نبذة عن حياة الكاتب
معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم

حَرْفُ الْكَافِ
(ك)

كب: الكَبُّ: إسْقَاطُ الشَّيءِ على وجْههِ {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النَّمل: 90]. والإِكْبابُ: جَعْلُ وَجْههِ مَكْبُوباً على العَمَلِ {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى} [المُلك: 22]. والكَبْكَبَةُ: تَدَهْوُرُ الشَّيءِ في هُوَّة {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ } [الشُّعَرَاء: 94] أي: وطُرِحَ بعضُهم فوق بعض. يقالُ: كَبَّ وكَبْكَبَ،وكَفَّ وكَفْكَفَ، وصَرَّ وصَرْصَرَ ودمَّ ودَمْدَمَ، وفيها جميعها تكرار الأحرف للتدليل على تكرار العمل. والكَواكِبُ: النُّجُومُ البادِيَةُ، ولا يقالُ لَها كَواكبُ إلاَّ إذا بَدَتْ {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعَام: 76]، {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النُّور: 35]، {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ } [الصَّافات: 6]، {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ } [الانفِطار: 2]. ويقالُ: ذَهَبُوا تَحْتَ كُلِّ كَوكَبٍ، إذا تَفَرَّقُوا. وكَوْكَبُ العَسْكَر: ما يَلْمَعُ فيها من الحَدِيدِ.
كبت: الكَبْتُ: مصدر، يقال: كَبَتَ اللَّهُ الْعدوَّ أي أذلَّهُ وأَخْزاه {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [المجَادلة: 5] كما أَخْزى الَّذين من قَبلِهم. {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } [آل عِمرَان: 127]، والمعنى: أو يذلهم ويخزيهم.
كبد: الكَبِدُ: مَعْرُوفَةٌ. والكَبَدُ والكُبادُ: تَوَجُّعُها. والكَبْدُ، إصابَتُها، ويقالُ: كَبِدْتُ الرجُلَ، إذا أصَبْتَ كَبِدَهُ، وكَبِدُ السَّماءِ: وَسَطُها، تَشْبيهاً بكَبِدِ الإِنْسانِ، لِكونِها في وسَطِ البَدنِ. وقيلَ: تَكَبَّدَتِ الشمسُ: صارَتْ في كَبِدِ السماءِ. والكَبَدُ: المَشَقَّةُ. قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البَلَد: 4] تنبيهاً أنَّ الإنْسانَ خَلَقَهُ اللَّهُ تعالى على حَالَة لا يَنْفَكُّ مِنَ المَشاقِّ، ما لم يَقْتَحِمِ العَقَبَةَ ويَسْتَقِرَّ به القَرارُ، كما قال: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } [الانشقاق: 19].
كبر: الكَبِيرُ والصَّغِيرُ: من الأسماءِ المُتَضايِفَةِ التي تُقالُ عِنْدَ اعْتِبارِ بعضها ببعضٍ. فالشَّيءُ قد يكونُ صَغِيراً في جَنْبِ شيءٍ وكَبِيراً في جَنْبِ غَيْرِهِ. ويُسْتَعْمَلانِ في الكَمِّيَّةِ المُتَّصِلَةِ كالأجْسامِ، وذلك كالكَثِير والقَلِيلِ، وفي الكَمِّيَّةِ المُنْفَصِلَةِ كالعَدَدِ؛ وربما يَتَعاقَبُ الكَثِيرُ والكَبِيرُ على شيءٍ واحِدٍ بِنَظَرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، نحوُ: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البَقَرَة: 219] وكَثِيرٌ، قُرىءَ بهما. وأصْلُ ذلك أن يُسْتَعْمَلَ في الأعْيانِ ثم اسْتُعِيرَ للمعانِي، نحوُ {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} [الكهف: 49] وقولهِ: {وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ} [يُونس: 61]. وقولهُ: {يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التّوبَة: 3] إنما وصَفَهُ بالأكْبَر، تنبيهاً أنَّ العُمْرَةَ هي الحَجَّةُ الصُّغْرَى، كما قال (ص) : «العُمْرَةُ هي الحَجُّ الأصْغَرُ»(59) فَمِنْ ذلك ما اعْتُبِرَ فيه الزَّمَانُ، فيقالُ: فُلانٌ كَبِيرٌ، أي مُسِنٌّ، نحوُ: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا} [الإسرَاء: 23]، وقال: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} [البَقَرَة: 266]، {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} [آل عِمرَان: 40] ومنه ما اعْتُبِرَ فيه المَنْزِلَةُ والرِّفْعَةُ، نحوُ: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ} [الأنعَام: 19] ونحوُ {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ } [الرّعد: 9]. أما قولهُ: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَهُمْ} [الأنبيَاء: 58] فَسَمَّاهُ كَبِيراً بِحَسَبِ اعْتِقادِهِمْ فيه، لا لِقَدْرٍ ورِفْعَةٍ على الحَقِيقَةِ، وعلى ذلك قولهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبيَاء: 63]. وقولهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الأنعَام: 123] أي رُؤساءَها، وقولهُ: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} [طه: 71] أي رَئِيسُكُمْ، ومن هذا النَّحْو يقالُ: وَرِثَهُ كابراً عن كابر، أي أباً كَبِيرَ القَدْرِ عن أبٍ مِثْلِهِ. والكَبِيرَةُ: مُتَعارَفَةٌ في كُلِّ ذَنْبٍ تَعْظُمُ عُقُوبَتُهُ، والجمعُ: الكَبائِرُ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ} [النّجْم: 32]، {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النِّسَاء: 31] قيلَ: أُرِيدَ به الشِّرْكُ لِقَوله {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمَان: 13] وقيلَ: هي الشِّرْكُ وسائِرُ المَعاصِي المُوبِقَةِ، كالزِّنَى وقَتْلِ النَّفْسِ المُحَرَّمَةِ. ولذلك قال: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيرًا } [الإسرَاء: 31] وقال: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البَقَرَة: 219]. وتُسْتَعْمَلُ الكَبِيرَةُ فيما يَشُقُّ ويَصْعُبُ، نحوُ: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } [البَقَرَة: 45]، {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشّورى: 13]، {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} [الأنعَام: 35]. وقولُهُ: {كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف: 5] فَفِيه تنبيهٌ على عِظَمِ ذلك من بَيْنِ الذُّنُوبِ، وعِظَمِ عُقُوبَتِه، ولذلك قال: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} [غَافر: 35]. وقولهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النُّور: 11] إشارَةً إلى مَنْ أوْقَعَ حَدِيثَ الإفْكِ للفتنة، وتنبيهاً أنَّ كُلَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً قَبِيحَةً يَصِيرُ مُقْتَدًى به، فَذَنْبُهُ أكْبَرُ. وقولهُ: {إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غَافر: 56] أي تَكَبُّرٌ. وقيلَ: أمْرٌ كَبِيرٌ مِنَ السِّنِّ، كقولهِ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النُّور: 11]. والكِبْرُ والتَّكَبُّرُ والاسْتِكْبارُ تَتَقارَبُ، فالكِبْرُ: الحالَةُ التي يَتَخَصَّصُ بها الإنْسانُ من إعْجابِهِ بِنَفْسِهِ، وذلك أنْ يَرَى الإنْسانُ نَفْسَهُ أكْبَرَ مِن غَيْره. وأعْظَمُ التَّكَبُّر: التَّكَبُّرُ على أوامر اللَّهِ تعالى ونواهيه (نَعُوذُ باللَّهِ الكبيرِ الأَكْبَرِ) بالامْتِناعِ مِنْ قَبُولِ الحَقِّ والإِذْعانِ له بالعِبادَةِ. والاسْتِكْبارُ يقالُ على وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يَتَحَرَّى الإنْسانُ، ويَطْلُبَ أنْ يَصِيرَ كَبِيراً، وذلك متى كان على ما يَجِبُ، وفي المَكانِ الذي يَجِبُ، وفي الوقْتِ الذي يَجِبُ، فَمَحْمُودٌ. والثانِي: أنْ يَتَشَبَّعَ فَيُظْهِرَ مِن نَفْسِه ما ليسَ له، وهذا هو المَذْمُومُ. وعلى هذا ما وَرَدَ في القُرآن، وهو ما قال فيه الله تعالى: {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} [البَقَرَة: 34]، {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ} [البَقَرَة: 87]، وكذلك قوله تعالى: {وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا } [نُوح: 7]، {إِسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ} [فَاطِر: 43] {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ} [فُصّلَت: 15]، {يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعرَاف: 146]، {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعرَاف: 40]، {قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } [الأعرَاف: 48]. وفي قولهُ: {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} [غَافر: 47] قابَلَ المُستكْبِرينَ بالضُّعَفاءِ، تنبيهاً أنَّ استِكْبارَهُمْ كان بما لَهُمْ من القُوَّةِ في البَدَنِ والمالِ والجاه {قَالَ الْمَلأَُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} [الأعرَاف: 75] فَقَابَلَ المُسْتكْبِرينَ بالمُسْتَضْعَفِينَ. {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ } [الأعرَاف: 133] نَبَّهَ بقولِه: فاستَكْبَرُوا، على تَكَبُّرِهِمْ وإعْجابِهِمْ بأنْفُسِهِمْ وتَعَظُّمِهِمْ عن الإصْغاءِ إليه، ونَبَّهَ بقولهِ: {وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ } [الأعرَاف: 133]، أنَّ الذي حَمَلَهُمْ على ذلك هو ما تَقَدَّمَ مِنْ جُرْمِهِمْ، وأنَّ ذلك لم يكنْ شَيْئاً محدثاً منهم، بَلْ كان ذلك دَأبَهُمْ قَبْلُ. وقال تعالى: {فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } [النّحل: 22] وقال بَعْدَهُ: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } [النّحل: 23]. والتَّكَبُّرُ يقالُ على وَجْهَيْنِ:أحَدُهُما: أن تكونَ الأفْعالُ الحَسَنَةُ كَثِيرَةً في الحَقِيقَةِ، وزائِدَةً على مَحاسِنِ غَيْرِهِ، وعلى هذا كانَ مِنْ صِفاتِ اللَّهُ تعالى التَّكَبُّرِ {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحَشر: 23]، والثانِي: أن يكونَ مُتَكَلِّفاً لذلك مُتَشَبِّعاً، وذلك في وَصْفِ عامّةِ الناسِ، نحوُ قولهِ: {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } [الزُّمَر: 72] و {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } [غَافر: 35]. ومَنْ وُصِفَ بالتَّكَبُّر على الوَجْهِ الأوَّلِ فَمَحْمُودٌ، ومَنْ وُصِفَ به على الوَجْهِ الثانِي فَمَذْمُومٌ. ويَدُلُّ على أنه قد يَصِحُّ أنْ يُوصَفَ الإنْسانُ بذلك ولا يكونُ مَذْمُوماً. قولهُ: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعرَاف: 146] فَجَعَلَ مُتَكَبِّرينَ بِغَيْر الحَقِّ، بمعنى أنَّهُ جَوَّز التكبُّر بالحقِ، ولأَجْلِ الحقِّ. وقال: {عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } [غَافر: 35] بإضافَةِ القَلْبِ إلى المُتَكَبِّر. ومَنْ قَرَأ بالتَّنْوينِ جَعَلَ المُتَكَبِّرَ صِفَةً للقَلْبِ. والكِبْرياءُ: التَّرَفُّعُ عَنِ الانْقِيادِ، وذلك لا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ اللَّهِ تعالى، فقالَ {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الجَاثيَة: 37] ولِما قُلْنا أنَّهُ رُوِيَ عنه (ص) القَوْلُ القُدْسِيُّ: «الكِبْرياءُ رِدائِي والعَظَمَةُ إزارِي فَمَنْ نازَعَنِي في واحِدٍ منهما قَصَمْتُهُ»(60). وقال تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} [يُونس: 78]. وأكْبَرْتُ الشيءَ: رَأيْتُهُ كَبِيراً {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يُوسُف: 31]، والتَّكْبِيرُ يُقالُ لذلك، ولِتَعْظِيمِ اللَّهِ تعالى بقولِهم: اللَّهُ أكْبَرُ، ولِعِبادَتِهِ واسْتِشْعارِ تَعْظِيمهِ، وعلى ذلك {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البَقَرَة: 185]، {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } [الإسرَاء: 111]. وقولهُ: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [غَافر: 57] إشارَةٌ إلى ما خَصَّهُما اللَّهُ تعالى به من عَجائِبِ صُنْعِهِ وحِكْمَتِهِ التي لا يَعْلَمُها إلاَّ قَلِيلٌ مِمَّنْ وَصَفَهُمْ بقولهِ: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عِمرَان: 191] فأمّا عِظَمُ جُثَّتِهما فأكْثَرُهُمْ يَعْلَمُونَه. وقولُهُ: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدّخان: 16] فتنبيهٌ أنَّ كُلَّ ما يَنالُ الكافِرَ مِنَ العَذابِ قَبْلَ ذلك في الدُّنْيا وفي البَرْزَخِ صَغِيرٌ في جَنْب عذاب ذلك اليوم. والكُبارُ أبْلَغُ مِنَ الكَبير، والكُبَّارُ أبْلَغُ من ذلك. {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا } [نُوح: 22] أي مكراً عظيماً. والكُبَرُ. جمع الكُبرى وهي العُظْمَى. قال تعالى: {إِنَّهَا لإَِحْدَى الْكُبَرِ } [المدَّثِّر: 35] أي من كبريات المعجزات.
كتب: الكَتْبُ: ضَمُّ أدِيمٍ إلى أدِيمٍ بالخِياطَةِ، وفي التَّعارُفِ: ضَمُّ الحُرُوفِ بعْضِها إلى بعضٍ بالخَطِّ: وقد يقالُ ذلك للمَضْمُومِ بعضُها إلى بعضٍ باللَّفْظِ. فالأصْلُ في الكِتابةِ النَّظْمُ بالخَطِّ، لَكنْ يُسْتَعارُ كُلُّ واحِدٍ للآخَر، ولهذا سُمِّيَ كلامُ اللَّهِ وإن لم يُكْتَبْ: كِتاباً {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البَقَرَة: 1-2]{الم } [البَقَرَة: 1]، و {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ} [مَريَم: 30]. والكِتابُ، في الأصْلِ: مَصْدَرٌ، ثم سُمِّيَ المَكْتُوبُ فيه كِتاباً. والكِتابُ في الأصْلِ أيضاً، اسْمٌ للصَّحِيفَةِ مَعَ المَكْتُوبِ فيه، وفي قوله: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} [النِّسَاء: 153] فإنه يَعْنِي صَحِيفَةً فيها كِتابَةٌ، ولهذا قال: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِيقِرْطَاسٍ} [الأنعَام: 7]. ويُعَبَّرُ عَنِ الإثْباتِ والتَّقْدِير والإيجابِ والفَرْضِ والعَزْمِ بالكِتابَةِ، وَوَجْهُ ذلك أنَّ الشيءَ يُرادُ، ثم يقالُ، ثم يُكْتَبُ؛ فالإرادَةُ مَبْدأ، والكِتابَةُ مُنْتَهى، ثم يُعَبَّرُ عن المُرادِ الذي هو المَبْدَأُ إذا أُرِيدَ تَوكِيدُهُ بالكِتابَةِ التي هي المُنْتَهَى: {كَتَبَ اللَّهُ لأََغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجَادلة: 21]، {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التّوبَة: 51]، {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ} [آل عِمرَان: 154]. وقال: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفَال: 75] أي في حُكْمِهِ. وقولهُ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المَائدة: 45] أي أوْحَيْنا وَفَرَضْنا، وكذلك قولهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البَقَرَة: 180] وقولهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البَقَرَة: 183]، {لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} [النِّسَاء: 77]، {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحَديد: 27]. وقوله: {وَلَوْلاَ أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاَءَ} [الحَشر: 3] أي لولا أنْ أوْجَبَ اللَّهُ عليهمُ الخروجَ مِنْ دِيارِهِمْ. ويُعَبَّرُ بالكِتابَةِ عن القَضاءِ المُمْضَى، وما يَصِيرُ في حُكْمِ المُمْضَى، وعلى هذا حُمِلَ قولهُ: {بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } [الزّخرُف: 80] قيل: ذلك مِثْلُ قولِه: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرّعد: 39]. وقولهُ: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجَادلة: 22] فإشارَةٌ منه إلى أنَّهُمْ بخلافِ مَنْ وَصَفَهُمْ بقولهِ {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف: 28] لأَنَّ مَعْنَى «أغْفَلْنا» من قولِهم: أغْفَلْتَ الكِتابَ، إذا جَعَلْتَهُ خالِياً من الكِتابَةِ، ومن الإِعْجامِ. وقولهُ: {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } [الأنبيَاء: 94] فإشارَةٌ إلى أنّ ذلك مُثْبَتٌ، ومُجازًى به. وقولهُ: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } [آل عِمرَان: 53] أي اجْعَلْنا في زُمْرَتِهِمْ، إشارَةً إلى قولهِ: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النِّسَاء: 69] الآيَةَ. وقولهُ: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} [الكهف: 49] فقيلَ: إشارَةٌ إلى ما أُثْبِتَ فيه أعْمالُ العِبادِ، وقولهُ: {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحَديد: 22] قيلَ هو إشارَةٌ إلى اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، وكذا قولهُ: {إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [الحَجّ: 70]، {وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [الأنعَام: 59]، {فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا } [الإسرَاء: 58]. وفي قوله: {لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفَال: 68] يَعْنِي به ما قَدَّرَهُ مِنَ الحِكْمَةِ، وذلك إشارَةً إلى قولهِ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعَام: 54] وقيلَ هو إشارَةٌ إلى قولهِ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفَال: 33]. وقولهُ: {لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التّوبَة: 51] يَعْنِـي ما قَدَّرَهُ وقَضاهُ. وذَكَرَ «لَنا» ولم يَقُلْ «عَلَيْنا» تنبيهاً أنَّ كُلَّ ما يُصِيبُنا نَعُدُّهُ نعْمَةً لَنا، ولا نَعُدُّهُ نِقْمَةً عَلَيْنا. وقولهُ: {ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المَائدة:21] قيلَ: مَعْنَى ذلك وَهَبَها اللَّهُ لَكُمْ، بِشَرْطِ أنْ تَدْخُلُوها، وقيلَ: أوْجَبَها عليكـمْ، وإنمـا قال: «لَكُمْ» ولم يَقُلْ: «عليكمْ» لأنَّ دُخُولَهُمْ إيَّاها يَعُودُ عليهم بِنَفْعٍ عاجلٍ وآجِلٍ، فيكونُ ذلك لَهُمْ لا عليهم. وذلك كقولِكَ لِمَنْ يَـرَى تأذِّياً بشيء لا يَعْرفُ نَفْعَ مآلِهِ: هذا الكلامُ لَكَ لا عليكَ. وقولهُ: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التّوبَة: 40] جَعَلَ حُكْمَهُمْ وتَقْدِيرَهُمْ ساقِطاً مُضْمَحِـلاًّ، وحُكْمَ اللَّهِ عالِياً لا دافِعَ له ولا مانِعَ. وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [الرُّوم: 56] أي في عِلْمِهِ وإيجابِهِ وحُكْمِهِ، وعلى ذلك قولهُ: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [الرّعد: 38]. وقولهُ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التّوبَة: 36] أي في حُكْمِهِ. ويُعَبَّرُ بالكِتابِ عن الحُجَّةِ الثابِتَةِ من جِهَةِ اللَّهِ، نحوُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدىً وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ} [الحَجّ: 8] أي مضيءٌ له نورٌ يؤدي مَنْ تمسّكَ به إلى الحق. والمعنى أن بعض الناس لا يتبع أدلة العقل وإنما يتبع الهوى والتقليد {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ} [الزّخرُف: 21]، {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} [الصَّافات: 157]، وقوله: {أُوتُوا الْكِتَابَ} [البَقَرَة: 101]: كِتابَ اللَّهِ {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا} [فَاطِر: 40]، وقال: {فَهُمْ يَكْتُبُونَ } [الطُّور: 41] إشارَةً إلى العِلْمِ والتَّحَقُّقِ والاعْتِقادِ، وقولهُ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البَقَرَة: 187] إشارَةٌ إلى تَحَرِّي ما قضى الله تعالى لجهة النكاح، وهو سبحانه جَعَلَ لَنا شَهْوَةَ النِّكاحِ لِنَتَحَرَّى طَلَبَ النَّسْلِ الـذي يكونُ سَبَباً لِبَقاءِ نَوْعِ الإِنْسانِ إلى غايَةِ قَدْرِها، فَيَجِبُ على الإنْسانِ أنْ يَتَحَرَّى بالنِّكاحِ ما جَعَلَ اللَّهُ له على حَسَبِ مُقْتَضَى العَقْلِ والشَّرْعِ. ومَنْ تَحَـرَّى بالنِّكَـاحِ حِفْـظَ النَّسْلِ، وحَصانَةَ النَّفْسِ على الوَجْهِ المَشْرُوعِ، فقد ابْتَغَى ما كَتَبَ اللَّهُ له. وإلى هذا أشارَ مَنْ قال: عُنِيَ بما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمُ الوَلَدُ. ويُعَبَّرُ عن الإيجادِ بالكِتابَةِ، وعن الإزالَةِ والإفْناءِ بالمَحْو. قال: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرّعد: 38-39] فنبَّهَ أنَّ لِكُلِّ وقْتٍ إيجاداً. وهو يُوجِـدُ ما تَقْتَضِي الحِكْمَةُ إيجادَهُ، ويُزيلُ ما تَقْتَضِي الحِكْمةُ إزالَتَه. ودَلَّ قولهُ: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرّعد: 38] على نحو ما دَلَّ عليه قولهُ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرَّحمن: 29] وقولهُ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [الرّعد: 39]. أما قولهُ: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} [آل عِمرَان: 78] فالكِتابُ الأوَّلُ ما كَتَبُوهُ بأيْدِيهِمْ المذكورَةِ في قولهِ: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البَقَرَة: 79] والكِتابُ الثانِي التَّوْراةُ، والثالِثُ لِجِنْسِ كُتُبِ اللَّهِ، أي ما هو من شيء من كُتُـبِ اللَّهِ سبحانَه وتعالى وكلامِهِ، وقولهُ: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} [البَقَرَة: 53] فقد قيلَ هُما عِبارتانِ عن التَّوْراةِ وتَسْمِيَتُها كِتاباً اعْتِباراً بِما أُثْبِتَ فيها من الأحْكامِ، وتَسْمِيَتُها فُرْقاناً اعْتِباراً بما فيها من الفَرْقِ بَيْنَ الحَقِّ والباطِـلِ. وقولهُ: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً} [آل عِمرَان: 145] أي حُكْماً. وقوله: {لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ} [الأنفَال: 68] و {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التّوبَة: 36] كُلُّ ذلك حُكْمٌ منه. وأمّا قولهُ: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البَقَرَة: 79] فتنبيهٌ أنَّهُمْ يَخْتَلِقُونَهُ ويَفْتَعِلُونَهُ، وكما نَسَبَ الكِتابَ المُخْتَلَقَ إلى أيْدِيهمْ نَسَبَ المَقالَ المُخْتَلَقَ إلى أفْواهِهِمْ، فقال: {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} [التّوبَة: 30]. والاكْتِتابُ: مُتَعارَفٌ في المُخْتَلَقِ، نحوُ قولهِ: {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} [الفُرقان: 5]. وحَيْثُما ذَكَرَ اللَّهُ تعالى أهْلَ الكِتابِ، فإنما أرادَ بالكِتابِ التَّوْراةَ والإنْجِيلَ، وإيَّاهُما جميعاً، وقولهُ: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ} [يُونس: 37] فإنما أرادَ بالكِتابِ هَهُنا ما تَقَدَّمَ من كُتُبِ اللَّهِ دُونَ القُرآنِ. أَلاَ تَرَى أنه جَعَلَ القُرآنَ مُصَدِّقاً له. وقولهُ: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} [الأنعَام: 114] فمنهمْ من قال: هو القُرآنُ، ومنهم من قال: هو القُرآنُ وغَيْرُهُ من الحُجَجِ والعِلْمِ والعَقْلِ. وكذلك قولهُ: {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [العَنكبوت: 47] وقولهُ: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} [النَّمل: 40] فقد قيلَ: أُرِيدَ به عِلْمُ الكِتابِ، وقيلَ: عِلْمٌ مِنَ العُلُومِ التي آتاها اللَّهُ سُلَيْمانَ في كِتابِهِ المَخْصُوصِ به، وبه سُخِّرَ له كُلُّ شيء. وقولهُ: {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} [آل عِمرَان: 119] أي بالكُتُبِ المُنَزَّلَةِ فَوُضِعَ ذلك مَوْضِعَ الجَمْعِ، إمّا لِكونِهِ جنْساً كقولِكَ: كَثُرَ الدِّرْهَمُ في أيدي الناسِ، أو لِكونِهِ في الأصْلِ مصْدَراً نحوُ: عَدْلٍ، وذلك كقولهِ: {يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [النِّسَاء: 162] وقيلَ يَعْني أنَّهُمْ لَيْسُوا كَمَنْ قيلَ فيهم: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النِّسَاء: 150]. وكِتابَةُ العَبْدِ: ابْتِياعُ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ بما يُؤَدِّيهِ مِنْ كَسْبِهِ {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النُّور: 33] من الكِتابَةِ التي هي الإيجابُ.
كتم: الكِتْمانُ: سَتْرُ الحَدِيث. يقالُ: كَتَمْتُهُ كَتْماً وكِتْماناً {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} [البَقَرَة: 140]، {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [البَقَرَة: 146]، {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البَقَرَة: 283]، {وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [آل عِمرَان: 71]. وقولهُ: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النِّسَاء: 37] فَكِتْمانُ الفَضْلِ هو كُفْرانُ النِّعْمَةِ ولذلك قال بَعْدَهُ {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِيناً } [النِّسَاء: 37]. وقولهُ: {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا } [النِّسَاء: 42] قال ابنُ عباسٍ: «إنَّ المُشْرِكِينَ إذا رَأوْا أهْلَ القِيامَةِ لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلاَّ منْ لم يكنْ مُشْركاً قالُوا: واللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ، فَتَشْهَدُ عليهم جَوارِحُهُمْ، فحينئذٍ يَوَدُّونَ أنْ لم يَكْتُمُوا اللَّهَ حَدِيثاً». وقال الحسنُ: «في الآخِرةِ مواقِفُ في بعضِها يَكْتُمُونَ وفي بعضِها لا يَكْتُمُونَ». وعن بعضِهم: لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً: هو أنْ تَنْطِقَ جوارِحُهُمْ.
كثب: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلاً } [المُزّمل: 14] أي رَمْلاً مُتَراكِماً. وجَمْعُهُ: أكْثِبَةٌ، وكُثُبٌ، وكُثْبانٌ. والكُثْبَةُ: القليلُ مِنَ الماءِ واللَّبَنِ. والقِطْعَةُ مِنَ التَّمْر، سُمِّيَتْ بذلك لاجْتِماعِها. وكَثَبَ: إذا اجْتَمَعَ. والكاثِبُ: الجامِعُ. والتَّكْثِيبُ: الصَّيْدُ إذا أمْكَنَ مِنْ نَفْسِهِ. والعَرَبُ تَقُولُ: «كَثَبَكَ الصَّيْدُ فارْمِهِ»، وهو من الكَثْبِ، أي القُرْبِ مِنه.
كثر: قد تَقَدَّمَ أنَّ الكَثْرَةَ والقِلَّةَ يُسْتَعْمَلانِ في الكَمِّيَّةِ المُنْفَصِلَةِ، كالأعْدادِ، ومنه: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا} [المَائدة: 68]، {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [المؤمنون: 70]، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ} [الأنبيَاء: 24]، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 249]، {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النِّسَاء: 1]، {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البَقَرَة: 109] إلى آياتٍ كَثِيرَة. وقولهُ: {بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} [ص: 51] فإنه جَعَلَها كَثِيرَةً اعْتِباراً بِمَطاعِمِ الدُّنْيا، ولَيْسَتِ الكَثْرَةُ إشارَةً إلى العَدَدِ فَقَطْ، بَلْ إلى الفَضْلِ، ويقالُ: عَدَدٌ كَثِيرٌ وكُثارٌ وكاثِرٌ: زائِدٌ. ورَجُلٌ كاثِرٌ: إذا كان كَثِيرَ المالِ. قال الشاعِرُ:
ولَسْتَ بالأكْثَر منهم حَصاً وإنما العِزَّةُ للكاثِر
والمُكَاثَرَةُ والتَّكاثُرُ: التَّبارِي في كَثْرَةِ المال والعِزِّ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } [التّكاثُر: 1]. وفُلانٌ مَكْثُورٌ: أي مَغْلُوبٌ مِن تَكَاثُرِ الناسِ عليه. والمِكْثارُ: كثيرُ الكلامِ. والكَثَرُ: جُمَّارُ النَّخْلِ، وقيل طَلعُها، وقد حُكِي بِتَسكِينِ الثاءِ، ورُوِيَ: لا قَطْعَ في ثَمَر ولا كَثْرٍ. {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكَوثَر: 1] قيلَ هو نَهْرٌ في الجَنَّةِ يَتَشَعَّبُ عنه الأنهارُ، وقيلَ: بَلْ هو الخَيْرُ العَظِيمُ الذي أُعطيه النبيُّ (ص) ، وقد يقالُ للرَّجُلِ السَّخِيِّ: كَوْثَرٌ، ويقالُ: تَكَوْثَر الشيءُ: كَثُر كَثْرَةً مُتَناهِيَةً.
كدح: الكَدْحُ: السَّعْيُ الشَّدِيدُ في الأَمْرِ والدَّأَبُ على العَملِ، {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} [الانشقاق: 6] أي إنك عاملٌ عملاً في مشقّةٍ لِتَحْمِلَهُ إلى اللّهِ وَتُوصِلَهُ إليهِ.
كدر: الكَدَرُ: ضِدُّ الصَّفاءِ: وتَكَدَّرَ الشيءُ: كَدِرَ، ومنه تَكَدَّرتْ معيشَتُهُ. والكُدْرَةُ في اللَّوْنِ خاصَّةً. والأَكْدَرُ: هو الذي في لونِهِ كُدْرَةٌ. والكُدُورَةُ: في الماءِ، وفي العَيْشِ. والانْكِدارُ: تَغَيُّرٌ مِنَ انْتِثار الشيءِ. يقال: انكدر الطائر من الهواء إذا انقضّ {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ } [التّكوير: 2] أي انْقَضَّت وتَساقَطَتْ، والأصلُ في الانْكِدار الانصباب.
كدى: الكُدْيَةُ: شِدَّةُ الدهر، والكُدْيَةُ: صَلابَةٌ في الأرضِ، يقالُ: حَفَر فأكْدَى، إذا وصَلَ إلى كُدْيَة، واسْتُعِيرَ ذلك للطَّالِبِ المُخْفِقِ والمُعْطِي المُقِلِّ. {وأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى } [النّجْم: 34] أي أمسك عن العطاء ومنعه منعاً شديداً، يقال: أَكْدَى الرجلَ عن الشيءِ: رَدَّهُ عنه، وأَكْدَى فلانٌ: أَخْفَقَ ولم يَظْفَرْ بحاجتِهِ.
كذب: الكذب: هو الإخبارُ عن الشيء على غير حقيقته. وأنه يقالُ في المَقالِ والفِعالِ {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [النّحل: 105] أي يخترع الكذب الذين لا يصدّقون بدلائل اللهِ ومعجزاتِهِ، وقولهُ: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [المنَافِقون: 1] كَذِبُهُمْ في اعْتِقادِهِمْ لا في مَقالِهمْ. وقولهُ: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } [الواقِعَة: 2] فقد نُسِبَ الكَذِبُ إلى نَفْسِ الفِعْلِ، كقولِهمِ: فِعْلَةٌ صادِقَةٌ وفِعْلَةٌ كاذِبَةٌ. {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ } [العَلق: 16]. يقالُ: رَجُلٌ كَذَّابٌ وكَذُوبٌ وكُذُبْذُبٌ وكَيْذُبانُ، كُلُّ ذلك للمُبالَغَةِ. ويقالُ: لا مَكْذُوبَةَ، أي لا أكْذِبُكَ. وكَذَبْتُكَ حَدِيثاً. وكذلك {الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التّوبَة: 90] أي الذين كذبوا في ادعائهم الإيمان، وَيَتَعَدَّى إلى مَفْعُولينِ، نحوُ صَدَقَ في قولهِ: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الفَتْح: 27]. يقالُ: كَذَبَهُ كَذِباً وكِذَّاباً، وأكْذَبْتُهُ: وجَدْتُهُ كاذِباً، وكَذَّبْتُهُ: نَسَبْتُهُ إلى الكَذِب صادِقاً كان أو كاذِباً. وما جاءَ في القُرآنِ فَفِي تَكْذِيبِ الصادِقِ، نحوُ: {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [آل عِمرَان: 11]، {رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } [المؤمنون: 26]، {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} [ق: 5]، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [القَمَر: 9]، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ } [الحَاقَّة: 4]، {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [الحَجّ: 42]، {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [فَاطِر: 25] وقال: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعَام: 33] قُرىءَ بالتَّخْفِيفِ والتَّشْدِيدِ، ومَعْناهُ: لا يَجِدونَكَ كاذِباً ولا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يُثْبِتُوا كَذِبَكَ. وقولهُ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يُوسُف: 110] أي عَلِمُوا أنَّهُمْ تُلُقُّوا مِنْ جِهَةِ الذينَ أرْسِلُوا إليهم بالكَذِب، فَكُذِّبُوا، نحوُ فُسِّقُوا وزُنُّوا وخُطِّئُوا إذا نُسِبُوا إلى شيء من ذلك. وكذلك قوله: {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فَاطِر: 4]، {فَكَذَّبُوا رُسُلِي} [سَبَإ: 45]، {إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} [ص: 14] وقُرىءَ: كُذِبُوا بالتَّخْفِيفِ مِن قولِهم: كَذَبْتُكَ حَدِيثاً، أي ظَنَّ المُرْسَلُ إليهم أنَّ الرُّسُلَ قد كَذَبُوهُمْ فيما أخْبَرُوهُمْ به مِنْ أنَّهُمْ إن لم يُؤْمِنُوا نَزَلَ بِهِمُ العَذابُ، وإنما ظَنُّوا ذلك من إمْهالِ اللَّهِ تعالى إيَّاهُمْ وإمْلائِهِ لَهُم، وقولهُ: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا } [النّبَإِ: 35] الكِذَّابُ: التَّكْذِيبُ، والمَعْنَى: لا يُكَذَّبُونَ، فَيُكَذِّبُ بعضُهم بعضاً، ونَفْيُ التَّكْذِيبِ في الجَنَّةِ يَقْتَضِي نَفْيَ الكَذِبِ عنها. وقُرىءَ: كِذاباً من المُكَاذَبَةِ أي لا يَتَكاذَبُونَ تكَاذُبَ الناسِ في الدُّنْيا. يقالُ: حُمِلَ فُلانٌ على فِرْيَة وكَذِب، كما يقالُ في ضِدِّهِ صَدَقَ وَكَذَبَ لَبَنُ الناقَةِ، إذا ظُنَّ أنْ يَدُومَ مُدَّةً فَلَمْ يَدُمْ. وكَذَبَ بمعنى وَجَبَ، ومنه: «كَذَبَ عليكم الحَجُّ» قيلَ: مَعْناهُ وَجَبَ فعليكم به. وحقِيقَتُه أنه في حُكْمِ الغائِبِ البَطِيءِ وَقْتُه، كقولِكَ: قد فاتَ الحَجُّ فَبادر، أي كادَ يَفُوتُ. وكَذَبَ عليك العَسَلَ (بالنَّصْب) أي عليكَ بالعَسَلِ، وذلك إغْراءٌ، وقيلَ: العَسَلُ هَهُنا العَسَلانُ، وهو نوع من العَدْوِ وهو من قَوْلِكَ: كَرَبْتَ الأَرْضَ إذا قَلَبتَها للزِّراعة، وهي لا تكرُبُ إلاَّ بالبَقَرِ، أو بالآلةِ الحديدية ذاتِ المُحَرِّكِ ولها سكَّةٌ للفلاحة، والكَذَّابَةُ والكَذُوبُ والكَذوبَةُ: النَّفْسُ لأنها تُحَدِّثُ الإنسانَ بالأمورِ التي لا يَبْلُغها وُسْعُهُ، والكَذَّابَةُ أيضاً: ثَوْبٌ يُنْقَشُ بِلَوْنِ صِبْغٍ كأنه مُوَشًّى، وذلك لأنه يُكَذَّبُ بِحالِه.
كرب: الكَرْبُ: الغَمُّ الشَّدِيدُ {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرَبِ الْعَظِيمِ } [الأنبيَاء: 76]. والكُرْبَةُ كالغُمَّةِ، وأصْلُ ذلك من كَرْبِ الأرضِ، وهو قَلْبُها بالحَرْثِ، فالغَمُّ يُثِيرُ النَّفْسَ إثارَةَ ذلك. وقيلَ في مثَلٍ: «الكِرابُ على البَقَر»، وهو يُضربُ في تخليةِ المرء وصناعتِهِ، وليسَ ذلك من قولِهم: «الكِلابَ على البَقَر» أي أَوْسِدِ الكِلابَ على بَقَرِ الوَحْشِ؛ ويَصِحُّ أن يكونَ الكَرْبُ مِنْ كَرَبَتِ الشمسُ، إذا دَنَتْ للمَغِيبِ. وقولهُم: إناءٌ كَرْبانُ، أي قَريبٌ، نحوُ قَرْبانَ أي قَريبٍ مِنَ المِلْءِ أو من الكَرَبِ، وهو عَقْدٌ غَلِيظٌ في رِشا الدَّلْوِ، وقد يُوصَفُ الغَمُّ بأنه عُقْدَةٌ على القَلْب، يقالُ: أكْرَبْتُ الدَّلْوَ.
كر: الكَرُّ: العَطفُ على الشيءِ بالذَّاتِ، أو بالفِعْلِ. ويقالُ للحَبْلِ المَفْتُولِ: كَرٌّ، وهو في الأصْلِ مَصْدَرٌ، وصارَ اسْماً. وجَمْعُهُ: كُرُورٌ. والكَرَّةُ: الحملةُ في الحرب وجمعها كَرَّاتٌ {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} [الإسرَاء: 6]، {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الشُّعَرَاء: 102]، {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [البَقَرَة: 167]، {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} [الزُّمَر: 58]. والكِرْكِرَةُ: رَحَى زَوْرِ البَعِير، ويُعَبَّرُ بها عن الجماعَةِ المُجْتَمِعَةِ. والكَرْكَرَةُ: تَصْريفُ الريحِ السَّحابَ، وذلك مُكَرَّرٌ مِنْ «كَرَّ».
كرس: الكُرْسِيُّ في تعارُفِ العامَّةِ اسْمٌ لِما يُقْعَدُ عليه {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } [ص: 34]. وهو في الأصْل مَنْسُوبٌ إلى الكِرْسِ، أي المُتَلَبِّد، أي المُجْتَمِعِ. ومنه الكُرَّاسَةُ: أي المجموعةُ الصغيرةُ من الأوراقِ دونَ الكتاب. وكرَّسَ البناءَ: أَشَّبَهُ، فَتَكَرَّسَ قال العَجاجُ:
يا صاحِ هَلْ تَعْرفُ رَسْماً مُكْرَسا قال نَعَمْ أعْرفُهُ وأبْلَسا
والكِرْسُ: أصْلُ الشيءِ، يقالُ: هو قَدِيمُ الكِرْسِ وكُلُّ مُجْتَمِعٍ من الشيءِ كِرْسٌ. والكَرُّوسُ: المُتَرَكِّبُ بعضُ أجْزاءِ رأسِهِ إلى بعضِهِ لِكِبَرِهِ. وقولهُ: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} [البَقَرَة: 255] فقد رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ أنَّ الكُرْسِيَّ هو العِلْمُ، ومنه قولهم: «هو مِنْ أهلِ الكُرْسِيِّ أي من أهلِ العلمِ». وقيلَ: كُرْسِيُّهُ مُلْكُهُ. وقال بعضُهم: هو اسْمُ الفَلَكِ المُحِيطِ بالأفْلاكِ. وقال: وَيَشْهَدُ لذلك ما رُوِيَ: «ما السمواتُ السَّبْعُ في الكُرْسِيِّ إلاَّ كَحَلْقَةٍ بأرضِ فَلاةٍ»(61).
كرم: الكَرَمُ: إذا وُصِفَ اللَّهُ تعالى به فهو اسْمٌ لإِحْسانِهِ وإنْعامِهِ المُتَظاهِر، نحوُ قولهِ: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } [النَّمل: 40]. وإذا وُصِف به الإنْسانُ فهو اسْمٌ لِلأخْلاقِ والأفْعالِ المحمودَةِ التي تَظْهَرُ منه، ولا يقالُ هو كَرِيمٌ حتى يَظْهَرَ ذلك منه، كَمَنْ يُنْفِقُ مالاً في تَجْهِيز جَيْشٍ في سَبيلِ اللَّهِ. وقولهُ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحُجرَات: 13] فإنما كان كذلك لأنَّ الكَرَمَ الأفْعالُ المحمودَةُ، وأكْرَمُها وأشْرَفُها ما يُقْصَدُ به وجْهُ اللَّهِ تعالى، فَمَنْ قَصَدَ ذلك بِمَحاسِنِ فِعْلِهِ فهو التَّقِيُّ، فإذاً أكْرَمُ الناسِ أتْقاهُمْ، وكُلُّ شيءٍ شَرُفَ في بابِه فإنه يُوصَفُ بالكَرَمِ {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } [لقمَان: 10]، {وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [الدّخان: 26]، {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } [الواقِعَة: 77]، {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا } [الإسرَاء: 23]. والإكْرامُ والتَّكْريمُ: أنْ يُوصَلَ إلى الإنْسانِ إكْرامٌ، أي نَفْعٌ لا يَلْحَقُهُ فيه غَضاضَةٌ، أو أنْ يُجْعَلَ ما يُوصَلُ إليه شَيْئاً كَريماً أي شَريفاً {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ } [الذّاريَات: 24]. وقولهُ: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ } [الأنبيَاء: 26] أي جَعَلَهُمْ كِراماً، ومثلهُ {كِرَامًا كَاتِبِينَ } [الانفِطار: 11]، {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ *كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [عَبَسَ: 15-16]، {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ } [يس: 27]. وقولهُ: {ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } [الرَّحمن: 27] منطوٍ على المعنيينِ.
كره: قيلَ: الكَرْهُ والكُرْهُ واحِدٌ، نحوُ الضَّعْفِ والضُّعْفِ، وقيلَ: الكَرْهُ: المشَقَّةُ التي تَنالُ الإنْسانَ من خارِجٍ فيما يُحْمَلُ عليه بإكْراه، والكُرْهُ: ما يَنالهُ من ذاتِهِ، وهو يَعافُهُ. وذلك على نوعين، أحَدُهُمَا: ما يُعافُ من حَيْثُ الطَّبْعُ، والآخَرُ: ما يُعافُ من حَيْثُ العَقْلُ أو الشَّرْعُ، ولهذا يَصِحُّ أن يقولَ الإنْسانُ في الشيءِ الواحِدِ: إنِّي أُرِيدُهُ وأكْرَهُهُ. بِمَعْنَى أنِّي أُرِيدُهُ من حَيْثُ الطَّبْعُ، وأكْرَهُهُ مِنْ حَيْثُ العَقْلُ أو الشَّرْعُ، وأرِيدُهُ مِن حَيْثُ العَقْلُ أو الشَّرْعُ، وأكْرَهُهُ من حَيْثُ الطَّبْعُ. وقولهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البَقَرَة: 216] أي تَكْرَهُونَه من حَيْثُ الطَّبْعُ، ثم بَيَّنَ بقولهِ: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البَقَرَة: 216] أنه لَيْسَ للإنْسانِ أنْ يَعْتَبِرَ كَراهِيَتَهُ للشيءِ أو مَحَبَّتَهُ له حتى يَعْلَمَ حالَهُ. وكَرهْتُ: يقالُ فيهما جميعاً. إلاَّ أنَّ اسْتِعْمالَهُ في الكُرْهِ أكْثَرُ {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [التّوبَة: 32]، {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [التّوبَة: 33]، {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } [الأنفَال: 5]. وقولهُ: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحُجرَات: 12] تنبيهٌ أنَّ أكْلَ لَحْمِ الأخِ شيءٌ قد جُبِلَتِ النَّفْسُ على كَراهَتِها له، وإنْ تَحَرَّاهُ الإنْسانُ. وقولهُ: {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النِّسَاء: 19] قُرىءَ: كُرْهاً. والإكْراهُ: يقالُ في حَمْلِ الإنْسانِ على ما يَكْرَهُهُ. وقولهُ: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النُّور: 33] فَنَهْيٌ عن حَمْلِهِنَّ على ما فيه كَرْهٌ وكُرْهٌ. وقولهُ: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البَقَرَة: 256] فقد قيلَ: كان ذلك في ابْتِداءِ الإسْلامِ، فإنه كان يُعْرَضُ على الإنْسانِ الإسْلامُ، فإن أجابَ كان به، وإلاَّ تُركَ. والقول الثاني: أنَّ ذلك في أهْلِ الكِتابِ، فإنَّهُمْ إنْ أرادُوا الجِزْيَةَ والتَزَمُوا الشَّرائِطَ تُركُوا. والثالِثُ: أنه لا حُكْمَ لِمَنْ أُكْرهَ على دِينٍ باطِلٍ، فاعْتَرَفَ به، ودَخَلَ فيه، كما قال: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النّحل: 106]. والرابِعُ: لا اعْتِدادَ في الآخِرَةِ بما يَفْعَلُ الإنْسانُ في الدُّنْيا من الطاعَةِ كَرْهاً، فإنَّ اللَّهَ تعالى يَعْتَبِرُ السَّرائِرَ ولا يَرْضَى إلاَّ الإخْلاصَ، ولهذا قال (ص) : «إِنَّمَا الأعْمال بالنِّيَّاتِ»(62). وقال: «أخْلِصْ يكْفِكَ القليلُ من العَمَلِ»(63).الخامِسُ: لا يُحْمَلُ الإنْسانُ على أمْرٍ مَكْرُوه في الحَقِيقَةِ مما يُكَلِّفُهُمُ اللَّهُ، بَلْ يُحْمَلُونَ على نَعِيمِ الأبَدِ. ولهذا قال عليه وعلى آله الصلاة والسلامُ «عَجِبَ رَبُّكُمْ من قَوْمٍ يُقادُونَ إلى الجَنَّةِ بالسَّلاسِلِ»(64). السادِسُ: أنَّ الدِّينَ الجَزاءُ، مَعْناهُ أن اللَّه ليسَ بِمُكْرَهٍ على الجَزاءِ، بَلْ يَفْعَلُ ما يَشاءُ بِمَنْ يَشاءُ كما يَشاءُ، وقولهُ: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عِمرَان: 83] قيلَ مَعْناهُ: أسْلَم مَنْ في السموات طَوْعاً ومَنْ فِي الأرضِ كَرْهاً، أي الحُجَّةُ أكْرَهَتْهُمْ وألْجأتْهُمْ، كقولِكَ: الدَّلالَةُ أكْرَهَتْنِي على القول بهذه المَسْأَلَةِ: وليسَ هذا من الكُرْهِ المَذْمُومِ والقول الثاني: أسْلَمَ المُؤْمُنُونَ طَوْعاً والكافِرُونَ كَرْهاً إذْ لم يَقْدِرُوا أنْ يَمْتَنِعُوا عليه بما يُريدُ بِهِمْ ويَقْضِيهِ عليهم. الثالثُ: عن قَتادَةَ: أسْلَمَ المُؤْمِنُونَ طَوْعاً والكافِرُونَ كَرْهاً عِنْدَ المَوْتِ، حَيْثُ قال: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ} [غَافر: 85] الآيَةَ. الرابِعُ: عُني بالكَرْهِ مَنْ قُوتِلَ وأُلْجِىءَ إلى أنْ يُؤْمِنَ. الخامِسُ: عن أبِي العالِيةِ ومُجاهِدٍ أنَّ كُلاًّ أقَرَّ بِخَلْقِهِ إيَّاهُمْ وإنْ أَشْرَكُوا مَعَهُ، كقولهِ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزّخرُف: 87]. السادِسُ: عن ابنِ عباسٍ: أسْلَمُوا بأحوالِهِمْ المُنْبئَةِ عنهم، وإن كَفَرَ بعضُهم بِمقَالِهِمْ، وذلك هو الإسْلامُ في الذَّرِّ الأوّل حَيْثُ قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعرَاف: 172] وذلك هو دَلائِلُهُمْ التي فُطِرُوا عليها مِنَ العَقْلِ المُقْتَضِي لأنْ يُسْلِمُوا، وإلى هذا أشارَ بقولهِ: {وَظِلاَلُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } [الرّعد: 15]. السابِعُ: أنَّ مَنْ أسْلَمَ طَوْعاً هو مَنْ طالَـعَ المُثِيـبَ والمُعاقِـبَ فأسْلَـمَ لـه، ومَـنْ أسْلَـمَ كَرْهاً هو مَنْ طالَعَ الثَّواب والعِقابَ، فأسْلَمَ رَغْبَةً ورَهْبةً، ونحوُ هذه الآيَةِ قولهُ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرّعد: 15].
كسب: الكَسْبُ: ما يَتَحَرَّاهُ الإنْسانُ مما فيه اجْتِلابُ نَفْعٍ، وتَحْصِيلُ حَظٍّ، كَكَسْبِ المالِ. وقد يُسْتَعْمَلُ فيما يَظُنُّ الإنْسانُ أنه يَجْلِبُ مَنْفَعَةً، ثم اسْتُجْلِبَ به مَضَرَّةٌ. والكَسْبُ يُقالُ فيما أخَذَهُ لِنَفْسِهِ ولِغَيرِهِ، ولهذا قد يَتَعَدَّى إلى مَفْعُولَينِ فيقالُ: كَسَبْتُ فُلاناً كذا. والاكْتِسابُ: لا يقالُ إلاَّ فيما اسْتَفَدْتَهُ لنَفْسِكَ. فَكُلُّ اكْتِسابٍ كَسْبٌ، وليسَ كُلُّ كَسْبٍ اكْتِساباً. وذلك نحوُ: خَبَزَ واخْتَبَزَ، وشَوَى واشْتَوَى، وطَبَخَ واطَّبَخَ. وقولهُ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البَقَرَة: 267] رُوِيَ أنه قيلَ للنبيِّ (ص) : أيُّ الكَسْبِ أطْيَبُ؟ فقال عليه وعلى آله الصلاة والسلامُ: «عَمَلُ الرجُلِ بيدِهِ» وقال: «إنَّ أطْيَبَ ما يأكُلُ الرَّجُلُ من كَسْبِهِ، وإنَّ ولَدَهُ من كَسْبِهِ»(65).وقال تعالى {لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيءٍ مِمَّا كَسَبُوا} [البَقَرَة: 264]. وقد وَرَدَ الكسب في القُرْآنِ في فِعْلِ الصالحاتِ والسَّيِّئاتِ، فَمِمّا اسْتُعْمِلَ في الصالِحات قولهُ: {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعَام: 158]، {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعَام: 158] إلى قوله {مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [البَقَرَة: 202]. ومِمَّا يُسْتَعْمَلُ في السَّيِّئاتِ {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} [الأنعَام: 70]، {أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} [الأنعَام: 70]، {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ } [الأنعَام: 120]، {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيدِيهِمْ وَوَيلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } [البَقَرَة: 79]، {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًاجَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [التّوبَة: 82]، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا} [فَاطِر: 45]، {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} [الأنعَام: 164]. أما قولهُ: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} [البَقَرَة: 281] فَمُتَناولٌ لَهُما، والاكْتِسابُ قد ورَدَ فيهما. قال في الصالِحاتِ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النِّسَاء: 32]، وقولهُ: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البَقَرَة: 286] فقد قيلَ: خُصَّ الكَسْبُ هَهُنا بالصالِحِ، والاكْتِسابُ بالسَّيِّىءِ، وقيلَ: عُنيَ بالكَسْبِ ما يَتَحَرَّاهُ مِنَ المكاسِبِ الأُخْرَوِيَّةِ، وبالاكْتساب ما يَتَحَرَّاهُ مِنَ المَكاسِبِ الدُّنْيَويَّةِ. وقيلَ: عُنِيَ بالكَسْبِ ما يَفْعَلُهُ الإنْسانُ مِنْ فِعْلِ خَيرٍ وجَلْبِ نَفْعٍ إلى غَيرِه مِنْ حَيثما يَجُوزُ، وبالاكْتِساب ما يُحَصِّلهُ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْع يَجُوزُ تَناوُلُه.
كسد: كَسَدَ وكَسُدَ يَكْسُدُ كَسَاداً وكُسُوداً المتاعُ وغيرهُ: لم يُبَعْ لِقلَّة الرَّاغبين فيه، فهو كاسِدٌ؛ والسِّلعةُ كاسِدة. وأصل المعنى الفَسَادُ. قال الله تعالى: {وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} [التّوبَة: 24] أي تخافونَ أن لا تَنفقَ إذا اشتغلتم بالطاعاتِ لله كالصَّلاة والصَّوْمِ والزَّكاةِ والحجِّ والجهاد في سبيل الله تعالى..
كسف: كُسُوفُ الشَّمْسِ والقَمَرِ: اسْتِتارُهُما بِسَبَبٍ عارِضٍ، والأكثَرُ في اللغة ـ وهو اختيار الفَرَّاءِ ـ أنْ يُقالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ وكَسَفَها الله (تعالى) فانكَسَفَتْ، وخَسَفَ القمرُ، وخَسَفَهُ الله (تعالى) فانخسَفَ، وبه شُبِّهَ كُسُوفُ الوَجْهِ والحالِ، فقيلَ: كاسِفُ الوَجْهِ، وكاسِفُ الحالِ. والكِسْفَةُ: قِطْعَةٌ مِنَ السَّحابِ والقُطْنِ ونحو ذلك مِنَ الأجْسامِ المُتَخَلْخِلَةِ الحَائِلَةِ، وجَمْعُها: كِسَفٌ. قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} [الرُّوم: 48] أيْ يَجعلُ السَّحابَ قِطعاً متَفَرِّقةً، {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} [الشُّعَرَاء: 187]، {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [الإسرَاء: 92]. وكِسْفاً، بالسُّكُونِ. فَكِسَفٌ جَمْعُ كِسْفَة، نحوُ سِدْرَة وسِدَرٍ {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ } [الطُّور: 44] والمعنى: وإن يروا عذاباً من السماء ساقطاً عليهم ظنّوا أنه قطعة من السحاب. وكَسَفْتَ الثَّوبَ، إذا قَطَعْتَهُ قِطَعاً، ورجُلٌ كاسِفٌ: مهمومٌ قد تَغَيَّرَ لونُهُ وهزُل من الحُزْنِ.
كسل: الكَسَلُ: التَّثاقُلُ عَمَّا لا يَنْبَغِي التّثاقُلُ عنه، ولأَجْل ذلك صارَ مَذْمُوماً. يقالُ: كَسِلَ، فهو كَسِلٌ وكَسْلانُ، وجَمْعُه: كُسالى وكَسالى. قال تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} [التّوبَة: 54]. وقيلَ: فُلانٌ لا يَسْتَكْسِلُ المكاسِلَ، أي لا يعتَلُّ بوجوهِ الكَسَلِ؛ ولا تَكْسُلُهُ المَكَاسِلُ أي لا تثقِلُهُ وجوهُ الكَسَلِ. وفَحْلٌ كَسِلٌ: يَكْسَلُ عن الضِّرابِ، وامْرَأةُ مِكْسالٌ: فاتِرَةٌ عَنِ التَّحَرُّكِ.
كسو: الكِساءُ والكِسْوَةُ: اللِّباسُ {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المَائدة: 89]. وقد كَسَوْتُهُ واكْتَسَى. قال تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النِّسَاء: 5]، {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14]. واكْتَسَت الأرضُ بالنَّبات، وقال الشاعِر:
فَبَاتَ له دُونَ الصّبا وهي قُرَّةٌ لِحافٌ ومَصْقُولُ الكِساء رقِيقُ
وقولُ الآخَر:
حتى أرَى فارِسَ الصَيْمُوت على أكْساءِ خَيْلٍ كأنها الإِبلُ
قيلَ: مَعْناهُ على أعْقابها. وأصْلُه أن تُعْدَى الإبِلُ فتُثِيرَ الغُبارَ، ويَعْلُوَها، فَيكْسُوهَا، فكأنه تَوَلَّى إكْساءَ الإِبِلِ، أي مَلابِسَها من الغُبارِ.
كشط: {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ } [التّكوير: 11] أي قُلِعَتْ كما يُقلَعُ السَّقْفُ؛ وهو من كَشْطِ البَعيرِ، أي تَنْحِيَةِ الجلْدِ عنه، لأنَّ العرب لا تَقولُ في البَعيرِ إلاَّ كَشَطْتُهُ أو جَلَّدْتُهُ، ومنه اسْتُعِيرَ: انكَشَطَ رَوْعُهُ، أي زالَ.
كشف: كَشَفَ الشيءَ يَكْشِفُهُ كَشْفاً: رفَعَ عنه ما يُواريهِ، ومنه كَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنِ الوَجْهِ وغَيرهِ، ويقالُ: كَشَفَ اللَّهُ غَمَّهُ أي أزالَهُ عنه {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} [الأنعَام: 17]، {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} [الأنعَام: 41]، {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} [ق: 22]، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النَّمل: 62]. وقولهُ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القَلَم: 42] قيلَ: أصْلهُ من: قامَت الحرْبُ على ساقٍ، أي ظَهَرَتِ الشِّدَّةُ، وقال بعضُهم: أصْلهُ من تَذْمِير الناقَةِ، وهو أنه إذا أخْرَجَ رَجُلٌ الفَصِيلَ من بَطْنِ أُمِّهِ، فيقالُ: كُشِفَ عن السَّاق.
كظم: الكَظْمُ: مَخْرَجُ النَّفَسِ. يُقَالُ: «أَخَذَ بِكَظْمِهِ»، أي مَخْرَج نَفَسِهِ. والكُظُومُ: احْتِباسُ النَّفَسِ، ويُعَبَّرُ به عن السُّكُوتِ، كقولِهم: فُلانٌ لا يَتَنَفَّسُ إذا وُصِفَ بالمُبالَغَةِ في السُّكُوتِ. وكُظِمَ فُلانٌ: حُبِسَ نَفَسُهُ. {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } [القَلَم: 48] أي محبوسٌ مِنَ الغَيْظِ، وكَظْمُ الغَيْظِ: حَبْسُهُ {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عِمرَان: 134] الذين يُمْسِكونَ على ما في نفوسِهِمْ على صَفْحٍ أو غَيْظٍ، وفي الحديث «إذا تثاءَبَ أَحَدُكمُ فَلْيَكْظِمْ ما اسْتَطاعَ»(66). والكَظائِمُ: خُرُوقٌ بَينَ البِئْرَينِ يَجْري فيها الماءُ، واحدتها الكِظَامَةُ، كُلُّ ذلك تشبيهٌ بمَجْرَى النَّفَسِ وتَرَدُّدِهِ فيه.
كعب: كَعْبُ الرِّجْلِ: العَظْمُ الذي عِنْد مُلْتَقى القَدَمِ والسَّاقِ {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المَائدة: 6]. والكَعْبَةُ: كُلُّ بَيْتٍ على هَيْئَتِهِ في التَّرْبِيعِ، وبها سُمِّيَتِ الكَعْبَةُ {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المَائدة: 97]. وَذُو الكَعْباتِ: بَيْتٌ كان في الجاهِلِيَّةِ لِبَني رَبِيعَةَ. وفُلانٌ جالسٌ في كَعْبَتِهِ: أي غُرْفَتِهِ وبَيْتِهِ على تِلْكَ الهيئَةِ. وامْرأةٌ كاعِبٌ: تَكَعَّبَ ثَدْياها، وقد كَعَبَتْ كِعَابَةً، والجمْعُ: كَواعِبُ {وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا } [النّبَإِ: 33]. وقد يقالُ: كَعَبَ الثَّدْيُ كَعْباً، وكَعَّبَ تَكْعيباً. وثَوْبٌ مُكَعَّبٌ: مَطْوِيٌّ شَديدُ الإدْراجِ. وكُلُّ ما بَينَ العُقْدَتَيْنِ مِنَ القَصَبِ والرُّمْحِ يقالُ له كَعْبٌ، تشبيهاً بالكَعْبِ في الفَصْلِ بَيْنَ العُقْدَتَيْنِ، كَفَصْلِ الكَعْبِ بَيْنَ السَّاقِ والقَدَمِ.
كفؤ: الكُفْءُ يكونُ في المَنْزِلَةِ والقَدْرِ، ومِنْهُ الكِفاءُ، لِشُقَّةٍ تُنْضَحُ بالأُخْرى، فَيُجَلَّلُ بها مؤَخَّرُ البَيْتِ، يُقالُ فلانٌ كُفْءٌ لفُلانٍ: في المُنَاكَحَةِ، أو في المُحَارَبَةِ ونحوُ ذلك، قال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص: 4]، ومِنْهُ المُكافَأَةُ أي المُساواةُ والمُقابَلَةُ في الفِعْلِ؛ وفلانٌ كُفْءٌ لَكَ: في المُضَادَّةِ. والإِكْفاءُ: قَلْبُ الشَّيءِ كأنَّهُ إِزالةُ المُسَاواةِ، ومنه الإِكفاءُ في الشَّعْرِ. وَمُكْفَأُ الوجْهِ: أي كاسِدُ اللَّوْنِ، ويُقالُ لِنِتاجِ الإِبْلِ لَيْسَتْ تامَّةً: كَفْأَةٌ؛ وجَعَلَ فلانٌ إِبْلَهُ كَفْأَتَيْنِ إِذا لَقَحَ كُلَّ سَنَةٍ قِطْعَةً منها.
كفت: الكَفْتُ: القَبْضُ والجَمْعُ، أو تقلُّبُ الشيءِ ظَهْراً لبَطْنٍ، وبَطْناً لظَهر، قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا *أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا } [المُرسَلات: 25-26]. والكِفاتُ: الضمُّ والجَمْعُ، والكِفاتُ أيضاً: الطائرُ السَّريعُ، الذي يَضُمُّ تَحْتَ جَناحَيْهِ شَيْئاً يَخُصُّهُ، فيكون معنى الآية: أَلَمْ نَجْعَلِ الأرضَ كالطَّائِرِ السَّريعِ تَضُمُّ ما عليها مِنْ إنسانٍ وحيوانٍ وَجَمادٍ أحياءً وأمواتاً؟ وفي الحَدِيثِ: «اكْفِتُوا صِبْيانَكُمْ بالليلِ»(67) أي اجمعوهم في بيوتكم.
كفر: الكُفْرُ: في اللُّغَةِ، سَتْرُ الشَيءِ، ووَصْفُ الليلِ بالكافِر لِستْرِهِ الأشْخاصَ، والكافِرُ: الزَّرَّاعُ، لِسَتْرهِ البَذْرَ في الأرضِ. وليسَ ذلك باسْمٍ لَهُما، كما قال بعضُ أهْلِ اللّغَةِ لَمَّا سَمِعَ:
ألْقَتْ ذُكاءُ يَمِينَها في كافِر
والكافُورُ: اسْمُ أكمامِ الثَّمَرَةِ التي تَكْفُرُها، قال الشاعِرُ:
كالكَرْمِ إذْ نادَى مِنَ الكافُورِ
وكُفْرُ النِّعْمَةِ، وكُفْرَانُها: سَتْرُها بِتَرْكِ أداءِ شُكْرِها {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبيَاء: 94]. وأعْظَـمُ الكُفْرِ جُحُودُ الوَحْدانِيَّةِ أو الشَّريعَةِ أو النُّبُوَّةِ. والكُفْرانُ فـي جُحُـودِ النَّعْمَـةِ أكْثَـر اسْتِعْمـالاً. والكُفْـرُ فـي الدِّيـن أكْثَـرُ. والكُفُـورُ فيهما جميعاً {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُورًا } [الإسرَاء: 99]، {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا } [الإسرَاء: 89]. ويقالُ فيهما: كَفَرَ فهو كافِرٌ. قال في الكُفْرانِ: {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النَّمل: 40]، {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } [النَّمل: 40]، {وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } [البَقَرَة: 152]، وقولهُ: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [الشُّعَرَاء: 19] أي تَحَرَّيْتَ كُفْرانَ نِعْمَتِي، وقال: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم: 7]. ولَمَّا كان الكُفْرانُ يَقْتَضِي جُحُودَ النِّعْمَةِ صارَ يُسْتَعْمَلُ في الجُحُودِ {وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البَقَرَة: 41] أي جاحِدٍ لَهُ وساتِرٍ. والكافِرُ على الإطْـلاَقِ: مُتَعارَفٌ فِيمَنْ يَجْحَدُ الوحدانِيَّةَ أو النُّبُوَّةَ أو الشَّريعَةَ أَو ثَلاثَتَها، وقد يقالُ: كَفَرَ، لمَنْ أخَلَّ بالشَّرِيعَةِ، وتَرَكَ ما لزمَهُ مِنْ شُكْرِ اللَّهِ عليه. قال: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} [الرُّوم: 44] يَدُلُّ على ذلك مُقَابَلَتُهُ بقولهِ: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأَِنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } [الرُّوم: 44]. وقال: {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } [النّحل: 83]. وقولهُ: {وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البَقَرَة: 41] أي لا تَكُونُـوا أئِمَّـةً في الكُفْر فَيُقْتَدَى بكُمْ، وقولهُ: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النُّور: 55] عُنيَ بالكافِرِ السَّاتِرُ لِلحَقِّ، فلذلك جَعَلَـهُ فاسِقـاً، ومَعْلُـومٌ أنَّ الكُفْـرَ المُطْلَـقَ هـو أعَـمُّ مِـنَ الفِسْـقِ، ومَعْنَاهُ: مَنْ جَحَدَ حَقَّ اللَّهِ فقد فَسَقَ عَنْ أمْر رَبِّهِ بِظُلْمِهِ، ولَمَّا جُعِل كُلُّ فِعْلٍ مَحْمُود مِنَ الإيمان جُعِلَ كُلُّ فِعْلٍ مَذْمُومٍ مِنَ الكُفْر. وقال في السِّحْر {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البَقَرَة: 102]. وفي الربا: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البَقَرَة: 275] إلى قولهِ: {كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } [البَقَرَة: 276]. وقال {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عِمرَان: 97] إلى قوله: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [آل عِمرَان: 97]. والكَفُورُ: المُبالِغُ في كُفْرانِ النِّعْمَةِ، وفي قولهُ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } [الحَجّ: 66] جاء التوكيد بـ«إنَّ واللاَّمَ»، وإن قيل لماذا وُصف الإنسان بالكفور؟ يأتي الجواب من كتابه تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ } [سَبَإ: 17]. وقال في مَوْضِعٍ {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ} [الحُجرَات: 7]، وقولُه: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ } [الزّخرُف: 15] تنبيهٌ على ما يَنْطَوِي عليه الإنْسانُ مِنْ كُفْرانِ النِّعْمَةِ، وقِلَّةِ ما يَقُومُ بأداءِ الشُّكْـر. وعلـى هذا قولهُ: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ } [عَبَسَ: 17]، ولذلك قال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سَبَإ: 13]. وقولهُ: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسَان: 3] تنبِيهٌ أنه عَرَّفَهُ الطَّرِيقَيْنِ، كما قال: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } [البَلَد: 10] فَمِنْ سالِكٍ سَبيلَ الشُّكْر، ومِنْ سالِكٍ سَبِيلَ الكُفْر. وقولهُ: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } [الإسرَاء: 27] فَمِنَ الكُفْر. ونَبَّهَ بقولهِ (كان)، أنه لم يَزَلْ مُنْذُ وُجِدَ مُنْطَوِياً على الكُفْر. والكَفَّارُ (فعّال) أعظم مِنَ الكَفُور {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } [ق: 24]، {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } [البَقَرَة: 276]، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } [الزُّمَر: 3]، {إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا } [نُوح: 27]. وقد أجْرى الكَفَّارَ مَجْرَى الكَفُورِ في قولهِ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم: 34]. والكُفَّارُ في جمعِ الكافِر المُضادِّ لِلإيمان أكْثَرُ اسْتِعْمالاً، كقولهِ: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفَتْح: 29]، {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفَتْح: 29]. والكَفَرَةُ في جَمْعِ كافِر النِّعْمَةِ أكثر اسْتِعْمالاً. وفي قولهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } [عَبَسَ: 42] ألاَ تَرَى أنه وَصَفَ الكَفَرَةَ بالفَجَرَةِ، والفَجَرَةُ قد يقالُ لِلفُسَّاقِ من المُسْلِمِينَ. وقولهُ: {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ } [القَمَر: 14] أي من الأنبياءِ ومَنْ يَجْري مَجْراهُمْ مِمَّنْ بَذَلُوا النُّصْحَ في أمْرِ اللَّهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ منهم. وقولهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} [النِّسَاء: 137] قيلَ: عُنِيَ بقولِهِ أَنَّهم آمَنُوا بمُوسى (ع) ثم كَفَرُوا بِمَنْ بَعْدَهُ، والنَّصَارَى آمَنُوا بِعيسى ثُمَّ كَفَرُوا بِمَنْ بَعْدَهُ. وقيلَ: آمَنُوا بِمُوسى (ع) ثُمَّ كَفَرُوا بموسى، إذ لم يُؤمِنُوا بِغَيْرِهِ. وقيلَ: هم من قال فيهم {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي} [آل عِمرَان: 72] ـ إلى قوله ـ {وَاكْفُرُوا آخِرَهُ} [آل عِمرَان: 72] ولم يُردْ أنَّهُمْ آمَنُوا مَرَّتَيْنِ وكَفَرُوا مَرَّتَيْنِ، بَلْ ذلك إشارَةٌ إلى أحْوالٍ كَثِيرَة. وقيلَ: كما يَصْعَدُ الإنْسانُ في الفَضائِلِ دَرَجاتٍ ويَنْعَكِسُ في الرَّذائِلِ دَرَكَاتٍ، والآيةُ إشارَةٌ إلى ذلك. ويقالُ: كَفَرَ فُلانٌ؛ إذا اعْتَقَدَ الكُفْرَ. ويقالُ ذلك إذا أظْهَرَ الكُفْرَ، وإن لم يَعْتَقِدْ {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النّحل: 106]. ويقالُ: كَفَرَ فُلانٌ بالشَّيْطانِ، إذا كَفَرَ بِسَبَبهِ. وقد يقالُ ذلك إذا آمَن وخالَفَ الشَّيْطانَ {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البَقَرَة: 256]. وأكْفَرَهُ إكْفاراً: حَكَمَ بكُفْرِهِ، وقد يُعَبَّرُ عن التَّبَرِّي بالكُفْر، نحوُ: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} [العَنكبوت: 25]، {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22]. وقولهُ: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحَديد: 20] قيلَ عَنَى بالكُفَّارِ الـزُّرَّاعَ لأنَّهُـمْ يُغَطُّـونَ البَـذْرَ في التُّرابِ كسَتْرِ الكُفَّارِ حَقَّ اللَّهِ تعالى، بِدَلالَةِ قولـهِ: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفَتْح: 29] ولأنَّ الكافِـرَ لا اخْتِصاص له بذلك، وقيلَ: بَلْ عَنَى الكُفَّارِ وخَصَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ مُعْجبِينَ بالدُّنْيا وزَخارِفِها وراكِنِينَ إليها. والكَفَّارَةُ: ما يُغَطِّي الإثْمَ، ومنه كَفَّارَةُ اليَمِينِ، نحوُ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المَائدة: 89]، وكذلك كَفَّارَةُ غَيْرِهِ من الآثامِ كَكَفَّارَةِ القَتْلِ والظِّهارِ {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المَائدة: 89]. والتَّكْفِيرُ: سَتْرُهُ وتَغْطِيَتُهُ حتى يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ ما لم يُعْمَلْ، ويَصِحُّ أن يكون أصْلُهُ إزالَةَ الكُفْر. والكُفْران، نحوُ التَّمْريضِ في كونِه إزالَةً للمَرَضِ، وتَقْذِيَةِ العَيْنِ في إزالَةِ القَذى عنه {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا واتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} [المَائدة: 65]، {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النِّسَاء: 31]. وإلى هذا المَعْنَى أشارَ بقولهِ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هُود: 114]، وقالَ تعالى: {لأَُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} [آلعِمرَان: 195] أي لَأسترَ عليهم ذنوبَهم وأغْفِرَها لهم وأسقِطَ ما استحقَّ عليها من العذاب {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} [الزُّمَر: 35]. ويقالُ: كَفَرَتِ الشمسُ النُّجُومَ: سَتَرَتْها. ويقالُ الكافِرُ للسَّحابِ الذي يُغَطِّي الشمسَ. وتَكَفَّرَ في السّلاحِ، أي تَغَطَّى فيه. والكافُورُ، الذي هو من الطِّيب، قال تعالى: {كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا } [الإنسَان: 5].
كفّ: الكَفُّ: كَفُّ الإنْسانِ، وهي ما بها يقْبِضُ ويَبْسُطُ، وكَفَفْتُهُ: أصَبْتُهُ بالكَفِّ، ودَفَعْتُهُ بها. وتُعُورِفَ على الكَفُّ بالدَّفْعِ على أيِّ وجْهٍ كانَ، سَواءٌ بالكَفِّ أو غَيْرِها، حتى قيلَ: رجُلٌ مَكْفُوفٌ: لِمَنْ قُبِضَ بَصَرُهُ. وقولهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سَبَإ: 28] أي كَافّاً لَهُمْ عن المَعاصِي، والهاءُ فيه للمُبالَغَةِ، كقولِهم: راويَةٌ وعَلاَّمَةٌ ونَسَّابَةٌ. وقولهُ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التّوبَة: 36] قيلَ: مَعْناهُ:كافِّينَ لَهُمْ كما يُقاتِلُونَكُمْ كافِّينَ، وقيلَ: مَعْناهُ: جماعَةً، كما يُقاتِلُونَكُمْ جَماعَةً. وذلك أن الجَمَاعَةَ يقالُ لَهُمُ: الكافَّةُ، كما يقالُ لَهُمُ: الوازِعَةُ، لِقُوَّتِهِمْ باجْتِماعِهِمْ، وعلى هذا قولهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البَقَرَة: 208]. وقولهُ: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} [الكهف: 42] إشارَةٌ إلى حالِ النادِمِ وما يَتَعاطاهُ في حال ندَمِهِ. وتَكَفَّف الرجُلُ، إذا مَدَّ يَدَهُ سائِلاً. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العَنكبوت: 51]، أي ألمْ يَكْفِهِمْ، هؤلاءِ المُشْرِكينَ، أنَّا أنزلْنَا عليكَ القرآنَ لِهدايتِهِمْ، بدلاً مِنَ المعجزاتِ التي يطلبونَهَا، وهُوَ ـ بخلافِ تلكَ المعجزاتِ ـ الآيةُ الدَّائِمَةُ أبداً لا انقضاءَ لها إلى أنْ يرثَ اللَّهُ تَعالى الأرضَ ومنْ عليها؟ وقولُهُ تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزُّمَر: 36] بلى، إنَّ اللَّهَ كافٍ عبدَه، هذا النبيَّ الأمينَ ممَّا يُخَوِّفونَهُ مِنْهُ. و {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الإسرَاء: 96].. على أَنَّكَ مُرسَلٌ يا محمدُ بِالهُدَى وَدينِ الحقِّ.
كفل: الكَفالَةُ: الضَّمانُ. تقولُ: تَكَفَّلْتُ بكذا، وكَفَّلْتُهُ فُلاناً، وقُرىءَ: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عِمرَان: 37]، أي كَفَّلَها اللَّهُ تعالى، ومَنْ خَفَّفَ جَعَلَ الفِعْلَ لِزَكَريَّا، والمَعْنَى: تَضَمَّنَها. وقال تعالى: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النّحل: 91] والكَفِيلُ: الضّامنُ الذي فيه الكِفايَةُ كأنه تَكَفَّلَ بأمرهِ، نحوُ: {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} [ص: 23] أي اجْعَلْنِي كِفْلاً لَها. والكِفْلُ: الكَفِيلُ {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحَديد: 28] أي كَفِيلَيْنِ مِنْ نِعْمَتِهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وهُما المَرْغُوبُ إلى اللَّهِ تعالى فيهما بقولهِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البَقَرَة: 201] وقيلَ: لم يَعْنِ بقولهِ كِفْلَيْنِ، أي نِعْمَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ فقط، بَلْ أرادَ النِّعْمَةَ المُتَوالِيَةَ المُتَكَفِّلَةَ بكِفايَتِهِ، وتكونُ تَثْنِيَتُهُ على حَدِّ ما ذَكَرْنا في قولهِم: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْك. وأمّا قولهُ: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النِّسَاء: 85] أي نصيب منها. ومَعْنَى الآيَةِ: مَن يَنْضَمُّ إلى غَيْرِهِ مُعِيناً له في فِعْلَةٍ حَسَنَةٍ يكونُ له منها نَصِيبٌ، ومَنْ يَنْضَمُّ إلى غَيْرِهِ مُعِيناً له في فِعْلَةٍ سَيِّئَةٍ يَنالُهُ من فِعْلِهِ كَفِيلٌ يسأله، كما قيلَ: مَنْ ظَلَمَ فقد أَقامَ كَفِيلاً بِظُلْمِهِ، تنبيهاً أنه لا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ من عُقُوبَتِهِ.
كفى: الكِفايَةُ: ما فيه سَدُّ الخُلَّةِ وبُلُوغُ المُرادِ في الأمْرِ {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزَاب: 25]، {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } [الحِجر: 95]. وقولهُ: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } [الفَتْح: 28] قيلَ: مَعْناهُ كَفَى اللَّهُ شَهِيداً، والباءُ زائِدَةٌ على الفاعل. وقيلَ: مَعْناهُ اكْتَفِ باللَّهِ شَهِيداً، فموضع اسم الجلالة رفع على الفاعلية، وشهيداً تمييز، ومنه قول الشاعر:
وداوِ ابْنَ عَمِّ السُّوْءِ بالنايِ والغِنى كفى بالغِنى والنايِ عنه مُداوِيا
وَالكُفْيَةُ مِنَ القُوتِ: ما فيه كِفايَةٌ، والجمعُ: كُفًى، ويقالُ: «كافِيكَ مِنْ رَجُلٍ»، أي هو رجلٌ يكفيكَ عمَّنْ سواه لا تحتاجُ إلى غيرِهِ، وقولهم: «هو رَجُلٌ كُفْيُكَ مِنْ رجُلٍ» أي حَسْبُك مِنْ رَجُلٍ.
كلأ: الكِلاءَةُ: حِفْظُ الشَّيءِ وتَبْقِيَتُهُ. وأَكْلَأُ: اسْمُ تَفْضِيلُ، يُقالُ: كَلَأَكَ اللَّهُ، «وبَلَغ اللَّهُ بِكَ أَكْلَأَ العُمُرِ». قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَانِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ } [الأنبيَاء: 42] أي من يحفظكم من بأس الله وجبروته. والمَكْلَأُ: مَوْضِعٌ تُحْفَظُ فيه السُّفُنُ؛ وعُبِّرَ عَنِ النَّسِيئَةِ بالْكَالِىءِ، ومنه كَلَأَ الدَّيْنُ كُلُوءَةٌ: تَأَخَّرَ فهُوَ كالِىءٌ، ورويَ أنه عليهِ وعلى آلِهِ الصلاةُ السَّلامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الكَالِىءِ بالْكالِىءِ(68)، أي عَنِ النَّسِيئَةِ بالنَّسِيئَةِ. والكَلَأُ: العُشْبُ الذي يُحْفَظُ؛ ومكانٌ كَلِيءٌ ومُكْلِىءٌ: إذا كَثُرَ كَلَؤُهُ.
كلب: الكَلْبُ: الحَيَوانُ النَّبَّاحُ، والأنْثَى: كَلْبَةٌ، والجَمْعُ: أكْلُبٌ وكِلابٌ، وقد يقالُ لِلجَمْعِ: كَلِيبٌ. {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعرَاف: 176]، {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف: 18] وعنه اشْتُقَّ الكَلَبُ لِلحرص، ومنه يقالُ: هو أحْرَصُ مِنْ كَلْبٍ. ورَجُلٌ كَلِبٌ: شَدِيدُ الحِرْصِ، وكَلْبٌ كَلِبٌ: أي مَجْنُونٌ يَكْلَبُ بِلُحُومِ الناسِ، فيأخُذُهُ شِبْهُ جُنُونٍ، ومَنْ عَقَرَهُ فقد كُلِبَ؛ أي يأخُذُهُ داءٌ، فيقالُ: رَجُلٌ كَلِبٌ، وقومٌ كَلْبَى. قال الشاعِرُ:
دماؤُهُمُ مِنَ الكَلَبِ الشِّفاءُ
وكَلِبَ الشِّتاءُ: اشْتَدَّ بَرْدُهُ وحِدَّتُهُ، تشبيهاً بالكَلْبِ الكَلِبِ. ودَهْرٌ كَلِبٌ. ويقالُ: أرضٌ كَلِبَةٌ، إذا لم تُرْوَ فَتَيْبَسَ تَشبيهاً بالرجُلِ الكَلِبِ، لأنه لا يَشْرَبُ فَيَيْبَسُ. والكَلاَّبُ والمُكَلِّبُ: الذي يُعَلِّمُ الكَلْبَ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ} [المَائدة: 4]. وأرضٌ مَكْلَبَةٌ: كَثِيرَةُ الكِلاب.
كلح: كلح كُلُوحاً وكُلاحاً: تكشَّر في عُبوس. كلَّح وَجهَهُ: عَبَّسَهُ. والكُلوح: تَقلُّص الشفتَينِ عن الأَسنان حتى تبدو. قال الله تعالى: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [المؤمنون: 104]. واللَّفح والنَّفح بمعنى واحد، إلاَّ أن اللَّفحَ أَشَدُّ تأثيراً، وهو ضربٌ من السَّموم للوجه. والنَّفح ضربُ الرِّيحِ الْوَجهَ.
كلف: الكَلَفُ: الإيلاعُ بالشيءِ، يقال: كَلِفَ فُلانٌ بكذا، وأكْلَفْتُهُ به: جَعَلْتُهُ كَلِفاً. والكَلَفُ في الوَجْهِ، سُمِّيَ لِتَصَوُّرِ كُلْفَة به. وتَكَلُّفُ الشيءِ: ما يَفْعَلُهُ الإنْسانُ بإظْهار كَلَفٍ مَعَ مَشَقَّةٍ تَنالُهُ في تَعاطِيهِ. وصارَت الكُلْفَةُ في التعارفِ اسماً للمشقة. والتكلُّفُ اسم لما يُفْعَلُ بمَشَقَّةٍ أو تَصَنُّعٍ أو تَشَبُّعٍ، ولذلك صارَ التَّكَلُّفُ على ضَرْبَيْنِ: مَحْمودٍ، وهو ما يَتَحَرَّاهُ الإنْسانُ لِيَتَوَصَّلَ به إلى أن يَصِيرَ الفِعْلُ الذي يَتَعاطاهُ سَهْلاً عليه، ويَصِيرَ كَلِفاً بِهِ ومُحِبّاً له، وبهذا النَّظَر يُسْتَعْمَلُ التَّكْلِيفُ في تَكَلُّفِ العِباداتِ، وقولُه: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البَقَرَة: 286] أي إلا ما تطيقه وتستطيع القيام به، نحوُ قولهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحَجّ: 78]، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البَقَرَة: 216]. والثانِي مَذْمُومٌ وهو ما يَتَحَرَّاهُ الإنْسانُ مُراءاةً، وإيَّاه عُنِيَ بقولهِ تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } [ص: 86] أي لستُ ممن يتعسَّفُ في طلبِ الأمر مما لا يوافق العقلَ ولا تقتضيه الحكمةُ. وإياه المقصود في قول النبيِّ (ص): «أنا وأتْقِياءُ أمَّتِي بُرءَاءُ مِنَ التَّكَلُّفِ»(69)، والمعنى أنا لستُ من الذين يسيرون على غيرِ هدى أي لستُ من المتصنّعين ولا من المتقوّلين على القرآنِ الكريمِ.
كل: لَفْظُ كُلٍّ هو لِضَمِّ أجْزاءِ الشَّيءِ، وذلك نوعان: أحَدُهُما: الضَّامُّ لِذاتِ الشَّيءِ وأحْوالِهِ المُخْتَصَّةِ بِهِ، ويُفِيدُ مَعْنَى التَّمامِ، نحوُ: {وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسرَاء: 29] أي بَسْطاً تامّاً، قالَ الشاعِرُ:
ليسَ الفَتَى كُلُّ الفَتَى إلاّ الفَتَى في أَدَبِهِ
أي التَّامُّ الفُتُوَّةِ. والثاني: الضَّامُّ للذَّواتِ، وذلك يُضافُ تارَةً إلى جَمْعٍ مُعرَّفٍ بالألِف واللامِ نحوُ قولِكَ: كُلُّ القَومِ، وتارَةً إلى ضَمِيرِ ذَلِكَ نحوُ {فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } [الحِجر: 30]، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التّوبَة: 33]، أو إلى نَكِرَةٍ مُفْرَدَةٍ نحوُ: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسرَاء: 13]، {وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ } [البَقَرَة: 29] إلى غَيْرها من الآياتِ، ورُبَّما عَريَ عن الإضَافَةِ، ويُقَدَّر ذلك فيه، نحوُ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [الأنبيَاء: 33]، {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } [النَّمل: 87]، {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } [مَريَم: 95]، {وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } [الأنبيَاء: 72]، {كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ } [الأنبيَاء: 85]، {وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ} [الفُرقان: 39] إلى غَيْرِ ذلكَ في القُرآنِ مِمَّا يَكْثُرُ تَعْدادُهُ؛ ولم يَرِدْ في شَيْءٍ مِنَ القُرآنِ، ولا في شَيْءٍ من كلامِ الفُصَحاءِ الكُلُّ بالألفِ واللامِ، وإنما ذلك شيءٌ يَجْري في كلام المُتَكَلِّمِينَ والفُقَهاءِ ومَنْ نَحا نَحْوَهُمْ. والكَلالَةُ: اسْمٌ لِما عَدا الوَلَدَ والوالِدَ مِنَ الوَرَثَةِ. وقال ابنُ عباسٍ: هو اسْمٌ لِمَنْ عَدا الولَدَ. ورُوِيَ أنَّ النبيَّ (ص) سُئِلَ عن الكَلالَةِ فقالَ: «مَنْ ماتَ وليسَ له ولَدٌ ولا والِدٌ»(70) فَجَعَلَهُ اسْماً للمَيِّتِ، وكِلا القَوْلَيْنِ صَحِيحٌ. فإن الكَلالَةَ مَصْدَرٌ يَجْمَعُ الوارِثَ والمَوْرُوثَ جميعاً، وتَسْمِيَتُها بذلك إمّا لأَنَّ النَّسَبَ كَلَّ عَنِ اللّحُوقِ به، أو لأَنه قد لَحِقَ به بالعَرْضِ مِنْ أحَدِ طَرَفَيْهِ، وذلك لأَنَّ الانْتِسابَ ضَرْبانِ: أحَدُهُما بالعُمْقِ كَنِسْبَةِ الأبِ والابنِ، والثاني بالعَرْضِ كَنِسْبَةِ الأخِ والعَمِّ، وقال بعضُهم: هو اسْمٌ لِكُلِّ وارِثٍ كقولِ الشاعِر:
والمَرْءُ يَبْخَلُ بالحُقُو قِ وللكَلالَةِ ما يُسِيمُ
يسيم: مِنْ أسامَ الإبِلَ، إذا أخْرَجَها للمَرْعَى. ولم يَقْصِدِ الشاعِرُ بما ظَنَّهُ هذا، وإنما خَصَّ الكَلالَةَ لِيَزْهَدَ الإنْسانُ في جَمْعِ المالِ لأَنَّ تَرْكَ المالِ لَهُمْ أشَدُّ مِنْ تَرْكِهِ للأوْلادِ، وتنبيهاً أنَّ مَنْ خَلَّفْتَ لَه المالَ فَجارٍ مَجْرَى الكَلالَةِ، وذلك كقولِكَ: ما تَجْمَعُهُ فهو لِلْكَلاَلَة. وتقولُ العَرَبُ: لم يَرِث فُلانٌ كذا كَلالَةً، لمنْ تَخَصَّصَ بشيءٍ قد كان لأَبيهِ. قال الشاعِرُ:
وَرِثْتُمْ قَناةَ المُلْكِ غَيْرَ كَلالَة عَنْ ابْنَيْ مَنافٍ عَبْدِ شَمسٍ وهاشمٍ
قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً} [النِّسَاء: 12]، {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} [النِّسَاء: 176]. والإكْلِيلُ: سُمِّيَ بذلك لإحاطتِهِ بالرأسِ، يقالُ: كَلَّ الرجُلُ في مِشْيَتِهِ كَلالاً أي ثقلُ في مشيته. قوله تعالى: {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ} [النّحل: 76] أي هو عبء ثقيل على مولاه، وكَلَّ السَّيْفُ عن ضَرِيبَتِهِ كُلُولاً وكِلَّةً، واللّسانُ عن الكلامِ كذلك. وأكَلَّ فُلانٌ: كَلَّتْ راحِلَتُهُ. والكَلْكَلُ: الصَّدْرُ.
كلم: الكَلْمُ: التأثِيرُ المُدْرَكُ بإحْدَى الحاسَّتَيْنِ، فالكلامُ مُدْرَكٌ بِحاسَّةِ السَّمْعِ، والكَلْمُ بحاسَّةِ البَصَر. وكَلَمْتُهُ: جَرَحْتُهُ جِراحَةً بانَ تأثِيرُها، ولاِجْتِماعِهِما في ذلك قال الشاعِرُ:
والكَلِمُ الأصِيلُ كأرْعَبِ الْكَلْمِ
الكَلِمُ الأوَّلُ: جَمْعُ كِلْمَة، والثانِي: جِراحاتٌ. والأرْعَبُ: الأَوْسَعُ. وقال آخَرُ:
وجَرْحُ اللّسانِ كَجَرْحِ اليَدِ
فالكلامُ يَقَعُ على الألفاظِ المَنْظُومَةِ وعلى المَعانِي التي تَحْتَها مجموعةً، وعندَ النَّحويِّينَ يَقَعُ على الجُزْءِ منه اسْماً كان أو فِعْلاً أو أداةً. وعندَ كثيرٍ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ لا يَقَعُ إلاَّ على الجُمْلَةِ المُرَكَّبَةِ المُفِيدَةِ، وهو أخَصُّ من القولِ. فإن القولَ يَقَعُ عندَهُمْ على المُفْرَداتِ، والكَلِمَةُ تَقَعُ عَنْدَهُمْ على كُلِّ واحدٍ من الأنْواعِ الثَّلاثَةِ. وقد قيلَ بخلافِ ذلك {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [الكهف: 5]. وقوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البَقَرَة: 37] قيل: هي قولهُ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعرَاف: 23] وقال الحَسَنُ: هي قولهُ: «ألم تَخْلُقْنِي بِيَدِكَ، ألم تُسْكِنِّي جَنَّتَكَ، ألم تُسْجِدْ لي مَلائِكَتَكَ، ألم تَسْبِقْ رَحْمَتُكَ غَضَبَكَ، أرَأيْتَ إنْ تُبْتُ أَكُنْتَمُعِيدِي إلى الجَنَّةِ، قال أُوْتِيْتَ سُؤْلَكَ» وقيلَ هي الأمانَةُ المَعْرُوضَةُ على السمواتِ والأرضِ والجبالِ في قولهِ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزَاب: 72] الآيَةَ. وقولهُ: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البَقَرَة: 124] قيلَ: هي الأشْياءُ التي امْتَحَنَ اللَّهُ إبراهيمَ بها من ذَبْحِ ولَدِهِ والخِتانِ وغَيْرهما. وبِشارةُ الملائِكةِ لِزَكَريَّا {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عِمرَان: 39] قيلَ: هي كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وقيلَ: كِتابُ اللَّهِ، وقيلَ: يَعْنِي به عيسى (ع) . وتَسْمِيَةُ عيسى بِكَلِمَة في هذه الآيَةِ وفي قولهِ: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} [النِّسَاء: 171] لكونِهِ مُوجَداً بأمْرِهِ (كُنْ) المذكورِ فيقولهِ: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى} [آل عِمرَان: 59] الآيَةَ، لاهْتِداءِ الناسِ به كاهْتِدائِهِمْ بكلامِ اللَّهِ تعالى، وقيلَ: سُمِّيَ به لِما خَصَّهُ اللَّهُ تعالى به في صِغَرِهِ حيثُ قال وهو في مَهْدهِ {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ} [مَريَم: 30] الآيَةَ، وقيلَ: سُمِّيَ «كَلِمَةَ اللَّهِ» تعالى من حيثُ إنه صارَ نَبِيّاً، كما سُمِّيَ النبيُّ (ص) «ذِكْراً رَسُولاً». وقولهُ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [الأنعَام: 115] فالكَلِمَةُ هَهُنا: القَضِيَّةُ، فَكُلُّ قَضِيَّة تُسَمَّى كلمةً سواءٌ كان ذلك مَقالاً أو فِعالاً، ووصْفُها بالصِّدْق لأنه يقالُ: قولٌ صِدْقٌ، وفِعْلٌ صِدْقٌ. وقولهُ: وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ إشارَةٌ إلى نحو قولهِ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المَائدة: 3] الآيَةَ. ونَبَّهَ بذلك أنه لا تُنْسَخُ الشريعةُ بعدَ هذا، وقيلَ: إشارَةٌ إلى ما قال الرسولُ الكريمُ (ص) : «أوَّلُ ما خَلَقَ اللَّهُ تعالى القلمُ فقال له اجْر بما هو كائِنٌ إلى يومِ القِيامَةِ»(71). وقيلَ: الكَلِمَةُ هي القرآنُ، وتَسْمِيتُهُ بِكَلِمَةٍ كَتَسْمِيَتِهِمْ القصيدَةَ كَلِمَةً، فَذَكَر أنَّها تَتِمُّ وتَبْقَى بِحِفْظِ اللَّهِ تعالى إيَّاها، فَعَبَّرَ عن ذلك بِلَفْظِ الماضي تنبيهاً أن ذلك في حُكْمِ الكائِنِ، وإلى هذا المعنَى مِنْ حِفْظِ القرآنِ أشارَ بقولِه: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ} [الأنعَام: 89] الآيَةَ، وقيل: عَنَى به ما وعَدَ من الثَّوابِ والعِقابِ، وعلى ذلك قولهُ تعالى: {بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } [الزُّمَر: 71] وقولهُ: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} [يُونس: 33] الآيَةَ، وقيلَ: عَنَى بالكَلِمات الآياتِ المعجزاتِ التي اقْتَرَحُوها، فَنَبَّهَ أنَّ ما أُرْسِلَ من الآيات تامٌّ وفيه بَلاَغٌ. وقولهُ: {لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعَام: 115] رَدٌّ لقولِهم {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا} [يُونس: 15] الآيَةَ. وقيلَ: أرادَ بـ(كَلِمَةِ رَبِّكَ) أحْكامَهُ التي حَكَمَ بها وبَيَّنَ أنه شَرَع لِعِبادِهِ ما فيه بَلاغٌ. وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعرَاف: 137] وهذه الكَلِمَةُ فيما قيلَ: هي قولهُ تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ} [القَصَص: 5] الآيةَ. وقولهُ: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا} [طه: 129]، {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الشّورى: 14] فإشارَةٌ إلى ما سَبَقَ من حُكْمِهِ الذي اقْتَضتهُ حِكْمَتُهُ، وأنه لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِهِ. وقولهُ تعالى: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [يُونس: 82] أي بِحُجَجِهِ التي جَعَلَها اللَّهُ تعالى لَكُمْ عليهم سُلْطاناً مُبِيناً، أي حُجَّةً قَويَّةً. وقولهُ: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ} [الفَتْح: 15] هو إشارَةٌ إلى ما قال: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ } [التّوبَة: 83]، وذلك أنَّ اللَّهَ تعالى ردَّ قولَ هؤلاءِ المنَافقينَ: ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ تَبْدِيلاً لِكلامِ اللَّهِ تعالى، فَنَبَّهَ أنَّ هؤلاءِ لا يَفْعَلُونَ، وكيفَ يَفْعَلُونَ وقد علِمَ اللَّهُ تعالى منهم أن لا يَتَأتَّى ذلك منهم، وقد سَبَقَ بذلك حُكْمُهُ.ومُكالَمةُ اللَّهِ تعالى العبدَ على نوعين: أحَدُهُما: في الدُّنْيا، والثانِي: في الآخرةِ. فَما في الدُّنْيا، فَعَلَى ما نَبَّهَ عليه بقولهِ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ} [الشّورى: 51] الآية، وما في الآخرةِ ثوابٌ للمؤمنينَ وكرامةٌ تَخْفَى علينا كَيْفِيَّتُهُ، ونَبَّهَ أنه يَحْرُمُ ذلك على الكافِرِينَ بقولهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ} [آل عِمرَان: 77] الآيَةَ، وفي قولهُ: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النِّسَاء: 46] الكلم جَمْعُ الكَلِمَةِ. وقيلَ: إنهم كانوا يُبَدِّلُونَ الألفاظَ ويُغَيِّرُونَها، وقيلَ: إنه كان من جِهَةِ المعنَى، وهو حَمْلُه على غَيْر ما قُصِدَ به واقْتَضاهُ، وهذا أمْثَلُ القَوْلَيْنِ، فإنَّ اللفظَ إذا تَداوَلَتْهُ الألْسِنَةُ واشْتَهَرَ يَصْعُبُ تَبْدِيلُه. وقولهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} [البَقَرَة: 118] أي لولا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ مُواجَهَةً، وذلك نحوُ قولهِ: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [النِّسَاء: 153] إلى قوله {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النِّسَاء: 153].
كلاّ: كَلاَّ : رَدْعٌ وزَجْرٌ وإبْطالٌ لقولِ القائلِ، وذلك نقيضُ إي، في الإِثْباتِ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ} [مَريَم: 77] إلى قولهِ: {كَلاَّ} [مَريَم: 79]، {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 100]، {كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ } [عَبَسَ: 23] إلى غير ذلك من الآياتِ.
كلا: كِلا في التَّثْنِيَةِ، كَكُلٍّ في الجمعِ، وهو مُفْرَدُ اللفظِ مُثَنَّى المعنَى عُبِّرَ عنه بلفظِ الواحِدِ مَرَّةً اعتِباراً بلفظِهِ، وبلفظِ الاثْنَيْنِ مَرَّةً اعْتِباراً بمعناهُ {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا} [الإسرَاء: 23]. ويقالُ في المُؤَنَّثِ: كِلْتا، ومتى أضِيفَ إلى اسمٍ ظاهرٍ بَقِيَ ألفُهُ على حالَتِهِ في النَّصْبِ والجَرِّ والرَّفْعِ، وإذا أضِيفَ إلى مضمرٍ قُلِبَتْ في النَّصْبِ والجَرِّ ياءً، فيقالُ: رَأيْتُ كِلَيهِما، ومررتُ بِكِلَيْهِما {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف: 33]. وتقولُ في الرفعِ: جاءَني كِلاهُما.
كمل: كمالُ الشَّيءِ: حُصُولُ ما فيه الغَرَضُ منه، فإذا قيلَ: كَمُلَ ذلك، فَمَعْناهُ: حَصَلَ ما هو الغَرَضُ منه، وقولهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البَقَرَة: 233] تنبيه أنَّ ذلك غايَةُ ما يَتَعَلَّقُ به صَلاحُ الوَلَدِ، وقولهُ: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النّحل: 25] تنبيه أنه يَحْصُلُ لَهُمْ كَمَالُ العُقوبَةِ، وقولهُ: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البَقَرَة: 196] قيلَ: إنما ذَكَرَ العَشَرَةَ ووصَفَها بالكامِلَةِ لا لِيُعْلِمَنا أنَّ السَّبْعَةَ والثَّلاثَةَ: عَشَرَةٌ، بَلْ لِيُبَيِّنَ أنَّ بِحُصُولِ صِيامِ العَشَرَةِ يَحْصُلُ كَمَالُ الصَّومِ القائِمِ مَقامَ الهَدْيِ.
كم: كَمْ: عبَارَةٌ عن العَدَدِ، ويُسْتَعْمَلُ في بابِ الاسْتِفْهامِ، ويُنْصَبُ بَعْدَهُ الاسمُ الذي يُمَيَّزُ به، نحوُ: كَمْ رجلاً ضَرَبْتَ. ويُسْتَعْمَلُ في بابِ الخبرِ، ويُجَرُّ بَعْدَهُ الاسمُ الذي يُمَيَّزُ به نَحْوُ: كَمْ رَجُلٍ! ويَقْتَضِي معنَى الكَثْرَةِ، وقد يدخُلُ الحرف (مِنْ) في الاسمِ الذي يُمَيَّزُ بَعْدَهُ نحوُ: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأعرَاف: 4]، {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} [الأنبيَاء: 11]. والكُمُّ: ما يُغَطِّي اليَدَ من القَميصِ، والكِمُّ: ما يُغَطِّي الثَّمَرَةَ، وجمعهُ أكْمامٌ {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ } [الرَّحمن: 11]، والكُمَّةُ: ما يُغَطِّي الرأسَ، كالقَلَنْسُوَةِ.
كمه: الأكْمَهُ: هو الذي يُولَدُ مَطْمُوس العينِ، وقد يقالُ لِمَنْ تَذْهَبُ عَيْنُهُ. ومنه قال:
كَمِهَتْ عَيْناهُ حتَّى ابْيَضَّتا
قال تعالى: {وَأُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ} [آل عِمرَان: 49].
كند: {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } [العَاديَات: 6] أي لَجحودٌ بنعم ربه، كقولِهم: أرضٌ كَنُودٌ إذا لم تُنْبتْ شيئاً. والكنودُ: الكفور العاصي، ويستوي فيه المذكرُ والمؤنث.
كنز: الكَنْزُ: المالُ المَدْفونُ، أو ما يُدَّخَرُ به المالُ كالصُّنْدوقِ والخَزْنةِ؛ وكَنَزَ القومُ التَّمْرَ كَنَازاً وكِنازاً: جعلوه كَنِيزاً؛ وزمنُ الكِنازِ: وقتُ ما يُكْنَزُ فيه التَّمْرُ. وناقَةٌ كِنازٌ: مُكْتَنِزَةُ اللَّحْمِ، وقولهُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التّوبَة: 34] أي يدَّخِرُونَها. قولهُ: {فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } [التّوبَة: 35]، {لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ} [هُود: 12] أي مالٌ عظيمٌ. وقال: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} [الكهف: 82].
كنس: كَنَسَ الظَّبْيُ كنُوساً، دَخَلَ في كِنَاسِهِ، أي في خِبائِهِ. وكَنَسَ الرَّجُلُ: اكْتَنَّ واسْتَترَ، أي دَخَلَ خَيْمَتَهُ. وَكَنَسَتِ المَرأَةُ: دَخَلَتِ الْهَوْدَجَ. قالَ تَعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ } [التّكوير: 15-16] لأنَّ الكواكب تَكْنُسُ في المَغِيبِ كالظّباءِ في مخابئها. ويقالُ لها: الْخُنَّسُ: جمعُ خانِسٍ، وهِيَ المُسْتَتِرَةُ عَنِ الأعْيُنِ، والشَّيْطانُ خنَّاسٌ لأَنَّهُ يخَنُسُ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّه أي يذهبُ فَيَستَتِر. وكِناسُ الطَّيرِ والظِّباءِ، والوحشِ: بيتٌ يَتَّخِذُهُ ويَخْتَفي فيه، والكواكبُ تَكْنُسُ في بُروجِها، كالظِّباءِ تَدخلُ في كِناسِها، فيكون الْقَسَمُ بالنُّجومِ او الكواكب التي تَخْنُسُ بالنَّهار، أي تَسْتَتِرُ، وتَبْدو باللَّيلِ.
كن: الكِنُّ: ما يُحْفَظُ فيه الشَّيءُ، يقالُ: كَنَنْتُ الشَّيءَ كَنّاً: جَعَلْتُهُ في كِنٍّ. وخُصَّ «كَنَنْتُ» بما يُسْتَرُ بِبَيْتٍ أو ثوبٍ وغيرِ ذلك من الأجْسامِ {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ } [الصَّافات: 49]، {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ } [الطُّور: 24]. وأكْنَنْتُ، بما يُسْتَرُ في النَّفْسِ {أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} [البَقَرَة: 235]. وجمعُ الكِنِّ: أكْنانٌ {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً} [النّحل: 81] أي مساكِنَ. والكِنانُ: الغِطاءُ الذي يُكَنُّ فيه الشيءُ، والجمعُ: أكِنَّةٌ، نحوُ غِطاءٍ، وأغْطِيَة {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الأنعَام: 25]. وقولهُ تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} [فُصّلَت: 5] قيلَ: معناهُ: في غِطاء عن تَفَهُّمِ ما تُوردُهُ علينا، كما قالُوا: {ياشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ} [هُود: 91] الآيَةَ، وقولهُ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ } [الواقِعَة: 77-78] قيلَ: عَنَى بالكِتابِ المَكْنُونِ اللَّوْحَ المحفوظ، وقيلَ: هو قُلُوبُ المؤمنينَ، وقيلَ: ذلك إشارَةٌ إلى كَونِهِ محفوظاً عندَ اللَّهِ تعالى، كما قال: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحِجر: 9]. وسُمِّيَتِ امرأَةُ الابنِ كِنَّةً، لكونِها في كِنٍّ من حِفْظِ زَوجِها، كما سُمِّيَتْ مُحْصَنَةً، لكونِها في حِصْنٍ من حِفْظِ زَوجها. والكنَّةُ: جَمْعُها كنائِنُ؛والكِنانَةُ: جُعْبَةٌ غَيرُ مَشْقُوقَة.
كهف: الكَهْفُ: البيتُ المنقورُ في الجبل فإذا كان ذا سعةٍ سُميَ بذلك وإلاَّ فهو الغارُ في الجَبَلِ، وجَمْعُهُ: كُهُوفٌ {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} [الكهف: 9].
كهل: الكَهْلُ: مَنْ وخَطَهُ الشَّيْبُ {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ } [آل عِمرَان: 46] أي يكلِّمُهُمْ عيسى (ع) صغيراً في المهدِ ويُكَلِّمُهُمْ كبيراً أي كهلاً، أي في عمر ثلاثٍ وثلاثينَ سنةً، عِنْدَما رَفَعَهُ اللّهُ سبحانهُ إليهِ. والكهلُ ما بَينَ الشَّابِّ والشَّيْخِ، وَمِنْهُ واكْتَهَلَ النَّباتُ، إذا شارَفَ اليُبُوسَةَ.
كهن: الكاهِنُ: هو الذي يُخْبِرُ بالأخْبارِ الماضِيَةِ، وقيل المستقبلية الخَفِيَّةِ بِضَرْبٍ من الظّنِّ. ولكونِ العرافةِ والكهانةِ مَبْنِيَّتَيْنِ على الظَّنِّ الذي يُخْطِىءُ ويُصِيبُ، قال (ص) : «مَنْ أتَى عَرَّافاً أو كاهِناً فصدقهُ بما قال فقد كفرَ بما أُنْزل على أبِي القاسِمِ»(72). ويقالُ: كَهُنَ فلانٌ كهانَةً، إذا تَعاطَى ذلك، وَكَهَنَ: إذا تَخَصَّصَ بذلك. وتَكَهَّنَ: تَكلَّفَ ذلك {ولاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } [الحَاقَّة: 42] أي ليس بسجع الكاهن الذي لا تتذكرونه إلا وقتاً قليلاً.
كوب: الكُوبُ: قَدَحٌ لا عُرْوةَ له، وجَمْعُه: أكْوابٌ {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ } [الواقِعَة: 18]. والكَوْبَةُ: الحَسْرةُ على ما فاتَ.
كور: كَوْرُ الشيء: إدارَتُهُ، وضَمُّ بعضِه إلى بعضٍ، كَكَوْرِ العِمامَةِ. وقولُه: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزُّمَر: 5] إشارَةٌ إلى إِدخالِ هذا في هذا من جرَّاءِ جَرَيان الشمس في مَطالِعِها وانتقاص الليل والنهارِ وازدِيادِهِما. وقولُه تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [التّكوير: 1] أي جُمِعَ ضَوْؤها ولُفَّتْ كما تُلَفُّ الْعِمامَةَ. وطَعَنَهُ فكَوَّرَهُ: إذا ألْقاهُ مُجْتَمِعاً. واكْتارَ الفرسُ: إذا أدارَ ذَنَبَهُ في عَدْوِه.
كون: كانَ: عبارةٌ عَمَّا مَضَى من الزمانِ، وفي كثيرٍ من صفات اللَّهِ الحُسنى تُنْبِىءُ عن معنَى الأزَلِيَّةِ {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [الأحزَاب: 40]، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا } [الأحزَاب: 27]. وما اسْتُعْمِل منه في جِنْسِ الشيءِ مُتَعَلِّقاً بوصفٍ له هو موجودٌ فيه، فتنبيهٌ على أن ذلك الوَصْفَ لازمٌ له قليلُ الانْفِكاكِ منه، نحوُ قولهِ في الإنْسانِ: {وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا } [الإسرَاء: 67]، {وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا } [الإسرَاء: 100]، {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } [الكهف: 54] فذلك تنبيهٌ على أن ذلك الوَصْفَ لازمٌ له قليلُ الانْفكاكِ منه، وقال في وصْفِ الشَّيطانِ: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } [الفُرقان: 29]، {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } [الإسرَاء: 27]. وإذا اسْتُعْمِلَ في الزمانِ الماضِي، يجوزُ أن يكونَ المُسْتَعْمَلُ فيه قد بَقِيَ على حالَتِهِ، ويجوزُ أن يكونَ قد تَغَيَّرَ، نحوُ: كان فُلانٌ كذا، ثم صارَ كذا، ولا فَرْقَ بَيْنَ أن يكونَ الزمانُ المُسْتَعْمَلُ فيه كانَ قد تقدّمَ تقدّماً كثيراً نحوُ أن تقولَ: كان في أوَّل ما أوجَدَ اللَّهُ تعالى، وبَيْنَ أن يكونَ في زمانٍ قد تقدَّم بآنٍ واحِدٍ عن الوقتِ الذي اسْتَعْمَلْتَ فيه كان نحوُ أنْ تقولَ: كان آدَمُ كذا، وبَيْنَ أن يقالَ: كان زيدٌ هَهُنا، ويكونُ بَيْنَكَ وبَيْنَ ذلك الزمانِ أدْنَى وقتٍ، ولهذا صَحَّ أنْ يُقالَ: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا } [مَريَم: 29] أنَّهُ أَشَارَ بـ (كانَ) إلى عِيْسَى وحالَتِهُ التي شاهَدوهُ عليها قُبَيْلٌ. وليس قولُ من قال: هذا إشارَةٌ إلى الحالِ بشيء لأنَّ ذَلِكَ إشارَةٌ إلى ما تقدّمَ، لكنْ إلى زمانٍ يَقْرُبُ من زمانِ قَولِهم هذا. وقولهُ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ} [آل عِمرَان: 110] فقد قيلَ معنَى كُنْتُمْ معنَى الحال، وليسَ ذلك بشيءٍ، بَلْ إنما ذلك إشارَةٌ إلى أنَّكُمْ كُنْتُمْ كذلك في تَقْدِير اللَّهِ تعالى وحُكْمِهِ لأن (كنتم) ليس بمعنى الماضي بل هي توكيد من الله تعالى بأن أمة محمد هي خير أمة أخرجت للناس، وقولهُ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البَقَرَة: 280] فقد قيلَ: مَعْناهُ: حَصَلَ ووقَعَ. والكَوْنُ يَسْتَعْمِلُه بعضُ الناسِ في اسْتِحالَةِ جَوْهَر إلى ما هو دُونَهُ، وكثيرٌ من المُتَكَلِّمِينَ يَسْتَعْمِلُونَهُ في معنَى الإبْداعِ. وكَيْنُونَةٌ: عند بعضِ النَّحْويينَ فَعْلُولَةٌ، وأصْلُهُ كَوْنُونَةٌ، وكَرهُوا الضَّمَّةَ والواو فَقَلَبُوا، وعندَ سِيبَوَيْهِ: كَيْونُونَةٌ على وزْنِ فَيْعِلُولَة، ثم أُدْغِمَ فصارَ كَيِّنُونَةً، ثم حُذِفَ فصارَ كَيْنُونَةً، كقولهِم في مَيِّتٍ مَيْتٌ وأصْلُ مَيِّت مَيْوتٌ، ولم يقولُوا كَيِّنُونَةً على الأصْلِ، كما قالُوا مَيِّتٌ لِثِقَلِ لَفْظِها. والمكانُ: قِيلَ أصْلُهُ مِن كان يكونُ فَلَمَّا كَثُرَ في كلامِهِمْ تُوُهِّمَتِ الميمُ أصْلِيَّةً، فقيلَ تَمكَّنَ كما قيلَ في المِسكِينَ: تَمَسكَنَ. واسْتَكانَ فُلانٌ: تَضَرَّعَ، وكأنه سَكَنَ وتَرَكَ الدَّعَةَ لِضَراعَتِهِ {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} [المؤمنون: 76].
كوى: كَوَيْتُ الدابَّةَ بالنارِ كَيّاً، قولُه: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ} [التّوبَة: 35] أي جِباهُ الذينَ يَكْنِزُون الذهَبَ والفضةَ، وكَيْ: عِلَّةٌ لِفِعْلِ الشيءِ، وكَيْلا عِلَّةٌ لاِنْتِفائِهِ نحوُ: {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحَشر: 7] أي كي لا يقتصر تداول المال على فئة الأغنياء فقط.
كيد: الكيْدُ: ضَرْبٌ من الاحْتِيالِ، وقد يكونُ مَذْمُوماً ومَمْدوحاً، وإنْ كان يُستَعْمَلُ في المَذْمومِ أكْثَرَ، وكذلك الاسْتِدْراجُ والمَكْرُ، ويكونُ بعضُ ذلك مَحْموداً، وقوله: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} [يُوسُف: 76] أيْ أَلْهَمْنا يُوسُفَ هذا الكَيْدَ فَجَازَيْناهُمْ على كَيْدِهِم بِهِ، وكَما فَعَلوا في الابتداءِ بيوسُفَ فَعَلْنا بِهِمْ. وقولهُ: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [الأعرَاف: 183] قالَ بعضُهُم: أرادَ بالكَيْدِ العَذابَ، والصَّحِيحُ أنه هو الإِمْلاءُ والإمْهالُ المؤَدِّي إلى العِقابِ، كقولهِ: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عِمرَان: 178]. وقوله: {وأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } [يُوسُف: 52] فَخَصَّ الخائِنِينَ تنبيهاً أنه قد يَهْدِي كَيْدَ من لم يَقْصِدْ بِكَيْدِهِ خِيانَةً، كَكَيْدِ يُوسُفَ بأخِيهِ عندما وَضَعَ له صُواعَ الملِكِ في رَحْلِهِ لكي يُبْقِيَهُ عِنْدَهُ. وقولهُ: {لأََكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبيَاء: 57] أي لأُرِيدَنَّ بها سُوءاً، وقال: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَسْفَلِينَ } [الصَّافات: 98]، {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } [المُرسَلات: 39]، {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} [طه: 69]، {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} [طه: 64]. ويقالُ: فُلانٌ يَكِيدُ بِنَفْسِه، أي يَجُودُ بها، وكادَ الزَّنْدُ: إذا تَباطَأ بإخْراجِ نارِهِ. وَوُضِعَ «كادَ» لمُقارَبَةِ الفِعْلِ، يقالُ: كادَ يَفْعَلُ إذا لم يكنْ قد فَعَلَ، كقوله تعالى: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً } [الإسرَاء: 74]. وإذا كان معه حرفُ نَفْيٍ يكون لما قد وَقَعَ، ويكونُ قَريباً من أن لا يكونَ، نحوُ: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } [البَقَرَة: 71]، {لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ} [النِّسَاء: 78]، وقَلَّما يُسْتَعْمَلُ في كادَ (أن) كما في ضَرُورَةِ الشِّعْر. قال:
قد كادَ من طُولِ البِلَى أنْ يَمْصَحا أي يَمَّحيَ وَيَدْرُسَ.
كيس: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا } [الإنسَان: 5]. والكَأْسُ: الإناءُ بما فيه مِنَ الشَّرابِ، وسُمِّيَ كُلُّ واحِدٍ منهما بانْفِرادِهِ كَأْساً؛ يقالُ: شَربْتُ كَأْساً، وكَأْسٌ طَيِّبَةٌ: يَعْنِي بها الشَّرابَ. قال: {وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ } [الواقِعَة: 18]. وَكَأَسَتِ النَّاقَةُ، تَكْؤُسُ: إذا مَشَتْ على ثَلاثةِ قَوائِمَ. وكاسَ كَيَاسَةً: فَطِنَ وَظَرُفَ، والرسولُ الكريم (ص) يقول: «المؤْمِنُ كيِّسٌ فَطِنٌ»(73). وقال: «أكْيَسُ المؤْمِنينَ أكثرهُمُ للموتِ ذِكراً وأحْسَنُهُم لما بعده استعداداً»(74). والكَيْسُ: جَوْدَةُ القريحةِ. وأَكْأَسَ الرجُلُ، وأَكْيَسَ: إذا وَلَدَ أولاداً أَكْياساً.
كيف: كيفَ: لفظٌ يُسْأَلُ به عَمَّا يَصِحُّ أن يقالَ فيه شبيهٌ وغَيْرُ شبيه، كالأبْيَضِ والأسودِ، والصحيحِ والسَّقِيمِ، ولهذا لا يَصِحُّ أن يقال في اللَّهِ عزَّ وجلَّ «كيف». وقد يُعَبَّرُ بِكَيْفَ عن المسؤول عنه، كالأسودِ والأبيضِ، فإنَّا نُسَمِّيهِ «كَيْفَ». وكُلُّ ما أخْبَرَ اللَّهُ تعالى بلفظةِ «كيفَ» عن نفسِهِ فهو اسْتِخْبارٌ على طريق التنبيهِ للمُخاطَب، أو يكون تَوْبيخاً، نحوُ: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البَقَرَة: 28]، {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عِمرَان: 86]، {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ} [التّوبَة: 7]، {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} [الإسرَاء: 48]، {فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العَنكبوت: 20]، {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِىءُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [العَنكبوت: 19].
كيل: الكَيْلُ: كَيْلُ الطَّعامِ، يقالُ: كِلْتُ له الطَّعام، إذَا تَوَّلْيتُ ذلك له، وكِلْتُهُ الطَّعام: إذا أعطَيْتُه كَيْلاً، واكْتَلْتُ عليه: أَخَذْتُ منه كَيْلاً. قال: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ *الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } [المطفّفِين: 1-2]، {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } [المطفّفِين: 3] وذلك إن كانَ مَخْصُوصاً بالكَيْلِ، فَحَثٌّ على تَحَرِّي العدْل في كُلِّ ما وَقَع فيه من أخْذٍ ودَفْعٍ. وقولهُ: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} [يُوسُف: 88]، {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} [يُوسُف: 63]، وقوله: {كَيْلَ بَعِيرٍ} [يُوسُف: 65] أي مقْدارَ حمْلِ بَعير.
كاف: الكافُ: للتشبيه والتمثيل {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} [البَقَرَة: 264] مَعْناهُ: وَصْفُهُمْ كَوصْفِهِ. وقولهُ: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} [البَقَرَة: 264] ليسَ بتشبيه، وإنما هو تمثيلٌ، كما يقولُ النَّحْويُّونَ مَثَلاً: فالاسمُ كـقولِكَ: زيدٌ، أي مِثالُهُ قَوْلُكَ زيدٌ. والتمثيلُ أكْثَرُ من التشبيهِ، لأَنَّ كُلَّ تمثيلٍ تشبيهٌ، وليسَ كُلُّ تشبيه تمثيلاً.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢