَّوْت عند رُؤْيَةِ الهِلال، ثم اسْتُعْمِلَ لِكُلِّ صَوْتٍ، وبه شُبِّهَ إِهْلاَلُ الصَّبِيِّ. وقولهُ: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 173] وقولُهُ تعالى: {أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعَام: 145] أي ما ذُكِرَ عليه غيرُ اسمِ اللَّهِ، وهو ما كان يُذْبَحُ لأجْلِ الأصْنام. وقيلَ: الإِهْلالُ والتَّهَلُّلُ: أنْ يَقُولَ: لا إله إلاَّ اللَّهُ. ومن هذه الجُمْلَةِ رُكِّبَتْ هذه اللَّفْظَةُ، كقولِهم: التَّبَسْمُلُ والبَسْمَلَةُ، والتَّحَوْقُل والحَوْقَلَةُ، إذا قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ. ومنه الإهْلالُ بالحَجِّ. وتَهَلَّلَ السَّحابُ بِبَرْقِهِ: تَلألأَ، ويُشَبَّهُ في ذلك بالهِلالِ. وثَوْبٌ مُهَلَّلٌ: سَخِيفُ النَّسْجِ، ومنه: شِعْرٌ مُهَلْهَلٌ.
هلم: هلُمَّ: دُعاءٌ إلى الشيءِ، وفيه قولان: أحدُهُما: أنَّ أصْلهُ هالُمَّ من قولِهم: لَمَمْتُ الشيءَ، أي أصْلَحْتُهُ، فَحُذِف ألِفُها، فقيلَ: هَلُمَّ. وقيل: أصْلُهُ هلْ أَمَّ، كأنه قيل: هَلْ لك في كذا أمَّهُ، أي قَصَدَهُ، فَرُكِّبا. {وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزَاب: 18] أي أقبلوا إلينا. وهم المنافقون يريدون أن يهربوا من القتال. وقوله تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} [الأنعَام: 150] أي قل يا محمَّد هاتوا وأحضروا شهداءَكم.
همد: يقالُ: هَمَدَتِ النَّارُ: طُفِئَتْ، ومنه: أرضٌ هَامِدَةٌ: لا نَباتَ فيها. ونَباتٌ هامِدٌ: يابسٌ. {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً} [الحَجّ: 5] إمَّا أَنَّهُ لا نباتَ فيها، وإِمَّا أنَّ شَجَرَها ونَبَاتَها قد يَبِسَ؛ والإهْمادُ: الإقامَةُ بالمَكانِ، كأنه صارَ ذا هَمَدٍ.
همر: الهَمْرُ: صَبُّ الدَّمْعِ والماءِ، يقالُ: هَمَرَه فانْهَمَرَ {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ } [القَمَر: 11]. وهَمَرَ ما في الضَّرْع: حَلَبَهُ كُلَّهُ. وَهَمَرَ الرجُلُ في الكَلامِ: أَكْثَرَ منه؛ وفلانٌ يُهامِرُ الشيء، أي يَجْرُفُهُ، ومنه: همر له من مالِهِ: أعْطاهُ. والهَمِيرُ: العَجُوزُ الفانيةُ.
همز: الهمْزُ، كالعَصْرِ. يقالُ: هَمَزْتُ الجَوْزَةَ أو غَيْرَها بِكَفّي: كَسَرتُها، ومنه الهَمْزُ في الكلمةِ والحَرْفِ، أي النطقُ بهما بالهمز؛ وهمْزُ الإنسان: اغْتِيابُهُ {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } [القَلَم: 11]. يقالُ: رجُلٌ هامِزٌ وهمَّازٌ وهُمَزَةٌ {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } [الهُمَزة: 1]. والهمزُ: شِدَّةُ الدَّفْعِ، وهَمْزةُ الشَّيطانِ للإنسانِ: دَفْعُهُ بالإغواءِ إلى المَعَاصِي.
قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ } [المؤمنون: 97] أي من خَطَراتِ الشَّياطين التي تَخْطُرُ بها في قُلُوبِ النَّاسِ.
همس: الهَمْسُ: الصَّوْتُ الخَفِيُّ أو حِسُّ الصوتِ في الْفَمِ مما لا مخالطَةَ له من صَوْتِ الصَّدْر، ولا جَهارَةَ في المَنْطِقِ. وهَمْسُ الأقْدامِ: أخْفَى ما يكونُ من صَوْتِها، والهَمْسُ أيضاً: القَبْرُ، وهَمْسُ الشيطانِ: وسوستُهُ، قال تعالى: {فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا } [طه: 108].
همم: الهمُّ: الحُزْنُ الذي يُذِيبُ الإنسان، يقالُ: هَمَمْتُ الشَّحْمَ فانْهَمَّ: أي أَذَبْتُهُ فذابَ؛ وهمَّ الرجلُ لنفسِهِ: طَلَبَ واحتَالَ، ولذا قالَ الشاعِرُ:
وهَمُّكَ ما لم تُمْضِهِ لك مُنْصِبٌ
قال اللَّهُ تعالى: {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} [المَائدة: 11] أي أرادوا ذلك وعزموا عليه. {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يُوسُف: 24] أي لقد همَّتْ امْرأَةُ العزيزِ في مِصْرَ بالفاحِشَةِ عندما راوَدَتْ يوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ، وهمَّ بدَفْعِها عنه؛ وهذه قاعِدةٌ مطَّرَدَةٌ بأنَّ سببَ الشيءِ يقومُ مقامَهُ ويُطلَقُ عليه اسمُهُ كما في قولهم: كما تَدِينُ تُدانُ، فَكما تَدِينُ الناسَ بِسَوْءٍ تدانُ مِنهُمُ بِهِ، أي كما تَجْزي تُجزَى، فإنَّ الفِعْلَ الثَّاني لم يكن جَزاءً ولكنه سببٌ للجزاء، أُطلِقَ عليه اسْمُهُ، وكذلك «همَّت به وهَمَّ بها» بمعنى أنها طَلَبَتْ مِنهُ الفِعْلَ وهو طَلَبَ منها التَّرْكَ. فـ«لولا» في الآية الكريمة كما هي لغةً، حرف امتناع لوجود، كما تقول: لولا النيلُ لعطشتْ مصر، فامتنع العطشُ من أهل مصر لوجود النيل. وكذلك امتنعت الفحشاءُ عن يوسفَ لوجود برهانِ ربه من قبلُ، والبرهانُ هو دلالات النبوة التي أخلصه الله سبحانه وتعالى بها ليصرف عنه السوء والفحشاء. {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ} [آل عِمرَان: 122] أي أن الفَشَلَ خَطَرَ ببالِهِم. قال تعالى: {لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} [النِّسَاء: 113]، {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} [التّوبَة: 74]، {وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} [التّوبَة: 13]، {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ} [غَافر: 5]. وأَهَمَّ الأمرُ فلاناً: أَقلقَهُ وأَحزَنَهُ؛ وتهمَّمَ الشيءَ: إذا طلبَهُ وتَحَسَّسَهُ، قال اللَّهُ تعالى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عِمرَان: 154]. ويقالُ: «هذارجُلٌ هِمَّتُكَ من رجُلٍ». كما تقولُ: ناهِيكَ من رجُلٍ، والهَوامُّ: حَشَراتُ الأرضِ. ورجُلٌ همُّ، وامرأةٌ همَّةٌ، أي كَبِيرٌ قد هَمَّهُ العُمْرُ،أي أذابَهُ.
هنأ: الهَنِيءُ: السائغُ، أي كُلُّ ما لا يَلْحَقُ فيه مَشَقَّةٌ، ولا يَعْقُبُ وخَامَةً، وأصْلُهُ في الطَّعام. هَنِىءَ الطَّعامُ، أي صارَ هَنيئاً {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } [النِّسَاء: 4]، {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ} [الحَاقَّة: 24]، {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [الطُّور: 19]. والهناءُ: ضَرْبٌ من القَطِران، يقالُ: هَنَأْتُ الإِبل، فهي مَهْنُوءَةٌ.
هن: هنُ: كِنَايَةٌ عنِ الفَرْجِ وغيرِهِ مما يُسْتَقْبَحُ ذِكْرُهُ. وفي فلانٍ هنَاتٌ، أي خِصالُ سُوءٍ. وعلى هذا ما رُويَ «سَيَكُونُ هَنَاتٌ». وأما قوله تعالى: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المَائدة: 24] أي جالسون ماكثون، وهنا اسمُ إشارة للمكانِ القريبِ، وتلحقُها هاءُ التنبيهِ فيقالُ: ههُنا.
هود: الهَوْدُ: الرُّجُوعُ بِرِفْقٍ، ومنه: التَّهْويدُ، وهو مَشْيٌ كالدَّبِيبِ. وصار الهَوْدُ في التَّعارفِ: التَّوْبةَ {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعرَاف: 156] أي تُبْنا. ويقالُ: هادَ فلانٌ، إذا تَحَرَّى طَرِيقَةَ اليَهُودِ في الدِّينِ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} [البَقَرَة: 62]. والاسمُ العَلَمُ قد يُتصَوَّرُ منه معنَى ما يَتَعاطاهُ المُسَمَّى به أي المَنْسُوبُ إليه، ثم يُشْتَقُّ منه. وهُودٌ، في الأصْلِ، جمعُ هائِد، أي تائِبٍ، وهو اسمُ النبيِّ (ع) الذي بُعثَ في قومِهِ عادٍ.
هور: يقالُ: هارَ البناءُ، وانهارَ: إذا سَقَطَ، وهارَ البناءَ: هَدَمَهُ، فهو لازمٌ ومتعدٍّ {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} [التّوبَة: 109]، {فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التّوبَة: 109] وقُرِىءَ: هارَ. يقالُ: بِئرٌ هائِرٌ وهارٌ وهارٍ ومُهارٌ. ويقالُ: انْهارَ فلانٌ، إذا سَقَطَ من مَكانٍ عالٍ. ورجُلٌ هارٍ وهائِرٌ: ضَعِيفٌ في أمْرِهِ، تشبيهاً بالبِئْرِ الهائِرِ. وتَهَوَّرَ الليلُ: اشْتَدَّ ظَلامُهُ. وتَهَوَّرَ الشِّتاءُ: ذَهَبَ أكْثَرُهُ، وقيلَ: تَهَيَّرَ. وقيلَ: تَهَيَّرَهُ فهذا من الياءِ، ولو كان من الواوِ لَقِيلَ: تَهَوَّرَهُ.
هون: الهَوانُ: على وَجْهَيْنِ: أحدُهُما: تَذَلُّلُ الإنسانِ في نَفْسِهِ لِما لا يُلْحِقُ به غَضاضَةً فَيُمْدَحُ به، نحوُ قولهِ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفُرقان: 63]، ونحوُ ما رُوِيَ عن النبيِّ (ص) : «المُؤْمِنُ هَيِّنٌ لَيِّنٌ»(97). الثانِي: أن يكون من جهة مُتسلّطٍ مُسْتخِفٍّ به فَيُذَمُّ به، وعلى الثانِي قولهُ تعالى: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأحقاف: 20]، {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} [فُصّلَت: 17]، {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ } [البَقَرَة: 90]، {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } [آل عِمرَان: 178]، {فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } [الحَجّ: 57]، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحَجّ: 18]. ويقالُ: هان الأمْرُ على فلان: سهُل {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مَريَم: 9]، {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرُّوم: 27]، {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً} [النُّور: 15].
هوى: الهوى: مَيْلُ النَّفْس إلى الشَّهْوةِ، ويقالُ ذلك للنَّفْسِ المائِلةِ إلى ذلك، وقيل: سُمِّي بذلك لأنه يهْوِي بصاحِبه في الدُّنْيا إلى كُلِّ داهِيَة، وفي الآخرةِ إلى الهاويةِ. والهُويُّ: سُقُوطٌ من عُلْوٍ إلى سُفْلٍ. وقولهُ عزَّ وجلَّ: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } [القَارعَة: 9] قيل: هو مِثْلُ قولِهم: هَوَتْ أُمُّهُ، أي ثَكِلَتْ، وقيل: معناهُ: مَقرُّهُ النارُ، والهاوِيَةُ هي النارُ. قال تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } [إبراهيم: 43] أي خالِيَةٌ، كقولِهِ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القَصَص: 10]. وقد عَظَّم اللَّهُ تعالى ذَمَّ اتِّباعِ الهَوَى، فقالَ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجَاثيَة: 23]، {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: 26]، {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: 28]. وقولهُ: {وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} [الرّعد: 37] فإنما قاله بِلَفْظِ الجمع تنبيهاً على أنَّ لِكُلِّ واحد هوًى غيرَ هَوَى الآخرِ، ثم هَوَى كُلِّ واحد لا يَتَنَاهى، فإذاً اتِّباعُ أهْوائِهِمْ نِهايَةُ الضَّلال والحَيْرَةِ. وقال عزَّ وجلَّ: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [الجَاثيَة: 18]، وقوله: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ} [الأنعَام: 71] أي حَمَلَتْهُ على اتِّباع الهَوَى. {وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا} [المَائدة: 77]، {قُلْ لاَ أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ} [الأنعَام: 56]، {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الشّورى: 15]، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القَصَص: 50]. والهُوِيُّ: ذَهابٌ في انْحِدارٍ. والهَويُّ: ذَهابٌ في ارْتِفاعٍ. قال الشاعِرُ:
يَهْوِي مَحارِمُها هُوِيَّ الأَجْدَلِ
والهَواءُ :ما بَيْنَ الأرضِ والسماءِ. وقد حُمِلَ على ذلك قولهُ: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } [إبراهيم: 43] إذْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الهَواءِ في الخَلاءِ. ورَأيْتُهُمْ يَتَهاوَوْنَ في المَهْواةِ: أي يَتَسَاقَطُونَ بعضَهم في أَثر بعضٍ. وأهْواهُ، أي رَفَعَهُ في الهَواءِ وأسْقَطَهُ: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى } [النّجْم: 53].
هيأ: الهَيْئَةُ: الحالة التي يكونُ عليها الشيءُ مَحْسُوسَةً كانتْ أو مَعْقُولَةً، لكنْ في المَحْسُوسِ أكثرُ {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عِمرَان: 49] .والمُهايأةُ: ما يَتَهَيَّأُ القومُ له فَيَتَرَاضَوْنَ عليه على وجْهِ التَّخْمِينِ. {وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } [الكهف: 10] أي: دُلَّنا على أمرٍ فيه نجاتُنا. {وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا } [الكهف: 16] أي: ويُصلح لكم أمرَكم.
هيت: هَيْتَ: قَرِيبٌ من هَلُمَّ، وقُرىءَ: هَيْتُ لَكَ، أي تَهَيَّأْتُ لَكَ. ويُقالُ: هَيْتَ به. وتَهَيَّتْ: إذا قالَتْ: هَيْتَ لَكَ {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يُوسُف: 23] أي: بادر إلى ما هو مهيَّأٌ لك.
هيج: يقالُ: هاج البَقْلُ يَهِيجُ: اصفَرَّ وطاب {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} [الحَديد: 20]. وأهْيَجت الأرَضُ: صار فيها كذلك. وهاجَ الدَّمُ والفَحْلُ هَيْجاً وهياجاً. وهَيَّجْتُ الشَّرَّ والحَرْبَ، والهَيْجاءُ: الحَرْبُ، وقد يُقْصَرُ. وهَيَّجْتُ البَعِيرَ: أثرْتُهُ.
هيل: هالَ هَيْلاً التُّرابَ وغيرَه: صَبَّهُ. وهالَ الرَّملَ: دَفعهُ لِيَنْهال. وهَيَّلَ الرملَ وغيرَه وأَهالَه: جَعَلهُ يَنهال. فالرملُ مهيلٌ ومُهال. ويقال: هلتُ الرَّمل أَهيلُه فهو مَهِيلٌ، إذا حُرِّك أسفلُه فسالَ أعلاه. وقوله: تعالى: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلاً } [المُزّمل: 14] أي رَمْلاً ينهار ويتناثر بسهولة، لأن الكثيب هو الرَّمل المجتمع الكثير.
هيم: يقالُ: رجُلٌ هَيْمانُ، وهائِمٌ: شَدِيدُ العَطَشِ. وهامَ على وَجْهِهِ، ذَهَبَ. وجمعهُ: هِيمٌ {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ } [الواقِعَة: 55]. والهُيامُ: داءٌ يأخُذُ الإِبلَ من العطَشِ، ويُضْرَبُ به المَثَلُ فِيمن اشْتَدَّ به العِشْقُ. {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } [الشُّعَرَاء: 225] أي في كُلِّ نَوْعٍ من الكلام يَغْلُونَ (الشعراء) في المَدْحِ والذَّمِّ وسائِرِ الأنْواعِ المُخْتَلِفاتِ. ومنه: الهائِمُ على وَجْهِهِ: المُخالِفُ لِلْقَصْدِ، الذاهِبُ على وَجْهِهِ. وهامَ: ذَهَبَ في الأرضِ، واشْتَدَّ عِشْقُهُ وعَطِشَ. والهِيمُ: الإِبلُ العِطاشُ، وكذلك الرِّمالُ تَبْتَلِعُ الماءَ. والهِيامُ من الرَّمْلِ: اليابِسُ، كأنَّ به عَطَشاً.
هيمن: أصلُ مُهَيْمِنٍ مُؤَيْمِنٍ فقُلِبَتِ الهَمْزَةُ هاءً، كما قيل في أَرَقْتُ الماءَ: هَرقْتُ الماءَ. وقد صُرِفَ فقيلَ: هَيْمَنَ الرَّجُلُ إذا صارَ رَقيباً على غَيرهِ، ومُسَيْطِراً عليه. وهَيْمَنَ الطَّيرُ على فِراخِهِ: حَفِظَها ورَفْرَفَ فوقَها. يُهَيْمِنُ هَيْمَنَةً فهو مُهَيْمِنٌ. قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المَائدة: 48] معناه: أمِيناً وحافِظاً ورقيباً على الكُتُبِ مِنْ قَبْلِهِ، وقيل مُؤْتَمَناً عليها. وأَمانَةُ القُرآنِ: أَنَّهُ ما كَانَ مُوافِقاً للقُرآنِ يَجِبُ التَّصديقُ بِهِ، وإلاَّ فلا. وقولُه تَعالى: {الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ} [الحَشر: 23] معناه القائِمُ بأُمورِ الْعِبادِ، أي الحافِظُ لَهُمْ، والرَّقيبُ عَليهِمْ.
هيهات: هَيْهاتَ: كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ لِتَبْعِيدِ الشيء، يقالُ: هَيْهاتَ هيهاتَ، وهَيْهاتاً، ومنه قولهُ عزَّ وجلَّ: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } [المؤمنون: 36] فإن تقديرَهُ: بَعُدَ الأمْرُ والوَعْدُ لِما تُوعَدُونَ.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢