نبذة عن حياة الكاتب
العقود والمطعومات والمشروبات

الإجـارة
عقدُ الإجارة من العقود التي عُني التشريعُ الإسلاميُّ بوضع أحكامها الخاصة وتبيان تلك الأحكام بحسب ما تقتضيه طبيعةُ عقدها. ويُعدُّ عقدُ الإجارة من العقود المهمة في حياة الناس، نظرًا إلى تشابك مصالحهم على الأعيان والأعمال. ولذلك جُعلت مدةُ الإجارة محدَّدةً بزمنٍ معيَّنٍ، بخلاف عقد البيع فإنه ينعقد بصورة مؤبّدة، لأنه يؤدّي إلى نقل ملكية العين أو المال إلى مالك جديد. والإجارة والكراء بمعنى واحدٍ في اللغة. ويقال لها أيضًا بيع المنفعة. وقد حددها الفقهاء على أنها: «تمليكٌ لمنفعةٍ معلومةٍ بعوضٍ معلوم».
وعلى هذا فإن الإجارةَ عقدٌ زمنيّ، لا بد فيها من قياس المنفعة وتقديرها بالزمن. وحيث لم يرد النص على تحديدٍ لمدة الإجارة، يُترك أمرُ هذا التحديد لإرادة المتعاقدين، شرط أن تبقى العين لمالكها بعد استثمار منفعتها، أو أن تتسع المدةُ للعمل المؤجرّ عليه. وعليه يمكن أن تكون الإجارةُ (على الأعيان أو الأعمال) لأيام أو لأشهرٍ أو لسنين، ما عدا بعض أنواع الإجارة، كاستئجار السيارة مثلاً، التي يجب فيها تعيينُ المكان بالإضافة إلى المدة، وكالاستئجار على خياطة الثوب الذي يقتضي تحديدَ الوقت الذي ينتهي فيه العمل.
وقد تباينت آراءُ الفقهاء حول الإجارة مشاهرةً، كأن يقول: أجّرتك هذه الغرفة، أو هذا البيت، أو الحانوت كلّ شهرٍ بمبلغ كذا، بحيث تكون الأجرةُ وابتداءُ الإجارة معلومين، في حين أن انتهاءها غير محدَّد بزمن معيَّن.
وقد تشدّد الشافعية في شرط معرفة المدة، فقالوا في الصحيح عندهم: إذا أجَّر شخص داره كلَّ شهرٍ (أو يوم، أو أسبوع). بكذا.. فإن الإجارة باطلة، لأن كلَّ شهر يحتاج إلى عقدٍ جديدٍ لإفراده بأجرة معيَّنة، وحيث لا يوجد عقد جديد فإنه يقتضي البطلان، لجهالة المدة(+) .
وقال جمهور الفقهاء: تصحّ الإجارةُ في الشهر الأول، وتبطلُ في ما بعده، ويثبت على المستأجر أجرةُ المثل.
أمَّا أجرةُ الشهر فتستحق بالدخول فيه، ولا يجوز للمؤجر، ولا للمستأجر الفسخُ حتى ينقضيَ الشهر، فإذا انقضى جاز الفسخ.
وقد فرَّق الفقهاءُ بين ملك المنفعة وحقّ الانتفاع. فملكُ المنفعة هو ما يختص بالمستأجر وحده ولا يشاركه في منفعته أحد. أما حق الانتفاع فهو الترخيص بالتصرف لجهة معيَّنة، كحقّ الانتفاع العام ومثاله المرور على الطرقات العامة والجلوس في المساجد، وحق الانتفاع الخاص الذي يجيز للغير استعمالَ الملك الخاص بحسب تخصيص وجهةِ استعمال الملك، مثل إعطاء حق مرور للجار على عقاره، أو استعمال الأرض أو الدار بحسب الشروط التي يحدّدها عقدُ الانتفاع.
مشروعية الإجارة:
اتفق الأئمة على أن الإجارةَ مشروعةٌ كالبيع والزواج، فلا تحتاج إلى دليل، من الضرورات التي ليست محلًّا للاجتهاد والتقليد. ومع ذلك فقد أجاز جمهورُ الفقهاء الإجارة بالاستناد إلى القرآن والسنّة والإجماع.
أما القرآن الكريم فقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}(+) ، وقوله تعالى (في الإخبار عن ابنة شعيب (عليه)): {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدَكَ}(+) . وقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}(+) . وقد فسَّر الفقهاء لفظة «سخريًّا» بأنها تعني أن يسخّر الناسُ بعضهم بعضًا لقاء أجرٍ معيَّن.
وأما السُنّة، فقول رسول الله (ص): «من استأجر أجيرًا فليُعلمه أجره»(+) . وقوله (ص): «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقهُ»(+) . وروى ابن عباس: «أن النبيّ (ص) احتجم وأعطى الحجَّامَ أجرَهُ»(+) .
وأما الإجماع فهو أن حاجة الناس إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان المحسوسة. وقد جاز عقدُ البيع على الأعيان، فجاز عقدُ الإجارة على المنافع(+) .
وقد اتفق غالبيةُ الفقهاء على أن أركانَ الإجارة هي: الصيغة (إيجاب وقبول) والعاقدان (المؤجر والمستأجر) والأجرة (على العمل) والمنفعة (على العين). ما عدا الحنفية الذين قالوا: إن ركنَ الإجارة هو الصيغة فقط، أي الإيجاب والقبول بلفظ: الإجارة، والاستئجار، أو الاكتراء والإكراء.
حكمُ الإجارة
إذا تمَّ عقدُ الإجارة ملك المؤجِّر الأجرةَ، وملك المستأجرُ المنفعةَ في إجارة الأعيان (كالسكن في الدار) أو العمل في إجارة الأعمال (كخياطة الثوب).
وقد أجمع الفقهاءُ على أن تملّكَ الأجرة والمنفعة يتمّ في العقد نفسه، لأن هذا مقتضاه، والغاية من إنشائه.
وعندما تصبح المنفعةُ للمستأجر فإن له أن يتصرفَ بها بالتنازل عنها لمن يشاء بعوضٍ أو بغير عوض، وبعوضٍ مساوٍ أو أقل أو أكثر من العوض الذي دفعه للمؤجر، إلا أن يشترط المؤجِّر على المستأجر استيفاءَ المنفعة بنفسه، وأن يربطَ الإجارةَ بشخص المستأجر بالذات، فيلتزم المستأجر بالشرط، ولا يعود من الجائز له أن يؤجِّر الغير. وإذا لم يشترط المؤجر مباشرة المستأجر بنفسه فإن له حينئذٍ أن يؤجر العينَ للمنفعة نفسها التي استأجرها لها، أو أقل ضررًا منها. فلو استأجر سيارةً لخمسة ركاب، فلا يجوز تأجيرُها لنقل الأمتعة، أو ليركبَ فيها ستة.
وإن موافقة المالك وإذنَه ليسا شرطًا لتسليم العين المؤجَّرة إلى المستأجر الثاني إذا لم يكن قد اشترط على المستأجر عدم التأجير إطلاقًا، أو إذا لم يشترط عليه أخذَ إذنه المسبق. فيكون التسليمُ للعين المؤجرة، في حال عدم الشرط على التأجير من الغير، جائزًا لأنه لا معنى لجواز الإجارة من دون جواز التسليم.
ويكون المستأجر الثاني مسؤولاً عن الأجرة تجاه المستأجر الأول، وهذا بدوره يكون مسؤولاً عنها تجاه المالك، وكلٌّ من المستأجر الأول والثاني يكون مسؤولاً تجاه المالك إذا حصل عليها تعدٍّ أو تفريط. وللمالك الخيار بالرجوع على من يشاء منهما.
ـ قال الإمامية: إذا وردت الإجارةُ على المنفعة، كاستئجار البيت للسكن أو الدكان للتجارة، فإنه لا يجوز للمستأجر أن يؤجرها إلا أن يُصلح فيهما شيئًا. واستدلوا على ذلك بأن الإمام الصادق (عليه) سئل عن الرجل يتقبل الأرض من الدهاقين(+) ، فيؤجرها بأكثر مما يتقبلها ويقوم فيها بخط السلطان؟ فقال (عليه): «لا بأس به، إن الأرض ليست مثل الأجير ولا مثل البيت، إن فضل البيت والأجير حرام»(+) .
والمشهور عن أهل البيت (عنهم) أنه لا يجوز إيجارُ غير الأرض، بأكثر مما استأجرها من دون أن «يحدث حدثًا» أي من دون أن يحسِّن شيئًا في العين المستأجرة، ولو كان شيئًا قليلاً. فعن الإمام الباقر (عليه) قال: «لا بأس أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة، ثم يؤجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح فيها شيئًا»(+) . وقالوا: إذا وردت الإجارةُ على الأعمال، كخياطة الثوب، جاز لمن التزم به، أن يلزِّمه إلى الغير ما لم يشترط عليه المالكُ مباشرةَ العمل بنفسه. ويمكنه التلزيمُ إلى الغير بالأجرة نفسها أو بأكثر منها، سواء أحدث بالمستأجر حدثًا أم لا.
ولا يجوزُ للمُلزِّم الأول أن يربحَ إلاَّ إذا عمل شيئًا، ولو قليلاً بالشيء المستأجر. وقد سئل الإمام الصادق (عليه) عن الرجل يتقبل الثوبَ فيشقّه، ثم يسلّمه إلى آخر بأقلَّ من الأجرة التي أخذها من المالك قال (عليه): «لا بأس بذلك، فيما تقبَّلتَ من عملٍ استفضَلْتَ فيه»(+) ، أي علمت فيه، وتركت منه بقية.
ـ وقال الأئمة الأربعة: الإجارةُ نوعان: نوع يتعلَّق بالإجارة على المنافع عندما يكون المعقود عليه هو المنفعة، ونوعٌ يتعلق بالإجارة على الأعمال عندما يكون المعقود عليه هو العمل.
والمنافع تكون إما مباحةً وهذه يجوز العقد عليها، وإما محرَّمةً وهذه لا يجوز العقد عليها.
وحكمُ عقد الإجارة على المنافع المباحة عند الحنفية والمالكية: أنه يثبتُ شيئًا فشيئًا على حسب حدوث ووجود محلّ العقد، وهو المنفعة التي تحدث أو تُستوفى شيئًا فشيئًا(+) . وهذا يعني أن الأجرة لا تملك بالعقد نفسه، وإنما تلزَّم جزءًا فجزءًا بحسبما يستوفى من المنافع.
وقال الشافعية والحنبلية: يثبت حكم الإجارة في الحال، بمعنى أنَّ ملكية المنفعة في الأجرة تثبتُ بمجرد العقد إذا أطلق، لأن الإجارةَ عقدُ معاوضة، والمعاوضةُ إذا كانت مطلقةً وغير معلّقةٍ على شرط، تقتضي الملكَ في العوضين عقب العقد، تمامًا كما يملك البائعُ الثمنَ بالمبيع(+) .
لزومُ الإجارة:
ـ قال الإمامية: إذا توافرت الشروطُ في الإجارة لزمت، ولا يجوز للمؤجر أو المستأجر الفسخ أو العدول إلاَّ بالرضا المتبادل، ما لم يكن لأحدهما الخيارُ في الفسخ بمقتضى العقد.
سئل الإمام الكاظم (عليه) عن الرجل يتكارى من الرجل البيتَ أو السفينةَ سنةً، أو أقلَّ أو أكثر؟ قال (عليه) «الكِراءُ لازِمٌ إلى الوقت الذي تكارى إليه»(+) .
ـ وقال الحنفية: الإجارةُ عقدٌ لازم، ولكن يجوز فسخه بعذر. والعذرُ عندهم هو كلُّ ما يكون عارضًا ويؤدي إلى ضرر العاقد مع بقاء العقد، بحيث لا يدفع هذا الضرر إلا بالفسخ. والأعذارُ الموجبةُ للفسخ قد تكون من المستأجر (مثل إفلاسه) أو من المؤجّر (كأن يضطر لبيع المأجور حتى يسدَّ دينًا حالًّا أو قد يرجعُ العذر للعين المؤجرة (كأن يستأجر حمَّامًا في قريةٍ ثم يهجرها أهلها، فلا يتوجب عليه أجرٌ، بسبب فسخ العقد).
ـ وقال الجمهور من المالكية والشافعية والحنبلية: الإجارةُ عقدٌ لازمٌ لا ينفسخ إلا بما تنفسخُ به العقودُ اللازمةُ من وجود العيب أو ذهابِ محلِّ استيفاءِ المنفعة.
ويترتّبُ على هذا الخلاف أنَّ الحنفيّة يقولون بفسخ الإجارة إذا مات أحدُ المتعاقدين لأن الأجرة التي ملكها المؤجر والمنفعة التي ملكها المستأجر، بموجب العقد، تصير مستحقةً للغير وهذا غير جائز. في حين أن الآخرين يقولون: لا تنفسخ الإجارةُ بموت أحد المتعاقدين لأن الإيجارَ عقد لازم وعقد معاوضة، فلا ينفسخُ بموت العاقد كالبيع.
شروطُ صحّة الإجارة:
اشترط الفقهاء لصحة الإجارة عدةَ شروط: منها ما يتعلّق بالعقد، ومنها ما يتعلّقُ بالعاقدين، ومنها ما يتعلّقُ بالمعقود عليه.
أولاً - العقد: اتفقوا على أن عقدَ الإجارة يتحقّقُ بكلّ ما يدلَ على الرضا من الطرفين، إيجابًا وقبولاً، قولاً وفعلاً.
ثانيًا - العاقدان (المؤجر والمستأجر): والحكمُ الشرعيُّ فيهما وفقًا لآراء الأئمة، هو على النحو التالي:
ـ قال الإمامية: يجب أن يكونَ كلٌّ من المؤجر والمستأجر بالغًا عاقلاً ورشيدًا، غيرَ محجور عليه لسفهٍ أو إفلاس. فلا تنعقد إجارةُ الصبيّ غيرِ المميِّز، ولا إجارةُ المجنون أو السفيه أو المفلس لأنَّ التصرفات المالية ممنوعة عليه بمختلف أنواعها. إلاَّ أنه يجوز للمفلس أن يؤجر نفسَهُ، لأنه ممنوع من التصرف في مالِهِ، لا في نفسه.
ـ وقال الحنفية: لا يُشترطُ البلوغُ للانعقاد ولا للنفاذ. فلو أجر الصبيُّ المميَّزُ ماله أو نفسه ينظر: فإن كان مأذونًا نفذ عقده، وإن كان محجورًا عن التصرفات توقّف نفاذُ عقده على إجازة وليّه(+) .
ـ وقال المالكية: إن التمييزَ شرطٌ في الإيجار والبيع، والبلوغَ شرطٌ للنفاذ، فالصبيُّ المميّزُ إذا أجَّر نفسه أو سلعته صحَّ عقدُهُ، لكنّ نفادُه يتوقف على رضا وليه(+) .
ـ وقال الشافعية والحنبلية: يُشترطُ التكليفُ، وهو البلوغُ والعقلُ لانعقاد الإجارة، لأنها عقدُ تمليكٍ في الحياة، فهو يشبه البيع(+) .
ثالثًا - المعقودُ عليه: إن المعقود عليه هي المنفعة. وهذه المنفعة يجب أن تكون معلومةً على وجه يمنع المنازعة. والعلم بالمنفعة يكون بالنسبة إلى الأجير تارة ببيان المدة، وتارة بتحديد نوع العملِ المطلوبِ قيامهُ به، ووصفه وصفًا تفصيليًا، بمعنى أنه يجب تعيينُ ما يعمله الأجير وكيفية عمله، وعلى ذلك لا تصحّ إجارة المكرَه، ولا تصحّ إجارةُ المنفعة المجهولة.
أما بالنسبة إلى العين المستأجرة فيجب أن تكون هي أيضًا معلومةً من العاقدين، حتى تُعلم المنفعةُ التي تُستوفى منها، كسكنى الدار، أو زراعة الأرض.
ويُشترطُ أن تكون المنفعةُ حلالاً، ومملوكةً للمؤجر في الأصل، وداخلةً تحت قدرته وتصرفه، على أن يستوفيَ المستأجرُ المنفعةَ مع بقاء العين لمالكها.
وعلى هذا فلا تصحّ إجارة المجهول عينًا أو منفعةً لما قد يحصل من غَرَر. كما لا تصحُّ الإجارةُ لغايةٍ محرَّمةٍ كإجارة البيت للمقامرة، ولا إجارةُ مال الغير من دون رضاه وإجازته، ولا إجارةُ ما لا يقدر على تسليمه كالمال المغصوب، إلاَّ إذا كان المستأجرُ قادرًا على انتزاعه من الغاصب. ولا تصحّ أيضًا إجارةُ الأطعمة وما إليها مما لا يُنتفعُ به إلا بهلاك عينه.
ويجب أن تكون العينُ المستأجرَةُ قابلةً للمنفعة التي استُؤجرت من أجلها، فتبطل إجارةُ أرضٍ على أنها للزراعة إذا كانت غيرَ صالحةٍ لذلك، لأن البدلَ في مثل هذه الحالة يكون أكلاً للمال بالباطل.
وإذا كانت الإجارةُ على حصةٍ مشاعةٍ من عينٍ معيَّنةٍ فإنها تصحُّ - تمامًا كما تصحُّ إجارة المقسوم - لأن مجردَ الشركة لا توجب المنعَ إلاَّ من الشريك سواءٌ أكان نصيبُه معلومًا أم مجهولاً، أما من غير الشريك فهي غير جائزة، لأن منفعةَ المشاع غيرُ مقدّرٍ استيفاؤها كون المشاعِ نفسِهِ غيرَ مقدور التسليم.
مقابل الخلو أو الفراغ:
كثيرًا ما تمنع القوانين الوضعية للإيجارات على المالك إخراجَ المستأجر من المأجور بعد انتهاء مدةِ الإجارة المتفقِ عليها بينهما، كما تمنع عليه زيادة بدل الإيجار بحيث يسري التمديد، وبالبدل نفسه، بصورة حكميّةٍ سنةً فسنةً، كما هو حاصل في كثير من البلدان الإسلامية. ففي مثل هذه الحالات هل يجوز للمستأجرِ المسلمِ العملُ بقانونِ الدولةِ التي ينتمي إليها، فيستمر بالإجارةِ وإن لم يرضَ المالك؟
ثم ما هو حكمُ المال الذي يأخذه مستأجر الدكان مثلاً أو الحانوت، من المستأجر الثاني، والمعروف في بعض البلدان ببدل الخلو، هل هو حلالٌ أم حرام؟
ـ أما فيما بتعلق بالمسألة الأولى حول التمديد الحكميّ لعقد الإجارة فقد فرَّق الإماميةُ بين جهل المؤجّر لقانون الدولة حين إجراء العقد وعلمه به، فقالوا: إذ أجَّر داره قبل صدور القانون أو بعده، لكنه كان جاهلاً بأحكامه حين أوقع الإجارة مع المستأجر، فإنَّ عقدَ الإيجار ينتهي بانتهاء أمده، ولا يحقّ للمستأجر العملُ بقانون الدولة، بل يكون حكمه حكمَ الغاصب إذا سكن وتصرف من غير إذن المالك. لكنَّ واقعَ الأمر الذي يفرضُ على المستأجر عدمَ إمكانية الحصول على مكانٍ يستأجره لسكناه بسهولةٍ وببدل عادلٍ، يفرض عليه في الوقت نفسه أن يُرضيَ المالكَ حتى يمدِّدَ عقدَ إيجاره برضاه، فيكون عاملاً بالحكمِ الشرعيّ الذي يبعدُ عنه صفةَ الغاصب، وإن كان قانونُ الدولة إلى جانبه، ويتيحُ له الاستمرارَ في سكنى المأجور. من هنا وجب التفاهمُ بالرضا بين المؤجِّر والمستأجر تفاديًا للوقوع بالخطأ الذي يأثم عليه.. هذا إذا كان المالكُ جاهلاً بقانون الدولة كما قلنا.
أما إذا كان عالمًا بما يفرضه قانون الدولة وهو أنه لا يحقّ له إخراجُ المستأجر حين انتهاء مدة الإجارة، كما لا يحقّ له زيادةُ بدل الإيجار، مهما ارتفعت أسعار الإيجارات.. فحينئذٍ يكون الإيجارُ صحيحًا، لأنه يكون قد أقدم على إجراء العقد وفقًا لقانون الدولة الذي ارتضاه بإرادته واختياره، وقبل بشروطه بصورة ضمنية، أو بمنزلة القبول الضمنيّ.
أما إذا قال المؤجّرُ للمستأجر: لستُ أرضى بقانون الدولة، بل أؤجرك على ما يجري بيننا من اتفاق، فإذا انتهت المدةُ المحددةُ بيننا، فعليك تسليمُ المأجور - كما يجري حاليًّا في لبنان مثلاً بالنسبة إلى عقود إيجار الاستثمار - في مثل هذه الحالة يجب على المستأجر التقيّدُ بالاتفاق (العقد) ولا يحلّ له العملُ بقانون الدولة.
وأما ما يتعلق بالمسألة الثانية حول بدل الخلوّ الذي يأخذه مستأجرُ الدكان من المستأجر الثاني، فإن أجَّر المالك وهو على علم بذلك، جاز الإيجارُ للثاني وأَخْذُ الخلو منه.
أما بدل الخلوّ الذي يأخذه المستأجر من المالك، كما جرت العادةُ عليه في هذه الأيام بـ ألاَّ يُخليَ المستأجرُ المأجور، حتى ولو كان لمصلحةٍ عائلية للمؤجّر إلا ببدل خلوٍّ يأخذه من المالك، فقد وردت رواية عن الإمام الصادق (عليه) تشيرُ إلى جواز أخذ الخلوّ. فقد سئل الإمام عن الرجل يرشو الرجل الرشوةَ على أن يتحوّل عن منزله، فيسكنه؟ قال (عليه): لا بأس به(+) . ولكنّه لا يجوز للمستأجر أن يؤجّر غيره بخلوٍّ أو بغير خلوّ إذا انتهت مدةُ إجارته، سواءٌ كان المالك يجهل القانونَ عند توقيع العقد أو يعلم به، إذا اشترط على المستأجر يؤجّر غيره.
وقد أفتى كثير من علماء الحنفية بجواز الفراغ بعوضٍ(+) ، وكذلك المتأخرون من علماء المالكية الذين أقرّوا بجواز المعاوضة عن الخلوَّات، وذلك لأن المستأجرَ يملك المنفعةَ، فله أن يتنازلَ عنها بعوضٍ كالإجارة، وبغير عوض كالإعارة(+) .
ـ وقال الشافعية: لا يبعد جوازُ أخذ العوض عن نقل اليد، كما في النزول عن الوظائف(+) . إلا إن ذلك مقيدٌ شرعًا ضمن مدة الإيجار المتفق عليها، وتنازل المستأجر لغيره بعوضٍ بعد انتهاء المدة مرهون برضا المالك.
وعلى هذا فإن ما يسمّى بالخلوِّ للمخازنِ والدورِ وغيرِها جائزٌ، كما رأينا، وهو كالبيع فإنه بعدَ قبضهِ يجوزُ بيعُهُ بزيادةٍ عما اشتراهُ.
وهناكَ مسألةُ تسليمِ المأجورِ للمالكِ عند انتهاء العقد هل هو واجبٌ على المستأجر أم لا؟
والجوابُ عن ذلكَ هوَ أنَّ إعادةَ المأجورِ للمؤجِّر واجبةٌ عليهِ، إنْ كانَ المأجورُ تحتَ يدِهِ، لما رُويَ عنْ رسولِ الله (ص) أنه قالَ: «على اليدِ ما أخذتْ حتّى تؤديَهُ»(+) . أمّا إنْ لمْ يكنِ المأجور تحتَ يدِهِ يُنظرُ: فإن اغتُصِبَ منه غصبًا فإن على الغاصبِ أن يُرجِعَ العينَ المأجورةَ لصاحبها، لأنَّه هو المأمورُ بردِّ العين، قال رسولُ الله (ص): «لا يأخذنَّ أحدُكُم متاعَ أخيهِ جادًّا ولا لاعبًا، وإذا أخذ أحدُكم عصا أخيهِ فَليردَّها عليه»(+) . وهذا عامٌّ سواءٌ أخذها من صاحبها أم من غيرهِ. أما إن أعادَ المأجورَ لغيرهِ أو أجّرهُ لهُ فإنّهُ بعد انتهاءِ العقدِ الذي بينُه وبينَ المؤجر يجبُ عليهِ تسليمُ المأجور لمالكه وذلكَ لعموم حديثِ الرسول (ص): «على اليدِ ما أخذتْ حتى تؤدّيَهُ». ولم يأتِ نصٌّ آخرُ في الإِجارةِ يستثنيهِ كما وَرَدَ في الغصبِ ولذلكَ يبقى على عمومهِ.
وعلى ذلكَ إذا أجّرَ شخصٌ دارًا لآخرَ ثم أجّرها المستأجرُ لغيرِهِ بأجرةٍ أزيدَ وانتهتْ مدةُ الإِجارةِ للمستأجرِ الأولِ انتهى العقدُ وصارَ لزامًا عليهِ أن يسلِّمَ الدار لصاحِبها، إلاَّ أنْ يُجدّدَ صاحبُها العقدَ معهُ فتظلّ تحتَ سلطانهِ، أو يجدِّدَ صاحبُها العقدَ معَ المستأجر الثاني ويُعدّ نفسهُ قد تسلّم الدارَ من المستأجر الأول.
وإذا أجّرَ أحدٌ دارَهُ فعليه إتمامُ كلّ ما ينقص من منفعتها ليتمكن المستأجرُ من الانتفاعِ بالمأجور كالمفاتيحِ، والبلاط، وأنابيب الماءِ، وغير ذلك مما يحتاج إلى الإصلاح.
وإن كانَ النقص في الأدوات اللازمة لاستيفاءِ المنافع كالسلّمِ المتنقّلِ وساعةِ الماءِ وساعةِ الكهرباء فذلك على المستأجرِ.
وأمّا ما يجبُ لزخرفةِ البيتِ فلا يلزمُ واحدًا منهما لأنَّ الانتفاعَ ممكنٌ من دونهِ لكنّ طرشَ الدار وفتحَ مجاري المياهِ، فهما عندَ الإِيجارِ على المؤجّر، لأنّ ذلكَ ضروريّ للتمكّن بهِ من الانتفاعِ، أما نقلُ النفاياتِ فهوَ على المتسأجرِ.
وإذا شَرَطَ المؤجّرُ على المستأجرِ في عقدِ الإِجارةِ دفعَ نفقاتِ ما أوجبهُ الشرعُ عليه مما يجعل الانتفاعَ ممكنًا فالشرطُ فاسدٌ لمخالفتهِ مقتضى العقد. وكذلكَ لو شَرَط المستأجر على المؤجر دفعَ نفقاتِ العقدِ.
وإذا ماتَ المؤجّرُ والمستأجرُ أو أحدُهما فالإِجارةُ تبقى على حالِها. لأنّ الإِجارة عقدٌ لازمٌ لا ينفسخُ بالموتِ مع سلامةِ المعقودِ عليهِ، كما ذهب إليه غالبية الفقهاء، بخلاف الحنفية الذين قالوا: إن العقد ينفسخ بموت أحد المتعاقدين.
وهكذا يتبين مما تقدم أن بيعَ المنفعة في عقد الإجارة هو مدارُ بحثٍ في الشرع الإسلامي. ويتناول هذا العقد، بوجه عام، نوعين من المعقود عليه:
ـ الإجارة على الأعيان.
ـ والإجارة على الأعمال.
أولاً - الإجارة على الأعيان:
إذا وردَ العقدُ على منافع الأعيان كاستئجارِ الدورِ والسياراتِ وما شابهَ ذلكَ، فإنّ المعقودَ عليهِ يكونُ منفعةَ العينِ. ومتى تمَّ استئجارُ العينِ فقد صارَ للمستأجِرِ أنْ يستوفيَ منفعةَ العينِ التي استأجرها: فإذا استأجرَ دارًا، فلهُ سكناها أو سيارةً فلهُ أن يستقلّها، وله أيضًا أن يؤجِّرَ بمثلِ ما استأجرَ أو بأزيدَ أو بأنقصَ، لأنّ قبضَ العينِ المستأجرةِ قامَ مقامَ قبضِ المنافعِ، بدليلِ أنهُ يجوزُ التصرفُ فيها فجازَ العقدُ عليها، ولأنّه عقد يجوز برأسِ المالِ فجازَ بزيادة أو بنقصانٍ. إلاَّ أنه إذا استأجر العينَ لمنفعةٍ فلهُ أنْ يستوفي مثلَ تلك المنفعةِ وما دونَها في الضرِر، وليسَ لهُ أن يستوفي أكثرَ مِن مثل تلك المنفعةِ، لأنّهُ لا يجوز له أن يستوفيَ أكثرَ من حقّهِ أو غيرَ ما يستحقّه فإن استأجرَ سيارةً لمسافةٍ معينةٍ، لم يجز لهُ أن يستقلّها مسافةً أطول من المسافةِ التي استأجرها لها، وإن استأجر دارًا يسكنُها، فليسَ لهُ أن يجعلَها مستودعًا، مما يكونُ أكثر ضررًا على الدارِ من السكنى. والحاصلُ أن العقدَ إذا وردَ على العينِ بعوضٍ كان بيعًا وإذا وردَ على منفعةِ العينِ بعوضٍ كان إجارةً. وكما أن المشتريَ للعينِ يملكُ العينَ ويتصرفُ بها سائرَ التصرفاتِ، فكذلكَ يملكُ المستأجرُ المنفعةَ التي ملكها بالاستئجارِ. ومتى تمَّ استئجارُ العينِ وقبضُ منفعتها ملكَ المستأجرُ جميع التصرفاتِ الشرعيةِ في منفعةِ العينِ التي استأجرها.
ثانيًا - الإجارة على الأعمال:
تتناول الإجارةُ على الأعمال نوعين من العقود وهي:
ـ العقدُ على منفعة العمل.
ـ العقدُ على منفعة الشخص.
والعقد على منفعة العمل أو على منفعة الشخص، إنما يتعلقان بالأجير الذي يؤجر نفسه للعمل أو الخدمة. وقد أجاز الشرعُ إجارةَ الإنسان لمنفعةٍ تحصلُ منه: كالخدمة في المنازل والمكاتب والحقول والمصانع وغيرها، أو لمنفعةٍ تحصلُ من عمله: كالهندسة والطبابة والمحاماة ونحوها.
وقد قسم الفقهاء الأجير إلى نوعين: أجيرًا خاصًّا، وأجيرًا مشتركًا.
فالأجير الخاصّ هو الذي يعملُ لشخصٍ معيّنٍ عملاً مؤقتًا مع التخصيص: كالموظف للاستكتاب، أو من دون تخصيص كالخادم الذي يعملُ بما يأمره مخدومُه. وحكمه أنه يختصّ بالمستأجر وحده، بحيث لا يجوزُ له أن يعملَ لغيره طوال مدة الإجارة. فلو استأجر شخصٌ (أو عدةُ أشخاصٍ) طاهيًا ليطبخَ لهم خصوصًا، مع تعيين المدة، كان ذلك الطاهي أجيرًا خاصًّا.
ويلاحظ أنّ الظّئر (المرأة المرضعة) التي تُستأجرُ للإرضاع هي بمنزلة الأجير الخاص، فلا يجوز لها أن ترضع مولودًا آخرَ، فإن أرضعته مع المولود الأول، فقد أساءت، وأثمت إن كانت أضرت بالأول. ولها الأجر على إرضاع الاثنين استحسانًا.
وأما الأجيرُ المشتركُ فهو الذي يعمل مؤقتًا لشخصٍ بلا اشتراط التخصيص عليه، أي هو الذي لا يختصُّ بصاحبِ عملٍ معيّن، بل يجوز له أن يعمل عند غيره. وبمعنىً أوضحَ هو الأجير الذي يعملُ لعامّة الناس مثل: الحداد، والدهان، والكواء، والنجار وغيرهم. وحكمه أنه يجوز له العمل للناس كافّة، وليس لمن استأجره أن يمنعه عن العمل لغيره(+) .
ويستحقِّ الأجيرُ الخاصُّ الأجرةَ بتسليم نفسهِ في المدةِ لتأديةِ ما كُلِّفَ به مع تمكنه من العمل، سواءٌ قام بالعمل أو لم يقمْ، فاستحقاقُهُ للأجر يكونُ بحسب المدةِ لا بحسبِ العملِ. لذا لا يجوزُ لهُ أن يعملَ في مدة الإِجارة عملاً لغيرِ مستأجرِه. فإن عملَ لغيرِه نقصَ من الأجرِ بقدرِ ما عملَهُ.
ويستحق الأجيرُ المشتركُ الأجرةَ على العمل الذي يقوم به كالدّهّان والنجّارِ والخيّاطِ إلخ.. أي إن استحقاقه للأجر يكونُ بحسب العمل لا بحسب المدة.
والفرقُ بين الأجير الخاص والأجير المشترك من حيثُ استحقاقُ الأجرِة أنَّ الأجيرَ الخاصَّ يستحقُّ الأجرةَ إذا كانَ في مدة الإجارة حاضرًا للعمل ولا يشترطُ عملُه بالعملِ، والأجيرُ المشتركُ لا يستحقُّ الأجرَة إلا بالعمل.
ومدةُ الإِجارة للأجير الخاصِّ إما أن تكونَ معيَّنةً في العقد أو غير معيَّنةٍ. فإن كانت غير معيَّنة فسد العقد لجهالِتها. فلكلٍّ من العاقدَيْن فسخُها في أيّ وقتٍ أرادَ، وللأجيرِ أجرة مثله مدة خدمته. وإن كانتْ معيَّنةً في العقدِ وفسخَ المستأجرُ الإجارةَ قبلَ انقضاءِ المدةِ بلا عذرٍ ولا عيبٍ في الأجيرِ يوجب الفسخَ (كمرضِهِ أو عجزهِ عن العملِ) فإنّهُ يجبُ على المستأجر أن يؤدّيَ إلى الأجير الأجرةَ إلى تمامِ المدةِ سواءٌ أكانَ الأجيرُ خادمًا أم مزارعًا أم غيرَ ذلك. أمّا إنْ فسخَ الإِجارَة لعذرٍ أو عيبِ ظهرَ في الأجيرِ يوجبُ الفسخَ فإنّهُ ليسَ عليهِ أن يؤدّيَ الأجرةَ إلاَّ إلى الوقتِ الذي فُسِحَتْ فيهِ الإِجارةُ.
المرأةُ الموظفة:
من المعلوم أن المرأةَ دخلت ميدانَ العمل في المجتمعات الحديثة، وعملت موظفةً في القطاع العام الذي يخصّ الدولة، ومستخدمةً في إحدى الشركات أو المؤسسات التي تعود للقطاع الخاص. فما هو حكمُها في هذه الحالة وهي عِرْضٌ يُصان، وأُمٌّ مُرَبِّيةٌ وسيدةٌ للبيت؟
لقد ذهب جمهورُ الفقهاء إلى أن الأصلَ في المرأةِ أن تكون سيدة البيت، وعليها من الواجباتِ الزوجيةِ، وواجباتِ الأمومةِ ما يجعلها تقوم بأهمّ دورٍ في المجتمع الإنسانيّ. وقد حمَّل الله تعالى الرجل الإنفاق عليها في كلِّ حال. وعلى الرغم من ذلك فإن الإسلامَ لا يمنعُها من العمل، ضمن الحدود التي تحافظُ فيها على كرامتها، وتمنعُ عنها التبذّلَ والمعصية. وعليه فإن المرأة التي أجّرت نفسها للخدمةِ مدة معينةً، ثم تزوجت قبل انقضاء المدة لا تبطل الإجارة بالزواج. وليس للزوج أن يعترضَ أو يفسخَ الإجارة أو يعدّ الزوجة ناشزة لأنه تزوَّجها وهو يعلم حالها. ولكن إذا أجّرت نفسها بعد الزواج، فإن كانت الإجارةُ تزاحمُ حقَّ الزوج فلا تصحّ إلا بإذنه وإجازته، وإن كانت لا تتنافى مع حقِّ الزوج إطلاقًا، كما لو أجَّرت نفسها لقراءة القرآن أو نحو ذلك.. تصح الإجارةُ.
الأجرةُ:
يُشترطُ أن يكونَ مالُ الإِجارةِ معلومًا بالمشاهدةِ أوِ الوصفِ الرافعِ للجهالةِ. قال رسول الله (ص): «من كانَ يؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ فلا يستعملنَّ أجيرًا حتى يُعلمَهُ أجرَهُ»(+) . إلا أنه لا تُشترطُ القيمةُ في الأجرة ما لا تُشترطُ القيمةُ في ثمن المبيعِ. والقيمة هيَ ما يوافق مقدارَ ماليةِ الشيءِ ويعادلهُ بحسبِ تقويمِ المقوّمين. أما الثمنُ فهو ما يقعُ بِه التراضي وفقَ القيمةِ أو أزيدَ أو أَنقصَ. ولا يُشترطُ أن تكونَ أجرةَ الأجيرِ معادلةً لقيمة العملِ، لأنّ القيمةَ لا تكونُ بدلاً في الإِجارة. فيجوزُ أن تكونَ أكثرَ من قيمةِ العملِ ويجوزُ أن تكونَ أقلّ من قيمتِهِ. فلو استأجرَ شخصٌ أجيرًا بأجرةٍ معلومةِ ليصوغَ له قطعةَ ذهبٍ أو فضةٍ صياغةً معلومةً فهوَ جائزٌ، لأنهُ استؤجرَ لعملِ معلوم فلا تُشترطُ المساواة بين الأجرةِ وما يعملُ فيه من الفضةِ أو الذهبِ، لأن ما يُشترطُ له من الأجرةِ هو مقابلُ العملِ فقط. وما صلحَ لأن يكونَ بدلاً في البيع كالنقودِ ونحوِها يصلح لأن يكونَ بدلاً في الإجارةِ، فإنه لا يجوزُ أن يبيعَ المرءُ دابةً بسكنى دارٍ سنةً مثلاً ولكن يصحُّ أن يستأجرَ بستانًا بسكنى دارٍ. لأنَّ البيعَ هو مبادلةُ مالٍ بمالٍ، فمعادلةُ المالِ بالمنفعةِ لا تُعدّ بيعًا، بخلافِ الإِجارة فهي عقدٌ على المنفعةِ بعوض، وهذا العوضُ لا ضرورةَ لأن يكونَ مالاً بل قد يكونُ منفعةً.
تقديرُ الأجرِة:
عُرّفتِ الإِجارةُ بأنها عقدٌ على المنفعةِ بعوضٍ. وهذا العقدُ يَرِدُ على ثلاثةِ أنواعِ كما ذكرنا سابقًا، أحدها : نوعٌ يرِدُ على منافعِ الأعيانِ كاستئجارِ الدّورِ والثّياب والحلي والسيّاراتِ وما أشبهَ ذلك، فالمعقودُ عليهِ هوَ منفعةُ العين.
وثانيها : نَوعٌ يردُ على منافعِ الأعمالِ كالخياطةِ والهندسةِ وما أشبهَ ذلكَ، فالمعقودُ عليهِ هو منفعةُ العملِ.
وثالثُها : نوعٌ يَرِدُ على منافعِ الأشخاصِ كالخادمِ والدهّان والحصّادِ وما أشبهَ ذلكَ، فالمعقودُ عليهِ هو الانتفاعُ بجهدِ الشّخصِ.
وهذهِ الأنواعُ الثلاثةُ كانَ المعقودُ عليهِ فيها هو المنفعة التي في كلِّ واحدٍ منها، فيكونُ الشّيءُ الذي جَرى عليهِ العقدُ هو المنفعةُ، والمالُ المسمّى هوَ مقابلُ هذه المنفعة. وعليه فإنّ الأساسَ الذي يُبنى عليهِ تقديرُ الأجرِة هوَ المنفعةُ التي تُعطيها تلكَ العينُ أو يعطيها ذلكَ العملُ أو ذاك الشخصُ، وليست هي بالنسبةِ إلى العملِ قيمةَ الشّيءِ الذي يعملُ فيه ولا ثمنَهُ، وليستُ هيَ بالنسبة إلى الأجير إنتاجَهُ كما أنها ليست سدادَ حاجة الأجير. ولا دخلَ لارتفاع مستوى المعيشةِ وانخفاضها في تقدير الأجرةِ وإنما يرجعُ تقديرُها لشيءٍ واحد فقط هوَ المنفعةُ، لأنها عقدٌ على المنفعةِ بعوضٍ. وتُقدَّرُ الأجرةُ بالاتفاق المسبق بين الأجير وصاحب العمل، ولا سلطةَ لأحدٍ في فرض حدٍّ معيّنٍ من الأجور على الناس.
ويجوزُ تقديرُ الأجرةِ مؤقّتةً بوقت معيّنٍ كالسّاعة واليومِ والشّهر والسنّة. كما يصح أن تكون على وحْدَة العمل كالأمتار المربعة أو المكعبة، أو العدد أو الوزن إلى آخره.
مقدارُ الأجرة:
أجرُ الأجيرِ يكونُ أجرًا مسمّى، ويكونُ أجرَ المثل. أمّا الأجرُ المسمّى فهوَ الأجرةُ التي ذُكرتْ وتعيَّنتْ وقتَ العقدِ. ويُعدّ من الأجرِ المسمّى أجرةُ العَمَلةِ الذين عُرفتْ أجرةُ كلٍّ منهم كالموظفينَ في درجةٍ معيَّنةٍ أو كعمّالٍ في مصنعٍ معيّنٍ معروفةٍ أجرةُ العاملِ فيهِ. ولذلكَ إذا استخدمتَ عمّالاً أو موظفين وسمّيتَ لهم أجرتَهُمْ فيكونُ المسمّى هو أجرهُم. وإن لم تسمِّ أجرتَهم يُنظرُ: فإن كانت معلومةً تُعطى لهم وتُعدّ أجرًا مسمّى، وإن لم تكنِ الأجرةُ معلومةً فيُعطى لهم أجرُ المِثل، وأجرُ المثل هو أجرُ مثل العمل ومثل العامل، أو أجرُ مثل العامل فقط. ويلزمُ تقديرُ أجرِ المثل منْ قبل ذوي الخبرة، ويلزمُ أهلُ الخبرة بتعيين الأجرة بالنظر إلى شخص الأجير. وعندَ تقدير أجرة المثل يُنظَرُ إلى ثلاثة أمور:
الأول : إذا كانتِ الإِجارةُ واردةً على المنفعةِ ينبغي أن يُنظَر إلى الشّيءِ الذي تساوي منفعتُهُ منفعةَ المأجور.
الثاني : إذا كانتِ الإِجارةُ واردةً على العملِ ينبغي أن يُنظرَ إلى الشّخصِ المماثلِ للأجير بذلك العمل.
الثالث : هو أن يُنظَر إلى زمان الإِيجار ومكانه، لأنّ الأجرةَ تتفاوتُ بتفاوتِ المنفعة والعمل والزمان والمكان.
وأجرُ المثل تتوقفُ معرفتُهُ على أهل الخبرةِ، فلا تجوزُ إقامةُ البيّنةِ عليه من المدّعي، بلْ يجبُ أن يقدّرَهُ أهلُ الخبرةِ غيرُ المتحيّزينَ، فينتخبهم الخصمانِ بالاتفاقِ، وإن لم يتّفقا فينتخبهم الحاكمُ.


دفعُ الأجرةِ:
يجوزُ تعجيلُ الأجرةِ ويجوزُ تأجيلُها. فإذا اشترطَ العاقدان تعجيلَها أو تأجيلَها يراعَى شرطُهما. قال رسول الله (ص): «المسلمونَ عند شروطِهِمْ»(+) فيُراعى كلُّ ما اشترَط العاقدان. وإنْ لمْ يشترطا شيئًا في تعجيلِ الأجرةِ أو تأجيلها ينظرُ: فإذا كانت الأجرَةُ مؤقتةً بوقت معيّنٍ كالشهريةِ والسنويةِ، يلزمُ إيفاؤها عند انقضاءِ ذلكَ الوقت، فإن كانت مشاهرةً تُؤدَّى عندَ نهايةِ الشهر، وإنْ كانتْ مسانهةً ففي ختام السَّنة.
أمّا إذا كانت الإِجارةُ على عملٍ، مثل خياطةِ ثوبٍ أو تصليحِ سيارةِ أو صنعِ خزانة أو ما شاكلَ ذلكَ، فإنّه يلزمُ إيفاؤها عندَ الانتهاء من العمل، لقول رسول الله (ص): «أعطُوا الأجيرَ أجرَهُ قبلَ أن يجفَّ عرقُهُ»(+) . أي بعد أن ينتهيَ من عمله مباشرةً.
ويجبُ إعطاءُ الأجرةِ على موجبِ الصورةِ التي تَظهرُ فعلاً. فمثلاً لو قيلَ للنجارِ: إن صنعتَ خزانة حفرًا فلكَ كذا أو صنعتَ خزانةً من دون حفرٍ فلكَ كذا، فأيَّ الصورتين صنعَ فلهُ أجرَتُهَا.
وقد تباينت آراءُ الفقهاء حول تأجيل الأجرةِ أو تعجيلها.
ـ قال الإمامية: إذا اشترط المتعاقدان التأجيلَ أو التعجيلَ، وجب العملُ بالشرط الذي اتفقا عليه، سواءٌ وردت الإجارةُ على العين أو على العمل. فإن وقعت الإجارة على العين جاز لكلٍّ من المؤجِّر والمستأجر أن يمتنعَ عن تسليم ما في يده حتى يتسلَّم حقَّه من الآخر. وإن وقعت الإجارةُ على العمل، كخياطة الثوب، فلا يتمّ تسليمُ الأجرة إلا بعد إتمام العمل. وإذا تسلّم المستأجرُ العينَ المستأجرةَ، ومضت مدةُ الإجارة، وجبت عليه الأجرةُ حتى ولو لم يستوف المنفعة، كمن استأجر دارًا للسكن ومضت مدة الإيجار من دون أن يسكنها.
وعن الزوجة قال الإمامية: إن للزوجةِ أن تؤجّر نفسها للرضاع أو غيره من الأعمال السائغة بإذن الزوج وموافقته. وإذا لم تحصل على إذن الزوج فإنه يصحُّ منها الإجارةُ شرط ألاَّ يتنافى ذلك مع الحقوق الزوجية، لأنها في مثل هذه الحالة تكون هي مالكة لمنافعها، ولها أن تتصرفَ فيها بعوضٍ، وبغير عوض، ما دام عملُها لا يتعارضُ مع حق الزوج. فإذا تعارض مع حقّه جاز له أن يفسخَ إجارةَ زوجه.
وفي رأي الإمامية: إنَّ الضرائب التي تفرضُها الدولة على العقارات، والرسوم على القيمة التأجيرية لأماكنِ السكنِ وغير السكن هي على عاتق المالك، لا على عاتق المستأجر إلاَّ مع الشرط.
ـ وقال الحنفية: إن الأجرةَ تتوجبُ وتُملك بأحدِ أمورٍ ثلاثة:
1 ـ اشتراط تعجيلها في العقد نفسه.
2 ـ بقبضها فورًا، من غير شرط.
3 ـ استيفاء المنافع شيئًا فشيئًا، أو بالتمكين من الاستيفاء بتسليم العين المؤجَّرة إلى المستأجر.
وقالوا: وإذا اتفق المتعاقدان على أن الأجرة لا تستحقُّ إلا بعد انقضاء مدة الإجارة فهو جائز. ولا يجوزُ للمؤجر أن يحبس العينَ عن المستأجر لاستيفاء الأجرة.
أما فيما يتعلقُ باستحقاق الأجرة عن العمل، فإن كانت العينُ المعمولُ فيها في يد المستأجر، والأجير يعمل في ملك المستأجر، فتستحقُّ أجرته بعد الفراغ من العمل إذا أنجزه، وإذا لم ينجزه فيستحقُّ من الأجرة على قدر من أنجز. أما إذا كان العمل في غير يد المستأجر أو في غير ملكه، فإن أجرةَ الأجيرِ تتوقّفُ على تمام العمل، فما لم يسلِّم العملَ إلى المستأجر فلا يصير هذا قابضًا للمعقود عليه. ويسقطُ الأجرُ إذا فسد المعقودُ عليه أو هلك قبل التسليم.
ـ وقال الشافعية والحنبلية: إذا كانت الإجارة إجارة ذمةٍ، فيشترط فيها تسليمُ الأجرة في مجلس العقد لأنها بمنزلة رأس المال في عقد السَّلَم. وإذا كانت الإجارةُ إجارةَ عينٍ ينظر: فإن كانت الأجرةُ فيها معيَّنةً فإنه لا يصح تأجيلُها، وإن كانت الأجرة في الذمة فيجوز تأجيلُها وتعجيلُها. وفي حالة الإطلاق يجب تعجيلها.
وقالوا أيضًا: إذا عمل الأجيرُ في ملك المستأجر أو في حضرته وجبت له الأجرةُ، فكلما عمل شيئًا قام بتسليمه له أو صار مسلَّمًا له. وإن كان العمل في يد الأجير وهلك فلا يستحق الأجرة لأنه لم يسلِّم العمل، وبالتالي فلم يستحق عِوضه(+) .
ضمانُ الأجير للعين المستأجرة أو للعمل:
يفرّقُ الفقهاء بين ضمان الأجير الخاصّ وضمان الأجير المشترك..
فاتفقوا على أن الأجيرَ الخاصَّ هو أمين، فإن هلك الشيء في يده من دون تعمّدٍ أو إهمال أو تقصير فلا ضمانَ عليه. أما بالنسبة إلى الأجير المشترك فإن هلك الشيءُ بفعله ضَمِنَهُ، سواء أكان هلاكه بالتعدّي أم لم يكن. أما إذا هلك الشيءُ بغير فعله فينظر: فإن كان مما لا يمكنُ الاحترازُ عنه لا يضمن. أما إن كان يمكن الاحترازُ عنه، ولم يحترز فإنه يَضمن.
والحكمُ في ذلك كله هو أن الشيءَ الذي يعمل فيه الأجيرُ الخاصُّ، وإن كان تحت يده في العمل، إلاَّ أنه في الحقيقة بتصرُّف المستأجر، وليس بتصرُّف الأجير، ومن هنا كانت يدُهُ يدَ أمانة، بخلاف الأجير العام (أو المشترك) الذي يكون الشيءُ الذي يعملُ فيه بتصرُّفه هو وليس بتصرُّف المستأجر، لذلك لم تكن يدُهُ يدَ أمانةٍ، بل كانت يَدَ متصرِّف.
من هذه الخلاصة يتبين اتفاق آراء الأئمة حول ضمان الأعيان المستأجرة، وذلك بخلاف الضمان في استئجار الأعيان، وضمان الإجارة على الأعمال، حيث تباينت آراء الأئمة بشأنها:
1 - الضمانُ في استئجار الأعيان:
ـ قال الإمامية: من استأجر دارًا ليسكنها، أو سيارةً ليركبها، أو كتابًا ليقرأهُ، وما إلى ذلك.. فالعينُ المستأجرةُ في يده أمانةٌ، لا يضمن هلاكها أو نقصها، إلاَّ إن يتعدى حقَّه في الانتفاع بها، أو يقصِّر في حفظها.
ومثال التعدِّي أن يستعملَ دار السكنى كاراجًا أو معملاً، فإن تلفت أو خربت فهو يضمن حتى ولو كان التلفُ بآفةٍ سماوية. ومثال التقصير أن يهملَ المستأجرُ العينَ ولا يهتمَّ بحفظها، كمن يمرّ في السيارة المستأجرة في طريقٍ وعرةٍ فتتعطل.
سئل الإمامُ الصادقُ (عليه) عن رجل تكارى دابّتهُ إلى مكانٍ معلوم فنفقت الدابَّة (أي ماتت) قال (عليه): «إن كان جاز الشرطَ فهو ضامنٌ وإن دخل واديًا لم يوثقها (أي يربطها) فهو ضامنٌ، وإن سقطت في بئرٍ فهو ضامنٌ، لأنه لم يستوثقْ منها»(+) .
وحكمُ الدابةِ يشملُ كلَّ عينٍ مستأجرة..
ويضمنُ العينَ أيضًا إذا منعها عن المالك حين انتهاء الإجارة، وطلبها منه، فإن هلكت أو تضررت فهو ضامنٌ مطلقًا، حتى ولو كان الهلاكُ أو الضررُ بآفةٍ سماوية.
ويضمن المعتدي والمفرّطُ قيمةَ العين وقتَ الهلاك، لأن ذمته تصبحُ مشغولةَ عند هلاك العين.
وإذا اشترط المؤجِّرُ الضمانَ على المستأجر مع عدم التعدي والتفريط، فإن العقد يصحّ، ويبطلُ الشرطُ لأنه مخالفٌ للنصّ الصحيحِ القائلِ بعدم ضمان الأمين، والمستأجر أمين.
ـ وقال الحنفية: إن الشيءَ المأجورَ يُعدّ أمانةً في يد الأجير.
وقد تتغير صفةُ الأمانة إلى الضمان وذلك في الأحوال الآتية:
أوَّلاً : إذا أهمل الأجيرُ في حفظ المتاع، لأن تركَ الحفظ موجبٌ للضمان، كالوديع إن ترك حفظَ الوديعة حتى ضاعت.
ثانيًا : إذا تعدّى الأجيرُ بأن تعمَّد الإتلاف سواء كان خاصًّا أم مشتركًا فهو يضمن.
إما إذا أخطأ بعمله من غير قصدٍ، فإن كان أجيرًا خاصًّا لا يضمن، وإن كان أجيرًا مشتركًا (كالملاّح الذي أغرق السفينةَ بخطئه، أو الحمّال الذي سقط على الأرض وأفسد حمله) فهو يضمن.
ثالثًا : مخالفة المستأجر شرط المؤجر نصًّا أو دلالة، لأن المخالفة سببٌ موجبٌ للضمان...
ـ وقال الشافعية: إن الأجير لا يضمنُ ما لم يحصل منه تعدٍّ أو تقصيرٌ في عمله، لأن عمله مأذونٌ في الجملة، حتى وإن لم يكن مأذونًا فيه فلا يمكنه التحرز عن الإتلاف لأنه ليس في وسعه القِيامُ بأصل مهمته إلاَّ بحرجٍ، والحرج منفيّ(+) .
ـ وقال المالكية: إنَّ يد الأجير المشترك هي يدُ ضمان، فيضمن الشيءَ التالفَ ولو بغير تعدٍّ أو تقصير.
وخلاصة القول: إن جمهور الفقهاء يرى أن يدَ الأجير المشترك هي يدُ أمانة، فلا يضمن هلاك العين المستأجرة إلا بالتعدي أو التقصير... بخلاف المالكية الذين يرون بأن يد الأجير المشترك هي يدُ ضمان، فكان عليه ضمانُ الهلاك.
2 - الضمانُ في إجارة الأعمال:
ـ قال الإمامية: إن كلّ صانعٍ (خياط، نجار، حداد، زراع إلخ) أفسد ما في يده فهو ضامنٌ له، سواء كان متهاونًا أو غير متهاون، وسواء قصد أو لم يقصد، لأن الضمانَ لا يُشترطُ فيه القصدُ، ولا يُشترطُ فيه العقلُ ولا البلوغ لقول الإمام الصادق (عليه): «كلُّ عاملٍ أعطيته أجرًا على أن يُصلحَ، فأفسد، فهو ضامن». أما إذا هلكت العينُ أو تضررت بلا تعدٍّ أو إفسادٍ أو تفريطٍ من الأجير، فلا ضمان عليه، لأن الأصلَ عدمُ الضمان، ولأنه أمين.
وعلى هذا فإن الطّبيب من أهل الاختصاص لا ضمانَ عليه في حالة تضرر المريض إذا اجتهد واحتاط، وتبرأ مما يحدث، وقبل المريضُ أو وليُّه ذلك، لقول أمير المؤمنين عليّ (عليه): «من تطبَّب فليأخذ البراءةَ من وليّه، وإلاَّ فهو ضامن».
وإذا استأجر شخصٌ آخر وأقعده على متاعه فُسُرِقَ، فلا ضمانَ عليه، إلاَّ إذا قصّر في الحفظ، لكنه لا يستحق الأجرة هنا، لأن المتاعَ قد سُرقَ فلم يبقَ موضوعٌ للإجارة، ولا للأجرة.
وإذا استأجره لينقلَ له متاعًا إلى مكانٍ معيّنٍ، مع شرط الوصول في وقتٍ معيّنٍ، فإن قصّر عن المكان أو الوقت نقص من أجرته بقدر التقصير. أما إذا اشترط سقوطَ الأجرة إن لم يوصله فلم يجز الشرط لأنه منافٍ لمقتضى عقد الإجارة، وبفساده يفسدُ العقد، وإذا فسد العقد كان له أجرةُ المثل.
ـ وقال الأئمة الأربعة: إن الأجيرَ الخاصَّ لا يضمن العينَ التي تُسلَّم إليه للعمل فيها، لأن يدهُ يدُ أمانة كالوكيل والمضارب، كما لو استأجر شخص خياطًا، أو حدادًا، أو نجارًا، مدةً من الزمن ليعملَ له وحده، فلا ضمانَ عليه في هلاك العين التي في يده إلا بالتعدي والتقصير، حتى ولو تلف الشيءُ في أثناء العمل.
أما الأجيرُ المشترك الذي يستحق الأجرة بالعمل، لا بتسليم النفس، كالصانع والقصار (الكوّاء) فقد اختلفوا فيه:
فقال أبو حنيفة، والشافعي (في الصحيح في قوليْه)، والحنبلية (في الصحيح من مذهبهم): إن الأجيرَ المشتركَ يدُهُ يدُ أمانةٍ كالأجير الخاص فلا يضمنُ ما تلف عنده إلا بالتعدّي أو التقصير، لأن الضمان لا يجب إلاَّ بالاعتداء لقول الله تعالى: {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ*}(+) ، ولم يوجد التعدي من هذا الأجير، لأنه مأذونٌ في القبض، والهلاك ليس هو سببًا فيه(+) .
وقال المالكية: إن الأجيرَ المشتركَ الذي يؤثره الأعيانُ بصنع، يضمن ما تلف بيده، من غير تعدٍّ أو تقصير. فالطباخُ ضامنٌ لما أفسد من طبخه، والخبازُ لما أفسده من خبزه، والملاحُ لما تلف مما يعالج به السفينة. وقد استدلوا على ذلك بقول النبي (ص): «على اليد ما أخذت حتى تؤدّيَه»(+) . كما استدلوا عليه أيضًا بما رُوي عن أمير المؤمنين عليٍّ (عليه) أنه كان يُضَمِّن الصبِّاغ والصوّاغ ويقول: «لا يُصلح الناسَ إلاَّ هذا». وبما روي عن عمر (رضي) أنه كان يضمنُ الصناعَ احتياطًا لأموال الناس(+) .
بطلان الإجارة:
قد تقع الإجارة باطلةً منذ البداية، وقد تقع صحيحة أوَّلاً ثم يطرأ عليها البطلانُ لسببٍ من الأسباب قبل انتهاء مدتها. ومن أسباب بطلان الإجارة إذا كانت الأجرةُ مجهولةً، أو إذا كانت المنفعةُ مجهولةَ أو محرّمة.
والفرقُ بين بطلان الإجارة وفسخها لأحد الأسباب، أن معنى البطلان انعدامُ العقد، وعدمُ وجوده من الأساس. أما في الفسخ فالعقدُ موجود، ولكنّ الأمرَ لصاحب الخيار، إن شاء أمضاه، وإن شاء فسخه.
وهذه آراء الأئمة في البطلان والفسخ:
ـ قال الإمامية: تبطلُ الإجارةُ بعد صحتها، وقبل انتهاء أمدها، لأسبابٍ كثيرة أهمها:
1 ـ هلاكُ العين المستأجرة، وتعذّرُ استيفاء المنفعة المطلوبة منها، كما لو تهدمت الدارُ المستأجرةُ للسكن.
2 ـ انتفاءُ محلّ الإجارة، كما لو استأجر سيارةً لنقل متاعه فخربت.
3 ـ انعدام الموضوع، كما لو استأجر طبيبًا لإجراء عمليّة، فزال الألمُ قبل إجرائها.
4 ـ تعذّرُ استيفاء المنفعة التي جرى الاستئجارُ لأجلها، كما لو استأجر سيارةً للانتقال فمرض، ولم يعد قادرًا على ركوب السيارة.
ولا تبطلُ الإجارةُ إذا باع المؤجِّرُ العينَ المستأجرةَ، بل تنتقل العينُ إلى المشتري مسلوبة المنفعة إلى حين انتهاء مدة الإجارة. وإذا كان المشتري جاهلاً بالإجارة، فله الخيارُ بين فسخ البيع، أو إمضائه بلا منفعة إلى انتهاء مدة الإيجار.
وكلُّ موضعٍ تبطلُ فيه الإجارة تجبُ أجرةُ المثلِ عوضًا عما استُوفيَ من المنفعة، لأن البطلانَ يستدعي رجوعَ كلِّ شيء إلى ما كان عليه، فالمؤجر يرجع الأجرةَ المسمّاةَ إلى المستأجر، والمستأجرُ يدفعُ بدوره للمؤجِّر بدلَ ما استوفاه من المنفعة.
وأجمعُ كلامٍ للإجارة الباطلة ما قاله الإمامُ جعفرُ الصادقُ (عليه): «أما وجوهُ الحرام من وجوه الإجارة فنظير أن يؤجِّر على حمل ما يحرمُ عليه أكلُه أو شربُه. أو يؤاجر نفسه في صُنع ذلك الشيء أو حفظه أو لبسه. أو يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضرارًا، وقتل النفس بغير حلٍّ، أو عمل التصاوير، والأصنام، والمزامير، والخمر، والخنازير، والميتة، أو شيءٍ من وجوه الفساد الذي كان محرّمًا عليه من غير جهة الإجارة فيه. وكلُّ أمرٍ يُنهى عنه من جهةٍ من الجهات، فمحرّمٌ على الإنسان إجارةُ نفسه فيه، أو له، أو شيء منه أو له، إلاَّ لمنفعة من استأجره، كالذي يستأجر الأجير يحمل له الميتة ينحيها عن أذاه، أو أذى غيره»(+) .
ـ وقال الأئمة الأربعة: يُشترطُ لبقاء عقد الإجارة لازمًا شرطان:
الأول : سلامةُ العين المؤجرة عن حدوث عيب فيها يُخلُّ بالانتفاع بها. إذ إن العقدَ لا ينفسخُ بل يثبتُ حق الفسخ. كما لو انهدم جزءٌ من الدار المستأجرة للسكن. كما يثبت حقُّ الفسخ في حال تجزئة الصفقة في المنافع: كما لو استأجر دارين صفقةً واحدة وطرأ ما يمنع تسلُّم إحداهما، فيحقُّ للمستأجر فسخُ العقد لتجزئة الصفقة عليه(+) .
والثاني : عدمُ حدوث عُذرٍ يجيزُ فسخَ الإجارة، أما إذا حدث ما يوجب الفَسخَ، سواءٌ في المأجور أو في أحد العاقدين، فيفسخ، أي إنه يقتضي للفسخ موجبٌ كوجود عذرٍ أو عيبٍ، أو ذهاب محل استيفاء المنفعة. ويستثنى من الأئمة الشافعيةُ في قولهم بأنَّ الإجارةَ لا تنفسخ بعذر كسفر عرض لمستأجرِ دارٍ مثلاً، بل تنفسخ عند فوات المعقود عليه (أي المنفعة)، أو موت الأجير المعيّن.
الاختلافُ والنزاعُ بين المتعاقدين في الإجازة:
وفي ذلك آراءٌ للأئمة:
ـ قال الإمامية: إذا اختلفا في أصل الإجارة ووقوعها فالقولُ قولُ المنكرِ بيمينه، سواءٌ أكان المالكَ أم المستأجرَ. فإن وقع النزاعُ قبل استيفاء شيءٍ من المنافع رجع كلُّ شيء إلى ما كان عليه. وإن وقع بعد استيفاء المنفعة، فإن كان المنكرُ هو المالك أو المستأجر فلا تستحقُّ للمالك إلا أجرةُ المثل فقط.
وإذا اختلفا في مقدار الشيء المؤجَّر، فقال المالك: أجّرتك الدار ما عدا هذه الغرفة، وقال المستأجر: بل الدار بكاملها، فالقولُ قولُ المالك بيمينه، لأنهما قد اتفقا على سائر الغرف واختلفا في الغرفة الزائدة، والأصل عدم وقوع الإجارة على ما زاد على مورد الاتفاق.
وقال بعضُ فقهاء الإمامية: هما متداعيان، لأن كلًّا منهما يدّعي ما ينكر الآخر، وينكر ما يدَّعيه، فيتحالفان.
ـ وقال الأئمة الأربعة: إذا اختلف المتعاقدان في مقدار بدل الإيجار أو المأجور، وكانت الإجارةُ صحيحة، فإذا كان الاختلاف قبل استيفاء المنافع، تحالفا، لقول النبيّ (ص): «إذإ اختلف المتبايعان تحالفا وترادّا»(+) . وبما أن الإجارة نوع من البيع (بيع المنفعة) فيتناولها حديثُ النبيّ (ص)، وإن تحالفا تُفسخُ الإجارةُ، وإن نكل أحدُهما عن اليمين لزمه ما ادّعاه الآخر.
وإن كان اختلافُها بعد انتهاء مدة الإجارة، أو بعد بلوغ المسافة التي تمّ العقدُ عليها، لا يتحالفان، والقولُ قولُ المستأجر في مقدار البدل مع يمينه، ولا يمينَ على المؤجِّر.
وعند أبي حنيفة: أنه إذا اختلف صاحبُ العمل مع الأجير حول الأجرة، كما لو اختلف صاحبُ الثوب مع الخياط، فقال له: لقد خطته لي من دون أجر، وقال الخياط: بل بأجر، فالقول صاحب الثوب، مع اليمين لأنه منكر(+) .
وعند الشافعية: أنه إذا اختلفا حول كيفية العمل، بأن قال صاحبُ الثوب: أمرتك أن تخيطه لي قَباءً(+) ، وقال الخياط: بل أمرتني أن أعمله قميصًا، فالقول قولُ صاحب الثوب مع يمينه. هذا هو القول الأظهر في مذهب الشافعية، لأن الإذنَ صادرٌ عن المالك، فلو أنكر الإذنَ مطلقًا كان القولُ قولَه، فكذا إذا أنكر صفة الإذن.



لا وجودَ لمشكلة عمّالٍ في الإسلام:
لقد اعتمد العالمُ الغربيُّ، بما في ذلك روسيا قبل أن يحكمها الحزبُ الشيوعيّ، مبادئَ الرأسمالية في أنظمته الاقتصادية. ومن أهم الأسس التي تقوم عليها الرأسماليةُ الملكيةُ الخاصّةُ التي تتيحُ المجال لإنشاء المؤسسات والشركات، واستخدام العمال والأُجراء.. مما أدى إلى استبداد أصحابِ الأعمالِ بالأجراءِ، ما دامَ التَراضي قائمًا وما دامت نظريّة الالتزامِ هي التي تتحكمُ فيهمْ. وقد لاقى الأجراءُ من أصحابِ الأعمالِ العنتَ والإِرهاقَ والظلمَ والاستغلالَ البشعَ لعَرَقِهِمْ وجهودِهم.
وحينَ ظهرتِ الفكرةُ الاشتراكيةُ ونادتْ بإنصافِ الأجيرِ، ظهرتْ على أساسِ معالجةِ مشاكلِ الأجراءِ وليسَ على أساسِ معالجةِ عقدِ الإجارةِ. ولذلكَ جاءتِ الاشتراكيةُ بحلولٍ لإِنصاف الأجيرِ، بتحديدِ وقت عملِهِ، وتحسينِ أجرتِهِ، وضمانِ راحتِهِ، فهدمتْ نظريةَ الالتزامِ، وأظهرتْ عدمَ صلاحيّتِها لمعالجةِ المشاكلِ، فاضطُرَّ فقهاءُ القانونِ الغربيّ، لأن يغيروا نظرتَهم للالتزامِ حتى تستطيعَ أن تثبتَ أمامَ المشاكل، ولذلكَ أدخلوا تعديلاتٍ لترقيعِ نظريّتهم.. فعقدُ العملِ قد أدخلت عليهِ قواعدُ وأحكامٌ، تهدفُ إلى حمايةِ الأجيرِ، وإلى إعطائهِ من الحقوقِ ما لم يكنْ لهُ منْ قبلُ، كحريةِ الاجتماعِ، وحقِّ تكوينِ النقابةِ، وحقِّ الإِضرابِ، وإعطائه تقاعدًا وإكرامياتٍ وتعويضاتِ نهايةِ الخدمةِ الخ... معَ أنَّ نصَّ نظريةِ الالتزام لا يبيحُ مثل هذهِ الحقوقِ، ولكنْ جرَى تأويلُ هذهِ النظريةِ لمعالجةِ مشاكلِ الأجراءِ التي أوجدتْها الأفكارُ الاشتراكيةُ.
ثم جاءتْ النظريةُ الشّيوعيةُ لتمنعَ ملكيةَ الأعمالِ، وتُعطي الأجيرَ ما يحتاجُهُ مطلقًا.
ومن تباين وجهاتِ النظرِ بينَ المبدأينِ: الاشتراكيِّ، ومعه الشيوعيُّ، والمبدأ الرأسماليِّ، تجاه الملكيةِ وتجاه الأجير، نشأتْ لديهمْ مشكلةُ الأُجراءِ، وصارَ لكلّ منهما طريقةٌ خاصةٌ في حلِّ هذهِ المشكلةِ التي أوجدتها نظرتُهما المختلفةُ نحو الحياةِ.
أمّا في الإِسلام فلا توجدُ مشكلةٌ تسمّى مشكلةَ عمالٍ. ولا تُقسمُ الأمّةُ الإِسلاميّةُ إلى طبقاتِ عمالٍ ورأسماليّينَ، أو فلاحينَ وأصحابِ أراضٍ.
والقضيةُ كلُّها تتعلقُ بالأجيرِ سواءٌ أكانَ استئجارُهُ على العملِ كالإخصائيينَ والفنيين، أمْ كان استئجارُهُ على جهِدهِ فقط كسائرِ الأُجراءِ. سواءٌ أكانَ أجيرًا عندَ جماعاتٍ أم أجيرًا عند الدولةِ. وسواءٌ أكانَ أجيرًا خاصًا أم أجيرًا مشتركًا فكلّهُ أجيرٌ. والأجيرُ قد سبقَ ووضّحنا أحكامَهُ وبيّناها.
أما تعيينُ أجرةٍ معيّنةٍ من قِبَلِ الحاكم فلا يجوزُ، قياسًا على عدمِ جوازِ التسعيرِ للسّلعِ، لأنّ الأجرةَ ثمنُ المنفعةِ، والثمنُ ثمنُ السلعةِ. وكما أنّ سوقَ السلعِ يقرّرُ سعرَ السلعةِ تقريرًا طبيعيًّا فكذلك سوق المنافعِ للأُجراءِ تقرّرُها الحاجةُ إلى العمالِ.
إلاَّ أنّ على الدولةِ أنْ تهيّئ الأعمالَ للعمالِ «الإِمامُ مسؤول عن رعيتهِ» وعلى الدولة أن ترفعَ ظلمَ أصحابِ الأعمالِ عن العمالِ فإنّ السكوتَ على الظلمِ معَ القدرِة على إزالتِهِ حرامٌ فيهِ إثمٌ كبيرٌ.
وإذا قصّرتِ الدولةُ في رفعِ الظلمِ، أو ظلمتْ هيَ الأُجراءَ، كانَ على الأمةِ كلّها أنْ تُحاسبَ الدّولةَ وأنْ تسعَى لإِزالة الظلمِ. وليسَ هذا على الأُجراءِ الذين ظُلموا وحدَهُم، كما هي الحالُ اليومَ في معالجاتِ مشاكلِ العمالِ بالإِضراباتِ والتظاهراتِ لأن ظلمَ أيِّ فردٍ من الرعيّةِ وتقصيرَ الدولةِ في رعايةِ شؤونهِ، أمرٌ يتعلقُ برعاية شؤونِ الأمةِ كلِّها، لأنّهُ تنفيذُ حكمٍ شرعيٍّ، وإن كانَ واقعًا على جماعةٍ معيّنة.
أمّا ما يحتاجُهُ العمالُ من ضمانٍ صحّي لهم ولأهلِهمْ، وضمانِ نفقاتِهم عند انتهائِهم منَ الخدمةِ، وضمانِ شيخوختهمْ، وضمانِ تعليم أبنائِهِم.. وما شاكلَ ذلكَ من الضماناتِ، فلا يُبحثُ فيها في الإِسلامِ عند بحثِ الأجيرِ والأجراءِ، لأنّ هذهِ ليستْ على المستأجرِ، بل على الدولةِ، وليستْ للعمالِ فحسب، بل لكلِّ عاجزٍ منَ الرعية، لأنّ الدولةَ تضمنُ التطبيبَ والتعليمَ مجانًا للجميعِ، وتضمنُ للعاجِزِ الإِنفاقَ عليهِ سواءٌ أكانَ عاملاً أم غيرَ عاملٍ، لأنّ هذا مما هو فرضٌ على بيتِ مالِ المسلمينَ.
وعليهِ فلا توجدُ مشكلةُ عمالٍ في الإسلام، ولا توجدُ مشكلةٌ خاصةٌ تتعلقُ بجماعة معيّنةٍ أو فئة من الأمةِ. وكلُّ مشكلةٍ تتعلقُ برعايةِ شؤونِ الرعيّةِ، فالدولةُ مسؤولة عن حلِّها، والأمةُ كلّها تحاسبُ الدولةَ وليس المسؤول فحسب أو صاحبُ المشكلةِ أو مَنْ وقعَ عليهِ الظّلم.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢