نبذة عن حياة الكاتب
عالمية الإسـلام وماديـة العولمـة

خاتمـة
لم يَعُدْ خافياً على المسلمين الدَّوْرُ الذي تقوم به كل من أميركا وأروبا في تدبير الخطط والمكائد لتطويق العالم الإسلاميّ، ومن ثَمَّ إرغامه على الخضوع. وما زَرْعُ إسرائيل في قلب العالم الإسلاميّ إلا صورة واضحة لنيات هاتين القوتين اللتين أنشأتَا الكيان الصهيونيّ في أرض فلسطين وتعهّدَتاه بالحماية والرعاية من طريق إغداق الأموال والسلاح عليه، ومكَّنَتاه من تملّك القوة النووية والعسكرية لإرهاب المسلمين، وهو ما نشاهده جلياً على أرض الواقع في كل المواقف السياسية والحروب التي اندلعت في قلب العالم الإسلامي.
أكثر من ذلك، فإن أميركا بالذات تعلن، وباستمرار، أنها لن تسمح بوجود أي تفوق عسكريّ أو نوعيّ على إسرائيل، ونجدها بالتالي تستخدم حق النقض في مجلس الأمن، ضد أي إدانة أو قرار أو إجراء يدين إسرائيل على ما تقوم به من أعمال عدوانية، ومجازر جماعية أو حتى القبول بتوجيه أي لوم لها.
بهذا التأييد السافر واللامحدود من قبل أميركا بات قلب العالم الإسلاميّ تحت رحمة هذه الدويلة المزعومة التي هي في الحقيقة قاعدة عسكرية للدول المستعمرة في المنطقة.
وعلى الرغم من هذا الواقع المرير فإننا نؤمن بأنَّ نصرَ الله آتٍ لا ريب فيه، وأن قوى البغي ستندحر عندما يأذن الله العليّ العظيم، وقد علّمنا الرسول الكريم الثبات على الحق والصبر عند ملاقاة الأعداء. فالصراع بين الحق والباطل سنّةٌ سنّها العليّ القدير في هذه الحياة التي نحياها على وجه هذه الأرض، إذ اقتضت حكمته أن يجعل الصراع والتدافع بين الناس من عوامل ظهور الحق والخير وانهزام الباطل والشر إن عاجلاً أو آجلاً. قال تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}، وقال تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *}.
ونحن على ثقةٍ بأنَّ المسلمين إذا ما قاموا بما أوجبه الله عليهم، فإنهم سوف يخيّبون آمال أعدائهم الذين يكيدون لدينهم الذي هو قوام حياتهم، وملاذهم في الدنيا والآخرة. وسيخسر أعداء الله أموالهم التي ينفقونها على العملاء والمرتزقة، وستنطفىء نيرانهم التي يوقدونها على الإسلام، وستكون للإسلام الغَلَبَة عليهم بإذن الله العلي القدير، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}. وما النصر الذي حققه الله على يد المقاومة الإسلامية إلا برهان ساطع على تحقيق قوله تعالى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ *} ودائماً يكون أولَّ الغيث قطر ثم ينهمر. وأما الانتفاضة المباركة في فلسطين فستنتصر بإذن الله عاجلاً أم آجلاً.
إن إسرائيل ما فتئت تهدد أنها تمتلك مائتيْ رأسٍ نوويّ وصواريخَ موجهةً إلى جميع أنحاء العالم الإسلاميّ، وتتبجح أن مجال أمنها حدود باكستان. والغرب يسمع هذا ويصرّ مستكبراً على أن يجعل إسرائيل متفوقة عسكرياً على جميع المسلمين بغيةَ تأمين مصالحه، ودون أن يدرك حقيقة اليهود. وقضى الله بحكمته ورحمته وفضله أن يمتلك المسلمون هذه القوة النووية، وهذه الصواريخ التي تطال إسرائيل. فمكَّن الله القادر إيران على أن تمتلك هذه الصواريخ المتطورة. وها هي باكستان بتفجيراتها النووية مؤخراً تتمكن من التأثير أيضاً في ميزان القوى ليس في القارة الهندية وحدها، بل في تغيير التوازنات والحسابات الدولية، بعد أن بذل الغرب كل الجهود لمنع امتلاك أي بلد إسلاميّ لقوة نووية، فحاصر وعرقل وأفشل كل محاولة في هذا الاتجاه.
ولولا الحرب التي تشهد حالة مَدّ وجَزْر بين الهند وباكستان، أي لولا دفع الله الهند وباكستان إلى امتلاك أسباب قوة ردع ضد بعضهما البعض لأصبحت جميع بيوت الله التي يذكر فيها اسمه معرضة للهدم من قبل أعداء الله ورسوله. ذلك أن المسلمين بعد اختراع القنبلة الذرية أواخر الحرب العالمية الثانية غدوا بأجمعهم أسرَى لدى من يملكون تلك القنبلة، ولكنَّ الله تعالى بعنايته ورعايته مكّن المسلمين من امتلاك هذا السلاح الذي سيفك قيود أسرهم ويحطمها.
بالله عليكم، ماذا ينتظر المسلمون من أميركا بعد أن امتلكت إيران وباكستان الأسلحة المتطورة إلا أن تتحرّك لتخفف الضغط عن إسرائيل، فقامت بمؤامرتها التي باتت مكشوفة في أفغانستان، كي توقع الفتنة بين إيران وباكستان لتفريغ قدراتهما وإمكاناتهما من جميع مقومات الدولة القوية. حينئذٍ يصفو بال إسرائيل والدول الغربية، ويطمئنون جميعهم إلى مصالحهم.
وفي هذا الصدد ينبغي إدراك هذا الواقع الجديد الذي نشأ بعد نجاح باكستان وإيران في تطوير قدراتهما الدفاعية، وهو أنه بعد خمسين عاماً على إنشاء ما يُسمّى بإسرائيل، وزرعها في قلب العالم الإسلاميّ، نرى أن كلاًّ من أميركا والغرب سيعملان على إحداث حالات من الصراع لبث الانقسام وزرع الفتن في العالم الإسلاميّ، وبالتالي على المضيّ أكثر في مداهنة إسرائيل ومجاراتها في مخططاتها، على الرغم من التمرد الذي تبديه إسرائيل تجاه مَن أوجدوها، ولا سيما وقوفها في مجابهة أميركا وخططها لإيجاد حلٍّ لما يسمونه مشكلة الشرق الأوسط، لأنها تريد إقامة دولتها الكبرى من النيل إلى الفرات.
هنا ينبغي أن يأخذ المسلمون حِذْرَهم لتطويق المحاولات التي هدفها زرع الشقاق فيما بينهم. ونلاحظ في مجال الضغط على إيران وباكستان بتلك التصريحات من قبل المستكبرين العالميين بفرض حصار عليهما، وهو ما سيتبعه حكماً في حال إصرارهما على المضيّ في تطوير قدراتهما العسكرية فرض عقوبات عليهما، وبالتالي إحداث فتنٍ داخلية من طريق إثارة النعرات الطائفية بين المسلمين الباكستانيين أنفسهم، أو بين باكستان وإيران، بمحاولة مكشوفة من أمريكا بافتعال مكائد بين كلٍّ منهما وأفغانستان لهذا الغرض.
ولذا فإن من أُولى واجبات المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلاميّ التنبُّه إلى هذه المكائد، وبالتالي الدعوة إلى حكوماتهم أن تفتحَ بلادهم على بعضها البعض، حتى لا يكونوا مهدّدين دائماً من قبل المستكبرين بالحصار الاقتصاديّ.
أخيراً نقول: أيها المسلمون، إن الله تعالى قد بارك بلادكم وحَبَاها أعظم الثروات، وأوفر الخيرات، فاعملوا على أن تستثمروها متحدين، وتوظّفوها فيما يعود على شعوبكم بالعزة والسيادة، وواجهوا المستكبرين متحدين مجتمعين، كما يواجهونكم، وتنبَّهوا لما تحيكه أميركا والغرب وإسرائيل من بذر الشقاق فيما بينكم، لشلِّ قدراتكم، وتصْديع صفوفكم، ومن مخططات خبيثةٍ لتطويقكم واستمرار السيطرة عليكم، ولعل أخطرها هو ذلك المخطط الذي أُطلق عليه تمويهاً «العَوْلَمَة».
ولا بد من الإشارة في الختام إلى أننا قد ألقينا اللوم كثيراً على الغرب ومخططاته، ولكن يجب أن لا نبرِّىء أنفسنا حيث نجد في البلاد الإسلامية أجواء مكفهرّة وتوترات مستمرة، أحياناً تنتهي بالاغتيال وأحياناً بالاقتتال. منها ما صنعناه بأيدينا، ومنها ما حاكه وخطط له عدونا. وما كان لعدونا هذا أن ينجح لو لم نُيسِّرْ ونمهِّد له طريق النجاح لغزونا، والتحكّم بمقدراتنا. ويا للأسف نرى أنّ معظمنا ساكتٌ عما حلَّ به، وعما وصل إليه، وراضٍ أن يكون مطيةً لهذا الغرب المتحكم، الذي ينقل إلينا ما يشاء، وينقلنا إلى حيث يشاء.. وهذا ما يجب تداركه أيها المسلمون.
ونريد في هذه الخاتمة أن نسجّل نظرتنا إلى مستقبل أمتنا الإسلامية التي يريدها الله سبحانه أن تكون أمةً عزيزة، تحمل نور الإسلام إلى جميع الناس، لتُخْرِجهم من ظلمات المبادىء الضالّة المضلّة إلى نور الإيمان الهادي، وذلك لا يتمّ إلا بالعودة إلى استئناف حياتهم على المنهج الإسلاميّ الصحيح، تحت شعار لا إله إلا الله محمد رسول الله. ونحمده جلَّ وعلا أَنْ قد بدأت في الظهور بواكير البُشْرَى لذلك؛ وما الصحوة الإسلامية المباركة التي تعيشها الأمة في تلمّسها طريق الانبعاث من جديد، إلا دليل بيّن على ما تَخْتَزِنُه الأمة في أعماقها من نزوعٍ إلى الحق، ومن إِيمانٍ لا يُحَدّ بنَصْرِ الله تعالى، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *}.
فبحول الله وقوته سيتمكن المسلمون العاملون بكتاب الله وسنة نبيه (ص) من التغلّب على أعدائهم، وسيجعل الله لهم مخرجاً مما يعانون، وينقلب كيد الظالمين إلى نحورهم. قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *} أي جعل له وقتاً معيناً محدداً، وإن أمره لا رادّ له، لقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}..
اللهمَّ علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وبارك هذه الأمة في صحوتها على الإسلام، وأَلْهِمْنَا العملَ بما نستحق أن نكون خير أمةٍ أُخْرِجَتْ للناس، جنوداً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. اللهم أنت وليُّنا ومولانا نسألك باسمك العظيم أن توحِّد بين قلوبنا، وتجمع كلمتنا على الحق والدين وأن تنصرنا على عدوك وعدونا إنك أنت السميع العليم.
والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢