نبذة عن حياة الكاتب
العقود والمطعومات والمشروبات

الـذّبـح
البحث الأول - تعريفُ الذّبح وحكمه شرعًا:
الذبح، أو الذكاة، أو التذكية لغةً: القطعُ أو النحر، أو إزهاق روح الحيوان.
أما في الاصطلاح، فقد تباينت الآراءُ حول حكم التذكية بحسب نوع الحيوان:
ـ قال الشيعة الإمامية: تكون تذكيةُ الحيوان البريّ المتوحش بآلة الصيد قبل وضع اليد عليه.
وتذكية الحيوان الأهليّ المستأنس بذبحه، والإبل بنحرها، والسمك بإخراجه من الماء حيًّا، والجراد بقبضه، والجنين بتذكية أمه.. أما تذكيةُ ما يتعذر ذبحه فتتحقّقُ بإزهاق روحه بالجرح في أي جزءٍ من أجزاء بدنه.
وقال الحنفية والمالكية(+) : الذبحُ هو فريُ العروق. وهي أربعة: الحلقومُ والمريءُ والودجان. ومحلُّه ما بين اللَّبّة واللحية (عظمي الحنك). والنحر هو فريُ الأوداج، ومحلّه آخرُ الحلق. والذكاةُ الاضطراريةُ تكون بالجرح في أيّ موضعٍ كان من البدن.
وقال الشافعية والحنبلية(+) : الذكاةُ تتحقّقُ بذبح حيوانٍ مقدورٍ عليه، مباحٍ أكلُه، بقطع الحلقوم والمريء ومحلُّها الحلق، أي أعلى العنق، وفي اللَّبة، أي أسفل العنق، وتُسمى نحرًا. والذكاةُ الاضطراريةُ تكون بالعقرِ المزهقِ للروح، عند التعذّر، في أي موضع كان.
والخلاصة: إن جميع الأئمة اتفقوا على أن الذكاة تكون بالذبح، أو النحر، أو العقر لحيوانٍ مباحِ الأكل. وحكم الذبح: أنه شرطُ حل الأكل، في الحيوان البريّ المأكول، إذ لا يحل شيء منه من دون ذكاةٍ شرعية لقول الله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}، فقد علّق الحلّ بالتذكية، ولقول رسول الله (ص): «ما أَنَهَرَ الدم، وذُكِرَ اسمُ الله عليه، فكلوا»(+) .
والحكمةُ من الذبح مراعاةُ صحة الإنسان، ودفعُ الضرر عن الجسم، بفصل الدم عن اللحم، لأن الدم مباءةُ الجراثيم والميكروبات ولكل دم فصيلةٌ مناسبة، فيمنع الاختلاطَ بين الدماء، ومن هنا كان تحريم الميتة لبقاء دمها في داخلها.
المبحث الثاني - الحيوانُ الذبيح:
قال الشيعة الإمامية: ينقسم الحيوانُ كون صلاحيته للتذكية أو عدمها، أقسامًا:
1 - كلُّ حيوان يجوز أكلُه فهو صالح للتذكية، سواءٌ أكان بحريًّا أم بريًّا، طائرًا أو غيرَ طائر، أهليًّا أو غير أهليّ.
ومن الحيوانات الأهلية: الإبلُ والبقرُ، والغنمُ، والماعزُ. كما يحلُّ أكلُ لحم الخيل والبغال والحمير - ولكن على كراهية - وقد رُوي أن محمد بن قاسم سأل الإمام أبا جعفر الباقر (عليه) من لحوم الخيل والحمير والبغال؟ فقال (عليه): «حلال، لكن الناس يعافونها»(+) . ومن الحيوانات غير الأهلية، أو البهائم البرية يحلُّ: الغزلانُ والبقرُ والماعزُ والغنمُ والحميرُ المتوحشة، واليحمورُ - وهو حيوان يشبه الإبل ـ.
2 - كلُّ حيوانٍ نجس العين، كالكلب والخنزير، هو غيرُ صالحٍ للتذكية، فلا يؤثر الذبحُ فيه، بل يبقى على نجاسته، ويحرم أكلُه.
3 - كلُّ ما يؤكل لحمه، مما لا نفسَ سائلة له، كالسمك والجراد، هو قابلٌ للتذكية.
4 - كلُّ ما لا يؤكل لحمه، مما لا نفسَ سائلة له، كالذباب، فليس موضوعًا للتذكية إطلاقًا، وهو طاهر في أي حال.
5 - كلُّ الحشرات التي تسكنُ باطنَ الأرض كالفأرة والقنفذ والخُلد، لا تقبل التذكية.
6 - كلُّ سباع الحيوانات لايجوزُ أكلُها، لأنها تفترسُ غيرها، وتتغذى باللحم ولو كان جيفة، كالأسد والنمر والفهد والضبع وابن آوى. ويحرّم السِّنَّوْر لأنه من نوع السباع. وقد ثبت عن الإمام الصادق (عليه) أنه قال: «كل ذي نابٍ من السباع، ومخلبٍ من الطير، فهو حرام»(+) .
وقد اتفق فقهاء الإمامية على أن هذه الحيوانات طاهرة، إلاَّ أنهم اختلفوا حول ما إذا كانت تطهر بالذبح أو من دونه؟ فذهب فريقٌ منهم إلى أنها لا تقبل التذكية، وأنَّ ذبحها وموتها سواء.
وذهب فريقٌ آخرُ منهم إلى أنها تقبلُ التذكية، ويطهر لحمها وجلدها بالذبح أو بالاصطياد. فيكون الحكمُ الشرعيُّ في سباع الحيوانات هو أنها طاهرةٌ ويمكنُ الانتفاعُ بجلدها، لأن الإمام الصادق (عليه) عندما سئل عن جلود السباع أينتفعُ بها؟ قال (عليه): «إذا رميتَ وسمّيْتَ فانتفعْ بها».
وقال السيد الحكيم (في منهاج الصالحين، باب الذباحة): «الظاهرُ وقوعُ الذكاةِ عليه إذا كان له جلدٌ يمكنُ الانتفاعُ به بلبسٍ أو فرش، ونحوهما، ويطهرُ لحمُه وجلدُه بها. ولا فرقَ بين السباع كالأسد والنمر والفهد والثعلب وغيرها، وبين الحشرات التي تسكنُ الأرضَ إذا كان لها جلدٌ مثل ابن عرس والجرذ، فيجوز استعمال جلدها إذا ذُكّيت فيما يُراعى فيه الطهارة».
أما الطيورُ، فقد أجمع فقهاء الإمامية، على أنها مثلُ السمك والبهائم، منها ما هو حلال، ومنها ما هو حرام.
والطيورُ الحرامُ على أنواع:
ـ الطيورُ المفترسة: قال الإمام الصادق (عليه): «حرّم رسولُ الله (ص) كلَّ ذي مخلبٍ من الطير»(+) . وقد مثَّل الفقهاءُ عليها بالبازي، والصقر، والنسر، والعقاب، والباشق، والشاهين، والرخمة، والبغاث (طائر أصفر بطيء الطيران) والغراب.
ـ الطيورُ التي صفيفها أكثر من دفيفها (والصفف بسطُ الجناحين من غير تحريكهما حين الطيران.والدفيفُ تحريكُ الجناحين بصورةٍ دائمةٍ في أثناء الطيران)، فما تساوى صفيفُها ودفيفُها، وما كان دفيفُها أكثرَ من صفيفها حلَّ أكلها.
ـ الطيورُ التي ليس لها قانصة، ولا حوصلة، ولا صيصة (الصيصةُ شوكةٌ خلف رجل الطير، وخارجةٌ عن الكف) سواء أكانت بريةً أم بحريةً فهي حرام. وما كان لها واحدةٌ من هذه الثلاث فهي حلال. سئل الإمام الرضا (عليه) عن طير الماء الذي يأكلُ السمك، يحل؟ فقال (عليه): «لابأس به، كُلْهُ»(+) .
وفي المقابل فإن الطيورَ هي ما تعارف الناسُ على أكلها لعدم المانع الشرعي كالحمام والدجاج بمختلف أصنافهما، والحجل، والبط، والإوز، والكروان، والكناري، والبلبل والزرزور والقبرة، والعصافير جميعًا.
أما بيضُ الطيور فيتبعها في التحليل والتحريم. فبيضُ الطير الحرام حرامٌ أكلُه، وبيضُ الطير الحلال حلالٌ أكلُه. وقد روي عن أهل البيت (عنهم2) أنهم قالوا: إذا رأيتَ بيضةً ولم تعلم أهي حلالٌ أم حرام، نظرتَ إلى طرفيها، فإن تساويا بحيث لا يمكنُ التمييز بينهما فهي حرام. وإن اختلفا بحيث كان أحدُ الطرفين عريضًا مفلطحًا، كبيض الدجاج، فهي حلال(+) .
7 - كلُّ الحيوانات التي هي على هيئة المسوخ فإن لحومها محرَّمةٌ ولا يجوزُ أكلها. وقد عدَّد منها الفقهاء الأصناف التالية: الفيل، والدبُّ، والقرد، والجريث (نوع من السمك)، والضبّ، والوطواط، والعقرب، والعنكبوت، والأرنب، وسهيل، والزهرة (وهما دابتان من دواب البحر). وقد ذكروا من بينها الخنزير، فهو محرمٌ لحمه وجلده لأنه عينٌ نجسة.
أما تحريم الأرنب فقد أورد الحرُّ العامليُّ (في كتاب الوسائل، المجلد الثالث) عن الإمام الرضا (عليه) أنه قال: «حرّم الله تعالى الأرنبَ لأنها بمنزلة السنَّور، ولها مخالبُ كمخالبه ومخالبِ سباع الوحش فَجَرتْ مجراها، مع قذارتها في نفسها، وما يكون منها من دم - الحيض ـ، كما يكون عند النساء»(+) .
وهذه الحيوانات، قالوا عنها: إنها طاهرة. أما بالنسبة إلى قبولها للتذكية أو عدمه، فقال بعضهم: إنها تقبلُ التذكية، ولحمُها وجلدُها يكونان طاهرين بعد الذبح، أو الاصطياد بالآلة. وقال بعضهم الآخر: لا تقبلُ التذكية، وإنّ ذَبْحَها وموتَها حتفَ الأنفِ سواء.
وقال الأئمة الأربعة: يُقسمُ الحيوانُ الذبيحُ بحسب الذكاة الشرعية، ثلاثة أنواع: الحيوان المائيّ، والحيوان البريّ، والحيوان البرمائي.
1 ـ الحيوان المائي: وقد أتينا على ذكره من قبل عند الحديث عن الصيد.
2 ـ الحيوان البري: يقسم بدوره إلى ثلاثة أصناف:
الصنف الأول : وهو ما ليس له دمٌ أصلاً كالذباب والنمل والنحل والزنبور والدود والعنكبوت والصرصار والعقرب وذوات السموم، فهي جميعها لا يحلُّ أكلها، إلاَّ الجرادَ خصوصًا فقد أحلُّوا أكله. واشترط المالكية تذكيته، أو موته بسبب معيَّن كشوائه، أو جعله في ماء حار. ويكره عنده الحنبلية بلعُ الجراد حيًّا، كما يكره بلعُ السمك حيًّا(+) ، لأن فيه تعذيبًا له.
الصنف الثاني : ما ليس له دمٌ سائل، كالحية، وجميع الحشرات، وجميع هوام الأرض من الفأر، والقنفذ، والضبّ، واليربوع، وابن عرس ونحوها، فهذه يحرم أكلها لاستخباثها، ولأنها ذواتُ سموم، ولأن الرسول (ص) أمر بقتلها، فقال (ص): «خمسٌ فواسقُ يُقتلن في الحل والحرم: الحيةُ، والغرابُ الأبقعُ، والفأرةُ، والكلبُ العقور، والحدأة» وفي رواية: «العقرب» بدلاً من «الغراب»(+) .
وقد أباح الجمهورُ غير الحنفية أكلَ الضبّ، في حين أن الحنفية حرّموه.
كما أباح المالكية أكلَ القنفذ وابن عرس والثعلب واليربوع والفنك والسمّور، لأن العرب كانت تستطيب ذلك كما أباحوا أكلَ الحلزون إذا سُلقَ أو شُوي.
الصنف الثالث : وهو ما له دم سائل كالحيوانات المستأنسة والبهائم المتوحشة على جميع أنواعها. وفي ذلك آراء متعددة:
فيما يتعلق بالأنعام كالبقر والغنم والماعز والجاموس ونحوها، هي حلالٌ بالإجماع، لقول الله تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ*}.
وقد قال أئمة المذاهب الأربعة بتحريم أكل البغال والحمير. وقال الشافعية: إن كلَّ ما تولد من بين الإنسيّ والوحشيّ هو محرم لتغليب التحريم على التحليل، كما هي الحال بالنسبة إلى البغال فهي متولدة عن الحمير.
أما الخيل: فقال أبو حنيفة يحلُّ أكلها مع الكراهة لحديث جابر: «نهى رسول الله (ص) يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل»(+) .
واتفقوا جميعًا على أن المستأنسَ من الطير الذي لا مخلبَ له كالدجاج والحمام والنعامة والبط والأوز، يحلّ بالتذكية. كما اتفقوا على تحريم المستأنس من السباع: وهو الكلب والسنَّور الأهليّ(+) .
أما المستوحش من السباع: فقد حرّم الجمهور، غير المالكية، أكلَ كل ذي نابٍ منه، كما حرّموا أكلَ كل ذي مخلبٍ من الطير لأنها تأكل الجيف. وذو الناب من سباع الوحش يشمل: الأسد والذئب والنمر والفهد، والضبع، والثعلب، والسنجاب، والسنَّور البريّ، والسمور، والدب، والقرد، والفيل، وابن آوى. وذو المخلب من الطير يشمل: الباز والباشق والصقر والشاهين والبومة والحدأة والغراب والرخم (طير يشبه النسر) والعقاب، والخطاف (طير يشبه السنونو) والخفاض، وما أشبه ذلك(+) .
وعند المالكية: فإن الطيرَ جميعه حلالٌ أكلُه، سواءٌ ذو المخلب وغيره وذلك عملاً بظاهر الآية الكريمة: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}(+) . وروي عن مالك قوله: إن السباعَ ذوات الأربع مكروهة. وهو الراجح لديه، في حين ورد في رواية أخرى عنه أنه حرّم جميع السباع من الوحش، وذهب أصحابه إلى التحريم.
وحرّم الشافعيةُ أكلَ الببغاء والطاووس والهدهد والقاق من الطير.
كما أحلَّ الشافعيةُ من سباع الحيوان ما كان نابُهُ ضعيفًا كالضبع والثعلب والسمور واليربوع.
ورخص الحنبليةُ في أكل الضبع، واستدلّوا على ذلك بما روي عن جابر أنه قال: «أمرنا رسول الله (ص) بأكل الضبع»(+) ، كما رخص الإمام أحمد في أكل اليربوع، وحرَّم أكل القاق (طير أسود يشبه الزاغ).
وأجمع الأئمة الأربعة على إباحة أكل الأرنب، لأنه حيوانٌ مستطاب، وليس بذي ناب كالظبي، ولأن الرسول (ص) أباح أكله. فعن محمد بن صفوان: «أنه صاد أرنبين، فذبحهما بمروتين، فأتى رسول الله (ص) فأمره بأكلهما»(+) .
3 - الحيوانُ البرمائيّ: أي الحيوان الذي يعيش في البر والماء كالضفدع والسلحفاة والسرطان والحية والتمساح وكلب الماء ونحوها. وفيه أقوال متباينة عند الأئمة:
قال الحنفية والشافعية(+) : لا يحلُّ أكلها لأنها من الخبائث.
وقال المالكية(+) : يباحُ أكلُ الضفدع، والسرطانات والسلحفاة، إذ لم يَرِدْ نصٌّ في تحريمها.
وقال الحنبلية(+) : كل ما يعيش في البر، من دواب البحر، لا يحلّ بغير ذكاة، كطير الماء، والسلحفاة، وكلب الماء، إلا ما لا دم فيه كالسرطان فإنه مباح في رأي أحمد من دون ذكاة. ولا يباح عندهم أكلُ الضفدع لأن النبي (ص) - فيما رواه النسائي - نهى عن قتله. كما لا يحل عندهم أكلُ التمساح.
ذكاة الجنين من الحيوان:
ـ قال الإمامية: إذا كانت الناقةُ أو البقرةُ أو الشاةُ التي تحمل الجنين قد ماتت قبل أنْ تُذكّى، فكلاهما - الأم والجنين - ميتةٌ لا يحلُّ أكله. وإذا ماتت هي، وأُخرج الجنين حيًّا: فإن كان تامَّ الخلقة، وقد أشعر، وكانت له حياةٌ مستقرة، ذُبح على الوجه الشرعيّ وأُكل. وإن لم يكن تامَّ الخلقة، وليست له حياةٌ مستقرة، فلا يحلّ أكلُه ولو ذُبح.
وإذا ذكّيت الأمُّ، وكان الجنينُ تامَّ الخلقة. ومات قبل أن يُخرج من بطنها، حلَّ أكله، لأن ذكاةَ أمه ذكاتُه. وقد استدلوا على ذلك بقول رسول الله (ص): «ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمه»(+) . وفي صحيح يعقوب ابن شعيب: سألتُ الإمام الصادق (عليه) عن الحُوار - ولد الناقة - تُذكّى أمه، أيؤكل بذكاتها؟ قال (عليه): «إذا كان تامًّا، ونبت عليه الشعر، فكُلْ». وسئل الإمام (عليه) عن قول الله عزَّ وجلَّ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ}(+) ، فقال: ومنها الجنينُ في بطن أمه إذا أَشعَرَ أو أوْبَرَ فذكاتُه ذكاةُ أمه».
ـ واتفق الأئمة الأربعة على أنَّ لذكاة الجنين أربعةُ أحوال:
الأول : أن تُلقيَهُ أمه ميتًا قبل الذبح، فلا يؤكل، إجماعًا.
الثاني : أن تلقيَهُ حيًّا قبل الذبح، فلا يؤكلُ إلا أن يُذكّى، وهو مستقر الحياة.
الثالث : أن تلقيَهُ حيًّا بعد تذكيتها، فإن ذُبح وهو حيٌّ أُكل، وإن لم تُدرك ذكاتُه في حال الحياة، فهو ميتة.
الرابع : أن تلقيَهُ الأمُّ ميتًا بعد تذكيتها، وفيه آراء متباينة:
قال أبو حنيفة: لا يؤكلُ بتذكية الأمّ، لأن الله تعالى حرّم الميتة، والجنينُ ميتة، لأنه لا حياة فيه، ولا يُعجلُ الجنين تبعًا لأمه.
وقال المالكية والشافعية والحنبلة (وصاحبا أبي حنيفة): يحلُّ أكلُ الجنين إذا خرج ميتًا بذكاة أمه، أو وجد ميتًا في بطنها، أو كانت حركته بعد خروجه كحركة المذبوح. لكنّ المالكيةُ اشترطوا أن يكونَ خلقُه قد اكتمل، ونبت شعره، لما روي عن ابن عمر، وجماعةٍ من الصحابة. وقال كعب بن مالك: «كان أصحابُ رسول الله (ص) يقولون: إذا أشعر الجنينُ، فذكاتُه ذكاةُ أمه». وأجاز الشافعيةُ والحنبليةُ أكلَ الجنين الميت، سواء أشعر أم لم يشعر، لما روى ابن المبارك عن ابن أبي ليلى، أنه قال: «قال رسولُ الله (ص): ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمه، أشعر أو لم يُشعر».
ما يحرمُ أكلُه من المذبوح:
ـ قال الشيعة الإمامية: يحرمُ من الذبيحة خمسةَ عشرَ جزءًا، وهي:
1 ـ الدم، وهو غير الدم الباقي في الذبيحة بعد خروج المعتاد بذبحها.
2 ـ الطِّحال: يروى أن أمير المؤمنين عليًّا (عليه) كان ينهى عن أكل الطِّحال، فقال له بعض القصابين: يا أمير المؤمنين، ما الكبد والطِّحال إلاَّ سواء؟ فقال لهم: كذب، ائتوني بإناءين فيهما ماء، ولما جيء بهما قال: شقّوا الكبدَ من وسطه، والطِّحال من وسطه، ثم أمر بوضع كلٍّ في الماء، فلم يتغير الماءُ الذي فيه الكبد، وصار الماء الذي فيه الطِّحالُ دمًا. وروي في الوسائل أيضًا «فانقبضت الكبد ولم ينقص منها شيء»(+) .
3 ـ القضيب.
4 ـ الانثيان (البيضتان).
5 ـ الفرث أو الروث.
6 ـ المثانة (وهي مجمع البول).
7 ـ المرارة.
8 ـ المشيمة (بيت الولد).
9 ـ الفرج (ظاهره وباطنه).
10 ـ العِلْباء (وهما عرقان عريضان ممدودان من الرقبة إلى قرب الذنب).
11 ـ النخاع الشوكيّ (وهو الخيطُ الأبيضُ الذي ينظم خرز سلسلة الظهر).
12 ـ الغدد (المعروفة بالدران أو الدرن).
13 ـ ذات الأشاجع (وهي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف).
14 ـ خرزة الدماغ (وهي حبة في الرأس بقدر الحمصة تميل إلى الغبرة).
15 ـ حدقة العين.
وقال بعضهم: إن المتيقن تحريمه من هذه: التسعةُ الأوائل. أما تحريمُ الباقي فيحتاج إلى دليل، والروايات يمكن الاستدلال بها على الكراهة، لا على التحريم.
ـ وقال الحنفية(+) : لا تؤكلُ سبعةُ أشياء من أجزاء الحيوان المأكول، وهي: الدم المسفوح، والذكر، والأنثيان، والقُبُل والغدّة (قطعة لحم صلبة تحدث عن داء بين الجلد واللحم)، والمثانة، والمرارة، لقوله عزَّ وجلَّ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}(+) . وهذه الأشياء السبعة مما تستخبثُه الطباعُ السليمة.
وروي عن مجاهد أنه قال: «كره رسولُ الله (ص) من الشاة: الذكر، والانثيين، والقبل، والغدة، والمرارة، والمثانة، والدم»(+) . والمراد منه كراهة التحريم بدليل جمعها مع الدم المسفوح الذي هو حرام.
الحلالُ الذي يصير حرامًا:
لقد أجمع الفقهاءُ على أن النجسَ في الأصل ما كانت عينُه نجسةً كالدم والبول من ذي النفس السائلة، والنجس بالوساطة ما خالطه شيءٌ من النجاسات، ويسمّى المتنجس. ولذلك حرّم الفقهاء أكلَ النجس والمتنجس، وهو من القطعيات، إن لم يكن من الضرورات.
كما أجمعوا على أن الحلالَ بالذات قد يصير حرامًا بالوساطة. وقد بيّنوا ثلاثة أسباب لهذا التحريم:
1 - الجلاَّل: وهو الحيوانُ أو الطير الذي يتغذى من عَذرَةِ الإنسان خصوصًا دون غيرها، حتى ينبت لحمه ويشتدَّ عظمه، فيصير أكله حرامًا. وإذا تغذّى بعذرة الإنسان وبغيرها من النجاسات فلا يكون جلاّلاً، ما لم يغلب على غذائه أكلُها.
قال الإمام الصادق (عليه): «لا تأكلوا من لحوم الجلاَّلات، وإن أصابك من عَرَقِها فاغسله»(+) .
ويذهب الجللُ بالاستبراء ويحلُّ أكله. روي عن الإمام الصادق (عليه) أنه قال: قال أمير المؤمنين: «الناقة الجلاّلةُ لا يُؤكل لحمها ولا يُشرب لبنها حتى تُغذّى أربعين يومًا، والبقرةُ الجلاّلةُ لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تُغذى ثلاثين يومًا. والشاةُ الجلاّلةُ لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تُغذّى عشرة أيام، والبطة الجلاّلة لا يُؤكل لحمها حتى تُربّى خمسة أيام، والدجاجة ثلاثة أيام»(+) .
2 - إذا وطأ إنسانٌ دابة: فإن كانت مما يُؤكلُ كالبقرة أو الشاة وجب أن تُذبحَ ثم تُحرقَ، ويغرمُ الواطئُ قيمتها للمالك. وإذا كانت مما لا يُؤكلُ عادةً كالخيل والحمير، فيجب أن تُخرجَ إلى بلد آخر، وتباعَ فيه بأي ثمنٍ يُعطى للواطئ، على أن يغرمَ هو بدوره بالقيمة السوقية لصاحب الدابة.
3 - إذا شرب الحيوانُ من لبنِ خنزيرة، حتى نبت لحمه وقوي عظمه، حرم لحمه ولحم نسله. وإن شرب منه من دون أنْ ينبتَ اللحمُ ويقوى العظمُ، أو شرب من لبنِ كلبةٍ لا خنزيرة، فلا يحرمُ هو ولا نسلهُ، بل يكون مكروهًا.
الخبائثُ من الحيوان:
أجمع الفقهاءُ على تحريم الحشرات، لا لوجودِ دليلٍ في النص على هذا التحريم، بل لأنها من الخبائث، والخبائث محرمة بالنص القرآني، وهو قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}(+) . وعليه فما كان من الحشرات سامًا فهو حرام، نظرًا إلى ضرره، وما عداه تشمله قاعدةُ: كلُّ شيءٍ حلالٌ، حتى تعلمَ أنه حرام.
والحقيقةُ أن الشارعَ لم يبيّن ما أراده من الخبائث في قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}. إلاَّ أن القرآنَ الكريمَ استعمل لفظ «الخبيث» في معانٍ شتى، ومنها:
ـ الإنسان، لقوله تعالى: {يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}(+) .
ـ الشيءُ الرديء، لقوله سبحانه: {وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}(+) .
ـ اللواط، لقوله عزَّ وجلَّ: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ}(+) .
ـ الكلمة، لقوله تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ}(+) .
ولما كانت الواقعةُ التي ورد النص فيها مجملاً بمنزلةِ ما لا نصَّ فيه إطلاقًا، فقد ذهب بعضهم إلى أن معنى قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} أن كلَّ حرامٍ هو خبيث، وليس كلُّ خبيثٍ هو حرام. هذا في حين ذهب الغالبُ عند الإمامية إلى القول بأن الله تعالى قد نهى عن هذا لأنه قبيحٌ وخبيث، وأمر بذاك، لأنه طيّبٌ وحسن.
المبحث الثالث: شروطُ الذابح:
قال الشيعة الإمامية: يُشترطُ في الذابح الإسلامُ، ولا يُشترطُ فيه أن يكون: ذكرًا، أو بالغًا، أو غيرَ جُنُب، أو غيرَ ابن زنى، أو غير أغلف (الأغلف هو الذي لم يَخْتَتِن) فتحل ذبيحةُ الغلام المميِّز، والصبيّةِ المميزة. فقد سئل الإمام الصادق (عليه) عن ذبيحةِ المرأة، والغلام، هل تؤكل؟ فقال (عليه): «نعم إذا كانت المرأةُ مسلمةً، وذكرت اسم الله تعالى، فقد حلّت ذبيحتُها. وإذا كان الغلامُ قويًا على الذبح، وذكر اسم الله تعالى حلّت ذبيحتُه».
أما المجنونُ، والصبيُّ غيرُ المميِّز، والسكرانُ فلا يحلّ ذبحهم.
وتحلّ ذبيحةُ ابن الزنى، والجُنُب، والأغلف.
وقد نقل الإمامُ محمد الباقر (عليه) عن جده عليٍّ أمير المؤمنين (عليه) أنه قال: «من دان بكلمة الإسلام، وصلّى، وصام، فذبيحته حلالٌ لكم إذا ذكر اسمَ الله عزَّ وجلَّ».
ـ وقال الأئمة الأربعة: الذابحُ الذي تحلّ ذكاتُهُ هو المسلمُ البالغُ العاقلُ الذكر، الذي لا يضيع الصلاة. وتحل ذبيحةُ المرأةِ ولو حائضًا، والصبيِّ المميِّز(+) ، ولأن للمرأة أهليةً كاملةً، ولكن يُستحبُّ كونُ الذابحِ رجلاً لأنه أقوى على الذبح من المرأة، ولأن للصبيَّ قصدًا صحيحًا، فأشبه البالغ.
ولا تصحُّ عند الجمهور ذبيحةُ الصبيِّ غيرِ المميِّز، في حين أن ذبيحتُهُ تصحُّ - عند الشافعية - مع الكراهة.
أما المجنونُ والسكرانُ فلا تحلُّ ذبيحتهما عند الجمهور، لأنه لا قصد لهما كالصبيِّ غيرِ المميِّز، في حين أن الشافعيةُ أجازوا، مع الكراهة، ذبيحَتهما(+) .
واتفق الأئمة الأربعة على جواز ذبح السارقِ والغاصبِ والمستكره، لأن الملكَ ليس شرطًا من شروط التذكية.
المبحث الرابع - ذبيحةُ أهل الكتاب:
ـ قال الشيعة الإمامية: لقد أجاز أهلُ البيت (عنهم2) حلِّيةَ ذبيحةِ أهل الكتاب مع اشتراط التسمية عليها. فقد سئل الإمام الصادق (عليه) عن ذبيحةِ أهلِ الكتابِ ونسائهم؟. فقال: «لا بأس».
وسئل أبوه الإمامُ الباقرُ (باقر): ما تقول في مجوسيٍّ قال: بسم الله ثم ذبح؟ فقال: كُلْ. فقيل له: مسلم ذبحَ ولم يُسمِّ؟ فقال: لا تأكلْ(+) .
وأدلةُ الشيعة الإمامية على حلِّيةِ ذبيحةِ أهل الكتاب، أن الكتابيَّ مقرٌّ بالله تعالى، وما ينسب إليه من التثليث، وقولٍ: إن عزيرًا ابن الله والمسيح ابن الله، ونحو ذلك، لا يخرجه عن الإقرار بالله تعالى، ولذلك فإن الكتابيَّ يذكر الله تعالى في الجملة، فلو قال: الحمد لله لكان ذلك كافيًا في الذكر على الذبيحة. والرأي الغالب عند الشيعة الإمامية، هو طهارة أهل الكتاب وحلِّية ذبيحتهم.
ـ أما الأئمة الأربعة فقد أجمعوا(+) على حلّية ذبائح أهلِ الكتاب. ومن هنا يتبين لنا أن جميع الأئمة اتفقوا على أنَّ ذبح أهل الكتاب حلال إذا أتموا شروط الذبح، فلو أن مسيحيًا أو يهوديًّا أتمَّ شروطَ الذبح فحلالٌ أكلُ ذبيحته، ولو أن مسلمًا لم يتمَّ شروطَ الذبح فحرامٌ أكلُ ذبيحته. فالعبرةُ إذن لا تكونُ بمن يذبحُ من أهل الأديان الثلاثة بل العبرةُ بأن يتمَّ شروطَ الذبح، إذ بالأساس طعامُ الذين أوتوا الكتاب حلالٌ للمسلمين، وطعام المسلمين حلالٌ لأهل الكتاب، لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}(+) أي بما فيه ذبائحهم.
وقالوا: أما إذا عُلِمَ أن الذابحَ سمّى على الذبيحةِ غيرَ اسمِ الله، بأن ذبح النصرانيُّ باسم المسيح، واليهوديُّ باسم العزيز فذبائحهم تصير غير حلال.
واتفق الأئمة الأربعة على أن الذابحَ الذي لا تؤكلُ ذبيحتُه، وتحرمُ: هو الكافرُ من المشركين والوثنيين عبدةِ الأصنام، والملحدُ الذي لا يدين بدين، والمرتدُّ وإن تديَّن بدين أهل الكتاب، والزنديقُ. وبناءً عليه قالوا بتحريم اللحوم المستوردة من البلاد الوثنية كاليابان، أو الشيوعية كالصين وروسيا، أو التي لا تدين بدين سماويٍّ كالهند.
وقالوا كذلك: لا تؤكلُ ذبيحةُ المجوسِ وصيدُهم(+) لأنهم مشركون وليسوا من أهل الكتاب. لقول رسول الله (ص): «سنّوا بهم سنَّةَ أهل الكتاب غيرَ ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم»(+) .
وقد أحلَّ الحنفية ذبائحَ الصابئة. في حين أن المالكية حرّموها تحريمًا مطلقًا المالكية. أما الشافعية فقالوا: إذ وافقوا أهل الكتاب في عقائدهم تُؤكل ذبائحهم وإن لم يوافقوهم وكان دينُهم بين المجوسية والنصرانية، أو كانوا يعتقدون بتأثير النجوم، فلا تؤكلُ ذبائحهم(+) .


المبحث الخامس: آلةُ الذبح:
ـ قال الشيعة الإمامية: يُشترطُ أن يكون الذبحُ بسكينٍ من حديد - والفولاذُ نوع من الحديد - ولا تحلُّ الذبيحة إذا ذُبحت بسكينٍ من نحاس، أو ذهبٍ أو فضةٍ مع الاختيار وإمكانِ الذبح بالحديد. إلا أنهم أجازوا الذبحَ بغير الحديد عند تعذّر الذبح به، مع الخوف من فوات الذبيحة.
وقد سئل الإمام الصادق (عليه) عن الذبحِ بالحجرِ أو العودِ أو القصبة؟ فقال: قال عليٌّ (عليه): «لا يصلحُ إلا بحديد»(+) وسئل الإمام الباقر (عليه) عن الذبح بالليطة (قشرة القصب) والمروة (الحجر الصوان)؟ فقال: لا ذكاةَ إلا بحديد. ولم يجيزوا الذبحَ بالسنّ والظفر.
وخلاصة رأي الشيعة الإمامية: أن الذبحَ يكونُ بالحديد. أما إذا تعذرت السكينُ الحديديةُ وخيفَ فوتُ الذبيحةِ جاز الذبحُ بما يفري أعضاءَ الذبيحة شرط قطعِ الحلقومِ وخروجِ الدم. وجعلوا آلة الذبح على هذا الترتيب: أولاً وقبل كلِّ شيءٍ بسكينٍ من حديد، فإن تعذرت فبسكينٍ من سائر المعادن، فإن تعذرت فبما تيسّر من حجرٍ أو زجاجٍ أو قصب.
أما الأئمة الأربعة فقد اتفقوا على أن كلَّ ما أنهر الدمَ وفرى الأوداجَ من حديدٍ أو صخرٍ، أو عودٍ أو قصبٍ، أو زجاجٍ، تحلُّ التذكية به.
واختلفوا في ثلاثة: السنّ والظفر والعظم. فأجاز الحنفية والمالكية الذبحَ بها، ومنع الشافعية والحنبلية إجمالاً التذكيةَ بها.
والخلاصة: أن الجمهور أجازوا التذكية بالعظم، وحرم الشافعية الذبحَ به. وأما السن والظفر فأجاز الحنفية الذبحَ بالمنزوع منهما، وحرم الشافعية والحنبلية الذبحَ بهما متصلين أو منفصلين. وصحح ابن رشد المالكي الذبحَ بهما عند الانفصال، ولا يجوز حالةَ الاتصال، أي إنه قال كما قال الحنفية.
المبحث السادس - صورةُ الذبح:
لا يكون الذبحُ صحيحًا، ما لم يتوافر القصدُ وما لم يقعْ على الصورةِ المأمور بها شرعًا، وإلاَّ كانت الذبيحةُ ميتة. وعلى هذا يجب أن تكون صورةُ الذبح وفق الشروط التي حددها الفقهاء.
ـ وقال الشيعة الإمامية: إن شروطَ الذبح هي التالية:
1 - استقبالُ القبلة. فقد سئل الإمام الصادق (عليه) عن الذبيحة، فقال: استقبل بذبيحتك القبلة(+) .
فمن ترك الاستقبال متعمدًا حرمت ذبيحتُه، ومن تركه نسيانًا لم تحرم وذلك أنَّ الإمام الصادق (عليه) سئل عن الذبيحة لغير القبلة فقال: لا بأس إذا لم يتعمَّد. والجاهلُ بوجوب الاستقبال تمامًا كالناسي.
ويجب أن تكون الذبيحةُ موجهةً نحو القبلة بكامل بدنها، وليس بمذبحها فقط، أما الذابحُ فيجوزُ أن يذبحَ ومقاديمُ بدنه إلى الغرب أو الشرق.
2 - محلُّ الذبح وهو أربعةُ أعضاء يجب قطعها: الحلقوم (مجرى النفس) المريء (مجرى الطعام) الودجان (العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم وهما مجرى الدم). ويجب أن يكون قطعُها جميعها من الأمام، فلا يحلُّ الذبحُ من مؤخر العنق، لقول الإمام الصادق (عليه): «لا يصلحُ أكلُ ذبيحةٍ لا تُذبحُ عن مذبحها»(+) . وإذا قطع من الأوداجِ الرأس متعمدًا فقد أثم، ولكن الذبيحة لا تحرم. قال الإمام الصادق (عليه): «لا تكسر الرقبة حتى يبردَ الرأسُ»(+) .
3 - إذا قطع بعضَ الأوداج، وانتظر حتى أشرفت الذبيحةُ على الموت، وقطع الأعضاءَ الباقيةَ تحرم الذبيحة.
4 - أن يسميَ على الذبيحة، ويكفي القول: الله أكبر، والحمد لله، ولا إله إلا الله، أو باسم الله. فإذا ترك ذكر الله عمدًا حرمت الذبيحة. ولو نسيَ التسميةَ لم تحرم الذبيحة. وقد سئل الإمام محمد الباقر (عليه) عن رجل ذبح ولم يسمِّ؟ قال: «إن كان ناسيًا فلا بأس»(+) . وقد ذهب جماعةٌ من الفقهاء منهم السيد الحكيم إلى أن الذبيحةَ تحرم لو ترك الذابحُ التسميةَ جهلاً بوجوبها، وذلك بخلاف الجهل بالاستقبال.
5 - وجوبُ صدور حركة عن الذبيحة. ويكفي أن تتحرك بعضُ أطرافها بعد الذبح، أو يتحرك طرفُ الأذن أو العين، أو يخرج منها الدمُ معتدلاً أي بقوة ودفع. فإذا خرج الدمُ متدفقًا ولم تتحرك فهي حلال، ولا تحرمُ إلا إذا لم تتحرك ولم يخرج الدمُ متدفقًا (أي سحًّا). سئل الإمام الصادق (عليه) عن رجلٍ ضرب بقرة بفأس، فسقطت، فذبحها؟ قال: إن كان خرج الدم معتدلاً فكلوا، وأطعموا، وإن كان خرج خروجًا متثاقلاً فلا تقربوها(+) .
ـ واتفق الأئمة الأربعة على أن الذبحَ الذي يُقطع فيهِ الودجان والحلقومُ والمريء مبيحٌ للأكل.
وقد أشترطوا لحلِّية الذبح الشروط التالية:
1 - عدد المقطوع:
قال أبو حنيفة(+) : يُقطعُ ثلاثٌ من أربع، فلو ترك الذابحُ واحدًا منها يحل. وقال أبو يوسف: لا بد من قطع الحلقوم والمريء وأحدِ الودجين.
وقال المالكية(+) : لا بد من قطع جميعِ الحلقوم، وجميعِ الودجين ولا يُشترطُ قطع المريء عندهم.
وقال الشافعية والحنبلية(+) : لا بدّ من قطعِ كلّ الحلقومِ (مجرى النفس) والمريء (مجرى الطعام) لأن الحياةَ تُفقدُ بفقدهما. ويُستحبُّ قطعُ الودجين لأنه من الإحسان في الذبح.
واتفق الأئمة الأربعة على أنه إذا قُطعت جوزةُ الحلقومِ في نصفها، وخرج بعضها إلى جهةِ البدن، وبعضها إلى جهةِ الرأس حلّت الذبيحة.
2 - الذبحُ من القفا:
وقال الحنفية والشافعية والحنبلية(+) : يُكرهُ ذبحُ الحيوان من القفا، أو من صفحةِ العنق، فلو فعل ذلك عصى لما فيه من التعذيب.
وقال المالكية(+) : لا يُؤكلُ ما ذبح من القفا ولا في صفحةِ العنق إذا وصل من ذلك إلى قطعِ ما يجب في الذكاة، لأن القطعَ من القفا، لا يصل إلى عروقِ أعضاءِ الذكاة إلا بعد قطعِ النخاع الشوكيّ، وهو مقتلٌ من المقاتل، فيحصل الذبح لحيوانٍ قد أصيب مقتله. وعند جمهور الفقهاءِ غير الحنبلية، أنه إذا تمادى الذابحُ حتى قطع النخاعَ الشوكيَّ، أو قطع كلَّ الرقبة، كره الذبح، لما روي عن عمر (رضي) أنه نهى عن النَّخْع(+) ، ولأن فيه زيادةَ تعذيب، فإن فعل لم يحرم، وكنه يكره.
3 - فوريّةُ الذبح:
يُشترطُ عند جمهور الفقهاء الإسراعُ أو الفوريةُ في إكمال الذبح فإن رفع يده، وتباعد وتمادى لم تؤكلْ لأن الموتَ يدركها قبل إنفاذِ الذبح كاملاً. وقال الحنفية: يُستحبُّ الإسراعُ في قطع الأوداج، ويُكرهُ الإبطاءُ فيه، لأن في الإسراع راحةً للحيوان.
4 - النيةُ أو القصد:
اتفق الأئمة الأربعة على أنه يُشترطُ في الذبح قصدُ عينِ المذبوحِ بالفعل، ولو تَمَّ قطعُ العروق بغير نيّةِ الذبح، لم تحلَّ الذبيحة. فلو قصد مجرّدَ إزهاقِ الروحِ من غير قصدِ تذكيةٍ لم تُؤكلْ(+) .
5 - التسميةُ عند الذبح:
قال جمهورُ الفقهاء غير الشافعية(+) .
تُشترطُ التسميةُ (بسم الله، الله أكبر.) عند التذكية، وعند الإرسال في العقر. فلا تحلُّ الذبيحةُ سواءٌ أكانت أضحيةً أم غيرَها في حالِ تركِ التسميةِ عمدًا، وتكون ميتة. أما في حالة السهو، وكان المسلمُ الذابحُ أخرسَ أو مستكرهًا، فتؤكل.
وقال الشافعية(+) : تُسنُّ التسمية، ولا تجب، وتركها مكروه. فلو ترك التسميةَ عمدًا، أو سهوًا حلّ الأكل، لأن قول الله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} قد أباح المذكّى، ولم يذكر التسمية، وأباحَ الله تعالى ذبائحَ أهل الكتاب، وهم لا يسمُّون غالبًا، فدل على أنها غيرُ واجبة. أما الذبيحةُ التي يحرمُ أكلُها، فهي التي ذُكر عليها اسمُ غيرِ الله تعالى. واستدلّوا أيضًا بحديث السيدة عائشة: «إن قومًا قالوا: يا رسول الله: إن قومنا يأتوننا باللحم، لا ندري أُذكِرَ اسم الله عليه أم لا؟ فقال (ص): «سمّوا عليه أنتم، وكلوا»(+) .
المبحث السابع - مستحباتُ الذبح والنحر:
اتفق الأئمة جميعًا على أن النحرَ مختصٌّ بالإبل فقط، فلا تحلّ بالذبح.
قال الإمام الصادق (عليه): «كلُّ منحورٍ مذبوحٍ حرام، وكل مذبوحٍ منحورٍ حرام»(+) أي أن ما ينحرُ لا يجوزُ ذبحه، وما يذبحُ لا يجوزُ نحره.
ويكون النحرُ في اللَّبة، وهي المكانُ المنخفضُ الكائنَ بين أصلِ العنق والصدر.
ويتمُّ النحرُ بأن يدخلَ سكينًا أو أيّ آلةِ حادةٍ في اللَّبة. ويجوزُ نَحرُ البعير قائمًا، وباركًا، ومضطجعًا على جنبه. شرط أن يكونَ متجهًا بنحره وجميعِ بدنه إلى القبلة.
وجميعُ شروطِ الذبحِ يجبُ توافرها في النحر حتى تكونَ الذبيحةَ حلالاً.
وعن مستحبات الذبحِ والنحر:
ـ قال الإمامية: يُستحبُّ في ذبحِ الغنمِ والماعزِ أن يربطَ اليدين مع إحدى الرجلين، ويترك الرجلَ الأخرى.
ويستحبُّ في البقر والجاموس أن يربطَ الذابحُ القوائم الأربع.
ويستحبُّ في الإبل أن تُنحَر قائمةً بعد أن يربطَ الذابحُ إحدى يديها إلى الركبتين، ويتركَ الأخرى.
أما الطير فيستحبّ إرسالُه بعد الذبح، حتى يرفرف.
ومن المستحبات أن يفعلَ الذابحُ الأسهلَ، والأقلَّ عذابًا للمذبوح، كتحديد الشفرة، والسرعةِ بالذبح، وأن يسقيَهُ الماءَ قبل الذبح. ويُكرهُ أن يُقطعَ الرأسُ، أو يسلخَ الجلد قبل خروج الروح، وأن يُذبحَ حيوانٌ، وحيوانٌ آخرُ ينظرُ إليه، وأن يَذبح الذابح بيده ما ربَّاه من الغنم.
ـ وعند الأئمة الأربعة: إن مستحبّاتِ التذكيةِ على النحو التالي:
1 ـ يُستحبُّ الذبحُ في النهار، ويُكرهُ تنزيهًا عند الحنفية في الليل خشيةَ الخطأ في الذبح.
2 ـ تَوَجهُ الذابحِ والذبيحةِ نحو القبلة، فإن لم يستقبلْ ساهيًا أو لعذرٍ، أُكلت.
3 ـ إضجاعُ الذبيحةِ على شقِّها الأيسرِ برفقٍ، ورأسُها مرفوع، ويأخذُ الذابحُ جلدَ حلقِها من اللِّحْيِ الأسفلِ، ثم يُمرُّ السكينَ على الحلقِ تحتَ الجوزة، حتى يقفَ في عظمِ الرقبة. ويُكرهُ ذبحُ الأعسرِ ويُستحبُّ أن يستنيبَ غيرَه.
4 ـ نحرُ الإبل قائمةً معقولةَ الركبةِ اليسرى. وذبحُ البقرِ والغنمِ مضجعة لجنبها الأيسر وتْتركُ رجلُها اليمنى، وتشدّ باقي القوائم.
5 ـ قطعُ الأوداجِ كلِّها، والإسراعُ بالذبح، بعد إحدادِ الشفرةً، لإراحةِ الذبيحة، لقول رسول الله (ص): «إن الله تعالى كتب الإحسانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة، وليحدَّ أحدُكم شفرتَه وليُرِحْ ذبيحته»(+) . ويستحبُّ ألاَّ يذبحَ الذبيحةَ وأُخرى تنظرُ إليها، وأن يترفّقَ بالبهيمة، فلا يضربُ بها الأرض، ولا تُجرّ برجلها إلى المذبح.
وعلى هذا يكرهُ في الذبح تركُ التسمية، والتوجّه بالذبيحة لغير القبلة، ونحرُ الشاة وذبحُ الإبل (ولا يكره ذلك عند الشافعية والحنبلية لعدم ورود نهيِ فيه)، وزيادةُ التعذيب مثل قطعِ الرأس، وكسرِ الرقبة، وبلوغ النخاع. ويكره الذبح من القفا، والسلخ قبل أن يبرد الحيوان، والذبحُ بالسنِّ والظفرِ والعظمِ المنزوعةِ، ما عدا الحنفية فهم يجيزون التذكيةَ بها مع الكراهة.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢