نبذة عن حياة الكاتب
معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم

حَرْفُ الْحَاءِ
(ح)
حب: الحَبُّ والحَبَّةُ: يُقالُ في بِزْرِ الحِنْطَةِ والشَّعِير ونحوهِما مِن المَطْعُوماتِ، واحدتُهُ حَبَّة ج حُبوب. والحِبُّ والحِبَّة: يُقال في بُزُورِ البقول والرَّياحِينِ، واحده حِبَّة ج حَبٌّ {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ} [البَقَرَة: 261]، {وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعَام: 59]، {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعَام: 95]. وقولهُ تعالى: {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق: 9] أي الحِنْطَةَ وما يَجْري مجْرَاها مِمَّا يُحْصَدُ، وفي الحَدِيثِ «كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ»(53). والحِبُّ: مَن فَرَطَ حُبُّهُ. والحَبَبُ: تَنَضُّدُ الأسْنانِ تشبيهاً بالحَبِّ. والحَبابُ مِنَ المَاءِ: النُّفاخاتُ، تشبيهاً به. وحَبَّةُ القلبِ: العلقةُ السوداء التي تكونُ داخِلَهُ تشبيهاً بالحَيَّةِ في الهَيْئَةِ. وحَبَبْتُ فُلاناً، يُقالُ في الأصلِ بمَعْنَى: أصَبْتُ حَبَّةَ قلبهِ، نحوُ شَغَفْتُهُ وكَبَدْتُهُ وفأدْتُهُ. وأحْبَبْتُ فُلاناً: جَعَلْتُ قلبِي مُعَرَّضاً لِحُبِّه، لكِنْ في التَّعارُفِ وُضِعَ مَحْبُوبٌ مَوْضِعَ مُحِبٍّ، واسْتُعْمِلَ حَبَبْتُ أيضاً في مَوْضِعِ أحْبَبْتُ. والمَحَبَّةُ: إرادةُ ما تَراهُ أو تَظُنُّهُ خيراً، وهِيَ على ثَلاثةِ أوْجُهٍ: مَحَبَّةٍ للَّذةِ، كمَحَبَّةِ الرَّجُلِ المَرْأةَ، ومحبّة الطعام، ومنه {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً} [الإنسَان: 8] ومَحَبَّةٍ لِلنَّفْعِ كَمَحَبَّةِ شَيءٍ يَنْتَفِعُ به، ومنه {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصَّف: 13]، ومَحَبَّةٍ لِلفَضْلِ كَمَحَبَّةِ أهْلِ العِلْمِ بَعْضَهِمْ لِبَعْضٍ لأجْلِ العِلْمِ، وربَّما فُسِّرَتِ بالإرادَةِ في نحوِ قولِهِ تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التّوبَة: 108] وليسَ كذلك، فإِنّ المَحَبَّةَ أبْلَغُ مِنَ الإرادَةِ كما تقدّمَ آنِفاً فَكُلُّ مَحَبَّةٍ إرادَةٌ وليسَ كُلُّ إرادَةٍ مَحَبَّةً. وقولهُ عزَّ وجلَّ: {إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ} [التّوبَة: 23] أي إنْ آثَرُوهُ عليه، وحقيقةُ الاسْتِحْبابِ أنْ يَتَحَرَّى الإنسانُ في الشيءِ أن يُحِبَّهُ، واقْتَضَى تَعْدِيَتُهُ بِعَلَى معنَى الإِيثارِ، وعلى هذا قولُهُ تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا} [فُصّلَت: 17].. الآيَةَ، وقولُهُ تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المَائدة: 54] فَمَحَبَّةُ اللَّهِ تعالى للعَبْدِ: إنْعامُهُ عليه، ومَحَبَّةُ العَبْدِ له: طلبُ الزُّلْفَى لَدَيْهِ. وقولُهُ تعالى: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} [ص: 32] فمعناهُ أحْبَبْتُ الخَيْلَ حُبِّي لِلخَيْر. وقولُهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البَقَرَة: 222] أي يُثِيبُهُمْ ويُنْعِمُ عليهمْ، وقال: {لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البَقَرَة: 276]. وقولُهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمَان: 18] تنبيه أنه بارْتِكابِ الآثامِ يَصِيرُ بِحيثُ لا يَتُوبُ لتَماديهِ في ذلك، وإذا لم يَتُبْ لم يُحِبَّهُ اللَّهُ المَحبَّةَ التي وَعَدَ بها التوّابِينَ والمُتَطَهِّرينَ، وحَبَّبَ اللَّهُ إلَيَّ كذا.. قال اللَّهُ تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ} [الحُجرَات: 7]. وأحَبَّ البَعِيرُ، إذا حَرَنَ ولَزمَ مَكانَهُ كأنه أحَبَّ المكانَ الذي وقَفَ فيه. وحَبابُكَ أنْ تَفْعَلَ كذا، أي غايَةُ مَحَبَّتِكَ ذلك.
حبر: الحِبْرُ: الأثَر المُسْتَحْسَنُ، ومنه ما رُوِيَ: يَخْرُجُ مِنَ النارِ رَجُلٌ قد ذَهَبَ حِبْرُهُ وسِبْرُهُ، أي جَمالُهُ وبَهاؤُهُ، ومنه سُمِّيَ الحِبْرُ: المِدادُ أو الوَشْيُ، وشاعِرٌ مُحَبِّرٌ، وشِعْرٌ مُحَبَّرٌ، وثوبٌ حَبيرٌ: مُحَسَّنٌ، وحُبِرَ فُلانٌ: بَقِيَ بِجِلْدِهِ أثَرٌ مِنْ قَرْحٍ. والحَبْرُ: العالِمُ، وجَمْعُهُ أحْبارٌ لِمَا يَبْقَى مِنْ أثَر عُلُومِهِمْ في قلوبِ الناسِ ومِنْ آثارِ أفْعالِهِم الحَسَنَةِ المُقْتَدَى بها {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التّوبَة: 31] وإلى هذا المعنَى أشارَ عليُّ بنُ أبي طالب رضيَ اللَّهُ عنه بقولِهِ «العُلَماءُ باقونَ ما بَقِيَ الدَّهْرُ أعيانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وآثارُهُمْ في القلوبِ مَوْجُودَةٌ». وقولُهُ عَزَّ وجلَّ: {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الرُّوم: 15] من الحبور، أي يَفْرَحُونَ حتى يَظْهَرَ عليهم حَبارُ نَعِيمِهِمْ.
حبس: الحَبْسُ: المَنْعُ مِنَ الانْبِعاثِ. {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ} [المَائدة: 106] أي تَمْنَعونهما (يعني الشاهدينِ على الوصيَّةِ) مِنَ الذهابِ حتَّى يُقسِما ألاَّ يَقولا إلاَّ الحقَّ. والحَبْسُ: السِّجن، ومَصْنَعُ المَاءِ الذي يَحْبِسُهُ، والأحباسُ جَمْعٌ. والتَّحْبِيسُ: جَعْلُ الشيء مَوْقُوفاً على التَّأبِيدِ، يقال: هذا حَبِيسٌ في سَبِيلِ اللَّهِ.
حبط: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البَقَرَة: 217]، {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعَام: 88]، {وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} [محَمَّد: 32]، {لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزُّمَر: 65]، {فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} [الأحزَاب: 19]. وحَبْطُ العَمَلِ على أوجه: أحَدُها أنْ تَكُونَ الأعْمالُ دنْيَويَّةً فلا تُغْنِي في القِيامَةِ غِناءً كما أشارَ إليه بقولِهِ {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفُرقان: 23]. والثانِي أنْ تَكُونَ أعْمالاً أخْرَوِيَّةً لكِنْ لم يَقْصِدْ بها صاحِبُها وجْهَ اللَّهِ تعالى كما رُوِيَ أنَّهُ يُؤْتَى يومَ القيامَةِ برجُلٍ تعلَّمَ العلمَ وعلّمهُ وقرأ القرآنَ، فَعرّفه نعمهُ فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عنك عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحبَ على وجهه حتّى أُلقيَ في النار»(54). وَهذِهِ تَكُونُ بِمَعْنى: بَطُلَتْ أَعْمالُهُمْ لأَنَّهُمْ أَوْقعُوهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لا يَسْتَحِقُّونَ لأَجْلِهِ الثَّوَابَ عَلَيْها عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. والثالِثُ أنْ تَكُونَ أعْمالاً صالِحةً، ولكِنْ بإزائِها سَيِّئاتٌ تُوفِّي عليها، وذلك هو المشارُ إليه بِخِفَّةِ المِيزانِ.
حبك: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذّاريَات: 7] أي ذاتُ الطَّرَائِقِ، فَمِنَ الناسِ مَنْ تَصَوَّرَ مِنْها الطَّرَائقَ المَحْسوسَةَ بالنُّجُومِ والمَجَرَّةِ، ومِنْهُمْ مَنِ اعْتَبَرَ ذلك بما فيه مِنَ الطَّرائِقِ المَعْقولَةِ المُدْرَكَةِ بِالبَصِيرَةِ، وإلى ذلك أشارَ تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا} [آل عِمرَان: 191] الآية. وأصْلُهُ مِنْ قولِهِمْ: بَعِيرٌ مَحْبوكُ القَرا، أي الظَّهر. والاحْتباكُ: شَدُّ الإِزار. والحَبْكُ: حُسْنُ أَثَرِ الصَّنعة في الشيء، يقال حَبَكَه يَحبِكُه ويَحْبُكُهُ: أَجادَ نَسْجَهُ.
حبل: الحبل معروف: الرباط {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المَسَد: 5]. وشُبِّهَ به مِنْ حيثُ الهَيْئَةُ حَبْلُ الورِيدِ، وحَبْلُ العاتِقِ، والحَبْلُ: المُسْتَطِيلُ مِنَ الرَّمْلِ، واسْتُعِيرَ للوَصْلِ ولِكُلِّ ما يُتَوَصَّلُ به إلى شيءٍ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عِمرَان: 103] فَحَبْلُهُ هو الذي مَعَهُ التَّوَصُّلُ به إليه مِن القُرآنِ والعَقْلِ وغير ذلك مِمَّا إذا اعْتَصَمْتَ به أدّاكَ إلى جِوارِهِ. ويُقالُ لِلعَهْدِ حَبْلٌ، وقولُهُ تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عِمرَان: 112] ففيه تَنْبِيهٌ أنّ الكافِرَ يَحْتاجُ إلى عَهْدَيْنِ: عَهْدٍ مِنَ اللَّهِ وهو أنْ يكونَ مِنْ أهْلِ كِتابٍ أنْزَلَهُ اللَّهُ تعالى وإلا لم يُقَرَّ على دِينِهِ ولم يُجْعَلْ في ذِمَّةٍ، وإلى عَهْدٍ مِنَ الناسِ يَبْذُلُونَهُ له.
حتم: حَتَمَ حَتْماً الأمرُ، وحتَم عليه: قَضاهُ وأَوجبَهُ. الحتمُ: القضاءُ المُقدر، وقولُه تعالى: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مَريَم: 71] أي: كائِناً قد قضى بأن يكون، فمعناه: أوجب الله على نفسِه من طريق الحِكْمة. الحاتِمُ: القاضي الموجب للحكم.
حتى: حتى: حَرْفٌ يُجَرُّ به تارَةً كـ (إلى)، لكِنْ يَدْخُلُ الحَدُّ المذكورُ بَعْدَهُ في حُكمِ ما قَبْلَهُ، ويُعْطَفُ به تارَةً، ويُسْتَأنَفُ به تارَةً نحوُ: أكَلْتُ السَّمكَةَ حتى رأْسِها ورأسَها ورأسُها {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يُوسُف: 35]، {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القَدر: 5]. ويدْخُلُ على الفِعْلِ المُضارِعِ فَيُنْصَبُ ويُرْفَعُ، وفي كُلِّ واحِدٍ وجْهانِ: فأحَدُ وجْهَيِ النَّصْبِ: إلى أنْ، والثانِي: كَيْ، وأحَدُ وجْهَيِ الرَّفْعِ أنْ يكونَ الفِعْلُ قَبْلَهُ ماضِياً، نحوُ مَشَيْتُ حتى أدْخُلُ البَصْرَةَ.
حثَّ: حثَّهُ حثّاً: أعجلَه، وأحثَّهُ واستَحَثَّهُ على الأمر: حضَّه وندَبه إليه. والحثيث: السريع الجادّ في أمره. ويقال ولَّى حثيثاً، أي مسرعاً. وقوله تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الأعرَاف: 54] أي يتلُوه فيدركه سريعاً. يعني يأتي بأحدهما بعد الآخَر فيجعل ظُلمةَ اللَّيل بمنزلةِ الغشاوةِ للنهارِ ويأتي بأثره مسرعاً كما يأتي الشيءُ في أثر الشيء طالباً إياه.
حج: أصْلُ الحَجِّ: القَصْدُ لِلزيَارَةِ، قال الشاعِرُ:
يَحُجُّونَ بَيْتَ الزِّبْرقانِ المُعَصْفَرا
وخُصَّ في تَعارُفِ الشَّرْعِ بِقَصْدِ بَيْتِ اللَّهِ تعالَى إقامَةً للنُّسُكِ، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عِمرَان: 97]، ويومُ الحَجِّ الأكْبَر: يومُ النَّحْرِ ويومُ عَرَفَةَ، ورُويَ: العُمْرَةُ الحجُّ الأصْغَرُ. والحُجَّةُ: الدَّلالَةُ المُبَيِّنةُ للمَحَجَّةِ، أي المَقْصِدِ المُسْتَقِيم والذي يَقْتَضِي صِحَّةَ أحَدِ النَّقيضين {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعَام: 149]، {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البَقَرَة: 150] فَجَعَلَ ما يَحْتَجُّ بها الذينَ ظَلَمُوا مُسْتَثْنًى مِنَ الحجَّةِ وإنْ لم يَكُنْ حُجَّةٌ كقول الشاعِرِ:
ولا عَيْبَ فِيهمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِراعِ الكَتائِبِ
ويجوزُ أنه سمِّيَ ما يَحْتَجُّونَ به حُجَّةً، كقوله: {وَالَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الشّورى: 16] فَسَمَّى الدَّاحِضَةَ حُجَّةً ولكنها حجّةٌ باطلة، وقوله تعالى: {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [الشّورى: 15] أي لا احْتِجاجَ لِظُهورِ البيانِ. والمُحاجَّةُ: أنْ يَطْلُبَ كُلُّ واحِدٍ أنْ يَرُدَّ الآخَرَ عن حُجَّتِهِ ومَحَجَّتِهِ، قال تعالى: {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَآجُّونِّي فِي اللَّهِ} [الأنعَام: 80]، {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [آل عِمرَان: 61]، أي فمن جادلكَ في أمر عيسى ابن مريم من بعد ما جاءك من العلم بحقيقته، من حيث كونُه بشراً، ونبيّاً رسولاً. وقال تعالى: {لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ} [آل عِمرَان: 65] وقال العليم الحكيم: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلاَءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [آل عِمرَان: 66]، {فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [آل عِمرَان: 66]، وقال تعالى: {وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي النَّارِ} [غَافر: 47] وسُمِّي سَبْرُ الجِراحَةِ حَجّاً، قال الشاعِرُ:
يَحُجُّ مأمومةً في قَعْرها لَجَفُ
حجب: الحَجْبُ والحِجابُ: المَنْعُ مِنَ الوُصُولِ، يقالُ حَجَبَهُ حَجْباً وحِجاباً. وحِجابُ الجَوْفِ: ما يَحْجُبُ عن الفُؤادِ، وقولُهُ تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} [الأعرَاف: 46] لَيْسَ يَعْنِي به ما يَحْجُبُ البَصَرَ، وإنَّما يَعْنِي ما يَمْنَعُ مِنْ وصُولِ نعيمِ أهْلِ الجَنَّةِ إلى أهْلِ النارِ وعذابِ أهْلِ النارِ إلى أهْل الجَنَّةِ، كَقولِهِ عزَّ وجلَّ: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحَديد: 13]. وقال عزَّ وجلَّ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشّورى: 51] أيْ مِنْ حَيْثُ ما لا يراهُ مُكَلَّمُهُ ومُبَلَّغُهُ. وقوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] يَعْنِي: الشَّمْسُ إذا اسْتَتَرَتْ بالمَغيبِ. والحاجِبُ: المانِعُ عنِ السُّلْطانِ. والحاجِبانِ في الرَّأسِ، لكونِهما كالحاجِبَيْنِ للعَينينِ في الذبِّ عنهما. وحاجِبُ الشَّمْسِ، سُمِّي لتَقَدُّمِهِ عليها تَقَدُّمَ الحاجِبِ للسُّلطانِ. وقوله عزَّ وجلَّ: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطفّفِين: 15] إشارَةٌ إلى مَنْعِ النُّورِ عنهم المشارِ إليه بقولِهِ: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ} [الحَديد: 13].
حجر: الحَجَرُ: الجَوْهَرُ الصُّلْبُ المعروفُ، وجَمْعُهُ أحْجَارٌ وحِجارَةٌ. وقولُهُ تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البَقَرَة: 24] قِيلَ هِيَ حِجارَةُ الكِبْريتِ، وقِيلَ بَلِ الحِجارَةُ بِعَيْنِها، ونَبَّهَ بذلك على عِظَمِ حالِ تِلْكَ النارِ، وأنها مِمَّا تُوقَدُ بالناسِ والحِجارَةِ خِلافَ نارِ الدُّنْيا إذْ هِيَ لا يُمْكِنُ أنْ تُوقَدَ بالحِجارَةِ وإنْ كانَتْ بَعْدَ الإيقادِ قد تُؤَثِّرُ فيها، وقِيلَ: أرادَ بالحِجَارَةِ الذينَ هُمْ في صَلابَتِهمْ عن قَبُولِ الحَقِّ كالحِجارَةِ كَمَنْ وصَفَهُمْ بِقولِهِ: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البَقَرَة: 74]. والحَجْرُ والتَّحْجِيرُ: أنْ يُجْعَلَ حَوْلَ المَكانِ حِجارَةٌ، يُقالُ حَجَرْتُهُ حَجْراً فهو مَحْجُورٌ، وحَجَّرْتُهُ تَحْجِيراً، فهو مُحَجَّرٌ. وسُمِّيَ ما أحِيطَ به الحِجارَةُ حِجْراً، وبه سُمِّيَ حِجْرُ الكَعْبَةِ ودِيارُ ثَمُودَ {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحِجر: 80]. وتُصُوِّرَ مِنَ الحَجْر معنَى المَنْعِ لِمَا يَحْصُلُ فيه، فقِيلَ لِلعَقْلِ حِجْرٌ كونَ الإِنْسانِ في مَنْعٍ منه مِمَّا تَدْعُو إليه نَفْسُهُ، وقال تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حْجِرٍ} [الفَجر: 5] قال المُبَرِّدُ: يُقال لِلأنْثَى مِنَ الفَرَسِ حِجْرٌ، لكونِها مُشْتَمِلَةً على ما في بَطْنِها مِنَ الوَلَدِ. والحِجْرُ: المَمْنُوعُ منهُ بِتَحْريمِهِ. قال تعالى: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعَام: 138]، {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفُرقان: 22] إذ كان الرَّجُلُ في الجاهلية يَلْقى الرجلَ يخافُهُ في الشهر الحرام فيقول «حِجْراً محجُوراً» أي حرامٌ محرَّمٌ عليك، فَذَكَرَ تعالى أنّ الكُفَّارَ إذا رَأوا المَلائكةَ في الآخرة قالُوا ذلك ظَنّاً أنه يَنْفَعُهُمْ. قال تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفُرقان: 53] أي مَنْعاً لا سبيلَ إلى رَفعِهِ ودَفْعِهِ. وفُلانٌ في حِجْر فلانٍ، أي في مَنْعٍ منه عنِ التَّصَرُّفِ في مالهِ وكَثِير مِنْ أحْوالِهِ، وجَمْعُهُ حُجُورٌ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النِّسَاء: 23]. وحِجْرُ القَمِيصِ أيضاً: اسْمٌ لما يُجْعَلُ فيه الشيءُ فَيُمْنَعُ، وتُصُوِّرَ مِنَ الحِجْر دَوَرَانُهُ فقيلَ حُجِرتْ عَيْنُ الفَرَسِ، إذا وُسِمَتْ حَوْلَها بِميسمٍ، وحُجِّرَ القَمَرُ: صارَ حَوْلَهُ دَائِرَةٌ. والحَجُّورَةُ: لُعْبَةٌ لِلصِّبْيانِ حيث يَخُطُّونَ خَطّاً مُسْتَدِيراً. ومَحْجِرُ العَيْنِ منه. وتَحَجَّرَ كذا: تَصَلَّبَ، وصارَ كالأحْجارِ. والأحجارُ: بُطُونٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ سُمُّوا بذلكَ لِقومٍ منهمْ أسْماؤُهُمْ جَنْدَلٌ وحَجَرٌ وصَخْرٌ.
حجز: الحَجْزُ: المَنْعُ بَيْنَ الشيْئَينِ بِفاصِلٍ بَيْنَهُما يُقالُ: حَجَزَ بَيْنَهُما. قال تعالى {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} [النَّمل: 61]. والحجازُ سُمِّيَ بذلك لِكونِهِ حاجِزاً بَيْنَ الشامِ والبادِيَةِ. قال تعالى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحَاقَّة: 47] فقولُهُ حاجِزينَ صِفَةٌ لـ (أحَدٍ) في مَوْضِعِ الجَمْعِ. والحِجَازُ: حَبْلٌ يُشَدُّ مِنْ حِقْو البَعِير إلى رُسْغِهِ، وتُصُوِّرَ منه معنَى الجمعِ فقيلَ: احْتَجَزَ فُلانٌ عن كذا، واحْتَجَزَ بإِزارِهِ، ومنه: حُجْزَةُ السَّرَاوِيلِ. وقِيلَ: «إنْ أرَدْتُمُ المُحاجَزَةَ فَقَبْلَ المُناجَزَةِ»، أي المُمانَعَةُ قَبْلَ المُحارَبَةِ. وهو في الأصل مثَلٌ معناه: انْجُ بنفسِكَ قبلَ لقاءِ مَنْ لا تستطيعُ مقاومَتَهُ.
حدب: الحَدَب: مصدر حَدِبَ، وهو المرتفع من الأرض، والحَدَبُ دخول الصدر وخروج الظهر والبطن، ويقال حَدِبَ الرجُلُ حَدَباً فهو أحْدَبُ، واحْدَوْدبَ الرجل، وناقةٌ حدْباءُ: تشبيهاً به. وقوله تعالى: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبيَاء: 96] يعني أن يأجوج ومأجوج من كل مُشْرفٍ أو مرتفعٍ من الأرض يُسرعون.
حدث: الحُدُوثُ: كونُ الشيءِ بَعْدَ أنْ لم يكنْ، عَرَضاً كان ذلك أو جَوْهَراً، أي نقيضُ القِدَمِ. وإحْداثُهُ: إيجادُهُ، وإحْدَاثُ الجَواهِر ليسَ إلاَّ للَّهِ تعالى. والمُحْدَثُ: ما لم يكن معروفاً في كتابٍ ولا سنةٍ ولا إجماع؛ وما أوجِدَ بَعْدَ أنْ لم يكنْ، وذلك إمّا في ذاتِهِ أو في إحْدَاثِهِ عِنْدَ مَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ، نحوُ أحْدَثْتُ مِلْكاً {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبيَاء: 2]. ويُقالُ لِكُلِّ ما قَرُبَ عَهْدُهُ مُحْدَثٌ، فِعْلاً كان أو مَقالاً {حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: 70]، {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطّلاَق: 1]. وكُلُّ كلامٍ يَبْلُغُ الإنْسانَ مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ أو الوَحْيِ في يَقَظَتِهِ أو مَنامِهِ يُقالُ له حديثٌ {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التّحْريم: 3]. {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغَاشِيَة: 1]. وقال عزَّ وجلَّ على لسان يوسف (ع) : {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} [يُوسُف: 101] أيْ ما يُحَدَّثُ به الإنْسانُ في نومِهِ. وسَمَّى تعالى كتابَهُ حَدِيثاً فقال: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطُّور: 34]، {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} [النّجْم: 59]، {فَمَالِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النِّسَاء: 78]، {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعَام: 68] {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجَاثيَة: 6]، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النِّسَاء: 87]. وقولُهُ عَزَّ وجلَّ: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [سَبَإ: 19] معناه: إنا صيَّرناهم حيث لم يبقَ بين الناس منهم إلا حديثُهمُ. أيْ أخْباراً يُتَمَثَّلُ بِهِمْ. والحَدِيثُ: الطَّريُّ مِنَ الثِّمارِ. ورَجُلٌ حَدُوثٌ: حَسَنُ الحَدِيثِ. وهو حِدْثُ النِّساءِ، أي مُحادِثُهُنّ، وحادَثْتُهُ وحَدَّثْتُهُ وتَحادَثُوا وصارَ أحْدُوثَةً. ورجلٌ حَدَثٌ أي حَدِيثُ السِّنِّ. والحادِثَةُ: النَّازِلَةُ العارِضَةُ، وجَمْعُها حَوادِثُ.
حدّ: الحَدُّ: الحاجِزُ بَيْنَ الشيْئَيْنِ الذي يَمْنَعُ اخْتِلاطَ أحَدِهِما بالآخَرِ. يُقالُ: حَدَدْتُ كذا: جَعَلْتُ له حَدّاً يُمَيِّزُهُ. وحَدُّ الدارِ: ما تَتَمَيّزُ به عن غيرها. وحَدُّ الشيءِ: الوَصْفُ المُحِيطُ بِمَعْناهُ المُمَيِّزُ له عن غيرهِ. وحَدُّ الزِّنَى والخمر: سُمِّيَ به لكونِهِ مانِعاً لمُتَعاطِيهِ عن مُعاوَدَةِ مِثْلِهِ، ومانِعاً لغيرهِ أنْ يَسْلكَ مَسْلَكَهُ {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} [الطّلاَق: 1]، {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [البَقَرَة: 229]، {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [التّوبَة: 97] أي أحْكامَهُ، وقِيلَ حَقائِقَ مَعانِيهِ. وحُدُودِ اللَّهِ منها ما لا يَجُوزُ أنْ يُتَعَدَّى بالزِّيادَةِ عليه ولا القُصُورِ عنه كأعْدَادِ ركَعاتِ صَلاةِ الفَرْضِ، ومنها ما تَجُوزُ الزيادَةُ عليه ولا يَجُوزُ النُّقْصانُ منه، كالزكاة. وقولهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجَادلة: 5] أي يُمانِعُونَ ويتعدّون حدود الله التي حدّها. والحدِيدُ: المَعْدِنُ المعروف {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحَديد: 25] وحَدَّدتُ السِّكِّينَ: رَقَّقْتُ حَدَّهُ. وأحدَدْتُهُ: جعلتُ له حدّاً. ثم يُقالُ لِكُلِّ ما دَقَّ في نَفْسِهِ مِنْ حيثُ الخِلْقَة أو مِنْ حيثُ المعنَى كالبَصَر والبَصِيرَة حدِيدٌ، فَيُقالُ: هو حَدِيدُ النَّظَر، وحَدِيدُ الفَهْمِ {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22] ويقالُ: لِسانٌ حَدِيدٌ، نحوُ لِسانٌ صارِمٌ وماضٍ، وذلك إذا كان يُؤَثِّرُ تَأثِيرَ الحَدِيدِ {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزَاب: 19]. ولِتَصَوُّرِ المَنْعِ سُمِّيَ البَوَّابُ حَدَّاداً. وقِيلَ: رَجُلٌ مَحْدُودٌ: في الفهم أو في الرزق.
حدق: {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ} [النَّمل: 60]، {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} [النّبَإِ: 32]، و {وَحَدَائِقَ غُلْبًا} [عَبَسَ: 30] أي حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ، جَمْعُ حَدِيقَةٍ، وهي قِطْعَةٌ مِنَ الأرْضِ ذاتُ ماءٍ، سُمِّيَتْ تَشْبِيهاً بِحَدَقَةِ العَيْنِ في الهَيْئَةِ وحُصولِ الماءِ فيها. وجَمْعُ الحَدَقَةِ: حِداقٌ وأحْداقٌ. وحَدَّقَ تَحْدِيقاً: شَدَّدَ النظَرَ. وحَدَقُوا به وأحْدَقُوا: أحاطُوا به، تَشْبِيهاً باستدارة الحَدَقَةِ.
حذر: الحَذَرُ: احْتِرازٌ عن مُخِيفٍ، يقال: حَذِرَ حَذَراً، وحَذِرْتُهُ {يَحْذَرُ الآخِرَةَ} [الزُّمَر: 9]، وقُرِىءَ {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشُّعَرَاء: 56] أي مُتَأَهِّبونَ كأنهم يحذرون أن يُفَاجَأوا، وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عِمرَان: 28] وقال عزَّ وجلَّ: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النِّسَاء: 71] أي ما فِيهِ الحَذَرُ مِنَ السِّلاحِ وغَيْرهِ أي التحرُّزُ والاستعدادُ. قال تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنَافِقون: 4] وقال: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التّغَابُن: 14]. وحَذارِ حَذارِ يا فلان، أي احْذَرْ، نحوُ مَناعِ، أي امْنَعْ. وحَذَارِ: اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ قِياسِيٌّ.
حرّ: الحَرارَةُ: ضِدُّ البُرودَةِ، وذلك ضَرْبانِ: حَرارَةٌ عارِضَةٌ في الهَواءِ مِنَ الأجْسامِ المَحْمِيَّةِ كَحَرارَةِ الشَّمْسِ والنارِ، وحَرارَةٌ عارِضةٌ في البَدنِ مِنَ الطَّبِيعَةِ كَحرارَةِ المَحْمُومِ. يقال: حَرَّ يَوْمُنا، فهو محرور، والرِّيحُ يَحَرُّ حَرّاً وحَرارَةً، وحَرَّ يَوْمُنا فَهُوَ مَحْرُورٌ، وكذا حَرَّ الرَّجُلُ. قال تعالى: {لاَ تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [التّوبَة: 81]. والحَرُورُ: الرِّيحُ الحارَّةُ {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [فَاطِر: 12]. واسْتَحَرَّ القَيْظُ: اشْتَدَّ حَرُّهُ. والحَرَرُ: يُبْسٌ عارِضٌ في الكبِدِ مِنَ العَطَشِ. والحَرَّةُ: الواحِدَةُ مِنَ الحَرِّ. يقال: حَرَّةٌ تَحْتَ قِرَّةٍ. والحَرَّةُ: أيْضاً حِجارَةٌ تَسْوَدُّ مِنْ حَرارَةٍ تَعْرضُ فيها. وعن ذلك اسْتُعِيرَ: اسْتَحَرَّ القَتْلُ: اشْتَدَّ. وحَرُّ العَمَلِ: شِدَّتُهُ. وقولهم: «أشدُّ العطشِ حَرَّةٌ على قِرّة». وفي الدعاء: «سلَّط الله عليه الحَرَّة تحت القِرَّة». قال اللحياني في معناه: رماه الله بالعَطَشِ والبَرْدِ. والحُرُّ: خِلافُ العَبْدِ: يقالُ حُرٌّ بَيِّنُ الحَرُورِيَّةِ والحُرورَةِ. والحُرِّيَّةُ نوعان: الأوّلُ مَنْ لم يَجْر عليه حُكْمُ الشيءِ نحوُ: الحُرُّ بالحُرِّ، والثانِي مَنْ لم تَتَملَّكْهُ الصِّفاتُ الذَّمِيمَةُ مِنَ الحِرْصِ والشَّرَهِ على المُقْتَنَياتِ الدُّنْيَويَّةِ. وإلى العُبُودِيَّةِ التي تُضادُّ ذلك أشارَ النبيُّ (ص) بقولِهِ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينارِ»(55) وقولُ الشاعِر:
ورِقُّ ذوِي الأطْماعِ رِقٌّ مُخَلَّدٌ
وقِيلَ: عَبْدُ الشَّهْوَةِ أذلُّ مِنْ عَبْدِ الرِّقِ. والتحريرُ: جَعْلُ الإِنْسانِ حُرّاً: فَمِنَ الأوّلِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النِّسَاء: 92] ومِن الثاني {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عِمرَان: 35] قِيلَ هي (زوجة عمران) جعلت جنينَها بعد ولادتِهِ بِحَيْثُ لا تَنْتَفِعُ به الانْتِفاعَ الدّنْيَويَّ المذكورَ في قولِهِ عزَّ وجلَّ: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النّحل: 72] بَلْ جَعَلَتْهُ مُخْلَصاً لِلعبادَةِ، ولهذا قال الشَّعْبِيُّ: معناهُ: مُخْلَصاً، وقال مُجاهِدٌ: خادِماً لِلبَيْعَةِ، وقال جَعْفَرٌ: مُعْتَقاً مِنْ أمْرِ الدنْيا، وكُلُّ ذلك إشارةٌ إلى معنًى واحِدٍ. وحَرَّرْتُ القَومَ: أطْلَقتُهُمْ وأعْتَقْتُهُمْ عن أسْر الحَبْسِ. وحُرّ الوَجْهِ: ما لم تَسْتَرقَّهُ الحاجةُ. وحُرُّ الدَّارِ: وَسَطُها. وقولُ الشاعِر:
جادَتْ عليه كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ
وباتَتِ المَرْأةُ بِلَيْلَةٍ حُرَّةٍ، كُلُّ ذلك اسْتِعارَةٌ. والحَريرُ مِنَ الثِّيابِ: قماشٌ رقيقٌ مصنوع من خيوط دودة الحرير {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحَجّ: 23] أي لباسهم في الجنة حرير.
حرب: الحَرْبُ: معروفٌ، وهو القتالُ بين أفراد أو جماعات. والحَرْبُ: السَّلَبُ في الحَرْبِ ثم قد يُسَمّى كُلُّ سَلَبٍ حَرْباً. وقد حُرِبَ فهو حَريبٌ، أي سَلِيبٌ. والتَّحْريبُ: إثارَةُ الحَرْبِ. ورجُلٌ مِحْرَبٌ: كأنه آلَةٌ في الحَرْبِ. والحَرْبَةُ: آلَةٌ للحَرْبِ معروفَةٌ، وأصلُهُ الفَعْلَةُ مِنَ الحَرْبِ أو مِنَ الحِرَابِ. ومِحرَابُ المَسجِدِ: قِيلَ سمي بذلك لأنه مَوْضِعُ مُحارَبَةِ الشيطان والهوَى، وقِيلَ سُمِّيَ بذلك لِكونِ حَقِّ الإِنْسانِ فيه أنْ يكونَ حَريباً مِنْ أشْغالِ الدّنْيا ومِنْ تَوَزُّعِ الخواطِرِ، وقِيلَ: الأصلُ فيه أنّ مِحْرَابَ البَيْتِ صَدْرُ المَجْلِسِ ثم اتُّخِذَتِ المَساجِدُ فَسُمِّيَ صَدْرُهُ به، وقِيلَ بل المِحرابُ أصلُهُ في المسجِدِ، وهو اسْمٌ خُصَّ به صَدْرُ المجلِسِ فَسُمِّيَ صَدْرُ البَيْتِ مِحْرَاباً تشبيهاً بِمِحْرَابِ المسجِدِ، وكأنّ هذا أصَحّ. قال عزَّ وجلَّ: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} [سَبَإ: 13]. والحِرْباءُ: دُوَيْبةٌ تَتَلَقَّى الشمسَ برأْسِها وتَكُونُ معها كيفما دَارَتْ وتتلوَّنُ أَلْواناً تبحِّرها فَكَأنَّها تُحارِبُها. والحِرْباءُ: مِسْمارُ الدِّرْعِ تشبيهاً بالحِرْباءِ التي هِي دُوَيْبَّةٌ في الهَيْئَةِ، كقولِهِمْ في مِثْلِها: ضَبَّةٌ وكَلْبٌ، تشبيهاً بالضَّبِّ والكَلْبِ.
حرث: الحَرْثُ: إلْقاءُ البَذْرِ في الأرضِ وَتَهيئتها للزَّرْعِ، ويُسَمَّى المحْرُوثُ حَرْثاً {أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ} [القَلَم: 22]. وتُصُوِّرَ منه العِمَارَةُ التي تَحْصُلُ عنه في قولِهِ تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشّورى: 20]. وقد ذُكِرَ في مكارِمِ الشَّرِيعَةِ كَوْنُ الدُّنْيا مَحْرَثاً للناسِ وكَوْنُهُمْ حُرَّاثاً فِيها وكَيْفيَّة حَرْثِهِمْ. ورُوِيَ: أصدَقُ الأسْماءِ الحارِثُ(56)، وذلك لِتَصَوُّرِ معنَى الكَسْبِ منه. ورُوِيَ: احْرُثْ في دُنْياكَ لآخِرَتِكَ(57). وتُصُوِّرَ معنَى التَّهَيُّجِ مِنْ حَرْثِ الأرْضِ، فقيلَ: حَرَثْتُ النارَ، ولِمَا تُهَيَّجُ به النارُ مِحْرَثٌ. ويقال: حَرَثَ القُرْآنَ، أي أكْثَرَ تِلاوَتَهُ وأطالَ دراستَهُ وتَدَبُّرَهُ. وحَرَثَ ناقَتَهُ وَأَحْرَثها، إذا اسْتَعْمَلَها. وقال مُعاوِيَةُ للأنْصارِ: ما فَعَلَتْ نواضِحُكُمْ؟ قالوا: «أَحْرَثْناها يومَ بَدْرٍ» أي أَهْزَلْنَاهَا. وقال عزَّ وجلَّ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البَقَرَة: 223] وذلك في سَبيلِ التَّشْبيهِ، فبالنّساءِ زَرْعُ ما فيه بَقاءُ نَوْعِ الإنسان كما أن بالأرضِ زَرْعَ ما به بقاءُ أشْخاصِهِمْ. وقولُهُ عَزَّ وجلَّ: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البَقَرَة: 205] يَتَنَاوَلُ الحَرْثَيْنِ.
حرج: أصلُ الحَرَجِ والحَرَاجِ مُجْتَمَعُ الشيءِ، وتُصُوِّرَ منه ضِيقٌ ما بينهما، فَقِيلَ لِلضِّيقِ حَرَجٌ وللإثْمِ حَرَجٌ {ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} [النِّسَاء: 65]، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحَجّ: 78]: وقد حَرِجَ صَدْرُهُ {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعَام: 125] وقُرىءَ حَرِجاً، أي ضَيِّقاً بِكُفْرِهِ لأنّ الكُفْرَ لا يَكادُ تَسْكُنُ إليه النفْسُ لِكونِهِ اعْتِقاداً عن ظَنٍّ، وقِيلَ ضَيِّقٌ بالإسْلام كما قالَ تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البَقَرَة: 7]، وقَوْلُهُ تعالى: {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} [الأعرَاف: 2] قيلَ هو نَهْيٌ، وقِيلَ هو دُعاءٌ، وقِيلَ هو حُكْمٌ منه نحوُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشَّرح: 1]: والمُنْحَرِجُ والمُنْحَوِبُ: المُتَجَنَّبُ مِنَ الحَرَجِ والحَوَبِ.
حرد: الحَرْدُ: المَنْعُ عن حِدّةٍ وغَضَبٍ {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ *} [القَلَم: 25] أي على امْتِناعٍ من إعطاء الفقراء والمساكين نصيباً من حرثهم، وهم في حالة غضب ولكنهم مقتدرون على عدم العطاء. ونَزَلَ فُلانٌ حَريداً، أي مُتَمَنّعاً عن مُخَالَطَةِ القومِ، وهو حَريدُ المَحَلِّ. وحارَدَتِ السَّنَةُ: مَنَعَتْ قَطْرَها، والنّاقةُ: مَنَعَتْ دَرَّها.
حرس: {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا} [الجنّ: 8] الحَرَسُ والحُرَّاسُ جمعُ حارسٍ، وهو حافِظُ المَكانِ، والحِرْزُ والحَرْسُ يَتَقارَبانِ معنًى تَقارُبَهُما لَفْظاً، لكِنِ الحِرْزُ يُسْتَعْمَلُ في الأمْتِعَةِ أكْثَرَ، والحَرْسُ يُسْتَعْمَلُ في الأمكِنَةِ أكْثَرَ، وقولُ الشاعِر:
فَبَقِيتُ حَرْساً قبْلَ مَجْرَى دَاحِسٍ لو كان لِلنَّفْسِ اللَّجُوجِ خُلُودُ
قِيلَ مَعناهُ دَهْراً، فإِنّ هذا يَحْتَمِلُ أنْ يَكونَ مَصْدَراً مَوْضُوعاً مَوْضِعَ الحالِ، أي بَقِيتُ حارِساً، ويَحْتمِلُ أَنْ يَدُلَّ على مَعْنَى الدَّهْر والمُدَّةِ لا مِنْ لَفْظِ الحَرْسِ بَلْ مِنْ مُقْتَضَى الكَلامِ. وأحْرَسَ: مَعْناهُ صار ذَا حِرَاسَةٍ، كَسائِرِ هذا البِناءِ المُقْتَضِي لِهَذا المَعْنَى، وحَريسَةُ الجَبَلِ: ما يُحْرَسُ في الجَبَلِ باللَّيْلِ. قال أبُو عُبَيْدَة: الحَريسَةُ هِيَ المَحْرُوسَةُ، وقال: الحَريسَةُ: المَسْرُوقَةُ، يُقالُ: حَرَسَ الإبِلَ والغنمَ: سَرَقَها ليلاً فأَكَلَها، وهو ممّا جاءَ على طريق التهكُّمِ لأنهم وجدوا الحُرّاسَ هُمُ السَّرَقَةُ.
حرص: الحِرْصُ: فَرْطُ الشَّرَهِ وفَرْطُ الإِرادَةِ. قال تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} [النّحل: 37] أي إن تَفْرِطْ إرادَتُكَ في هِدايَتِهِمْ. وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يُوسُف: 103]. وحَرَصَ القَصَّارُ الثَّوْبَ، دَقَّهُ حتى جَعَلَ فيه ثُقوباً وشُقوقاً.
حرض: الحَرَضُ: ما لا يُعْتَدُّ به ولا خَيْرَ فيه، ولذلك يقالُ لِما أشْرَفَ على الهَلاكِ: حَرَضَ. {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} [يُوسُف: 85] حَتَّى تَكُونَ مُخْتَلَّ الْعَقْل. وَالْحَرَضُ: الذي أذَابَهُ الحُزْنُ أو العشقُ، أو أضْناهُ المَرَضُ، وهو لاَ يُثَنَّى وَلاَ يُجْمَعُ لأَنَّهُ مَصْدَر. والتَّحْريضُ: الحَثُّ على الشيءِ بكَثْرَةِ التَّزْيينِ وتَسْهِيلِ الخَطْبِ فيه كأنَّهُ في الأصْلِ إزالَةُ الحَرَضِ، نحوُ مَرَّضْتُهُ وقَذَّيْتُهُ، أي أزَلْتُ عَنْهُ المَرَضَ والقَذَى.
حرف: حَرْف الشيءِ: طَرَفُهُ، أو جانبه، وجَمْعُهُ أحْرُفٌ وحُروفٌ. يقالُ: حَرْف السَّيْفِ، وحَرْفُ السَّفِينَةِ، وحَرْفُ الجَبَلِ. وحروفُ الهِجاءِ: حروف الابجدية أطْرافُ الكَلِمَةِ. والحُروفُ العوامِلُ في النَّحْوِ: أطرافُ الكلِماتِ الرَّابِطَةُ بَعْضها بِبعضٍ. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحَجّ: 11] أي على ضعف في العبادة كَضعْفِ القائم على طَرَفِ الجبل يكادُ أن يقعَ. وَقِيلَ مَعْناهُ أَنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ، لأَنَّ الدِّينَ حَرْفَانِ أَحَدُهُمَا اللِّسَانُ، وَثَانِيهِمَا القَلْبُ؛ وقد فُسِّرَ ذلك بقولِهِ بَعْدَهُ {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} [الحَجّ: 11] الآيةَ، وفي مَعْناهُ {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} [النِّسَاء: 143]. وانْحَرَفَ عن كذا وتَحَرَّفَ واحْتَرَفَ. والاحْتِرَافُ: طَلَبُ حِرْفَةٍ لِلمكْسَبِ. والحِرْفَةُ: حالَتُهُ التي يَلْزَمُها في ذلك، نحوُ القِعْدَةِ والجِلْسَةِ. وأما قوله تعالى: {أو متحرفاً لقتال} [الأنفال: 16] أي إلاّ تاركاً طَرَفْ مَوْقِعٍ إلى موقع أصْلَحَ منه للقتال.وتَحْريفُ الشيءِ إمالَتُهُ، كتَحْريفِ القَلَمِ. وتحْريفُ الكلامِ: أن تَجْعَلَهُ على حَرْفٍ مِنَ الاحْتِمالِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ على الوَجْهَيْنِ. قال عَزَّ وجلَّ: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النِّسَاء: 46] أي يُغَيِّرونَهُ، و{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [المَائدة: 41]، {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} [البَقَرَة: 75] والحِرْفُ: ما فيه حرارَةٌ ولَذْعٌ، كأنه مُحَرَّفٌ عنِ الحَلاوَةِ والحَرَارَةِ. وطَعامٌ حِرِّيفٌ. ورُوِيَ عنه (ص) : «نَزَلَ القُرآنُ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ»(58).
حرق: يقال: أحْرَقَ كذا فاحْتَرَقَ. والحَريقُ: النارُ {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفَال: 50]، {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [البَقَرَة: 266]، {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} [الأنبيَاء: 68]، {لَنُحَرِّقَنَّهُ} [طه: 97] ولَنُحْرقَنَّهُ ـ قُرئا مَعاً. فَحرقُ الشيء إيقاعُ حَرَارَةٍ في الشيءِ مِنْ غَيْر لَهِيبٍ كَحَرْقِ الثَّوْبِ بالدَّقِّ. وحَرَقَ الحَديدَ بالمِبْرَدِ: بَرَدَهُ، وعنه اسْتُعِيرَ: حَرَقَ النابَ، أي سَحَقَها حتى سُمعَ لها صريف، ومنه قولهم: «فلانٌ يحرُقُ عليك الأُرَّمَ غيظاً» فالأُرّمُ الأضراسُ، والمعنى: يسحقُ بعضَ الأضراسِ ببعضٍ كفعل الحارق بالمبرد، وذلك لما يفعله المتوعِّد إظهاراً لشدة الغيظ. وحَرِقَ الشَّعَرُ، إذا تقطَّعَ ونَسَلَ. والماءُ الحُرَاقُ: الذي يَحْرقُ بِمُلُوحَتِهِ. والإحْرَاقُ: إيقاعُ نارٍ ذَات لَهِيبٍ في الشيءِ، ومنه اسْتُعِيرَ: أَحْرَقَني بلَوْمِهِ، إذا بالَغَ في أذيَّتِهِ بِلَؤمٍ.
حرك: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القِيَامَة: 16]. الحَرَكَةُ ضِدُّ السُّكُونِ، ولا تكُونُ إلاَّ لِلجِسْمِ، وهو انْتِقالُ الجِسْمِ مِنْ مَكانٍ إلى مَكانٍ، ورُبَّما قِيلَ: تَحَرَّكَ كذا، إذا اسْتَحَالَ، وإذا زادَ في أجْزائِهِ، وإذا نَقَصَ مِنْ أجْزَائِهِ.
حرم: الحَرامُ: المَمْنُوعُ منه إمّا بِتَسْخِيرٍ إلَهِيٍّ، وإمّا بِمَنْعٍ قَهْريٍّ، وإمّا بِمَنْعٍ مِنْ جِهَةِ العَقْلِ أو مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أو مِنْ جِهَةِ مَنْ يَرْتَسِمُ أمْرَهُ. فقولُهُ تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} [القَصَص: 12] فذلك تَحْريم بِتَسْخِيرٍ، وقد حُمِلَ على ذلك {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأنبيَاء: 95]، وقولهُ تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [المَائدة: 26] وقِيلَ بَلْ كان حَرَاماً عليهمْ مِنْ جِهَةِ القَهْرِ لا بالتَّسخِيرِ الإِلَهِيِّ، وقولُهُ تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المَائدة: 72] فهذا مِنْ جِهَةِ القَهْر بالمَنْعِ، وكذلك قولُهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعرَاف: 50]. والمُحَرَّمُ بالشَّرْعِ كَتَحْرِيم بَيْعِ الطَّعامِ بالطَّعامِ مُتَفاضِلاً، وقولُهُ عَزَّ وجلَّ: {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} [البَقَرَة: 85] فهذا كان مُحَرَّماً عليهمْ بِحُكْمِ شَرْعِهِم، ونحو قولِهِ تعالى {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعَام: 145] الآيَـة {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعَام: 146]. وسَـوْطٌ مُحَرَّمٌ: لم يُدْبَغْ جِلْدُهُ، كأنه لم يَحِلَّ بالدّباغِ الذي اقْتَضاهُ قولُ النبيّ (ص) : «أيُّما إهابٍ دُبِغَ فقد طَهُرَ» [صحيح مسلم ـ باب الحيض] وقِيلَ بَلِ المُحَرَّمُ الذي لم يُلَيَّن. والحَرَمُ سُمِّيَ بذلك لِتَحْريمِ الله تعالى فيه كثِيراً مِمَّا ليسَ بِمُحَرَّمٍ في غيره مِنَ المَوَاضِعِ، وكذلك الشَّهْرُ الحَرَامُ. وقِيلَ: رجُلٌ حَرَامٌ وحَلالٌ ومُحِلٌّ. قال اللَّهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التّحْريم: 1] أي لِمَ تمنع عن نفسك ما أحل الله لك، وهو العسل الذي منَعهُ عن نفسه ولم يُحرّمه على غيره ولم يجعله الله حراماً، نحوُ: {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} [الأنعَام: 138]. وقولُهُ تعالى: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقِعَة: 67] أي مَمْنُوعُونَ مِنْ جِهَةِ الجَدِّ، وقولُه تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذّاريَات: 19] أي الذي لَمْ يُوسَّعْ عليه الرِّزْقُ كما وُسِّعَ على غَيْرِهِ، والأشهرُ الحُرُمُ هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرَّم ورجب. والحُرْمة: ما لا يحلُّ انتهاكُهُ. والحَرَمانِ: مكة والمدينة، إذ يُحرم على غير المسلم أن يدخل إليهما.
حرى: حَرَى فلاناً يَحْريه، أي قَصَدَ ساحَتَهُ، وتحرَّى الأمْرَ توخاه وقصَدَه. {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجنّ: 14] أي قصدوا جانب الحق؛ وَحَرَى الشيءُ يَحْري: نَقَصَ، قال الشاعِرُ:
والمَرْءُ بَعْدَ تَمامِهِ يَحْري
أي يبدأ بالتناقص.
حزب: الحِزْبُ جَماعَةٌ فيها قوّة {أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} [الكهف: 12]، وقوله تعالى في الآية 19 من سورة المجادلة: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} [المجَادلة: 19] أي جندُهُ. وقولُهُ تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ} [الأحزَاب: 22] عِبارَةٌ عن المُجْتَمِعِينَ لمحارَبَةِ النبيِّ (ص). {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المَائدة: 56] يعْنِي أنْصارَ اللَّهِ، وقال تعالى: {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ} [الأحزَاب: 20] وبُعَيْدَهُ {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ} [الأحزَاب: 22] والاصطلاحُ الحَدِيثُ لِلْحِزْبِ، أَنَّهُ الجَماعَةُ مِنَ النَّاسِ المُجْتَمِعِينَ على مذهبٍ سِياسيٍّ عقائدِيٍّ واحدٍ.
حزن: الحُزْنُ والحَزَنُ: خُشُونَةٌ في الأرْضِ وخُشُونَةٌ في النَّفْسِ لِمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنَ الغَمِّ، ويُضادُّهُ الفَرَحُ، ولاعْتِبارِ الخُشُونَةِ بالغَمِّ قِيلَ خَشَنَتْ بِصَدْرِهِ، وأَحْزَنه. جعله حزيناً {لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [آل عِمرَان: 153]، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فَاطِر: 34]، {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً} [التّوبَة: 92]، {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يُوسُف: 86]. وقولُهُ تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} [القَصَص: 8] أي ليكون لهم في عاقبة أمرهم عدواً لهم ليحزنهم، لأن اللام لام العاقبة. {وَلاَ تَحْزَنُوا} [آل عِمرَان: 139]، ولا تَحْزَنْ، فَلَيْسَ ذلك بِنَهْيٍ عن تَحْصِيلِ الحُزْن فالحُزْنُ لَيْسَ يَحْصُلُ بالاخْتِيارِ، ولكِن النَّهْيُ في الحَقيقَةِ إنَّما هو عن تعاطِي ما يُورِثُ الحُزْنَ واكْتِسابه، وإلى معنَى ذلك أشارَ الشاعِرُ بقولِهِ:
مَنْ سَرَّهُ أنْ لا يَرَى ما يَسُوءُهُ فَلا يَتَّخِذْ شَيئاً يُبالِي له فَقْدا
وأيْضاً ينبغي للإِنْسانِ أنْ يَتَصَوَّرَ ما عليه جُبِلَتِ الدُّنْيا حتى إذا ما بَغَتَتْهُ نائِبَةٌ لم يَكتَرثْ بِها لمَعْرفَتِهِ إيَّاها، ويَجِبُ عليه أنْ يَرُوضَ نَفْسَهُ على تَحَمُّلِ صِغارِ النُّوَبِ حتى يَتَوَصَّلَ بها إلى تَحَمُّلِ كِبارِها.
حس: الحاسَّةُ: القُـوَّةُ التي بها تُدْرَكُ الأعْراضُ الحِسِّيَّةُ، والحَواسُّ: الحواس الخَمْسُ. يقال: حَسَسْتُ وحَسَيْتُ وأحْسَسْتُ. فأحْسَسْتُ، ويقالُ على وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أصَبْتُهُ بِحِسِّ، نحوُ عِنْتُهُ ورُعْتُه، والثَّانِي: أصَبْتُ حاسَّتَهُ، نحو كَبَدْتُهُ وفأدْتُهُ. ولَمَّا كانَ ذلك قد يَتَوَلَّدُ منه القَتْلُ عُبِّرَ به عنِ القَتْلِ، فقيلَ: حَسَسْتُهُ، أي قَتَلْتُهُ {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عِمرَان: 152] أَيْ تَقْتُلُونَهُمْ بِإذْنِهِ. وَالتَّحَسُّسُ هُوَ طَلَبُ الشَّيْءِ بِالْحَاسّةِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «لاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا» [صحيح مسلم رقم 2563] . قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يُوسُف: 87]، أَيْ اسْتَخْبِرُوا مِنْ شَأْنِهِما، وَاطْلُبُوا خَبَرَهُمَا، وأمّا أحْسَسْتُهُ فحقيقَتُهُ: أدْرَكْتُهُ بِحاسَّتِي. وقولهُ تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} [آل عِمرَان: 52] فَتَنْبِيهٌ أنه قد ظَهَرَ منهمُ الكُفْرُ ظُهُوراً بانَ للحِسِّ فَضْلاً عنِ الفَهْمِ، وكذا قولُهُ تعالى: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} [الأنبيَاء: 12]، وقولُهُ تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مَريَم: 98] أي هَلْ تَجدُ بِحاسَّتِكَ أحَداً منهم. وعُبِّرَ عن الحَرَكَةِ بالحَسِيسِ والحِسِّ: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} [الأنبيَاء: 102]. والحُساسُ عِبارَةٌ عن سُوءِ الخُلُقِ، وجُعِلَ على بِناءِ زُكامٍ وسُعالٍ.
حسب: الحِسابُ: اسْتِعمالُ العَدَدِ، يقالُ حَسَبْتُ أحْسِبُ حِساباً وحُسْباناً. قال تعالى: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يُونس: 5]، {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً} [الأنعَام: 96] وقِيلَ: لا يَعْلَمُ حُسْبانَهُ إلاَّ اللَّهُ. وقال عَزَّ وجلَّ: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ} [الكهف: 40] قِيلَ ناراً وعذاباً، وإنَّما هو في الحَقِيقَةِ ما يُحاسَبُ عليه فَيُجازَى بِحَسَبِهِ، وفي الحَدِيثِ أنَّهُ قال (ص) في الرِّيحِ: «اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْها عَذاباً ولا حُسْباناً»(59)، وقال تعالى: {فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا} [الطّلاَق: 8] إشارَةً إلى نحو ما رُوِيَ: مَنْ نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ(60). وقال: {إِقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبيَاء: 1] و {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبيَاء: 47]. أما قولُهُ عَزَّ وجلَّ: {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} [الحَاقَّة: 26]، {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ} [الحَاقَّة: 20] فالهاءُ منها لِلوَقْفِ نحوُ: مالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عِمرَان: 199]. وقولُهُ عَزَّ وجلَّ: {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} [النّبَإِ: 36] فقد قِيلَ كافِياً، وقيل: ذلك إشارَةٌ إلى ما قال: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} [النّجْم: 39]. وقولُهُ: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [البَقَرَة: 212] ففيهِ أوْجُهٌ، الأوّلُ: يُعْطِيهِ أكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ، والثانِي: يُعْطِيهِ ولا يَأخُذُهُ منه، والثالثُ: يُعْطِيهِ عَطاءً لا يُمْكِنُ لِلبَشَر إحْصاؤُهُ، كقولِ الشاعِر:
عَطاياهُ يُحْصَى قَبْلَ إحْصائِها القَطْرُ
والرابِعُ: يُعْطِيهِ بِلا مُضايَقَةٍ، وذلك مِنْ قولِهِمْ: حاسَبْتُهُ إذا ضايَقْتُهُ. والخامِسُ: يُعْطِيهِ أكثَرَ مِمَّا يَحْسِبُهُ، والسادِسُ: أنْ يُعْطِيَهُ بِحَسَبِ ما يَعْرفُهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ لا على حَسَبِ حِسابِهِم، وذلك نحوُ ما نَبَّهَ عليه بقولِهِ تعالى: {وَلَوْلاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ} [الزّخرُف: 33] الآيَةَ. والسابِعُ: يُعْطِي المُؤْمِنَ ولا يُحاسِبُهُ عَليه، ووَجْهُ ذلك أنّ المُؤْمِنَ لا يَأخُذُ مِنَ الدُّنيا إلا قَدْرَ ما يَجِبُ، وكما يَجِبُ، وفي وقْتِ ما يَجِبُ، ولا يُنْفِقُ إلاَّ كذلِكَ، ويُحاسِبُ نَفْسَهُ فلا يُحاسِبُهُ اللَّهُ حِساباً يَضُرُّهُ، كما رُوِيَ: «الكيّسُ من دان نفسه»(61)، ومعنى قوله من دان نفسه يقول حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يُحاسب يوم القيامة. والثامِنُ: يُقابِلُ الله المُؤْمِنينَ في القِيامَةِ لا بِقَدْرِ اسْتِحْقاقِهِمْ بَلْ بأكْثَرَ منه {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البَقَرَة: 245] وعلى نحو هذِهِ الأوْجُهِ قولهُ تعالى: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غَافر: 40]، {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص: 39] وقد قِيلَ: تَصَرَّفْ فيه تَصَرُّفَ مَنْ لا يُحاسَبُ، أي تَناوَلْ كما يَجِبُ، وفي وقْتِ ما يَجِبُ وعلى ما يَجِبُ، وأنْفِقْهُ كذلكَ. والحَسِيبُ والمُحاسِبُ: مَنْ يُحاسِبُكَ، ثم يُعَبَّرُ به عن المُكافِي بالحِسابِ. وحَسْبُ: يُسْتَعْمَلُ في مَعْنَى الكِفايَةِ {حَسْبُنَا اللَّهُ} [آل عِمرَان: 173] أيْ كافِينا هُوَ. و {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} [المجَادلة: 8]، {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النِّسَاء: 6] أيْ رَقيباً يُحاسِبُهُمْ عليه، وقولُهُ تعالى: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعَام: 52]، {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعَام: 52] فَنَحْوُ قولهِ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المَائدة: 105] ونَحْوُهُ {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَى رَبِّي} [الشُّعَرَاء: 112-113] وقِيلَ مَعْناهُ: ما مِنْ كِفايَتِهِمْ عَلَيْكَ بَلِ اللَّهُ يَكْفِيهِمْ وإيَّاكَ، وذلك مِنْ قولِهِ: {عَطَاءً حِسَابًا} [النّبَإِ: 36] أيْ كافِياً، مِنْ قولِهِمْ حَسْبِي كذا، وقِيلَ أرادَ منه عَمَلَهُمْ فَسَمَّاهُ بالحساب الذي هو مُنْتَهَى الأعْمالِ. وقِيلَ: احْتَسَبَ ابناً له، أي اعْتَدَّ به عِندَ الله. والحِسْبَةُ: فِعْلُ ما يَحْتَسِبُ به عندَ اللَّهِ تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ} [العَنكبوت: 1-2]، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [العَنكبوت: 4]، {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42]، {فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} [إبراهيم: 47]، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [البَقَرَة: 214] فكُلُّ ذلك مَصْدَرُهُ الحِسْبانُ. والحِسْبانُ: أنْ يَحْكُمَ لأحَدِ النَّقِيضَيْنِ مِنْ غَيْر أنْ يَخْطُرَ الآخَرُ ببالِهِ فَيَحْسِبُهُ ويَعْقِدُ عليه الأصْبعَ ويَكُونُ بِعَرْضِ أنْ يَعْتَريَهُ فيه شَكٌّ، ويقارِبُ ذلك الظنُّ، لكِنِ الظَّنُّ أنْ يُخْطِرَ النَّقِيضَيْنِ ببالِهِ فَيُغلِّبَ أحَدَهُما على الآخَر.
حسد: الحَسدُ: تَمَنِّي زَوالِ نِعْمَةٍ مِنْ مُسْتَحِقٍّ لها، ورُبّما كانَ مَعَ ذلك سَعْيٌ في إزالتِها، ورُوِيَ: المُؤْمِنُ يَغْبِطُ والمُنافِقُ يَحْسُدُ. قال تعالى: {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البَقَرَة: 109]، {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفَلَق: 5].
حسر: الحَسْرُ (مِنْ حَسَرَ): كَشْفُ المَلْبَسِ عَمَّا عليه، يقالُ: حَسَرْتُ عنِ الذِّراعِ. والحاسِرُ: مَنْ لا درْعَ عليهِ ولا مِغْفَرَ. والمِحْسَرَةُ: المِكْنَسَةُ. والحَسْرَةُ والحَسَرُ: الندمُ الشديدُ، وتَحَسَّرَ تَلَهَّفَ. والحاسرُ: المُعْيَا لانْكِشافِ قُواهُ، ويقالُ للْمُعْيَا حاسِرٌ ومَحْسُورٌ، أمّا الحاسِرُ، فَتُصُوِّرَ أنه قد حَسَرَ بِنَفْسِهِ قُواهُ، وأمّا المَحْسُورُ فَتُصُوِّرَ أنّ التَّعَبَ قد حَسَرَهُ. وقولُهُ عَزَّ وجلَّ: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [المُلك: 4]، يصحُّ أنْ يكونَ بِمعنَى حاسِرٍ وأنْ يكونَ بِمعنَى مَحْسُورٍ {فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسرَاء: 29]. والحَسْرَةُ: الغَمُّ على ما فاتَهُ والنَّدَمُ عليه كأنه انْحَسَرَ عنه الجَهْلُ الذي حَمَلَهُ على ما ارْتَكَبَهُ، أو انْحَسَرَت قُوَاهُ مِنْ فَرْطِ غَمٍّ، أو أدْرَكَهُ إعْياءٌ عن تَدَارُكِ ما فَرَطَ منه. قال تعالى: {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عِمرَان: 156]، {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الحَاقَّة: 50]، {يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزُّمَر: 56]، {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البَقَرَة: 167]، ومنه قولُهُ تعالى: {يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} [يس: 30] وقولُهُ تعالى في وَصْفِ المَلائكةِ {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبيَاء: 19]. أي لا يأنفون ولا يترفعون عن عبادته ولا يملّون أو ينقطعون.
حسم: الحَسْمُ: إزالَةُ أثَر الشيءِ. يُقالُ: قَطَعَهُ فَحَسَمَهُ، أي أزالَ مادَّتَهُ، وبه سُمِّيَ السَّيْفُ حُساماً. وحَسْمُ الدَّاء: إزالَةُ أثَرهِ بالكَيِّ. وقِيلَ لِلشُّؤْمِ المُزيلِ الأَثَر منه نالَهُ: حُسُومٌ {وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحَاقَّة: 7] قِيلَ: حاسِمَةً أثَرَهُمْ أو خَبَرَهُمْ، وقِيلَ قاطِعَةً لِعُمْرهِمْ، أو قاطعةً لخيرهم ومانعةً له. وكُلُّ ذلك داخلٌ في عُمُومِهِ.
حسن: الحُسْنُ: عِبارَةٌ عن كُلِّ مُبْهِجٍ مَرْغوبٍ فيه، وذلك ثلاثَةُ أضْرُبٍ: مُسْتَحْسَنٌ مِنْ جِهَةِ العقْلِ، ومُسْتَحْسَنٌ مِنْ جِهَةِ الهَوَى، ومُسْتَحْسَنٌ مِنْ جِهَةِ الحِسِّ. والحَسَنَةُ: يُعَبَّرُ بها عن كُلِّ ما يَسُرُّ مِن نِعْمَةٍ تَنالُ الإنسانَ في نَفْسِهِ وبَدَنِـهِ وأحْوالهِ وهي ضد السيِّئَةِ. فقولُه تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النِّسَاء: 78] أي خَصْبٌ وسَعَةٌ وظَفَرٌ، وقال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ} [الأعرَاف: 131]. وقولُهُ تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النِّسَاء: 79] أي مِنْ ثَوابٍ، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} [النِّسَاء: 79] أي مِنْ عِتابٍ. والفَرْقُ بَيْنَ الحُسْنِ والحَسَنَةِ والحُسْنَى أنّ الحُسْنَ يقالُ في الأعْيانِ والأحْداثِ، والحُسْنَى لا يقالُ إلاَّ في الأحْداثِ دُونَ الأعْيانِ، والحُسْنُ أكثَرُ ما يقالُ في تَعارُفِ العامَّةِ في المُسْتَحْسَنِ بالبَصرَ. يقالُ: رجُلٌ حَسَنٌ وحُسَّانٌ وامْرَأةٌ حَسْناءُ وحُسَّانَةٌ. وأكثرُ ما جاءَ في القرآنِ مِنَ الحُسْنِ فَلِلْمُسْتَحْسَنِ مِنْ جِهَةِ البَصِيرَةِ. وقولهُ تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزُّمَر: 18] أي أرشدَه إلى الحق الأبْعَدِ عنِ الشُّبْهَةِ، كما قال (ص) : «إذا شكَكْتَ في شيءٍ فَدَعْ»(62). {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البَقَرَة: 83] أي: كَلِمَةً حَسَنَةً، وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العَنكبوت: 8]. وقولهُ عَزَّ وجلَّ: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التّوبَة: 52] أي النصرَ أو الشهادةَ، وقولهُ تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المَائدة: 50] إنْ قِيلَ حُكْمُهُ حَسَنٌ لِمَنْ يُوقِنُ ولِمَنْ لا يُوقِنُ فَلِمَ خُصَّ؟ قِيلَ: القَصْدُ إلى ظُهُورِ حُسْنِهِ والاطّلاعِ عليه، وذلك يَظْهَرُ لِمَنْ تَزَكَّى واطَّلَعَ على حِكْمَةِ اللَّهِ تعالى دُونَ الجَهَلَةِ. والإِحْسانُ يُقالُ على وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: الإِنْعامُ على الغير، يُقالُ أحْسَنَ إلى فُلانِ. والثاني: إحْسانٌ في فِعْلِهِ، وذلك إذا عَلِمَ عِلْماً حَسَناً أو عَمِلَ عَمَلاً حَسَناً، وعلى هذا قولُ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «الناسُ أبْناءُ ما يُحْسِنُونَ» أي مَنْسُوبونَ إلى الذي يَعْلَمُونَهُ ويَعْمَلُونهُ مِنَ الأفعالِ الحَسَنَةِ. وقوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] المراد من الخلق أنه مقدّر تقديراً لا تفاوتَ فيه. (أحسنُ): صفة أو بدل من لفظ الجلالة. وتقديرُ المعنى: فتبارك اللَّهُ أحسنُ المقدِّرين تقديراً بلا تفاوت. ولا يجوز اعتبار (أحسنُ) للمفاضلة لأن الخلق هو إيجاد الشيء من عدم، وهذا لا يكون إلاَّ للَّهِ تعالى. قولُه تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السَّجدَة: 7] أي الذي أحْكَمَ كل شيء. وأتقنه، أي أحسنَه، لأنه عالم بكل شيء قبل أن يخلقه. ونحن نقول: إنّ فلاناً يحسن كذا، أي يعرفه ويتقنُه ويُحسِنُ صُنْعَهُ، وبناءً على هذا جعل كل شيء في خلَقه حسناً، ولذا نرى أَنّهُ أوجد في كل شيء خلقه وجهاً من وجوه الحكمة يُحَسِّنُه. وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [الأحقاف: 16] معناه: نتقبل إيجاب الثواب لهم عن أحسن أعمالهم وهو ما يستحق الثواب من الواجبات والمندوبات، فإن المُباحَ أيضاً من قبيل الحسن، ولا يُوصفُ بأنّه مُتَقبَّلٌ. والإِحْسانُ أعَمُّ مِنَ الإِنْعامِ {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَِنْفُسِكُمْ} [الإسرَاء: 7]، وقولهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النّحل: 90] فالإِحسان فَوْق العَدْلِ وذَاك أنّ العَدْل هو أنْ يُعْطِي ما عليه ويأخُذَ ما لَهُ، والإِحْسانُ أنْ يُعْطِيَ أكْثَر مِمَّا عليه ويَأخُذَ أقلَّ مِمَّا لَهُ، فَتَحرِّي العدلِ واجِبٌ وتحَرِّي الإِحْسانِ نَدْبٌ وتطَوُّعٌ، وعلى هذا قولُه تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النِّسَاء: 125] وقولهُ عَزَّ وجلَّ: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البَقَرَة: 178]. ولذلكَ عظَّم الله تعالى ثوابَ المُحسِنينَ، فقال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العَنكبوت: 69] وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البَقَرَة: 195] وقال تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التّوبَة: 91]، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} [النّحل: 30].
حشر: الحَشْرُ: إخراجُ الجماعَةِ عن مَقَرِّهِمْ وإزْعاجُهُمْ عنه إلى الحَرْبِ ونحوها، ورُوِيَ: النِّساءُ لا يُحْشَرْنَ، أي لا يُخْرَجْنَ إلى الغَزْوِ، ويُقالُ ذلك في الإِنْسانِ وفي غيرهِ. يُقالُ: حَشَرَتِ السَّنَةُ مالَ بَنِي فُلانٍ، أي أزَالَتْهُ عنهم. ولا يُقالُ الحَشْرُ إلاَّ في الجماعَةِ: {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشُّعَرَاء: 36]، {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً} [ص: 19]، {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التّكوير: 5]، {لأَِوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} [الحَشر: 2]، {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النَّمل: 17]. وقال في صِفَةِ القِيامَةِ: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً} [الأحقاف: 6]، {فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} [النِّسَاء: 172]، {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47]. وسُمِّيَ يومُ القِيامَةِ يومَ الحَشْر كما سُمِّيَ يومَ البَعْثِ ويومَ النَّشْر. ورجُلٌ حَشْرُ الأذُنَيْنِ: أي في أذُنِهِ انْتِشارٌ وحِدَّةٌ.
حَصَبَ: حَصَبَ النار حَصْباً: أضرمها بالحَصَب. والحَصَبُ: الحطب وما يرمى به في النار لتُسْجَرَ به، ولا يكون الحَطَبُ حَصَباً حتى يُسْجَر به. والحصْبَةُ هي الحجارة والحصى، واحدتها حَصَبَة. والحاصِبُ: ريحٌ تحمل الترابَ والحَصى. قال الفرزدق:
مُسْتَقْبِلِينَ شَمَالِ الشَّامِ يَضْرِبُنا بِحَاصِبٍ كَنَديفِ القطْنِ مَنْدُوفِ
وقوله تعالى: {أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الإسرَاء: 68] أي يرسل عليكم حجارةً تُحْصَبون بها، وقوله تعالى: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبيَاء: 98] أي حطبُ جهنم. وقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} [العَنكبوت: 40] أي ريحاً فيها حصًى قاتِلَةٌ. والحَصْبَةُ والحصَبَةُ والحِصْبَةُ: بثورُ تخرج بالجسد من حُمَّى كالجُدَري.
حصد: أصْلُ الحَصْدِ قَطْعُ الزَّرْع، ويقال: زَمنُ الحَصادِ والحِصادِ، قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعَام: 141] فَهُوَ الحَصادُ المَحْمُودُ في إبَّانِهِ. وقولُهُ عزّ وجلَّ: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يُونس: 24] فهو الحَصادُ في غَيْر إبَّانِهِ على سبيلِ الإِفْسادِ، ومنه اسْتُعِير: حَصَدَهُمُ السَّيْفُ. وفي قوله عَزَّ وجلَّ: {مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هُود: 100] حَصِيدٌ إشارَةً إلى نحو ما قال: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنعَام: 45]. وحَبّ الحَصِيدِ أي ما يُحصَدُ مِمَّا منه القُوتُ. وقال (ص) : «وهَلْ يُكِبُّ الناسَ على مَناخِرهمْ في النارِ إلا حَصائِدُ ألْسِنَتِهِمْ»(63).
حصر: الحَصْرُ: التَّضْيِيقُ. {وَاحْصُرُوهُمْ} [التّوبَة: 5] أي ضَيِّقُوا عَلَيْهِمْ. وقال عزّ وجلَّ: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسرَاء: 8] أي حابِساً. قال الحسَنُ: مَعْناهُ مِهاداً، كأنه جَعَلَهُ الحَصِيرَ المَرْمولَ، فإنّ الحَصِيرَ سُمِّي بذلكَ لِحَصْر بعضِ طاقاتِهِ على بعْضٍ، وقال لَبيدٌ:
ومعالِمٍ غُلْبِ الرِّقابِ كأنَّهُمْ جِنٌّ لَدَى بابِ الحَصِير قِيامُ
أي لَدَى سُلْطانٍ، وتَسْمِيَتُهُ بذلك إمّا لِكوْنِهِ مَحْصُوراً نحوُ مُحَجَّبٍ، وإمّا لِكَوْنِهِ حاصِراً أي مانِعاً لِمَنْ أرادَ أنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الوصُولِ إليه. وقولهُ عزّ وجلَّ: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عِمرَان: 39] فالحَصُورُ الذي لا يَأتِي النِّساءَ إمّا مِنَ العُنَّةِ وإمّا مِنَ العِفَّةِ والاجْتِهادِ في إزالَةِ الشَّهْوَةِ. والثَّانِي أظْهَرُ في الآيَةِ لأنّ بذلك يَسْتَحِقّ المَحْمَدَةَ. والحَصْرُ والإِحصارُ: المَنْعُ مِنْ طَريقِ البَيْتِ، فالإِحْصارُ يقال في المَنْعِ الظاهِر كالعَدُوّ، والمَنْعِ الباطِنِ كالمَرَضِ. والحَصْرُ لا يُقالُ إلا في المَنْعِ الباطِنِ، فقولُهُ تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البَقَرَة: 196] فَمَحْمُولٌ على الأمْرَيْنِ، وكذلك قولُهُ: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 273]، وقولهُ عزّ وجلَّ: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النِّسَاء: 90] أي ضاقَتْ بالبُخْلِ والجُبْنِ، وعُبِّرَ عنه بذلك كما عُبِّرَ عنه بِضِيقِ الصَّدْرِ، وعن ضدِّهِ بالبرِّ والسَّعَةِ.
حص: {حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يُوسُف: 51] اشْتِقَاقُهُ مِنَ الحِصَّةِ، أَيْ بَانَتْ وَوَضُحَتْ حِصَّةُ الْحَقِّ وَجِهَتُهُ مِنْ حِصَّةِ الْبَاطِلِ. وَيُقَالُ: أَخَذَتْ حِصَّتَها أَيْ نَصِيبَها. وَمثْلُهُ: كَفَّ الدَّمْعَ وكَفْكَفَهُ، فَهُوَ زِيادَةُ تَضْعِيفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الاِشْتِقَاق.
حصل: حَصَّلَ الأَمْرَ: حققه وأبانهُ، وحصَّلَ الشيءَ أو العلمَ أدْرَكَهُ. أَحْصَلَ البَلَحُ إذا أخرج من تفاريقه صغاراً. قوله تعالى: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العَاديَات: 10] أي أُظهِرَ ما كان مُضْمَراً في القلوب، وأَبانَهُ اللَّه تعالى. والتحصيل: إخْرَاجُ اللُّبِّ مِنَ القُشُور كإخراجِ الذهَبِ مِنْ حَجَر المَعْدِنِ، وإخراجُ البُرِّ مِنَ التِّبْنِ. وحَوْصَلَةُ الطَّيْر: ما يَحْصُلُ فِيهِ مِنَ الغِذاءِ.
حصن: الحِصْنُ هو كلُّ موضعٍ حَرِيزٍ، جَمْعُهُ حُصُونٌ {مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} [الحَشر: 2]، وقولهُ عَزَّ وجلَّ: {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ} [الحَشر: 14] أي مَجْعُولَةٍ بالإِحْكامِ كالحُصُونِ. وتَحَصَّن، إذا اتَّخَذَ الحِصْنَ مَسْكَناً، ثم يُتَجَوَّزُ بِهِ في كُلّ تَحَرُّزٍ، ومنه دِرْعٌ حَصِينَةٌ لِكوْنِها حِصْناً للبَدَنِ، وفَرَسٌ حِصانٌ لِكوْنِهِ حِصْناً لراكِبِهِ، وبِهَذا النَّظَر قال الشاعرُ:
إنَّ الحُصُونَ الخَيْلُ لا مُدْنُ القُرَى
وقَوْلُهُ تعالى: {إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ} [يُوسُف: 48] أي تُحْرزُونَ في المَوَاضِعِ الحَصِينَةِ الجارِيَةِ مَجْرَى الحِصْنِ. وامْرَأَةٌ حَصانٌ وحاصِنٌ: المرأةُ العفيفة، أو المرأة المتزوجة. {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التّحْريم: 12] أي التي عفَّت عن الرجال وأَحْصَنَتْ وحَصَنَتْ. {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النِّسَاء: 25] أي تَزَوَّجْنَ، وأُحْصِنَّ: زُوِّجْنَ. والحَصانُ في الجُمْلَةِ: إمّا بِعِفَّتِها أوْ تَزَوُّجِها، أوْ بِمانِعٍ مِنْ شَرَفِها وحُرِّيَّتِها. ويقالُ: امْرَأةٌ مُحْصَنَةٌ ومُحْصِنَةٌ، فالعفيفة (بفتح الصاد وكسرها) والمتزوجة (بفتح الصاد فقط)، ويقال للأولى إذا تُصُوِّرَ حِصْنُها مِنْ نَفْسِها، ويُقالُ للأُخرى إذا تُصُوِّرَ حِصْنُها مِنْ غَيْرها. ومنه قوله عَزَّ وجلَّ: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النِّسَاء: 25] وبَعْدَهُ فإذا أحْصِنَّ {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النِّسَاء: 25]. ولِهذا قِيلَ: المُحْصَنَاتُ: المُزَوَّجاتُ تَصَوُّراً أنّ زَوْجَها هو الذي أحْصَنَها، لأنّ اللواتِي حَرُمَ التَّزَوجُ بِهِنَّ المُزَوَّجاتُ دُونَ العَفِيفاتِ.
حصو: الإِحْصاءُ: التَّحْصِيلُ بالْعَدَدِ. يقالُ أَحصَيْتُ كذا، وذلك مِنْ لَفْظِ الحَصا، واسْتِعْمالُ ذلك فيه مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ كانُوا يَعْتَمِدُونَهُ بالعَدِّ كاعتِمادِنا فِيهِ على الأصابعِ، وَقَدْ أصْبَحَ الإِحْصاءُ اليومَ عِلْماً (فرعاً من فروع الرياضياتِ) يَجْمَعُ وَيُنَظِّمُ ويَدرُسُ سِلْسِلَةً مِنَ الوقائِعِ أو المُعْطَياتِ المبينةِ بالأرْقامِ كإحصاءِ السّكانِ والإِحصاءِ الاقتصاديّ وغيرهما. قال الله تعالى: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجنّ: 28] أي حَصَّلَهُ وأحاطَ بِهِ. وقال (ص): «نَفْسٌ تُنْجِيها خَيْرٌ لك مِنْ إمارةٍ لا تُحْصِيها»(64) وقال (ص) : «مَنْ أحْصاها دَخَلَ الجنةَ»(65) وقال تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المُزّمل: 20] ورُوِيَ: اسْتَقِيمُوا ولَنْ تُحْصُوا(66)، أي لَنْ تُحَصّلُوا ذلك. وَوَجْهُ تَعَذُّرِ إحْصائِهِ وتَحْصِيلِهِ هو أنّ الحَقَّ واحِدٌ والباطِلُ كثِيرٌ بَلِ الحَقُّ بالإضافَة إلى الباطِلِ كالنقطَةِ بالإضافَةِ إلى سائِر أجْزَاءِ الدائرةِ، وكالمَرْمَى مِنَ الهَدَفِ، فإصابَةُ ذلك شَديدَةٌ. وإلى هذا أشارَ ما رُوِيَ أنّ النبيّ (ص) قال: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وأخَواتُها»(67) فَسُئِلَ ما الذي شَيَّبَكَ منها، فقال: قولُهُ تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هُود: 112] وقال أهْلُ اللُّغَةِ: لَنْ تُحْصُوا، أيْ لا تُحْصُوا ثوابَهُ.
حض: الحَضُّ: التَّحْريضُ، كالحَثِّ، إلاَّ أنّ الحَثَّ يكونُ بِسَوْقٍ وسَيْرٍ، والحَضُّ لا يكونُ بذلكَ. وأصْلُهُ مِنَ الحَثِّ على الحَضِيضِ، وهُوَ قَرارُ الأرْضِ. قال تعالى: {وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحَاقَّة: 34].
حضر: الحَضَرُ: خِلافُ البَدْوِ. والحِضارَةُ والحَضارَةُ: الإقامة أو السكن بالحَضَر كالبِداوَةِ والبَداوَةِ، ثم جُعِلَ ذلك اسْماً لِشَهادَةِ مكانٍ أو إنْسانٍ أو غَيْرهِ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البَقَرَة: 180]، {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النِّسَاء: 8]، {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التّكوير: 14]، {وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النِّسَاء: 128]، والشُّحُّ حَاضِرٌ دَائماً لأَنَّهُ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ غَريزَةِ حُبِّ البَقَاءِ، كَمَا أنَّ الكَرَمَ حَاضِرٌ دائماً لأَنَّهُ أَيْضاً مَظْهَرٌ مِنْ مَظاهِرِ غَرِيزَةِ حُبِّ الْبَقَاء. أَمّا قَوْلُهُ: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98] فهو مِنْ بابِ الكِنايَةِ أي أنْ يَحْضُرَني الجِنُّ. ومنه قولهُ تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعَام: 158]. وقـال تعالـى: {مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عِمرَان: 30] أي مُشاهَـداً مُعايَناً في حُكْمٍ الحاضِر عِنْدَهُ. وقولهُ عَزَّ وجلَّ: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعرَاف: 163] أي قُرْبَهُ. وقولُهُ: {تِجَارَةً حَاضِرَةً} [البَقَرَة: 282] أي نَقْداً. وقولُهُ تعالى: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس: 32]، {فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} [الرُّوم: 16]، و {شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القَمَر: 28]، وأي يَحْضُرُهُ أصحابُهُ.
حط: الحَطُّ: إنْزَالُ الشيءِ مِنْ عُلوٍ. يقال: حَطَطْتُ الرَّحْلَ، وجارِيَةٌ مَحْطُوطَةُ المَتْنَيْنِ. وقولهُ تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البَقَرَة: 58]، كَلمَةٌ أمَرَ بِها الله تعالى بَني إسْرائِيلَ، ومعناه: حُطَّ عنا ذُنُوبَنا، وقِيلَ معناهُ: قُولُوا صَواباً. وفي الحديث: «مَن ابْتَلاَهُ اللَّهُ بِبَلاَءٍ في جَسَدهِ فهو له حطَّةٌ» [أحمد بن حنبل ـ ج1] أي تُحَطُّ عنه خطاياهُ وذُنوبُهُ.
حطب: {فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجنّ: 15] أي ما يُعَدُّ للإِيقادِ، وقد حَطَبَ حَطَباً، واحْتَطَبْتُ. وفي المثل «المِكْثَارُ حاطِبُ لَيْلٍ»، أي ربّما يتكلَّمُ بما فيه هلاكُهُ مثلَ حاطب الليل الذي نهشتْهُ الحيَّة أو لَدَغَتْهُ العقربُ فصارَ يَهذي، وحَطَبَ فلاناً: جمع له الحطبَ. ومكانٌ حَطِيبٌ: كثيرُ الحَطَبِ. وقولهُ تعالى: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المَسَد: 4] كِنايَةٌ عن امرأةِ أبي لهبٍ فقد كانت تمشي بالنَّمِيمَةِ. وَحَطَبَ فُلانٌ بِفُلانٍ: سَعَى بِهِ.
حطم: الحَطْمُ: كسْرُ الشيءِ مِثْلُ الهَشْم ونَحْوهِ، ثم اسْتُعْمِلَ لِكُلِّ كسر مُتَنَاهٍ {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} [النَّمل: 18]. وحَطَمْتُهُ فانْحَطَمَ حَطْماً. وسائِقٌ حُطَمٌ: يَحْطِمُ الماشيَةَ لِفَرْط سَوْقِهِ وقلةِ رحمتِهِ بها. وسُمِّيَت الجَحِيمُ: حُطَمَةً، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} [الهُمَزة: 5] وقِيلَ للأكُولِ: حُطَمَةً، تَشْبِيهاً بالجحِيم تَصَوُّراً لِقَوْلِ الشاعِر:
كأنَّما في جَوْفِهِ تَنُّورُ
ودِرْعٌ حُطْمِيَّةٌ: مَنْسُوبَةٌ إلى ناسِجِها أو مُسْتَعْمِلِها. وحَطِيمٌ وزَمْزَمُ: مَكانانِ قرب الكعبة. والحُطامُ: ما يَتَكَسَّرُ مِنَ النباتِ بسبب اليُبْسِ، ومنه {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا} [الزُّمَر: 21].
حظ: الحَظُّ: النَّصِيب المُقَدَّرُ، وقد حَظِظَ وأحَظَّ فَهُوَ مَحْظُوظٌ، وقيلَ في جَمْعِهِ: أحاظٍ وَأَحْظٍ وحُظُوظٌ. قال تعالى: {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المَائدة: 14]، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النِّسَاء: 11].
حظر: الحَظْرُ: جَمْعُ الشيءِ في حَظِيرَةٍ. والمَحْظُورُ: المَمْنُوعُ. والمُحْتَظِرُ الذي يَعْمَلُ الحَظِيرَةَ. {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القَمَر: 31] أي فصاروا كالهشيم الذي يجمعه صاحب الحظيرة لِغَنَمِهِ أو ماعزِه، والمعنى أنهم بَادُوا وهَلكوا. وقد جاءَ فُلانٌ بالحَظِر الرَّطْبِ، أي الكَذِبِ المُسْتَبْشَعِ.
حف: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزُّمَر: 75] أي مُطِيفينَ بِحافَتَيْهِ أي جانِبَيْه، ومنه قَوْلُ النبيِّ عليه وعلى آله الصلاة والسَّلامُ: «تَحُفُّهُ الملائِكةُ بأجْنِحَتِها»(68). قال الشاعِرُ:
لَه لحظاتٌ في حَفافِ سَريرهِ
وجَمْعُهُ: أحِفَّةٌ. قال تعالى: {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} [الكهف: 32]. وفُلانٌ في حَفَفٍ مِنَ العَيْشِ: أي في ضِيقٍ، كأنَّهُ حَصَلَ في حَفَفٍ مِنه أي جانِبٍ بِخِلافِ مَنْ قِيلَ فِيهِ: هُوَ في واسِطَةٍ مِنَ العَيْشِ، ومنه قِيلَ: مَنْ حَفَّنَا أو رَفَّنَا فَلْيَقْتَصِدْ، أي مَنْ تَفَقَّدَ حَفَفَ عَيْشِنَا. وحَفِيفُ الشَّجَر، والجَناحِ: صَوْتُهُ فَذَلك حِكايَةُ صَوْتِهِ. والحَفُّ: آلةُ النَّسَّاجِ، سُمِّيَ بِذلك لِما يُسْمَعُ مِنْ حَفِّهِ، وهو صَوْتُ حَرَكتِهِ.
حفد: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النّحل: 72] حفَدَتُه: أوْلادُ أَوْلادِهِ، جَمْعُ حافِدٍ أو حفيد، وهو المُتَحَرِّكُ المُتَبَرِّعُ بِالخدْمَةِ أقارِبَ كانُوا أو أجانِبَ. قال المُفسِّرُونَ: هُمُ الأسْبَاطُ ونَحْوُهمْ، وذلك أنّ خِدْمَتَهُمْ أصْدَقُ. قال الشاعِرُ:
حَفْدُ الولائِدِ بَيْنَهُنَّ
وفُلانٌ مَحْفُودٌ أي مَخْدُومٌ، وهُمُ الأَختانُ والأصْهارُ، وفي الدعاءِ: إلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِدُ. وسَيْفٌ مُحْتَفِدٌ: سَريعُ القَطْعِ. قال الأصْمَعيُّ: أصْلُ الحَفْدِ مُدارَكَةُ الخَطْو.
حفر: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} [آل عِمرَان: 103] أي مكانٍ مَحْفُورٍ، ويقالُ لها حَفِيرَةٌ. والحَفَرُ: التُّرَابُ الذي يَخْرُجُ مِنَ الحُفْرَةِ، نَحْوُ نَقَضٍ لِما يُنْقَضُ. والمِحْفَارُ والمِحْفَرُ والمِحْفَرَةُ: ما يُحْفَرُ به، وسُمِّيَ حافِرُ الفَرَسِ، تشبيهاً لِحَفْرهِ في عَدْوِهِ. وقوله عَزَّ وجلَّ: {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} [النَّازعَات: 10] مثَلٌ لِمَنْ يُرَدُّ مِنْ حيثُ جاءَ، أي: أنَحْيَا بَعْدَ أنْ نَمُوتَ؟ وقِيلَ: الحافِرَةُ: الأرضُ التي جُعِلَتْ قُبُورَهُمْ، ومعناهُ: أئِنَّا لَمَرْدُودُونَ ونحنُ في الحافِرَةِ أي في القُبُورِ؟ وقولهُ: في الحافِرَةِ على هذا في مَوْضِعِ الحالِ. وقِيلَ رَجَعَ على طريقِهِ الذي جاء منه، ورَجَعَ الشيخُ إلى حافِرَتِهِ، أي هَرمَ وشاخَ، نحوُ قولِهِ: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النّحل: 70] وقولُهُمْ: النَّقْدُ عِنْدَ الحافِرَةِ لِمَا يُباعُ نَقْداً، والحَفَرُ: تأكُّلُ الأسْنانِ. وحُفِرَ فُوهُ حَفْراً أصابَ الحَفَرُ أسنانَهُ. وأحْفَرَ المُهْرُ: سقطت ثناياهُ ورباعيَّاتُهُ.
حفظ: الحِفْظُ: يُقالُ تارةً لهيئةِ النَّفْسِ التي بها يَثْبُتُ ما يُؤَدِّي إليه الفَهْمُ، وتارَةً لضَبْطٍ في النَّفْسِ، ويُضادُّهُ النِّسْيانُ، وتارَةً لاسْتِعْمالِ تِلْكَ القُوَّةِ فيقالُ: حَفِظْتُ كذا حِفْظاً، ثم يُسْتَعْمَلُ في كُلِّ تَفَقُّدٍ وتَعَهُّدٍ ورِعايَةٍ {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحِجر: 9]، {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البَقَرَة: 238]. وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5]، {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} [الأحزَاب: 35] كِنايَةٌ عنِ العِفَّةِ. {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النِّسَاء: 34] أي يَحْفَظْنَ عَهْدَ الأزواجِ عِنْدَ غَيْبَتِهِمْ بِسَبَبِ أنّ اللَّهَ تعالى يَحْفَظُهُنَّ أنْ يُطَّلَع عَلَيهنَّ. وقُرِىءَ (بِما حَفِظَ الله) بالنَّصْبِ أي بِسَبَبِ رعايَتِهِنَّ حَقَّ اللَّهِ تعالى لا لِرياءٍ وتَصَنُّعٍ مِنْهُنَّ. {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النِّسَاء: 80] أي حافِظاً كقولِهِ: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45]، {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعَام: 107]، {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا} [يُوسُف: 64] وقُرىءَ حِفْظاً، أي حِفْظُهُ خَيْرٌ مِنْ حِفْظِ غَيْرهِ، {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق: 4] أي حافِظٌ لأَعْمالِهِمْ، فيكونُ حَفِيظٌ بمعنَى حافِظٍ نحوُ {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} [الشّورى: 6] أو معناهُ: مَحْفُوظٌ لا يَضِيعُ، كقولِهِ تعالى: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى} [طه: 52]. والحِفاظُ: المُحافَظَةُ وهيَ أنْ يَحْفَظَ كُلُّ واحِد الآخَرَ. وقولهُ عَزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9] فيه تَنْبِيهٌ أنهم يَحْفَظُونَ الصَّلاةَ بِمُرَاعاةِ أوْقاتِها ومُرَاعاةِ أركانِها والقِيامِ بها في غايةِ ما يكونُ مِنَ الطَّوقِ، وأنَّ الصَّلاةَ تَحْفَظُهُمْ الحِفْظَ الذي نَبَّه عليه في قولِهِ: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العَنكبوت: 45]. والتَّحَفُّظُ وحقِيقتُهُ إنَّما هو تكلُّفُ الحِفْظِ لِضَعْفِ القُوَّةِ الحافِظَةِ. ولَمَّا كانَتْ تلك القُوَّةُ مِنْ أسْبابِ العَقْلِ تَوَسَّعُوا في تَفْسِيرها كما تَرَى. والحَفيظَةُ: الغَضَبُ الذي تحْمِلُ عليه المُحافَظَةُ، والحَفَظَةُ: الملائكةُ الذين يُحصونَ أفعال العبادِ.
حفى: الإِحْفاءُ في السؤالِ: التَّنَزُّعُ في الإِلْحاحِ في المُطالَبَةِ أو في البَحْثِ عن تَعرُّفِ الحالِ، وعلى الوَجْهِ الأوّلِ يُقالُ: أحْفَيْتُ السُّؤَالَ وأحْفَيْتُ فُلاناً في السُّؤَالِ. قال اللَّهُ تعالى: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} [محَمَّد: 37] أي إن يسألكم جميع أموالكم تبخلوا أي لن تعطوها: ولكنه يلطف بالسؤالِ، فإن أعطيتم القليل منها يعدكم الثواب الجزيل. وَأَصْلُ ذلك مِنْ أحْفَيْتُ الدابةَ: جَعَلْتُهَا حافِيةً، ومنه أحْفَيْتُ الشارِبَ: أخَذْتُهُ أخْذاً مُتَنَاهِياً. والحَفِيُّ: البَرُّ اللَّطِيفُ. ومنه قوله عَزَّ وجلَّ: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مَريَم: 47]. ويُقالُ أحْفَيْتُ بفُلانٍ وتَحَفَّيْتُ به، إذا عُنِيتُ بِإكرامِهِ. والحَفِيُّ: العالِمُ بالشيءِ، كقولِهِ تعالى: {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} [الأعرَاف: 187] أي كأنك عالم بها. وحفَّ القومُ بفلان: أحْدَقُوا به، والتفّوا حوله لقوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزُّمَر: 75] أي: وترى الملائكة محدقين من حول العرش يطوفون به..
حق: أصْلُ الحَقِّ المُطابَقَةُ والمُوَافَقَةُ، كَمُطابَقَةِ رِجْلِ البابِ في حَقِّهِ لِدَوَرانِهِ على اسْتِقامَةٍ. والحَقُّ يقالُ على أوْجُهٍ: الأوَّلُ: يُقالُ لمُوجِدِ الشيءِ بِسَبَبِ ما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ، ولهذا وصفَ اللَّهُ تعالى نفسه بأنّه هو الحَقُّ {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ} [الأنعَام: 62]، {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يُونس: 32]. والثانِي: يقالُ للمُوجِدِ بِحَسَبِ مُقْتَضَى الحِكْمَةِ، ولهذا يقالُ: فِعْلُ اللَّهِ تعالى كُلُّهُ حَقٌّ، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يُونس: 5] إلى قولهِ تعالى: {مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [يُونس: 5] وقال في القِيامَةِ: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يُونس: 53]، ومنه قوله: {لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} [البَقَرَة: 146] وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [البَقَرَة: 147]، {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [البَقَرَة: 149]. والثالِثُ: في الاعتِقادِ لِلشَّيءِ المُطابِقِ لما عليه ذلك الشيءُ في نَفْسِهِ كَقَوْلِنا: اعْتِقادُ فُلانٍ في البَعْثِ والثَّوابِ والعِقاب والجَنَّةِ والنارِ حَقٌّ {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ} [البَقَرَة: 213]. والرابِعُ: للفِعْلِ والقَوْلِ الواقِعِ بِحَسَبِ ما يَجِبُ، وبقَدْرِ ما يَجِبُ، وفي الوقْتِ الذي يجِبُ، كَقَوْلِنا: فعلُكَ حَقٌّ وقَوْلُكَ حَقٌّ. {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [يُونس: 33]، {حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَِمْلأََنَّ جَهَنَّمَ} [السَّجدَة: 13]. وقوله عزَّ وجلَّ: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} [المؤمنون: 71] يَصِحُّ أنْ يكونَ المُرادُ به اللَّهَ تعالى ويَصِحُّ أنْ يُرادَ به الحُكْمُ الذي هو بِحسَبِ مُقْتَضَى الحِكْمَةِ. ويقالُ: أحْقَقْتُ كذا، أي أثْبَتُّهُ حَقّاً أو حَكَمْتُ بِكَوْنِهِ حَقّاً. وقوله تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ} [الأنفَال: 8] فإحْقاقُ الحَقِّ على نوعين أحَدُهُما بِإظهارِ الأدِلَّةِ والآياتِ، كما قال تعالى: {وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} [النِّسَاء: 91] أي حُجَّةً قَويَّةً. والثانِي بإكمالِ الشَّريعَةِ وبَثِّها في الكافَّةِ كقولهِ تعالى: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصَّف: 8]، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التّوبَة: 33]. وقوله: {الْحَآقَّةُ *مَا الْحَآقَّةُ} [الحَاقَّة: 1-2] إشارَةٌ إلى القِيامَةِ كما فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ} [المطفّفِين: 6] لأنَّهُ يَحِقُّ فيه الجَزاءُ. ويقالُ: حاقَقْتُهُ فَحقَقْتُهُ، أيْ خاصَمْتُهُ في الحَقِّ فَغَلَبْتُهُ. وقال عُمَرُ رضي الله عنه: إذا النِّساءُ بَلَغْنَ نَصَّ الحِقاقِ فالعَصَبَةُ أوْلَى في ذلك. وفُلانٌ نَزقُ الحِقاقِ، إذا خاصَمَ في صِغارِ الأمورِ، ويُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمالَ الواجِبِ واللاَّزِمِ والجائِز، نحو: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الرُّوم: 47]، {كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يُونس: 103] وقولهُ تعالى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} [الأعرَاف: 105] قيلَ معنـاهُ: جَدِيرٌ، وقُرىءَ (حَقِيقٌ عَلَيَّ) قِيلَ: واجِبٌ. وقال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البَقَرَة: 228]. والحقيقةُ تُسْتَعْمَلُ تارَةً في الشيءِ الذي له ثَباتٌ ووُجُودٌ كقولِهِ (ص) لحارِثَةَ: «لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةٌ فَما حَقِيقَةُ إيمانِكَ» أي ما الذي يُنْبىءُ عن كَوْنِ ما تَدَّعيهِ حَقّاً؟ وفُلانٌ يَحْمِي حَقِيقَتَهُ: أي ما يَحِقُّ عليه أنْ يُحْمَى، وتارَةً تُسْتَعْمَلُ في الاعْتِقادِ كما تَقَدَّمَ، وتارَةً في العَمَلِ وفي القَوْلِ، فَيُقالُ: فُلانٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةٌ إذا لم يكنْ مُرَائِياً فيه، ولِقولِهِ حَقِيقَةٌ إذا لم يكنْ فيه مُتَرَخِّصاً ومُسْتزيداً.
حقب: قَالَ تعالى على لسان نبيّه موسى (ع) : {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف: 60]. وقولهُ تعالى: {لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النّبَإِ: 23] هو توقيتٌ لأنواع العذاب لا لمكثهم في النار. والحِقْبَةَ: مُدَّةٌ مِنَ الزَّمانِ مُبْهَمَةٌ.
حقف: قال تعالى: {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ} [الأحقاف: 21] جَمْعُ الحِقْفِ، أي الرَّمْلِ المستطيلِ العظيم لا يَبْلُغُ أن يكونَ جَبَلاً، وقيل: الرَّمْلُ الكثيرُ الذي يظهر فيهِ اعوجاجٌ. والأحقافُ هي رمالٌ بين عُمانَ وحضرموتَ. وظَبْيٌ حاقِفٌ: ساكِنٌ لِلحِقْفِ. واحْقَوْقَفَ: مالَ حتى صارَ كَحِقْفٍ قال:
سَماوَةُ الهِلالِ حتى احْقَوْقَفَا
حكم: حَكَمَ: أصلُه مَنَعَ مَنْعاً لإِصْلاحٍ، يُقالُ: حَكَمَ له، وحَكَمَ عليه إذا قضى؛ وحَكَمَ الرجلَ: مَنَعَهُ مما يُريدُ، وأَحْكَمَ عن الشيء: ردَّهُ، ومنه قول جرير:
أبَنِي حَنِيفَةَ أحْكِمُوا سُفَهاءَكُمْ
(أي ردُّوهم وكُفُّوهم وامنعوهُم مِنَ التَّعرُّضِ لي)، وقوله تعالى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحَجّ: 52] أي يُثَبِّتُها، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النِّسَاء: 26]. والحُكْمُ بالشيءِ أنْ تَقْضيَ بأنه كذا أو ليسَ بكذا ،سَواءٌ ألْزَمْتَ ذلك غَيْرَكَ أوْ لَمْ تُلْزمْهُ. قال تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النِّسَاء: 58]، {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المَائدة: 95]. وقال عَزَّ وجلَّ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المَائدة: 50] وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المَائدة: 50]. ويقالُ: حاكِمٌ وحُكَّامٌ لِمنْ يَحْكُمُ بَيْنَ الناسِ، قال اللَّهُ تعالى: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البَقَرَة: 188]. والحَكَمُ: المُتَخَصِّصُ بذلك، فهو أبْلغُ {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الأنعَام: 114]، {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النِّسَاء: 35] وإنَّما قال حَكَماً، ولم يَقُلْ حاكِماً تنبيهاً أنّ مِنْ شَرْطِ الحَكَمَيْنِ أنْ يَتَوَلَّيا الحُكْمَ عَلَيْهِمْ ولَهُمْ حَسْبَ ما يَسْتَصْوبانِهِ مِنْ غَيْر مُرَاجَعَةٍ إليهمْ في تَفْصِيلِ ذلك. ويُقالُ الحَكَمُ للواحِدِ والجمعِ. وتَحاكَمْنا إلى الحاكِمِ {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النِّسَاء: 60]، وحَكَّمْتُ فُلاناً {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النِّسَاء: 65] فإذا قِيلَ حَكَمَ بالباطِلِ فَمعناهُ أجْرَى الباطِلَ مَجْرَى الحُكْمِ. والحِكْمَةُ: إصابَةُ الحَقِّ بالعِلْمِ والعَمَلِ، فالحِكْمَةُ مِنَ اللَّهِ تعالى عِلْمُ الأشْياءِ وإيجادُها على غايَةِ الإِحْكامِ، ومِنَ الإِنْسانِ مَعْرفَةُ الموجُوداتِ وفِعْلُ الخَيْرَاتِ وهذا هو الذي وُصِفَ به لُقْمانُ في قوله عَزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمَان: 12] ونَبَّهَ على جُمْلَتِها بما وصَفَهُ بها، فإذا قيلَ في اللَّهِ تعالى هو حكِيمٌ، فمعناهُ بِخلافِ معناهُ إذا وُصِفَ به غيْرُهُ، ومِنْ هذا الوَجْهِ قال اللَّهُ تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التِّين: 8]، وإذا وُصِفَ به القُرْآنُ فَلِتَضَمُّنِهِ الحِكمَةَ نحوُ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يُونس: 1] وعلى ذلك قال: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} [القَمَر: 4-5]. وقيلَ معنَى الحَكيمِ: المُحْكَمِ نحوُ: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هُود: 1] وكِلاهُما صحيحٌ، فإنه مُحْكَمٌ ومُفِيدٌ لِلحُكْمِ ففيه المَعْنَيان جميعاً. والحُكْمُ أعَمُّ من الحِكْمَةِ، فَكُلُّ حِكمَةٍ حُكْمٌ وليسَ كُلُّ حُكْمٍ حِكْمَةً، فإنّ الحُكْمَ أنْ يُقْضَى بِشيءٍ على شيءٍ فَيَقُولَ هذا كذا أو ليسَ بكذا. قال (ص) : إنّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً (69)، أي قَضِيَّةً صادِقَةً. والحكمةُ اصطلاحاً تتحقّقُ جملةً، وقد تتخلفُ عندَ بعضِ الأفرادِ، كقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العَنكبوت: 45]. ونحنُ نرى أنّ المنكرَ قد يقعُ من بعضِ المصلّينَ مع قيامِهِمْ بالصلاةِ ولذلك فإنَّ الصلاةَ ليست علّةً بل هيَ حكمةٌ لتخلِّفها عند بعض الأفراد. وكذلك قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذّاريَات: 56] فَتكونُ الحكمةُ من الخَلْقِ عبادةَ الله سبحانه وتعالى، وليست العلّةَ؛ لأنَّ العبادةَ من المخلوقات تَتَحقَّقُ في جملتهمْ أي من أعدادٍ منهمْ ولكنها تتخلَّفُ في أفرادٍ منهمْ. أما العلة فهي التي تدورُ مع المعلولِ وجوداً وعدماً فلا تتخلّفُ لا في الجملةِ ولا في الأفرادِ. كقوله (ص) : «قاتلُ أبيهِ لا يرثُ»(70).
قال اللَّهُ تعالى: {وآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مَريَم: 12] وقال (ص) : «الصَّمْتُ حُكْمٌ وقليلٌ فاعِلُهُ»(71) أي حِكْمَةٌ {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البَقَرَة: 129]. وقال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزَاب: 34] قِيلَ تَفْسِيرُ القُرآنِ، ويَعْني ما نَبَّهَ عليه القرآنُ مِنْ ذلك {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المَائدة: 1] أي ما يُرِيدُهُ يَجْعَلُهُ حِكْمَةً، وقولُهُ عَزَّ وجلَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المَائدة: 44] فهو من الحِكْمَةِ المُخْتَصَّة بالأنْبِياء أو مِنَ الحُكْمِ. أما قوله: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عِمرَان: 7] فالمُحْكمُ: ما لا يَعْرضُ فيه شُبْهَةٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ ولا مِنْ حَيْثُ المعنَى. فالآياتُ المحكماتُ معناها قطعيٌّ، أي ليس لها إلاّ معنًى واحد. ولا تُفسّر إلا على وجه واحد. وأيضاً هي التي أُتقنت فليس فيها خلل ولا عوج. والمُتَشابِهُ على أضْرُبٍ، أي يفسّر على أكثر من وجه.. وفي الحَدِيثِ: «إنّ الجَنَّةَ لِلمُحَكَّمِينَ»(72) قِيلَ هُمْ قَوْمٌ خُيِّرُوا بيْنَ أنْ يُقْتَلُوا مُسْلِمِينَ وبَيْنَ أنْ يَرْتَدُّوا فاخْتارُوا القَتْلَ، وقِيلَ عنِ المُخَصَّصِينَ بالحِكْمَةِ.
حل: أصلُ الحَلِّ حَلُّ العُقْدَةِ، أي نَقْضُهَا وفَكُّها {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه: 27]. وحَلَلْتُ: نَزَلْتُ، أصلُهُ مِنْ حَلِّ الأحْمالِ عِنْدَ النُّزُولِ، ثم جُرِّد اسْتِعْمالُهُ لِلنزولِ، فقيلَ حَلَّ حُلُولاً وأحَلَّهُ غَيْرُهُ. {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} [الرّعد: 31]، و {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28] أي أنزلوهم دارَ الهلاَكِ. ويقالُ: حَلَّ الدَّيْنُ: انتهى أجلُهُ فوجَبَ أدَاؤُهُ، والحِلَّةُ: القومُ النازِلونَ. وحَيٌّ حِلالٌ: مِثْلُهُ. والمَحَلَّةُ: مكانُ النُّزولِ. وعن حَلِّ العُقْدَةِ اسْتُعِيرَ قولُهُمْ حَلَّ الشيءُ حِلاًّ، إذا كان حَلالاً، ومنه قوله تعالى {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا} [المَائدة: 88]، {هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النّحل: 116]. ومِنَ الحُلُولِ حَلَّ الهديُ إذا بلغَ موضعَ حلِّ نحرِهِ {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البَقَرَة: 196]. وأحَلَّ اللَّهُ كذا: جعلَهُ حلالاً {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ} [الحَجّ: 30]، {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} [الأحزَاب: 50] فإحْلالُ أزواجه هو في الوَقْتِ لِكَوْنِهِنَّ تَحْتَهُ، وإحْلالُ بَناتِ العَمِّ وما بَعْدَهُنَّ في الآية الكريمة: إحْلالُ التَّزَوُّجِ بِهنَّ. وبَلَغَ الأجل مَحِلَّهُ، ورجُلٌ حَلالٌ ومُحِلٌّ، إذا خَرَجَ إلى الحِلِّ عن الحَرَمِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المَائدة: 2]، و {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البَلَد: 2] أي حَلالٌ. وقولُه عَزَّ وجلَّ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التّحْريم: 2] أي بَيَّنَ ما تَنْحَلُّ به عُقْدَةُ أيْمانِكمْ مِنَ الكَفَّارَةِ. ورُوِيَ: لا يَمُوتُ للرّجُلِ ثلاثةٌ مِنَ الأولادِ فَتَمَسَّهُ النـارُ إلاَّ قَدْرَ تَحِلَّةِ القَسـَمِ(73)، أي قَدْرَ ما يَقُـولُ: إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى، وعلى هذا قولُ الشاعِر:
وقْعُهُنَّ الأرْضَ تَحْلِيلُ
والحَلِيلُ: الزَّوْجُ إمّا لِحَلِّ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما إزارَهُ لِلآخَر، وإمّا لِنُزُولِهِ مَعَهُ، وإمّا لِكوْنِهِ حَلالاً له، ولهذا يقالُ لِمَنْ يُحالُّكَ: حَلِيلٌ. والحَلِيلَةُ: الزَّوجَةُ. وجَمْعُها: حلائِل {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} [النِّسَاء: 23]. والحُلَّةُ: القميصُ والإزارُ والرِّداءُ.
حلف: الحِلْفُ: العَهْدُ بَيْنَ القَوْمِ لأنه لا يُعْقَدُ إلاَّ بِالحِلْفِ؛ والمُحالفَةُ: المُعاهَدَةُ، وجُعِلَت لِلمُلازَمَةِ التي تَكُونُ بِمُعاهدةٍ. وفلانٌ حَلِفُ كَرَمٍ وحِلْفُ كَرَمٍ. والأحْلافُ: جَمْعُ حَلِيفٍ. قال الشاعِرُ:
تَدَارَكْتُما الأحْلافَ قد ثُلَّ عَرْشُها
والحَلِفُ: أصْلُهُ اليَمِينُ الذي يَأخُذُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بها العَهْدَ، ثم عُبِّرَ به عن كُلِّ يَمِينٍ. {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ} [القَلَم: 10] أيْ مِكْثارٍ لِلْحَلِفِ. وقال تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} [التّوبَة: 74]، {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ} [التّوبَة: 56]، {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} [التّوبَة: 62]. والمُحْلِفُ: كلُّ شيءٍ مُحْتَلَفٍ فيه لأنه داعٍ إلى الحَلِفِ. والمُحالَفَةُ: أنْ يَحْلِفَ كُلٌّ لِلآخَر، ثم جُعِلَتْ عِبارَةٌ عنِ المُلازَمَةِ مُجَرَّداً، فقيلَ: حِلْفُ فُلانٍ وحَلِيفُهُ. وقال النبيّ (ص) : «لا حِلْفَ في الإسْلامِ» [رواه البخاري ـ باب الكفالة] أي ما كانَ منه في الجاهلية على الفتنِ والقتال والغارات، وبخلافِهِ قال النبيُّ (ص) : «وأيُّما حِلْفٍ كان في الجاهلية لم يَزِدْهُ الإسلامُ إلاَّ شدة»(74) أي ما كان فيه المعاقدة على الخير ونصرة الحق كحلف المطيبين. وفُلانٌ حَلِيفُ اللِّسانِ: أيْ حَدِيدُهُ، كأنَّهُ يُحالِفُ الكَلامَ فلا يَتَباطَأ عنه، ومنه: حَلِيفُ الفَصاحَةِ.
حلق: الحَلْق: العُضْوُ المَعْروفُ. وحَلَقَهُ: ضَرَبَهُ فأصابَ حَلْقَهُ، ثم جُعِلَ الحَلْقُ لِقَصِّ الشَّعَر، فقيلَ: حَلَقَ شَعَرَهُ {وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ} [البَقَرَة: 196]، {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفَتْح: 27]. ورَأسٌ حَلِيقٌ، ولِحْيَةٌ حَلِيقٌ، واعْتُبِرَ في الحَلْقَةِ معنَى الدَّوَرَانِ، فقيلَ: حَلْقَةُ القومِ، وقِيلَ حَلَّقَ الطَّائِرُ، إذا ارْتَفَعَ ودارَ في طَيَرَانِهِ.
حلم: الحِلْمُ: ضَبْطُ النَّفْسِ والطَّبْعِ عن هَيَجانِ الغَضَبِ، وجَمْعُهُ أحْلامٌ {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ} [الطُّور: 32] قِيلَ: معناهُ عُقُولُهُمْ. وليس الحِلْمُ في الحَقيقَةِ هو العَقْل، لكنْ فَسَّرُوهُ بذلك لِكَوْنِهِ مِنْ مُسبَّبَاتِ العَقْلِ. وقد حَلُمَ وحَلَّمَهُ العَقْلُ وتَحَلَّمَ. وأحْلَمَت المَرأةُ: وَلَدَتْ أوْلاداً حُلَماءَ {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هُود: 75]. وقولُه تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ} [الصَّافات: 101] أي وُجِدَتْ فيه قُوَّةٌ الحِلْمِ. وقولُهُ عَزَّ وجلَّ: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النُّور: 59] أي زَمانَ البُلُوغِ، وسُمِّيَ (الحُلُمَ) لِكَوْنِ صاحِبِهِ جَدِيراً بالحِلْمِ. ويُقالُ: حَلَمَ في نَوْمِهِ يَحْلُمُ حِلماً وحُلُماً، وقِيلَ حُلْماً نحوُ رُبْعٍ، وتَحَلَّم واحْتَلَمَ وحَلَمْتُ به في نَوْمِي، أي رَأيْتُهُ في المَنامِ {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} [يُوسُف: 44]. وَحَلَمَةُ الثَّدْيِ في الهَيْئَةِ بِدلالَةِ تَسْمِيَتها بالقِراد في قولِ الشاعِر:
كأنّ قِرَادَيْ زَوْرِهِ طَبَعَتْهُما بِطِينٍ مِنَ الحُولانِ كُتَّابُ أعْجَم
وحَلِمَ الجِلْدُ: وقَعَتْ فيه الحَلَمَةُ. وحَلَمْتُ البَعِيرَ: نَزَعْتُ عنه الحَلَمَةَ، ثم يُقالُ حَلَّمْتَ فُلاناً، إذا دارَيْتَهُ لِيَسْكُنَ وتَتَمَكَّنَ منه تَمَكُّنَكَ مِنَ البَعِير إذا سكَّنْتَهُ بِنَزْعِ القِرادِ عنه.
حلي: الحُلِيُّ: جَمعُ الحَلْيِ، نحوُ ثَدْيٍ وثُدِيٍّ، وهو ما يُزَيّن به من المصوغات {مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} [الأعرَاف: 148]. يقالُ حَلِي يَحْلَى: أي حَسُنَ حُسْنَ الحَلْيِ {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الحَجّ: 23]، {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسَان: 21]، وقِيلَ الحِلْيَةُ {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [الزّخرُف: 18] أي من ينشّأ في الزينة.
حمّ: الحَمِيمُ: الماءُ الشديدُ الحَرَارَةِ {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا} [محَمَّد: 15]، {إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النّبَإِ: 25]، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ} [يُونس: 4]، {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحَجّ: 19]، {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} [الصَّافات: 67]، {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} [ص: 57]. وَقِيلَ للماءِ الحارِّ في خُرُوجِهِ مِنْ مَنْبَعِهِ: حَمَّةٌ. ورُوِيَ: العالِمُ كالحَمَّةِ يَأتِيها البُعَدَاءُ ويَزْهَدُ فيها القُرباءُ. وسُمِّيَ العَرَقُ حَمِيماً على التَّشْبِيهِ. وسُمِّيَ الحَمَّامُ حَمَّاماً إمّا لأنَّهُ يُعَرِّقُ، وإمَّا لِما فيه مِنَ الماءِ الحارِّ. واسْتَحَمَّ فُلانٌ: دَخَلَ الحَمَّامَ. قالَ عَزَّ وجلَّ: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ *وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشُّعَرَاء: 100-101]. وقولهُ تعالى: {وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [المعَارج: 10] فهو القَريبُ المُشْفِقُ فكأنَّهُ الذي يَحْتَدُّ حِمَايَةً لِذَويهِ. وقِيلَ لِخاصَّةِ الرَّجُلِ حامَّتُهُ، فقيل: الحامَّة والعامَّةُ، وذلك لِما قُلْنا، ويَدُلُّ على ذلكَ أنه قِيلَ لِلْمُشْفِقِينَ مِنْ أقارِبِ الإِنْسانِ حُزَانَتهُ، أي الذينَ يَحْزَنُونَ له. واحْتَمَّ فلانٌ لِفُلانٍ: احْتَدَّ، وذلكَ أبْلَغُ من (اهْتَمَّ) لِما فيه مِنْ مَعْنَى الاحْتِمامِ. وأحَمَّ الشَّحْمَ: أذابَهُ وصارَ كالحَمِيمِ. وقوله عَزَّ وجلَّ: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقِعَة: 43] لِلْحَمِيمِ، فَهُوَ يَفْعولُ مِنْ ذلكَ. وقِيلَ أصْلُهُ الدُّخانُ الشَّدِيدُ السَّوادِ، وتَسْمِيَتُهُ إمّا لِما فيه مِنْ فَرْطِ الحَرارَةِ كما فَسَّرَهُ في قولِه: {لاَ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ} [الواقِعَة: 44] أو لِما تُصُوِّرَ فيه مِنَ الحَمَمَةِ، ومن لفظِها اليَحْمومُ أي الأسودُ من كلِّ شيءٍ، وإليه أشِيرَ بقولِهِ: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزُّمَر: 16]. وعُبِّرَ عَنِ المَوْتِ بالحِمامِ كقَوْلِهِمْ حُمَّ كذا، أي قُدِّرَ. والحُمَّى: سُمِّيَتْ بذلكَ إمّا لما فِيها مِنَ الحَرارَةِ المفْرطَةِ، وعلى ذلكَ قولهُ (ص) : «وَالحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»(75)، وإمّا لما يَعْرضُ فيها مِنَ الحَمِيمِ أي العَرَقِ، وإمّا لكَوْنِها مِنْ أمارات الحِمامِ لِقَوْلِهِمْ: الحُمَّى بَريدُ المَوْتِ، وقِيلَ بابُ المَوْتِ. وقِيل حَمَّمَ الفَرْخُ، إذا اسْوَدَّ جِلْدُهُ مِنَ الرِّيشِ. وحَمَّمَ وجْهُهُ: اسوَدَّ بالشَّعَر، فَهُما مِنَ لَفْظِ الحَمَمةِ.
حمـد: الحَمْدُ للَّهِ تعالى: الثَّناءُ عليه بالفَضِيلَةِ، وهو أخَصُّ مِنَ المَدْحِ، وأعَمُّ مِنَ الشُّكْر، فإنَّ المَدْحَ يقالُ فِيما يَكُونُ مِنَ الإِنْسانِ باخْتِيارِهِ ومِمَّا يقالُ منه وفيه بالتَّسْخِير، فقدْ يُمْدَحُ الإنْسانُ بِطُولِ قامَتِهِ وصَباحَةِ وجْهِهِ، كما يُمْدَحُ بِبَذْلِ مالِهِ وسَخائِهِ وعِلْمِهِ، والحَمْدُ يَكُونُ في الثَّاني دونَ الأوَّلِ، والشُّكْرُ لا يُقالُ إلاّ في مُقابَلَةِ نِعْمَةٍ: فكُلُّ شُكْرٍ حَمْدٌ ولَيْسَ كُلُّ حَمْدٍ شُكراً، وكُلُّ حَمْدٍ مَدْحٌ ولَيْسَ كُلُّ مَدْحٍ حَمْداً. ويقالُ فُلانٌ مَحْمُودٌ، إذا حُمِدَ ومُحَمَّدٌ إذا كَثُرَتْ خِصالُهُ المَحْمُودَةُ. ومَحْمَدٌ إذا وُجِدَ مَحْموداً. وقوله عزَّ وجلَّ: {إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هُود: 73] يَصِحُّ أنْ يكُونَ في مَعْنَى المَحْمُودِ، وأنْ يكُونَ في مَعْنَى الحامِدِ. وحُماداكَ أنْ تَفْعَلَ كذا، أيْ غايَتُكَ المَحْمُودَةُ، قالت أم سلمة «حُماديَات النساءِ غَضُّ الطرف» أي غايةُ ما يُحْمَدُ منهنَّ هذا. وقوله عزَّ وجلَّ: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصَّف: 6] فأحْمَدُ إشارَةٌ إلى النَّبيِّ (ص) باسْمِهِ وفِعْلِهِ تَنْبِيهاً أنَّهُ كما وُجِدَ اسْمُهُ أحْمَدُ، فإنّه يُوجَدُ وهُوَ مَحمودٌ في أخْلاقِهِ وأحْوالِهِ، وخَصَّ لَفْظَةَ أحْمَدَ فيما بَشَّرَ به عِيسَى (ع) تَنْبِيهاً أنَّهُ أحْمَدُ منه ومِنَ الذينَ قَبْلَهُ. وقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفَتْح: 29] فَمُحَمَّدٌ هَهُنا وإنْ كانَ مِنْ وجْهٍ اسْماً عَلَماً لَهُ، فَفيه إشارَةٌ إلى وصْفِهِ بذلِكَ وتَخْصِيصِهِ بِمَعْناهُ الحامِدِ والمحْمودِ كما مَضَى ذلكَ في قوله تعالى: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مَريَم: 7] فيُحمل لفظ يحيى على معنى الحياة.
حمر: الحِمارُ: الحَيَوانُ المَعْرُوفُ، وجَمْعُهُ حَمِيرٌ وأحْمِرَة وحُمُرٌ. {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النّحل: 8]. ويُعَبَّرُ عن الجاهِلِ بذلكَ {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجُمُعَة: 5]، {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} [المدَّثِّر: 50]. وحِمارُ قَبَّانَ: دُوَيْبَّةٌ. والحِمارانِ: حَجَرانِ يُجَفَّفُ عَلَيْهِما الجبنُ شُبِّهَا بالحِمارِ في الهَيْئَةِ. والمُحَمَّرُ: الفَرَسُ الهجِينُ المُشَبَّهُ بَلادَتُهُ بِبَلادَةِ الحِمارِ. والحُمْرَةُ في الألْوانِ، وقِيلَ الأحْمَرُ والأسْوَدُ للْعَجَمِ والعَرَبِ اعْتِباراً بِغالِبِ ألْوَانِهِمْ. وقِيلَ: حَمْرَاءُ العِجانِ، أَي العُنُقُ. والأحْمَرَانِ: اللَّحْمُ والخمْرُ اعتِباراً بِلَوْنَيْهِما. والمَوْتُ الأحْمَرُ: أصلُهُ فِيما يُرَاقُ فيه الدَّمُ لِحُمْرتِه. وسَنَةٌ حَمْرَاءُ: جَدْبَةٌ لِلْحُمْرَةِ العارِضَةِ في الجَوِّ منها. «وحمراءُ الظهيرة» شِدَّةُ الحَرِّ. وقِيلَ: وطاءَةٌ حَمْرَاءُ، إذا كانتْ جَديدَةً. ووطاءَةٌ دَهماءُ: دارِسَةٌ.
حمل: الحَمْلُ: معنًى واحِدٌ اعْتُبِرَ في أشياء كَثيرَةٍ فَسُوِّيَ بَيْنَ لَفظِهِ في فِعْلٍ، وفُرِّق بَيْنَ كثيرٍ منها في مَصادِرِها، فقيلَ في الأثْقالِ المَحْمُولَةِ في الظَّاهِر كالشـيءِ المَحْمُولِ على الظَّهْرِ: حِمْلٌ، وفي الأثْقالِ المَحْمُولَةِ في الباطِنِ: حَمْلٌ، كالوَلَدِ في البَطْنِ والمَاءِ في السَّحابِ والثَّمَرَةِ في الشَّجَرَةِ، تشبيهاً بِحَمْلِ المَرأةِ {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فَاطِر: 18]. يقالُ: حَمَلْتُ الثِّقْلَ والرِّسالةَ والوزْرَ حَمْلاً، ومنه {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العَنكبوت: 13]، {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [العَنكبوت: 12]، {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التّوبَة: 92]، {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النّحل: 25]، وقولهُ عَزَّ وجلَّ {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجُمُعَة: 5] أي كُلِّفُوا أنْ يَتَحَمَّلُوها، أي يَقُومُوا بِحَقِّها فلم يَحْمِلُوها. ويُقالُ: حَمَّلْتُهُ كذا فَتَحَمَّلَهُ، وحَمَّلْتُ عليه كذا فَتَحَمَّلَهُ واحْتَمَلَهُ وحَمَلَهُ، ومنه {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} [الرّعد: 17]، {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحَاقَّة: 11]، {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النُّور: 54]، {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البَقَرَة: 286]، {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القَمَر: 13]، {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسرَاء: 3]، {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ} [الحَاقَّة: 14]. وحَمَلَتِ المَـرأةُ: حَبِلَت، وكذا حَمَلَتِ الشَّجَرَةُ، يُقالُ حَمْلٌ وأحْمالٌ {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطّلاَق: 4]، {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} [فَاطِر: 11]، {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} [الأعرَاف: 189]، {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف: 15]، {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] والأصلُ في ذلك: الحَمْلُ على الظَّهْر، فاسْتُعِيرَ للحَبَلِ بِدلالَةِ قولِهِمْ: وسَقَتِ الناقَةُ، إذا حَمَلَتْ. وأصلُ الوَسْقِ: الحِمْلُ المَحْمُولُ على ظَهْرِ البَعِير. وقِيلَ: المَحْمُولَةُ، لِمَا يُحْمَلُ عليه كالقَتُوبَةِ والرَّكوبَةِ. والحَمُولَةِ لِمَا يُحْمَلُ. والحِمْلُ للمَحْمُولِ. وخُصَّ الضَّأْنُ الصَّغِير بذلك لِكَوْنِهِ مَحْمُولاً لِعَجْزِهِ أو لِقُرْبِهِ مِنْ حَمْلِ أمِّهِ إيَّاهُ، وَجَمْعُهُ أحْمالٌ وحِمْلانٌ، وبها شُبِّهَ السَّحابُ فقال عَزَّ وجلَّ: {فَالْحَامِلاَتِ وِقْرًا} [الذّاريَات: 2]. والحَمِيلُ: السحابُ الكثِيرُ المَاءِ، لِكَوْنِهِ حامِلاً للماءِ. والحَمِيلُ: ما يَحْمِلُهُ السَّيْلُ، والغَرِيبُ تشبيهاً بالسَّيْلِ، والوَلَدِ في البَطْنِ. والحَمِيلُ: الكَفِيلُ لِكَوْنِهِ حامِلاً لِلحَقِّ مَعَ مَنْ عليه الحَقُّ. ومِيراثُ الحَمِيلِ: لِمَنْ لا يتحقَّقُ نَسَبُهُ. و {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المَسَد: 4]: كِنايَةٌ عنِ النَّمامِ، وقِيلَ: فُلانٌ يَحْمِلُ الحَطَبَ الرَّطْبَ: أي يَنِمُّ.
حمي: الحَمْيُ: الحَرَارَةُ المُتَوَلِّدَةُ مِنَ الجَوَاهِر المَحْمِيَّةِ كالنارِ والشمسِ، ومِنَ القُوَّةِ الحارَّةِ في البَدَنِ. قال تعالى: {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] أي ذات حَمَأ، وقُرىءَ (حَامِيَةٍ) أي حارّة. وقال عز وجلَّ: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التّوبَة: 35]. وحَمِيَ النهارُ، وأُحْمِيَتِ الحَدِيدَةُ إحْماءً. وحُمَيَّا الكأسِ: سَوْرَتُها وحَرَارَتُها، وعُبِّرَ عن القُوَّةِ الغَضَبِيَّةِ إِذا ثارَتْ بالحَمِيَّةِ، فقيلَ: حَمِيتُ على فُلانٍ، أي غَضِبْتُ عليه، ومنه {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةَ} [الفَتْح: 26] وعن ذلك اسْتُعِيرَ قَوْلُهُمْ حَمَيْتُ المكانَ حِمًى، ورُوِيَ: لا حِمَى إلاّ للَّهِ ورسولِهِ(76). وَحَمَيْتُ أنْفِي مَحْمِيَةً، وحَمَيْت المَريضَ حَمْياً. وقولُه عزَّ وجلَّ: {وَلاَ حَامٍ} [المَائدة: 103] قِيلَ: هو الفَحْلُ إذا ضَرَبَ عَشَرَةَ أبْطُنٍ، كان يقالُ: حُميَ ظَهْرُهُ، فلا يُرْكَبُ. وأحْماءُ المَرأةِ: كُلُّ مَنْ كان مِنْ قِبَلِ زَوْجِها وذلك لِكَوْنِهِمْ حُماةً لها. وقِيلَ حَماها وحَمِيها. والحَمأةُ والحَمَأ: طِينٌ أسْوَدُ، ومنه {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحِجر: 26] ولذا يتفاخر الشيطان بأنه خُلِق من مارجٍ من نار، والإنسانُ خلق من صَلصَال من حمإٍ مسنون ولم يعلم الشيطان أن التفاضل عند الله تعالى يكون بالعمل والتقوى لا بالأصْلِ والمعصية.
حن: الحَنِينُ: النِّزَاعُ المُتَضَمِّنُ للإِشْفاقِ، يقالُ حَنَّتِ المَرأةُ والناقَةُ لِوَلَدِها، وقد يكونُ مَعَ ذلك صَوْتٌ. ولذلك يُعَبَّرُ بالحَنِينِ عن الصَّوْتِ الدَّالِّ على النّزَاعِ والشَّفَقَةِ أو مُتَصَوِّرٍ بِصُورَتِهِ، وعلى ذلك: حَنِينُ الجِذْعِ، ورِيحٌ حَنُونٌ وقَوْسٌ حَنَّانَةٌ، إذا رَنَّتْ عِندَ الإِنْباض. ويُقالُ: «ما لَهُ حانَّةٌ ولا آنَّةُ»، أي لا ناقَة ولا شاةٌ سَمِينَةٌ، ووُصِفَتَا بذلك اعتباراً بِصَوْتِهِما. ولَمَّا كان الحَنِينُ مُتَضَمّناً للإِشْفاقِ والإِشْفاقُ لا يَنْفَكُّ مِنَ الرَّحْمَةِ، عُبِّرَ عنِ الرَّحْمَةِ به، فيُقالُ: حَنَّ عليه: رَحِمَهُ، قال تعالى: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} [مَريَم: 13] ومنه قِيلَ: الحَنَّانُ المنَّانُ، أي الرحيمُ بعبادهِ المعطي لهم؛ وحَنانَيْكَ: إشْفاقاً بَعْدَ إشْفاقٍ، وتَثْنِيَتُهُ كَتَثْنِيَةِ لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ. ويوم حُنَيْنٍ: منْسُوبٌ إلى مَكانٍ مَعْرُوفٍ.
حنث: {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} [الواقِعَة: 46] أي الذَّنْبِ المُؤْثِمِ، وسُمِّيَ اليَمينُ الغَمُوسُ حِنْثاً لذلك. وقِيلَ: حَنِثَ في يَمِينِهِ، إذا لم يَفِ بها، وعُبِّرَ بالحِنْثِ عنِ البُلُوغِ لِمَا كان الإِنْسانُ عِنْدَهُ يُؤْخَذُ بِما يَرْتكِبُهُ خِلافاً لِمَا كان قَبْلَهُ، فَقِيلَ بَلَغَ فُلانٌ الحِنْثَ. والمُتَحَنِّثُ: النافِضُ عن نَفْسِهِ الحِنْثَ، نحوُ المُتَحَرِّج والمُتَأثِّمِ.
حنجر: {لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غَافر: 18]، الحناجر جَمْعُ حَنْجَرَةٍ، وهِي جوف الحلقومُ {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزَاب: 10]: لولا أن ضاقت الحنجرة لخرجتِ عن الروح.
حنذ: حَنَذَ الشاةَ: شَواها وجَعَلَ فوقها حجارةً مُحْماةً بالنار لتُنْضِجَها فهي حنيذ، ومنه قوله تعالى: {أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هُود: 69] أي مَشْويٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، وإنَّما يُفْعَلُ لِتَتَصَبَّبَ عنه اللُّزوجَةُ التي فيه، وهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَنَذْتُ الفَرَسَ: اسْتَحْضَرْتُهُ شَوْطاً أو شَوْطَيْنِ، ثم ظاهَرْتُ عليه الجلالَ لِيَعْرَقَ، وهو مَحْنُوذٌ وحَنِيذٌ، وقَدْ حَنَذَتْنا الشَّمْسُ، أي جعلتنا نعرق ويخرج منا ماءٌ قليل.
حنف: الحَنَفُ: هو مَيْلٌ عنِ الضَّلالِ إلى الاسِتقامَةِ. والجَنَفُ: مَيْلٌ عن الاسْتقامَةِ إلى الضلالِ. والحَنِيفُ: من أَسْلَمَ لأَمْرِ اللَّهِ ولم يَلْتَوِ، {قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} [النّحل: 120]، {حَنِيفًا مُسْلِمًا} [آل عِمرَان: 67] وجَمْعُهُ حُنَفاءُ: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ} [الحَجّ: 30-31]. وتَحَنَّفَ فُلانٌ، أي تَحَرَّى طَريقَ الاسْتِقامَةِ. وسَمَّتِ العَرَبُ كُلَّ مَنْ حَجَّ أوِ اخْتَتَنَ حَنِيفاً، تَنْبِيهاً أنَّهُ على دِينِ إبْراهِيمَ (ع) . والأحْنَفُ: مَنْ في رِجْلِهِ مَيْلٌ، قيل سُمِّيَ بذلكَ على التَّفاؤُلِ، وقيلَ بَلِ اسْتُعِيرَ للْمَيْلِ المُجَرَّدِ.
حنك: الحَنَكُ: حَنَكُ الإِنْسانِ والدَّابَّةِ، أي الفكُّ منهما، وقِيلَ لِمنْقارِ الغُرابِ حَنَكٌ لِكَوْنِهِ كالحَنَكِ مِنَ الإِنْسانِ. وقِيلَ: أسْوَدُ مِثلُ حَنَكِ الغُرابِ وحَلَكِ الغُرابِ، فَحَنَكُهُ: مِنْقارُهُ، وحَلَكُهُ: سَوادُ رِيشِهِ، وقوله تعالى: {لأََحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسرَاء: 62] يَجُوزُ أنْ يكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَنَكْتُ الدَّابَّةَ: أصَبْتُ حَنَكها باللِّجامِ والرَّسَنِ، فَيكُونُ نَحْوَ قَوْلكَ: لأُلْجِمَنَّ فُلاناً ولأُرسِنَنَّهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: احْتَنَكَ الجَرَادُ الأرْضَ، أي اسْتَوْلَى بِحَنَكِهِ عَلَيْها فأكَلَها واسْتَأْصَلَها فيكونُ مَعْناهُ: لأسْتَوْلِيَنَّ عليهمْ وأُضِلَّنَّهُمْ. وفلانٌ حَنَّكهُ الدَّهْرُ: كَقَوْلِهِمْ نَجَرَهُ وقَرَعَ سنَّهُ وَافْتَرَّهُ، ونحو ذلك مِنَ الاستعاراتِ في التَّجْربَةِ.
حوب: الحُوبُ: الإثْم {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النِّسَاء: 2] والحَوْبُ: المَصْدَرُ منه؛ من قَوْلِهِمْ: حابَ حُوباً وحَوْباً وحِيابَةً، والأصْلُ فيه: حَوَبَ لزَجْر الإِبِلِ. وفلانٌ يَتَحَوَّبُ منْ كذا، أي يَتَأثَّمُ أَوْ يَتَحَرَّجُ مِنْهُ. وقولُهُمْ: ألْحَقَ اللَّهُ به الحَوْبَةَ، أي المَسْكَنَةَ والحاجَةَ، وحَقِيقَتُها: هِيَ الحاجَةُ التي تَحْمِلُ صاحِبَها على ارتكابِ الإثْمِ. وقِيلَ: باتَ فلانٌ بِحِيبَةِ سَوْءٍ، وَنَزَلَ الْقَوْمُ بِحَوْبَةٍ مِنَ الأَرْض؛ أَيْ بِمَوْضِعِ سُوءٍ. والْحَوْبَةُ: الحُزْنُ وَالْوَحْشَةُ، وَالْوَجَعُ، وَالتَّحَوُّبُ: التَّحَزُّن وَالتَّوَجُّع. والحَوْباءُ، قِيلَ هي النَّفْسُ، وحَقِيقَتُها: هِيَ النَّفْسُ المُرْتكِبَةُ للْحَوْبِ وَهيَ المَوصُوفَةُ بقَوْلِهِ تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يُوسُف: 53].
حوت: الحوت: السَّمَكُ العظيم {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61]، {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ} [الصَّافات: 142]، {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} [الأعرَاف: 163] وقِيلَ: حاوَتَنِي فُلانٌ: خَادَعَني، «ظلَّ يُحاوِتُنِي» أي يُراوِغُني كفِعْلِ الحُوتِ في الماء.
حوج: الحاجَةُ إلى الشيءِ: الفَقْرُ إليه مَعَ مَحَبَّتِهِ، وجَمْعُها حاجاتٌ وحوائِجُ. وحاجَ يَحُوجُ: احْتَاجَ {إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} [يُوسُف: 68]، والحَوْجاءُ: الحاجَةُ، وقوله تعالى: {وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} [الحَشر: 9] أي وهم يشعرون بأن نفوسهم ليست بحاجة إلى شيء. وقوله: {وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً} [غَافر: 80] تَبْلغُوا المواضعَ التي تقصدونها لحوائِجكُمْ.
حوذ: الحَوْذُ: أنْ يَتْبَعَ السائِقُ حاذيَيْ البَعِير، أي أدْبارَ فَخِذَيْهِ، فَيُعَنِّفَ في سَوْقِهِ. يُقالُ: حاذَ الإِبِلَ يَحُوذُها أي ساقَها سَوْقاً عَنِيفاً. وقولهُ: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} [المجَادلة: 19] أي اسْتَاقَهُمْ سوقاً عنيفاً مُسْتَولِياً عليهمْ، أو مِنْ قولِهِمْ: اسْتَحْوَذَ عليه أي استولى عليه وحَوَاهُ إليه. ويُقالُ: اسْتَحاذَ، وهو القِياسُ. واسْتعارَةُ ذلك كقولِهِمْ: اقْتَعَدَهُ الشيطانُ وارْتَكَبَهُ. والأحْوَذِيُّ: الخَفِيفُ الحاذِقُ بالشيءِ، مِنَ الحَوْذِ أي السَّوْقِ.
حور: الحَوْرُ: التَّرَدُّدُ إمّا بالذاتِ وإمّا بالفِكْر. وقولُهُ عَزَّ وجل: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق: 14] أي لَنْ يُبْعَثَ، وذلك نحوُ قولهِ {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التّغَابُن: 7]. وحارَ الماءُ في الغَدِير: تَرَدَّدَ فيه. وحارَ في أمْرهِ: تَحَيَّرَ. ومنه المِحْوَرُ لِلعُودِ الذي تَجْري عليه البكَرَةُ لتَرَدُّدِهِ، وبهذا النَّظَر قِيلَ: سَيْرُ السَّوانِي أبَداً لا يَنْقَطِع. ومَحارَةُ الأُذُنِ: لِظاهِرهِ المُنْقَعِر، تشبيهاً بِمَحارَةِ الماءِ لِتَرَدُّدِ الهواءِ بالصَّوْتِ فيه كَتَرَدُّدِ الماءِ في المَحارَةِ. والقومُ في حَوَارٍ: في ترددٍ إلى نُقْصانٍ. وفي الدعاء نقول: «نَعُوذُ باللَّهِ مِن فساد أمورِنا بعْد صلاحِها» أو مِنْ نُقْصانٍ وتَرَدُّدٍ في الحالِ بَعْدَ الزيادَةِ فيها. وقِيلَ: حارَ في الأمرِ بعدَ المضِيِّ فيه. والمُحاوَرَةُ والحِوَارُ: المُرَادَّةُ في الكلامِ، ومنه التَّحاوُرُ {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجَادلة: 1]. وكَلَّمْتُهُ فما رَجَعَ إلى حَوَارٍ أو حَويرٍ أو مَحْوَرَةٍ؛ وما يَعِيشُ بأحْوَرَ، أي بِعَقْلٍ يحُورُ إليه. وقولهُ تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرَّحمن: 72]، {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقِعَة: 22] جمعُ أحْوَرَ وحَوْرَاءَ. والحَوَرُ قِيلَ: ظُهُورُ قَلِيلٍ مِنَ البَياضِ في العَيْنِ مِنْ بَيْنِ السَّوَادِ، وأحْوَرَتْ عَيْنُهُ، وذلك نِهايَةُ الحُسْنِ مِنَ العَيْنِ. وقِيلَ حَوَّرْتُ الشيءَ: بَيَّضْتُهُ ودَوَّرْتُهُ، ومنه الخُبْزُ الحُوَّارُ. والحَوَارِيُّونَ أنْصارُ عيسى (ع) . قِيلَ: كانُوا قَصَّارِينَ لأنَّ القَصَّار هو محوِّرُ الثياب، وقِيلَ: كانُوا صَيَّادِينَ. وقال بعضُ العلماءِ، إنَّما سُمُّوا حَوارِيِّينَ لأَنهم كانُوا يُطَهِّرُونَ نُفُوسَ الناسِ بِإفادَتِهِمِ الدينَ والعِلْمَ المُشارَ إليه بقولِهِ تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزَاب: 33] قال: وإنَّما قِيلَ كانُوا قَصَّارِينَ على التَّمْثِيلِ والتشبيهِ وتُصُوِّرَ مِنْه مَنْ لم يَتَخَصَّصْ بِمَعْرِفَتِهِ الحقائقَ الْمَهِينَةَ المُتَداوَلَةَ بَيْنَ العامَّةِ. قال: وإنما كانُوا صَيَّادِينَ لاصْطِيادِهِمْ نُفُوسَ الناسِ مِنَ الحَيْرَةِ، وقَوْدِهِمْ إلى الحَقِّ. قال النبيُّ (ص) «الزُّبَيْرُ ابنُ عَمَّتِي وحَوَارِيَّ»(77) وقولهُ (ص) : «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ»(78) فَتَشْبِيهٌ بِهِمْ في النُّصْرَةِ حيثُ قال تعالى: {قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [آل عِمرَان: 52].
حوش: {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} [يُوسُف: 31] أي بُعْداً منه. قال أبو عُبَيْدَةَ: هي تَنْزِيهٌ واسْتِثْناءٌ، وقيل: حاشَ ليسَ باسْمٍ لأنّ حَرْفَ الجَرِّ لا يَدْخُلُ على مِثْلِهِ، وليسَ بِحَرْفٍ لأنّ الحَرْفَ لا يُحْذَفُ منه ما لم يَكُنْ مُضَعَّفاً وَوَرَدَ أنَّ «حاشَ» على ثلاثةِ أوُجُهٍ: أنْ يكون فعلاً متعدِّياً متصرَّفاً، أنْ يكونَ اسماً مرادِفاً للتنزيهِ منصوباً على المفعولية المطلقة، نحو «حاشَ للَّهِ»، أنْ يكونَ للاثْتثناءِ، فيكون حرفاً بمنزلةِ إلاَّ، لكنَّهُ يجرُّ المُسْتَثْنى؛ تَقُولُ حاشَ وحاشَى، فمنهمْ مَنْ جَعَلَ حاشَ أصلاً في بابِهِ، وجَعَلَهُ مِنْ لَفْظَةِ الحَوْشِ أي الوحشِ، ومنه: حُوشيُّ الكلامِ، وقِيلَ: الحُواشَة ما يُسْتَحْيا منه، أو الأمر الذي يكون فيه الإثم والقطيعة. وقيل: أحَشْتَهُ إذا جِئْتَهُ مِنْ حَوَالَيْهِ. واحْتَوَشُوهُ وتَحَوَّشُوهُ: أتَوْهُ مِنْ جَوَانِبِهِ. والحَوْشُ: أنْ يَأكُلَ الإِنسانُ مِنْ جانِبِ الطَّعامِ. ومنهم مَنْ حَمَلَ ذلك مَقْلُوباً مِنْ حَشَى، ومنه الحاشِيَةُ.
حول: أصلُ الحَوْلِ: تَغَيُّرُ الشيءِ وانْفِصالُهُ عن غَيْرِهِ، وباعْتبارِ التَّغَيُّرِ قِيلَ: حالَ الشيءُ يَحُولُ حُؤُولاً. واسْتَحالَ: تَهَيَّأَ لأَنْ يَحولَ، وباعْتِبارِ الانْفصالِ قِيلَ: حالَ بَيْني وبَيْنَك كذا. وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفَال: 24] فإِشارَةٌ إلى ما قِيلَ في وصْفِهِ: «يُقَلِّبُ القُلُوبَ»، وهُوَ أنْ يُلْقيَ في قَلْبِ الإِنْسانِ ما يَصْرفُهُ عنِ مُرادِهِ لِحكمَةٍ تَقْتَضِي ذلكَ، وقِيلَ على ذلك {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سَبَإ: 54]. {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} [الإسرَاء: 56] أي تحويل الضرّ إلى نفع، بمعنى: المرض إلى الصحة، والفقر إلى الغنى. وحَوَّلْـتُ الشـيءَ فَتَحَوّلَ: غَيَّرْتُه إمّا بالذَّاتِ وإمّا بالحُكْمِ والقَوْلِ. ومنه: أحَلْتُ على فُلانٍ بالدَّينِ، وقولُكَ: حَوَّلْتُ الكِتابَ، هُوَ أنْ تَنْقُلَ صورَةَ ما فِيهِ إلى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إزالَةِ الصُّورَةِ الأولى. وفي المثل: لَوْ كانَ ذا حِيلَةٍ لَتَحَوَّلَ. وقوله عَزَّ وجلَّ: {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف: 108] أَي تَحَوُّلاً. والحَوْلُ: السَّنَةُ اعْتِباراً بانقلابِها، ودورانِ الشمسِ في مَطالِعِها ومَغارِبها {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البَقَرَة: 233]، {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البَقَرَة: 240]، ومنه: حالَتِ السَّنةُ تَحُولُ. وحالَتِ الدَّارُ: تَغَيَّرَتْ، وأحالتْ وأحْولَتْ: أتَى عليها الحَوْلُ، نَحْوُ أعامَتْ وأشْهَرَتْ. وأحالَ فُلانٌ بمَكانِ كذا: أقامَ به حَوْلاً. وحالَتِ النَّاقَةُ تَحُولُ حِيالاً، إذا لم تَحْمِلْ، وذلكَ لتَغَيُّرِ ما جَرَتْ بِهِ عادَتُها، والحالُ: لما يَخْتَصُّ به الإِنْسانُ وغَيْرُهُ مِنْ أمُورِهِ المُتَغَيِّرَةِ في نَفْسِهِ وجِسْمِهِ وقُنْيَتِهِ. والحَوْلُ: ما لَهُ مِنَ القُوَّةِ في أحَدِ هذه الأصُولِ الثَّلاثَةِ، ومنه قِيلَ: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله. وحَوْلُ الشيءِ: جانِبُهُ الذي يُمكِنُهُ أنْ يُحَوَّلُ إليه {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} [غَافر: 7]. والحِيلَةُ والحُوَيْلَةُ: ما يُتَوَصَّلُ به إلى حالةٍ مّا في خُفْيَةٍ، وأكْثَرُ اسْتِعْمالها فيما في تَعاطِيهِ خُبْثٌ، وقد تُسْتَعْمَلُ فيما فيه حِكْمَةٌ. ولهذا وصف اللَّهِ عزَّ وجلَّ نفسه {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرّعد: 13] أي شديدُ القُوَّةِ التي فيها الوُصُولُ في خُفْيَةٍ منَ النَّاسِ إلى ما فيه حِكْمَةٌ، وعلى هذا النَّحْوِ وُصِف بالمَكر والكَيْدِ لا على الوَجْهِ المَذْمُومِ تعالى اللَّهُ عنِ القَبِيحِ. والحِيلَةُ مِنَ الحَوْلِ، ولكِنْ قُلِبَتْ واوها ياءً لانْكِسارِ ما قَبْلَها، ومنه قِيلَ: رَجُلٌ حُوَلٌ. وأمّا المُحالُ فهو ما جُمِعَ فيه بَيْنَ المُتناقِضَينِ، وذلكَ يُوجِدُ في (المَقالِ)، كأن يقالَ مثلاً: جِسْمٌ واحِدٌ في مَكانَينِ في حالَةٍ واحِدَةٍ. واسْتَحالَ الشيءُ: صارَ مُحالاً فَهُوَ مُسْتَحِيلٌ، أي أخَذَ في أنْ يَصِيرَ مُحالاً. والحالُ تُسْتَعْمَلُ في اللُّغَةِ لِلصِّفَةِ التي عَلَيْها الموْصُوفُ.
حوا: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى: 5] أي النباتُ الضاربُ إلى السَّوَادِ لِشِدَّةِ خُضْرَتِهِ، وذلك إشارَةٌ إلى الدَّرِينِ وهو ما بليَ من الحشيش فلا تأكلهُ الدّواب، قال الشاعر:
وطالَ حَبْسٌ بالدَّرِينِ الأسْوَدِ
وقِيلَ تَقْدِيرُهُ: والذي أخْرَجَ المرعَى أحْوَى، فَجَعَلَهُ غُثاءً. والحُوَّةُ: سوادٌ يضربُ إلى الخضرةِ.
الحَوَايا: جمعُ حَويَّةٍ، وهي الأمْعاءُ. ويقالُ للكِساء الذي يُلَفُّ به السَّنامُ حَوِيَّةُ، وأصلُه مِنْ حَوَاهُ حَيّاً وحَوَايَةً: أحْرَزَهُ وَمَلَكَهُ. {أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعَام: 146].
حيث: عِبارةٌ عن مكانٍ مُبْهَمٍ يُشْرَحُ بالجُمْلَةِ التي بَعْدَهُ {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} [البَقَرَة: 144]، {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} [البَقَرَة: 149].
حيد: {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] أي تَعْدِلُ عنه وتَنْفِرُ منه، أو ما كنت تصُدُّ عنه خوفاً وأَنَفَةً.
حير: يُقال: حارَ يَحارُ حَيْرَةً، فهو حائِر وحَيْرَانُ. إذا لم يهتدِ إلى سبيلِهِ، أو إذا لم يَدْرِ وجْهَ الصوابِ في الأمر. وتَحَيَّرَ واسْتَحارَ، إذا تَبلَّدَ في الأمْر وتَرَدَّدَ {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ} [الأنعَام: 71]. والحائِرُ: المَوْضِعُ الذي يَتَحَيَّرُ به المَاءُ قال الشاعِرُ:
واسْتَحارَ شَبابُها
وهو أنْ يَمْتَلىءَ حتى يُرَى في ذَاتِهِ حَيْرَةً. والحِيرَةَ: مَوْضِعٌ، قِيلَ سُمِّيَ بذلك لاجْتِماعِ ماءٍ كان فيه.
حيز: أي صار إلى حَيِّزٍ، وأصلهُ مِنَ الوَاوِ، وذلك: كُلُّ جَمْعٍ مُنْضمٌٍّ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ. وحُزْتُ الشيءَ أحُوزُهُ حَوْزاً. وحَمَى حَوْزَتَهُ: أي جَمْعَهُ، وقوله تعالى: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفَال: 16] أي منحازاً إلى جماعة من المسلمين يريدون أن يعودوا إلى القتال ليستعين هو بهم.
حيص: {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} [ق: 36]، {مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21] أي مِنْ مَحِيدٍ أو مَهْرَبٍ، أصلُهُ مِنْ حَيْصَ بَيْصَ، أي الشِّدَّةُ والضيقُ، يقال «وقعوا في حَيْصَ بَيْصَ» أي في اختلاطٍ لا مَحيدَ لهم عنه. وحاصَ عنِ الحَقِّ يَحِيصُ، أي حادَ عنه إلى مَكْرُوهٍ، وأمّا الحَوْص: فَخياطَةُ الجِلْدِ، ومنه حَصَيْتُ عَيْنَ الصَّقْر.
حيض: الحَيْضُ: الدَّمُ الخارِجُ مِنَ الرَّحِمِ على وصْفٍ مَخْصُوصٍ في وقْتٍ مَخْصُوصٍ. والمَحِيضُ: الحَيْضُ، ووقْتُ الحَيْضِ، ومَوْضِعُهُ، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البَقَرَة: 222]. ومنه الحائِضُ والحائضة. والاستحاضة: أن يستمرَّ بالمرأةِ خروجُ الدم بعد أيام حَيْضِها المُعتادِ. وتحيّضتِ المرأةُ: قعدت أيام حيضِها عن الصلاة تنتظر انقطاع الدم.
حيط: الحائِط: الجِدارُ الذي يَحُوطُ بالمَكانِ. والإِحاطَةُ: تُقالُ على وجْهَيْن: أحَدُهُما: في الأجْسامِ، نحوُ أحَطْتُ بِمكانِ كذا، أوْ تُسْتَعْمَلُ في الحِفْظِ، نَحْوُ: {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فُصّلَت: 54] أي حافِظٌ له مِنْ جَمِيعِ جِهاتِهِ، في المَنْعِ، نحوُ: {إِلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يُوسُف: 66] أي إلاّ أنْ تُمْنَعُوا. وقولهُ: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البَقَرَة: 81] ماتَ على كُفْرِهِ، وفي ذلِك أبْلَغ اسْتِعارَةٍ، وذاكَ أنّ الإِنْسانَ إذا ارْتَكَبَ ذَنْباً واسْتَمَرَّ عليه اسْتجَرَّهُ إلى مُعاوَدَةِ ما هُوَ أعْظَمُ منه فلا يَزالُ يتمادى حتى يُطْبَعَ على قَلْبِهِ، فلا يُمْكِنُهُ أنْ يَخْرُجَ عن تَعاطِيهِ. وقوله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} [الكهف: 42] أي أُحرقَتْ أشجارُهُ وأُتلفتْ ثِمارُهْ. والاحْتِياطُ: اسْتِعْمالُ ما فيه الحِياطَةُ أي الحِفْظُ. والوجه الثانِي: في العِلْمِ نحو: {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطّلاَق: 12] و {إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عِمرَان: 120] و {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [هُود: 92]، والإِحاطَةُ بالشيءِ عِلْماً هِيَ أنْ تَعْلَمَ وجُودَهُ وجِنْسَهُ وكَيْفِيَّتَهُ وغَرَضَهُ المَقْصُودَ به وبإيجادِهِ وما يَكونُ به ومنه، وذلك ليسَ إلاّ للَّهِ تعالَى. وقال عزَّ وجَلَّ: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يُونس: 39] فَنَفَى ذلك عَنْهُمْ، وقال صاحِبُ مُوسَى: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} [الكهف: 68] تَنْبِيهاً أنّ الصَّبْرَ التَّامَّ إنَّما يَقَعُ بَعْد إحاطَةِ العِلْمِ بالشيءِ، وذلك صَعْبٌ إلاّ بِفَيْضٍ إلَهِيٍّ. وقوله عَزَّ وجلَّ: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} [يُونس: 22] فذلكَ إحاطَةٌ بالقُدْرَةِ، وكذلك قولُهُ عَزَّ وجلَّ: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} [الفَتْح: 21] وهي خيبر وملحقاتها، وعلى ذلك قولهُ: {وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هُود: 84].
حيف: الحَيْفُ: المَيْلُ في الحُكْمِ، والجُنُوحُ إلى أحَدِ الجَانِبَيْنِ. {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النُّور: 50] أي يَخافُونَ أنْ يَجُورَ في حُكْمِهِ. ويُقالُ: تَحَيَّفْتُ الشيءَ تَنَقَّصْتُهُ من نواحِيهِ.
حيق: {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [النّحل: 34] أي أَحَاطَ بِهِمْ، أو لزِمَهُمْ وَوَجَبَ عليهم؛ {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فَاطِر: 43] أي لا يَنْزلُ ولا يُصِيبُ. قِيلَ: وأصلهُ حَقَّ، فَقُلِبَ نحوُ زَلَّ وزَالَ. وقد قُرىءَ، {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} [البَقَرَة: 36] وأزَالَهُما، وعلى هذا ذَمَّهُ وذَامَهُ.
حين: الحِينُ: وقتُ بُلُوغِ الشيءِ وحُصُولِهِ، وهو مُبْهَمُ المعنَى، ويَتَخَصَّصُ بالمُضافِ إليه نحوُ: {وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] ومَنْ قال حِيناً فهو من حَيَّنَهُ تَحْيِيناً أي جَعَلَ له حِيناً، ويأتي على أوْجُهٍ: لِلأجَلِ نحوُ: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يُونس: 98]، ولِلسَّنَةِ نحوُ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25]، ولِلوقت نحوُ: {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الرُّوم: 17]، وللزَّمانِ المُطْلَقِ نحوُ: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسَان: 1]، {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] وإنَّما فُسِّرَ ذلك بِحَسَبِ ما وُجِدَ قد عَلِقَ به. وحانَ حِينُ كذا، أي قَرُبَ أوانُهُ، وتحيَّنَ وقتَ الصلاة: طلَبَ حينَها. والحِينُ: عُبِّرَ به عن حينِ الموتِ.
حيي: الحياةُ: تُسْتَعْمَلُ على أوْجُهٍ. الأُول: لِلقُوَّةِ النَّامِيَةِ المَوْجُودَةِ في النَّباتِ والحيوانِ، ومنه قِيلَ نَباتٌ حَيٌّ {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحَديد: 17]، {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [ق: 11]، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبيَاء: 30]. الثاني: لِلقُوَّةِ الحَسَّاسَةِ، وبه سُمِّيَ الحيوانُ حيواناً: {وَمَا يسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ} [فَاطِر: 22]، {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا *أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المُرسَلات: 25-26]، {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فُصّلَت: 39] فقولُهُ إنّ الذي أحْياها إشارةٌ إلى القُوَّةِ النَّامِيَةِ، وقولُهُ لَمُحي الموتَى إشارةٌ إلى القُوَّةِ الحسَّاسَةِ. الثالث: للقُوَّةِ العامِلَةِ، كقولِهِ تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا} [الأنعَام: 122] وقولِ الشاعِر:
لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيّاً ولكِنْ لا حَياةَ لِمَنْ تُنادِي
والرابِع: عِبارَةٌ عن ارْتَفاعِ الغَمِّ، وبهذا النظر قال الشاعِرُ:
ليسَ مَنْ ماتَ فاسْتَرَاحَ بمَيْتٍ إنَّما المَيْتُ مَيِّتُ الأحْياءِ
وعلى هذا قولُهُ عَزَّ وجلَّ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [آل عِمرَان: 169] أي هُمْ مُتَلَذِّذُونَ لِما رُوِيَ في الأخْبارِ الكثِيرَةِ في أرواحِ الشهَـدَاءِ، والخامسـةُ: الحيـاةُ الأخْرَويَّةُ الأَبَدِيَّةُ، وذلك يُتَوَصَّلُ إليه بالحَياةِ التي هي العَقْلُ والعِلْمُ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفَال: 24]، وقولهُ: {يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفَجر: 24] يَعْني بها الحياةَ الأخْرَوِيَّةَ الدَّائِمَةَ. والسادس: الحياةُ التي يُوصَفُ بها البارِي، فإِنه إذا قِيلَ فيه تعالى هو حَيٌّ فمعناهُ لا يَصِحُّ عليه الموتُ، وليسَ ذلك إلاَّ للَّهِ عَزَّ وجلَّ. والحياةُ باعتبارِ الدُّنْيا والآخِرة ضَرْبانِ: الحياةُ الدُّنْيا، والحياةُ الآخِرَةُ. قال عزَّ وجلَّ: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى *وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النَّازعَات: 37-38] وقال عَزَّ وجلَّ: {الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ} [البَقَرَة: 86] وقال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ} [الرّعد: 26] أي الأعراضُ الدُّنْيَويَّةُ، وقال: {وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} [يُونس: 7]. وقولهُ تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البَقَرَة: 96] أي حَياةِ الدُّنْيا، وقولهُ عَزَّ وجلَّ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البَقَرَة: 260] كان يَطْلُبُ أنْ يُريَهُ الحياةَ الأخْرَوِيَّةَ المُعرّاةَ عن شَوَائِبِ الآفاتِ الدُّنْيَويَّةِ. وقولهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البَقَرَة: 179] أي يَرْتَدِعُ بالقِصاصِ مَنْ يُريدُ الإِقْدامَ على القَتْلِ فيكونُ في ذلك حياةُ الناسِ. وقال عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المَائدة: 32] أي مَنْ نَجَّاها مِنَ الهلاكِ، وعلى هذا قولهُ مُخْبِراً عن إبراهيمَ(ع) : {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البَقَرَة: 258] أي قال الذي كفر: أعْفُو فيكونُ إحياءً، وأقتلُ فيكون موتاً. والحيوانُ: مَقَرُّ الحياةِ، ويقالُ على نوعين: أحدُهُما ما لَهُ الحاسَّةُ والثاني ما لَهُ البَقاءُ الأبَدِيُّ، وهو المذكورُ في قوله عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العَنكبوت: 64] وقد نَبَّهَ بقوله: «لَهِيَ الحيوانُ» أَنَّ الحَيَاةَ الحَقِيقِيَّةَ هِيَ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ الَّتي لاَ تَفْنَى، لاَ ما يبقَى فَتْرَةً ثُمَّ يَفنَى. والحَيَا: المَطَرُ لأنه يُحْيي الأرضَ بعدَ مَوْتِها، وإلى هذا أشارَ بقولِه تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبيَاء: 30] أَيْ وَأَحْيَيْنَا بِالمَاءِ كُلَّ شيء؛ وَيَدْخُلُ فِيهِ الإِنْسَانُ وَالْحَيَوانُ وَالْحَشَرَةُ والنَّبَاتُ وَالشَّجَر. وقولهُ تعالى: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مَريَم: 7] فقد نَبَّهَ أنه سَماهُ بذلك مِنْ حيثُ إنه لم تُمِتْهُ الذُّنُوبُ كما أماتَتْ كثيراً مِنْ وَلَد آدَمَ (ع) ، وقولُه عزَّ وجلَّ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الرُّوم: 19] أي يُخْرجُ الإِنْسانَ منَ النُّطْفَةِ والدَّجاجَةَ مِنَ البَيْضَةِ، ويُخْرجُ الحَبَّ والثَّمَر مِنَ الأرضِ ويُخْرجُ النُّطْفَةَ مِنَ الإِنسانِ. وقوله عَزَّ وجلَّ: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النِّسَاء: 86] وقولهُ تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النُّور: 61] فالتَّحِيَّةُ: أنْ يُقال حَيَّاكَ الله، أي جَعَلَ لك حَياةً، وذلك إخْبارٌ، ثم يُجعَلُ دُعاءً، ويُقالُ: حَيّا فُلانٌ فُلاناً تَحِيَّةً، وأصلُ التَّحِيَّةِ من الحياةِ، ثم جُعِلَ ذلك دُعاءَ تَحِيَّةٍ لكونِ جَمِيعِهِ غيرَ خارِجٍ عن حُصُولِ الحياةِ أو سَبَبِ حياةٍ إمّا في الدّنْيا وإمّا في الآخِرَةِ، ومنه التَّحِيَّاتُ لله، وقولُه عَزَّ وجلَّ: {وَيْسَتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البَقَرَة: 49] أي يَسْتَبْقُونَهُنَّ أحياءً، في حين يقتلون رجالهم؛ والحَياءُ: انْقِباضُ النَّفْسِ عنِ القبائِحِ وتَركهُ لذلك يقالُ: حَييَ فهو حَييٌّ واسْتَحْيا فهو مُسْتَحْيٍ، وقِيلَ: اسْتَحَى فهو مُسْتَحٍ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البَقَرَة: 26]، {وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزَاب: 53]، بمعنى أن الله ـ تعالى ـ لا يترك إبانةَ الحقِّ ولا يدعُهُ، لأن أحدَنا إذا استحى مِنْ شيءٍ تركَهُ وامتنَعَ عنه، فيكون الاستحياءُ بمعنى الانقباضِ عن الشيءِ والامتناعِ منه خشيةَ موافقة القبح.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢