نبذة عن حياة الكاتب
العقود والمطعومات والمشروبات

العـدل
العدلُ هو المساواة في الحكم: إن خيرًا فخير وإن شرًا فشرّ. ورجلٌ عدلٌ: عادل. ورجال عدلٌ: يقال في الواحد والجمع. كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}(+) أي عدالةٍ.
والأصل في المسلم أنه عدلٌ إلى أن يثبتَ عليه ما يُخلُّ بعدله.
ومعنى أنه عدلٌ هو أن يحكمَ بما أنزلَ الله تعالى، ويُطبّقَ سنَّةَ رسوله الكريم (ص) في كلِّ أقواله وأعماله، وسائر أوضاعه وأحواله الخاصة، وفي تعامله مع الآخرين، بحيث لا يصدرُ عنه أذًى ماديٌّ أو معنويٌّ لأيٍّ كان، ولأيِّ سبب من الأسباب - إلاَّ ما رخَّصَ به الشارعُ العظيم - وذلك لقول رسول الله (ص): «المسلمُ من سِلمَ الناسُ من لسانهِ ويده»(+) . فهو إذن يمتاز بصفتين ظاهرتين وحقيقيتين:
الأولى : أنه مسلمٌ ملتزم، والثانية : أنه عَدْل.
والعدل في اصطلاح الفقهاء: هو من اجتنب الكبائر ولم يصرَّ على الصغائر.
ومتى كان المسلمُ عدْلاً، فلا يهمُّ، بعد ذلك، إلى أيّ مذهبٍ إسلاميٍّ انتمى، ولا إلى أيّ بلدٍ عاش فيه.
ومن المزايا المهمة في المسلم العدل أنه يُصَلَّى خلفه، ويُقلَّدُ المهمات التي يُشترط لها العدالة كأن يكون قاضيًا، أو واليًا، أو عاملاً، أو قائدًا للجيش، أو أمينًا على بيت المال، كما تُسنَدُ إليه السفارة، ويتولى مناصب الإدارة في الدولة. ومما لا ريب فيه أن المسلِمَ العدْلَ لا تَفْرِقَةَ لديه، ولا تمييز عنده بين أفراد الأمة الإسلامية جميعًا، لأن عَدْلَهُ يدفعُهُ إلى التفكير في شؤون الأمةِ ومصيرها، ومعرفة تاريخها والوقوف على حقائقه، مما يجعله - بإذن الله - ينبذُ كل ما حصلَ في الماضي من اختلافاتٍ أدَّتْ إلى تفرقةِ المسلمينَ طوائفَ متعصبةً لمذاهبها، ومما يحفِّزهُ على تعرُّف أحوالهم وأوضاعهم الحالية، بحيث يقفُ على هموم ومشاكل وتطلعات الأفراد والجماعات والدول الإسلامية، ويعملُ - ما في وسعِهِ - لإصلاح ذات البين بين الجميع، بغضّ النظر عن المذهب الذي ينتمي إليه الأفراد، أو المذهب الذي يطبِّقه البلدُ الإسلاميّ، ما دام هذا المذهبُ إسلاميًّا فحسب.. وبذلك يعيش المسلمُ العدلُ، إنسانًا مفكرًا، واعيًا، مدركًا، يفهم قضايا المسلمينَ ويحملها على عاتقه...
والمسلم العدل يعيش فعلاً بين أحضان الرسالة الإسلامية، ووفق المنهج الإسلامي، فيؤدي واجباته الدينيةَ والدنيوية بروحٍ إيجابية بنَّاءةٍ، لأنه يضع نصبَ عينيه الهدفَ الساميَ لوجوده، ألا وهو تعرُّف المسلمين دينهم الحنيف، والأخذُ بيدهم لتطبيق تعاليم الإسلام في حياتهم العملية وفقًا لصريح الكتاب وصحيح السنَّة، بعيدًا من أيّ خلفيَّة تعصبيَّة، أو نزعة طائفية، أو تفرقة مذهبية.. فهو يعيش بالإسلام وللإسلام، وكفى به مسلمًا أن يكون على مثل هذا الإيمان بدينه، والعمل بتعاليمه.
على أنَّ ما يجبُ الاطمئنانُ إليه في حياتنا الإسلامية هو أنه ليس لدى المسلمين الصادقين، إلاَّ الإسلام، فهو الدين الحقّ، والمنهاج الحقّ، والعمل الحقّ، والقول الحقّ.. ولا يمكن أن يقف في وجهه شيء ما دام المسلمون مسلمين عن حقٍّ.. وما هذا العصر الهابط الذي نعيشه اليوم ونحياه إلاَّ مرحلةٌ وتنقضي، وسوف يبزغ بعدَها فجرُ الإسلامِ بأنواره الإيمانية التي تملأ الأرضَ عَدْلاً وصلاحًا بعد أن مُلئت ظلمًا وفسادًا..
والمسلمون الذين يعرفون إسلامهم حق المعرفة يدركون أن المذاهب الإسلامية أوجدها فقهاءُ أعلامٌ أعطوا أفضلَ ما لديهم. ولكنَّ هذا لا يعني أبدًا أنه لا يجوز أو لا يحق للفقهاء المفكرين من أبناء الأمة مناقشةُ تلك المذاهب بما تحتويه من أحكام وآراء وأفكار، لكي يتمكَّنوا من توحيد أمتهم الإسلامية على طريقة واحدة في قضاياها ومشاكلها ومعاملاتها.. لذلك كان من أهم واجبات أبناء الأمة النابهين، أي المفكرين منهم والموجهين بخاصة، التركيزُ، في أثناء احتكاكهم بالناس، في الاحتكام إلى الكتاب والسنّة، حتى يصيرَ الرجوعُ عندهم إلى هذين المصدرين، عادةً مألوفةً، وقاعدة ثابتةً، ونمطًا مستمرًّا، ولا سيما عندما يواجهون نزاعًا أو اختلافًا في الرأي حول مسالة من المسائل، أو قضية من القضايا، أو عندما يحزبُ عليهم أمر معيّنٌ يهمّ الجماعةَ الإسلاميةَ، أو بعضَ أبنائها.
ونحن لا نشك إطلاقًا في أنه إذا انبرى علماؤنا وفقهاؤنا وأصحاب الرأي والفكر بيننا إلى هذا النوع من التركيز، وإلى البحث والحوار حول اهتمامات أمتهم، وكان رائدهم توحيد الأهداف، والطرائق العملية الشرعية التي تسير عليها الأمة بأسرها، فإن عملهم ذاك سوف يكون لأجلِّ غايةٍ كريمة، ألا وهي رضوان الله تعالى وهداه، وسوف ترعى العنايةُ الإلهيةُ سعيهم، وسوف يكون التوفيقُ حليفَهم بإذن الله تعالى، وسوف يحققون، بحول الله وقوّته، جمعَ كلمة الأمة، وتوحيدَ جبهتِها الداخلية ضدَّ كل الأخطار التي تُحدِقُ بها. وهم بتوفيقهم لهذا العمل في الدنيا، يكونون إن شاء الله رَبُّ العالمين، من الفائزين في الآخرة بجنةٍ عرضها السماوات والأرض.
ولعلَّهُ باتَ معروفًا من حديثنا أننا نقترح على علماء هذه الأمة ومفكريها طريقةً جديدةً في التعاطي مع الأحكام الشرعية، وهي طريقة عملية صهرية تقوم على تبنّي الأحكام والآراء والأفكار التي توحّد نظرة المسلمين إلى جميع الشؤون الحياتية. وقد تكون هذه الطريقةُ خطوةً صعبةً في أول الأمر، ولكن إذا حَسُنتِ النوايا، وصفتِ النُّفوسُ، وكان العملُ لوجه الله سبحانه، من دون غيره، فإننا سنصل إلى الهدف المطلوب، ونحقق الغاية المرجوة وإذ لا بدَّ للألف ميل من خطوة أولى.
وعندما نقول بتبنّي، أو اعتماد الطريقة العملية الصهرية، فإننا لا نعني الالتزام بمذهب معين، أو بمذاهب معيَّنة دون غيرها، بل بالرجوع إلى مصادر الشرع الأولى، وهي كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله الكريم، بما يرشدان إليه، ثم اعتماد الاجتهاد والأخذ منه بحسب قوة الدليل.. أي إنه يجري بحثُ أيّ مسألة من المسائل، أو طرحُ أية قضية من القضايا ليجري البحثُ بشأنها، ووضعُ حكمٍ واحدٍ لها وفقًا للكتاب والسنّة والاجتهاد المستند إلى قوة الأدلة، ثم يجري إعلانُ ما توصَّل إليه أهلُ العلم على المسلمين جميعًا، بجميع طوائفهم ومذاهبهم، ودعوتُهم للبحثِ على الأسس التالية:
ـ إن ما عندكم صواب ويحتمل الخطأ.
ـ وإن ما عند أصحاب الطريقة الصهرية هو أيضًا صوابٌ ويحتمل الخطأ.
ـ وإن ما عند الجميع فيه خطأ لكنه يحتمل الصواب..
وبعد أن يبديَ المسلمون آراءهم، وفقًا لتلك الأُسس، تجري دراسةُ هذه الآراء، فما يطابق الكتاب والسنّة، يؤخذ به، ويعمم حكمًا شرعيًّا على الأمة بكاملها لكي يكون واجبَ التطبيق. وبذلك نوحِّد الأحكامَ الشرعيةَ، ونزيل بصورةٍ فعليةٍ الخلافاتِ التي تفرّق بين أبناء الأمة، ونسير جميعًا على الحكم الشرعي الذي هو أقرب إلى الكتاب والسنّة.
وإذا حققنا هذا فقد حققنا العدالة لأمَّتنا، وأوجدنا الكثير الكثير من الرجال العدول بين أبناء أمّتنا الإسلامية.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢