نبذة عن حياة الكاتب
السياسة والسياسة الدولية

واجب الأمة الإسلاميّة
إن الأمةَ الإِسلاميّة، وهي تعتنقُ العقيدةَ الإِسلامية، فكرةً كليّةً عن الكون والإنسان والحياة عقيدةً سياسيةً وقاعدةً فكريّة، ووجهةَ نظرٍ معيّنةٍ في الحياة يجب عليها وهي ترى العالَم بأسره، يتخبطُ هذا التخبط، ويرزحُ تحت نير الظلم السياسيّ والاقتصاديّ، ويخضعُ لعبوديةٍ قوةٍ غاشمةٍ، ويئن تحت كابوس الشقاء والاستعمار والإذلال، أن تأخذَ على عاتقها مهمةَ إنقاذِ العالم، وإخراجِهِ من ظلمات الضلال والتضليل، إلى نورِ الهدى، وسعادةِ الحياة.
إن الأمة الإِسلامية وإن كانت رازحةً هي نفسها تحت نير القوة الغاشمة، فإنه لم يعد جائزًا لها أن تفكرَ في نفسها فحسب، فإن الأنانيّةَ بعيدةٌ عما تعتنقه من عقيدة، وغريبةٌ على ما تحمله في ثنايا نفسها وفي صميمِ فؤادها من قيمٍ وأفكار. لذلك يجب أن تفكَر في إنقاذ العالم مع إنقاذ نفسها، وأن تضطلعَ بمهمة تحرير العالم لا تحرير نفسها وحدها. فإنها جزءٌ من هذا العالم، وهي وُجدت من أجل هدى البشر، وبعد أن اعتنقت الإِسلام، صار فرضًا عليها أن تُنقذَ الإنسانية من الشقاء، وأن تُخَلّصَ البشر من الظلم والتعاسة، ومن الإذلال والاستبعاد.
إن الأمةَ الإِسلاميّةَ تعتنقُ فكرةً أساسيّةً عن الحياة، فكرةً سياسيّةً، وتعتنقُ طريقةً لتنفيذِ هذه الفكرة في الحياة. وإذا ملكت أمةٌ الفكرةَ الصحيحةَ مع طريقتها، فإنها ولا شكّ تكونُ أهلًا لإعطاء الخير وتكونُ أهلًا لحملِ قيادة هذه الفكرة، لذلك فإن الأمّةَ الإِسلاميّةَ قادرةٌ على النهضة الصحيحة وقادرةٌ على أن تكون مصدرًا للخير لغيرها، وبالتالي هي قادرةٌ على حلّ مشكلة العالم، وعلى إنقاذه مما يتردى فيه من الشقاء والاستعباد والذل، بحملِ الدعوة الإِسلاميّةِ إلى الشعوب والأمم.
إن الأمّةَ الإِسلاميّةَ لم تُغلب في تاريخها من أيّ أمة، ولن تغلبَ مطلقًا في صراعها مع الشعوب والأمم، مهما كانت قوةُ تلك الشعوب والأمم. أما ما حصل في الحروب الصليبية من حرب استمرت لغير قرن، فإنه فضلًا عن أن النصر النهائيّ كان للمسلمين، فإنّ الأمّة الإسلاميّةَ لم تصارع الغرب بصفتها أمةً إسلاميّة، وإن كانت الشعوبُ الأوروبيّةُ قد استُنفرت كلّها لمحاربة الأمة الإِسلامية. فإن الواقع هو أن الحربَ كانت محصورةً في بلاد الشام ومصر، والذين حاربوا هم أهل الشام ومصر، والذين انتصروا هم أهلُ الشام ومصر فقط. أما الأمّةُ الإِسلاميّةُ فقد كانت موزعةً إلى ولاياتٍ تشبهُ الدول، ولم تكن لخليفة المسلمين السيطرةُ الكاملةُ على هذه الولايات، فلم تدخل الأمةُ الإِسلاميّةُ في حرب مع الصليبيين، بل دخلت بلادُ الشام وبلادُ مصر ليس غير. وكانت باقي الولايات، غيرَ مشتركة في هذه الحرب، لأن الولاةَ الآخرين، فضلًا عن كونهم مشغولين بتركيز سلطانهم، فإنهم كانوا يَرَوْنَ أن جهادَ العدوّ فرضٌ على الكفاية. وأن بلادَ الشام وبلادَ مصر كافيةٌ لصد العدو عن بلاد الإسلام ـــــــ وكانت كافيةً بالفعل ـــــــ لذلك كان النصرُ النهائيّ للمسلمين، وطُرِد الصليبيون من مصر وبلاد الشام ورجعت سيطرةُ الإِسلام إلى هذه البلاد.
وأما ما حصل في الحرب العالمية الأولى، فإنها لم تكن حربًا صليبيةً ضد الأمة الإسلامة ـــــــ وإن كانت في دوافعها الخفية تجاهَ بلاد الإسلام ـــــــ أشد من الحرب الصليبية الأولى وأكثرَ عمقًا وأشدّ تأثيرًا. ذلك أن إنكلترا وحلفاءها دخلت الحربَ العالمية الأولى ضد ألمانيا، والدولة العثمانية دخلت الحرب إلى جانب ألمانيا، فهي حربٌ بين دول أوروبا اشتركت فيها الدولةُ العثمانية، لذلك لم تُعدّ الأمة الإسلامية أنها حربٌ ضدها، ولم تشترك فيها على الرغم من أنه قد اشترك فيها المسلمون الهنودُ مع الجيش البريطاني، واشترطوا ألّا يحاربوا المسلمين. واشترك فيها إلى جانب الإنكليز الكثير من بلاد العرب ومن رجال العرب مع أنهم في جمهرتهم مسلمون، وإن كانوا قد اشتركوا تحت عامل التضليل. لكن الذي سهل هذا التضليل هو عدمُ ظهورِ أنها حربٌ ضد الأمة الإِسلامية.
فالأمةُ الإِسلاميّة، لم تُغلب في تاريخها مطلقًا بصفتها أمةً إسلاميّة، بل كانت تُعقدُ لها رايةُ النصر المؤزّر في جميع الأحقاب التي حاربت فيها بصفتها أمةً إسلاميّةً، وفَتحت أكثر بلاد العالم القديم الذي كان معروفًا حينئذٍ، وأوجدت هذا العالَم الإِسلاميّ المترامي الأطراف، لذلك فإن الأمّةَ الإِسلاميّةَ قادرةٌ على إنقاذ العالم من هذه القوى الشريرة التي تتحكم فيه وتتسلطُ عليه وتذيقُه ألوانَ الشقاء والذل والاستعباد.
قد يتساءلُ الكثيرون قائلين: إن الأمّةَ الإِسلاميّةَ خاضعةٌ كسائر العالم لهذه القوى الشريرة، وتذوقُ ما يذوقه سائر الناس من السيطرة والشقاء والذل والاستعباد، ويُفرضُ عليها ما يُفرضُ على سائر الناس من السيطرة بجميع أنواعها، السياسية والاقتصادية والثقافية، وحتى العسكرية في بعض الأحيان. فالأحرى أن يُطلبَ منها تحريرُ نفسها من السيطرة والنفوذ لا أن يُطلبَ منها تحريرُ غيرها، وهي أحوجُ الناس إلى التحرير فلو فرضنا أنها قد تحررت فعلًا أو سارت في طريق التحرير فإن مقارعةَ القوى الشريرة تفوق إمكانياتها، فكيف يكون في قدرتها أن تصارعَ هذا القوى؟
قد يتساءلُ الكثيرون هذا التساؤلَ، وقد يسأل الكثيرون هذا السؤالَ، لكن ذلك إذا حصل إنما هو نتيجةُ جهلٍ لطبيعة المسلمين، وعدم إدراك لمدى قوة الإِسلام في الصراع، فضلًا عن كونه مغالطةً أو تضليلًا. أما كونه مغالطةً أو تضليلًا، فإن المستعمرَ، العدوّ اللدود، من جملة أساليبه التضليلية أنه يعمد إلى إلهاء الأمّة بتحرير نفسها لصرفها عن حمل رسالتها للعالم، ويحاول دائمًا أن يوقعها في حبال دوامة من الأفكار والأعمال للتحرير تؤدي إلى زيادة قيودها لا إلى حلها، وإلى تثبيت سيطرته عليها لا إلى تحريرها من سيطرته ونفوذه، لذلك فإن انشغالَ الأمة بنفسها عن حمل الدعوة، إلى العالم لإنقاذه، هو وسيلة من وسائل صرفها عن دعوتها، ووسيلةٌ من وسائل تثبيت هذه السيطرة، وتطويلِ أمدِ بقائها فوق بلاد الإِسلام. ومن هنا كان من الخطأ والخطر على الأمة أن تنشغل بنفسها عن دعوتها، وأن يُلهيَها شأنُها الخاصّ عن العمل لإنقاذ بني الإنسان.
وأما كونه جهلًا بطبيعة المسلمين وعدمَ إدراك لمدى قوة الإِسلام، فإن الإِسلام إذا حلّ من الإنسان في مركز العقيدة، ووجِدت بذرته في النفس البشرية، حوّلت الإنسان إلى شخص أقوى من القوة، وأعلى مرتبةً من الحكماء المفكرين. ولا أدلّ على ذلك من نقلِ العقيدةِ الإِسلاميةِ للعرب وغيرهم من الشعوب من وضع قبليّ بدائيّ إلى أمّةٍ عظيمة تتبوأ القمة.
وهذه الأمةُ العظيمةُ بعد مضيّ أربعة قرون أصبحت تتألف من معظم شعوب العالم.
والإِسلامُ حقّق انصهار العادات والتقاليد ضمن مفهومٍ واحدٍ عن الحياة، فأوجد لدى الأمة الإِسلامية نوعًا من الإِبداع لم تعرفه الكرةُ الأرضيّةُ من قبل. لأن هذه الأمة جمعت بين حناياها مختلفَ العادات والتقاليد والوسائل والأساليب التي كان يمارسها عُمّارُ هذه الدنيا. فخرجت بعقلية فذّةٍ قادرة على فهم جميع المشاكل وقادرةٍ على حلها، يربط أبناءَها مفهومٌ واحد من دون تمييزٍ ولا تفريقٍ يؤمنُ به جميعُ الذين يدينون بهذا الدين. ولا يرى الذي لا يؤمنُ بهذا الدين ضيرًا بأن تُحلّ مشاكلُه على أساسه لأن الإِسلامَ لم يفرّق بينه وبين المسلمِ من الناحية القانونية قطّ بل على العكس يُعدّ واحدًا في التّابعية.
ثم إن تجربةَ الحروب الصليبية كشفت عما في طبيعة المسلمين من قوة خارقة تنزلُ على المسلم فجأة، تنقلُه من مستضعف إلى قوي، ومن مهزومٍ إلى منتصر، ومن أسفلِ دركِ الانحطاط إلى أعلى درجاتِ العلى والمجد. فأصالة المسلمين أصالةٌ أعمقٌ من الزمن، وأثبتُ من الثبات أمام الحدثان فطبيعتهم طبيعةُ الأصيل، والأصيلُ يظلّ أصيلًا مهما لحقه من جوع، ومهما ناله من عسف واضطهاد.
فهذا الإِسلامُ الذي يفعل في النفسية هذا الفعلَ، والذي يُوجِدُ الأصالة في الجيل الذي يعتنقهُ ويحملهُ، ويعمقها في الأجيال مهما طال الزمن، ومهما حصل من ركود، نرى مدى تأثيره يتجاوزُ رؤية البصر، ويتجاوزُ رؤيا البصيرة والإِدراك، لذلك لا يُطلبُ من الأمّة الإِسلامية أن تحررَ نفسها، بل يطلبُ منها أن تحملَ الدعوةَ الإِسلاميّةَ إلى العالم لنشر الهدى فيه، وانقاذه مما يحيقُ به سيطرةٍ وذلٍّ واستعبادٍ، وظلمٍ وضلال. ومن هنا كان لزامًا أن يطلبَ من الأمة إنقاذُ الناس، لا أن تحرّرَ نفسها فقط. فإنها مسؤولةٌ عن الناس ومسؤولةٌ عن نشر الهدى بين بني الإنسان. أما كيف تحررُ نفسها وتنقذُ الناس، فإن ذلك يجب أن يفهمه الناس من لغة الإِسلام التي تسطّر فعالًا، ومن هدى الإِسلام الذي يشعّ عليهم نورًا وضياء. فالسؤال ليس عن الكيفِ، بل هو عن الرؤيةِ، بل عن الإِبصارِ والرؤيةِ، وعن مشاهدةِ الواقع الذي سيكونُ أكبرَ من الخيال.
إن مما يجب على الناس ولا سيما المسلمين أن يدركوه أن الأمةَ الإِسلاميّة أقوى من قوى الشر مهما اجتمعت، وذلك لسببين اثنين:
أحدهما : أنها تملكُ فكرةً كليّةً عن الكون والإنسان والحياة لا يملكُها أحدٌ غيرها، وهي فكرةٌ تُعطي الصورة الحقيقيّةَ عن العالم، وعن الناس، وعن الدول، وعن المجتمعات، وتُعطي في الوقت نفسه الطريقةَ الصحيحةَ للتغلب على دول الاستعمار مهما كانت، لذلك ليس غريبًا على من يملكُ هذه الفكرةَ الكليّةَ أن تكون قواه قوة لا تُغلب.
ثانيها : أن الأمةَ الإِسلاميّةَ تملكُ من القوى المادية ما لا يملكه سواها، وهي قوى جبارة هائلة لا تصل أيَّ قوةٍ إلى مستواها، وهي ملكُها وبتصرّفها، لذلك فإن النصرَ مكفولٌ لها مهما كان وضعُ الصراع الذي تدخل فيه، ومهما كانت القوى التي تصارعها.
إن الموضوعَ هو موضوعٌ واحدٌ ليس غير، ألا وهو الأمةُ الإِسلاميّة. فالأمّةُ الإِسلاميّةُ متى تحركت كان التحريرُ، ومتى اندفعت يكن الإنقاذ، ومتى تكلمت تخرس الجبابرة. فالمسألة كلّها أن تتحرك، ثم تندفعَ، ثم تقولَ كلمتها، فتكونَ السعادةُ والهناءُ، وتكونَ الطمأنينةُ والاستقرارُ، ويعمّ الناسَ التقدّمُ والازدهار. فالأمر كلّه أن تتحركَ الأمةُ الإِسلاميّةُ في هذا الوجود.
إن الأمّةَ الإِسلاميّةَ وهي تؤمنُ عن تصديقٍ جازمٍ مطابقٍ للواقع عن دليل، إيمانًا جازمًا بوجود الله لا يخالجه شكل، تفهم معنى الحياة، وتدرك واجب الحياة. وأنها هي تعتقدُ بأن محمدًا (ص) نبيّ الله ورسولُه، وأنه رسولُه إلى الناس كافة، تفهمُ واجبها نحو نفسها، ومهمتها تجاه بني الإنسان. وإنها قد آمنت بكتاب الله وعرفته، واعتقدت بسنّة محمدٍ (ص) وسيرته وعرفتها، تفهمُ معنى السياسة والحرب، وتعرف كيف تصارع قوى الظلم، وكيف تزلزلُ عروشَ الطغيان.
فهي أدارت موقعةَ بدر، وهي تدرك أهميتها، وتحييها في قلبها. وهي تعرفُ غزوةَ الأحزاب، وكيف تجمعت القوى من المسلمين من قبائلَ شتّى لتمحوَ الإِسلام من الوجود. فليس عجبًا أن تقفَ وحدها في وجه العالم كله، وأن تسلكَ السياسة إلى جانب الحرب، والدهاءَ والحنكةَ إلى جانب الإعداد. وهي تقرأُ قوله تعالى مخاطبًا الرسول عليه الصلاة والسلام {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} [النساء: 84] تدركُ أنها يجب أن تقاتلَ عدوّها مهما بلغ من القوة، وأن تُعِدَّ الوسائل اللازمة لذلك.
وهي تدركُ أن مكّة قد فُتحت بالحرب والصلح معًا، وتعرفُ ما فعله الرسولُ عليه الصلاة والسلام بعد دخوله مكة حين قال: اهتفوا لي بالأنصار، ثم لما حضروا قال لهم: إن قريشًا وبشت أوباشها فاحصدوهم حصدًا، وسحق إحدى كفيه بالأخرى. وهي تدركُ أن الجيوشَ الإِسلاميّة إذا دخلت بلدًا ثم أحسّت أن ذلك البلد يفكّر في الحرب، فإنها يجب أن تسحقَ ذلك البلد سحقًا، وأن تمضي حتى تقضيَ على القوة القضاءَ الأخير. والأمةُ الإسلامية حين تقرأ {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ} [التوبة: 7] تعرفُ أن استقامةَ العدوّ شرطٌ لاستقامةِ المسلمين، وأن المؤمنَ كَيّسٌ فَطِنٌ، وأنه لا يغفلُ من تحرّك عدوّه لو استسلم له، ولو عاهده.
والأمة الإِسلاميّةُ تعرفُ أن الرسول (ص) عقد صلح الحديبية مع المشركين في السنة السادسة للهجرة. وصدر هذا عن مراعاةٍ لضعف قوته عن قوى المشركين، وأنه في السنة التاسعة نزلت عليه سورةُ براءةً أو سورةُ الحرب، فأمر بوضعها بلا بسملة، وأمر عليًّا أن يلحقَ بأبي بكر أمير الحج ليبلّغَ سورة التوبة للناس، وليعلنَ الأوامر الثلاثة المشهورة: لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان مُعَاهَدًا إلى أجل فهو إلى أجله. وأنه بعد أربعة أشهر يجبُ أن يُسْلِمَ المشركون أو يقاتَلون حتى يفنوا: فالإِسلام أو الحرب.
إن الأمّة الإِسلامية وهي تعرف ذلك كله، تدرك أنها إن أعطت تنازلاتٍ من جرّاء عواملَ اضطراريةٍ، فإنه لا يصح أن تسكتَ عليها أبدًا، كما تدركُ أنه لا يصح أن يبقى في داخلها كيانٌ مناقض للإِسلام، ولا أن يرتفع صوتٌ في الأمة سوى صوت الإِسلام. وهي حين تقرأ قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8] تعرفُ أن لا عزةَ لغير الإِسلام في بلاد الإِسلام.
إن الأمّةَ الإِسلاميّة حين تقرأ ذلك وغيره من الكتاب والسنّة والسيرة النبوية، لا شك في أن السياسةَ والحربَ لا تكونُ في معارفها فحسب، ولا تكونُ من دراستها واختباراتها ولا تنبعُ من حاجاتها فقط، بل تكونُ أفكارًا من عقائدها، وأحكامًا من شريعتها، ومتغلغلةً في حنايا نفسها، ومتأصّلةً في دمها وتكوينها. فهي إذا درست سياسةَ الدول الكبرى فإنما تدرسُها كواقعٍ لتعالجَهُ بأفكار الشرع وأحكامه، وتقاومَهُ بما يتطلبه من سياسةٍ وحربٍ وتدركُ كيف تسير، وتعرف أين الدرب. فاستعمارُ الأمّة الإِسلامية، وغزوها، والسيطرةُ عليها، وبسط النفوذ فوق ربوعها، ونهبُ خيراتها.. ليس المقصود منه الوجهَ الماديّ بل المقصودُ الأساسيّ، والدافعُ الأصليّ، بعد أن تمّت هزيمتُها في ميادينِ الحرب والفكر، هو الحيلولةُ دون أن تعودَ مرةً أخرى لحملِ رسالةِ الإِسلامِ إلى العالم، والخوفُ منها من أن تحطّمَ قوى الشر، وتدكّ صروح الطغيان. هذا هو الأساسُ، وهذا هو الأصلُ، وهذا هو وجهُ القضية كلها. فالموضوعُ إذًا ليس الاستعمار فحسب، بل الموضوعُ هو تحطيمُ هذه الأمة تحطيمًا تامًّا أخرى لحمل رسالتها إلى العالم. وإذا كان التاريخُ، وواقعُ ما يجري من التضليل للمسلمين، يكفي برهانًا على أن هذا هو وجهُ القضية وليس الاستغلال ونهب الخيرات، لكنه يمكن أن يُستأنَسَ لرؤية الواقع الحقيقي لوجه القضية بالبصيرة والبصر، بما حصل لألمانيا، وبواقعِ قضية ألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، وانتصار العدوين اللدودين: الدّولِ الشيوعيةِ والدّولِ الرأسماليةِ على ألمانيا، فها هي ذي ألمانيا، الأمّةُ العظيمةُ، والقوةُ المرهوبةُ، قد وقفت منها القوى الشيوعية والقوى الرأسمالية، موقفًا واحدًا هو الحرصُ على عدم إعادتها أمةً عظيمةً كما كانت، حتى لا تشكّلَ خطرًا على الجميع. فالدول الرأسمالية من مصلحتها أن تعودَ ألمانيا قوةً مرهوبةً لتقفَ في وجه الشيوعية وتحرسَ أوروبّا من غزو روسيا، وقد برزت هذه المصلحة جليّةً بعد الحرب العالمية الثانية وحتى أواخر الخمسينيات، لكن إصرارَ روسيا على استمرار خضوع ألمانيا والحيلولة دون رجوعها أمةً كبرى، وخوفَ فرنسا من ألمانيا، وذبذبةَ موقف إنكلترا وخشيةَ أميركا من فقدان التوازن بين دول أوروبا، كلّ ذلك جمع كلمةَ العالم القويّ، على الحيلولة دون أن ترجعَ ألمانيا أمّةً عظيمةً أو أمّةً كبرى. فالدافعُ الأساسي ليس الاستغلالَ وبسطَ النفوذ، واستعمارَ ألمانيا، ونهبَ خيراتها وإن كان ذلك حاصلًا فعلًا، بل الدّافعُ الأساسيّ هو اتقاءُ خطر ألمانيا، ومحافظةُ كلّ دولةٍ من هذه الدول المتفقة ضد ألمانيا على بلادها وأمتها ودولتها. مع أنّ ألمانيا وهي لا تملك فكرةً كليّةً عن الكون والإِنسان والحياة تهدّدُ تلك الأمم، ولا تحملُ دعوةً ساميةً إلى العالم، فكيف بالأمة الإِسلامية التي هي أقوى من ألمانيا بالقوة والعدد والثروة، وهي تملكُ أقوى فكرة، وتحملُ أعظم دعوة.
إن هذا المثل وحده كافٍ لاستئناس به، فضلًا عن التاريخ لإدراك حقيقة الاستعمار، والغزو والسيطرةِ والنفوذ، مما يُصبّ على الأمة الإِسلامية. لذلك فإنه من المحتّم أن تُوضعَ قضيةُ البلاد الإِسلامية في موضعها الصحيح، وأن تُبسط بحسب وجهها الحقيقي، وأن يُعمل لها على أساس أمةٍ إسلاميّةٍ ليس غير.
لقد مرّ استعمارُ الدول العدوة للأمة الإِسلامية، وغزوُها، والسيطرةُ عليها، وبسطُ النفوذ فوق ربوعها، في أدوارٍ نحن في آخرها، وصلت الرصاصةُ التي انطلقت لقتلها مداها الذي تفقدُ فيه حرارتها واندفاعها. والعدوّ يظنّ أن الضحية وصلت دورَ النزع الأخير، والواقعُ أنها لا تزال حيّةً وازدادت معرفةً وقوةً. لذلك فإن تحرّكَها صار أسهلَ من قبل، وأقربَ للنجاح من أي وقت مضى. وحاجةُ العالم إليها وإلى دعوتها وصلت إلى حد الفقر المدقع والجوع الملحّ، لذلك فإنه آن الأوانُ لأن تتحرّكَ الأمّةُ الإِسلاميّةُ وتندفعَ وتزمجرَ لإنقاذِ هذا العالم التعِس.
لقد بدأت غزوةُ أعداء الأمّة الإِسلامية لها منذ القرن الحادي عشر الهجري وهي في أوج قوتها، وفي عنفوان مجدها حيث كان من المسلّمات أن الجيشَ الإِسلاميّ لا يُغلب، وذلك في القرن السابع عشر الميلادي. لكنها بدأت غزوةً فكريّةً لأفراد الأمة الإِسلامية ومجتمعها. ثم لما حصل الانقلاب الصناعي في أوروبا اغتنمه الأعداء فرصةً ذهبيّةً، فاتخذوه وسيلةَ للغزو الفكري، وأداةً للغزو السياسيّ، واستعملوه قوةً للغزو العسكري. ولما أحسّوا عجزهم عن القضاء على الخلافة التي تجمعها، اتخذوا أسلوبَ تقطيع أطرافها. فبدؤوا باقتطاع البلاد الإِسلامية بلدًا بلدًا حتى كانت الحربُ العالميةُ الأولى، فتمكنوا بعد انتصارهم في تلك الحرب من إزالةِ الخلافة وتقطيعِ الأمة الإِسلامية بتجزئةِ بلاد الإِسلام إلى مستعمراتٍ ثم إلى دولٍ وتفريقِ صفوفِ المسلمين إلى شعوبٍ وقوميات، فاستطاعوا الاستيلاءَ على الأمّة الإِسلامية وتحطيمها، وهم يحاولون الإجهازَ عليها لتلفظ النفس الأخير.
فهذه المراحلُ التي مرّت على الأمّة الإِسلاميّة قد وصلت آخرهَا، فالعدوّ قد خرج بقواه العسكرية التي لم تكن لنا طاقةٌ ماديّةٌ قبلها ،وظهر عوارُه الفكريّ وفسادُ وجهةِ نظرهِ للناس جميعًا، وهزل عملاؤُه حتى لم يعد دجلُهم ينطلي حتى على أتباعهم والمنتفعين منهم، وأصبح نفوذُه مخفيًّا بالأثواب الرقيقة المهلهلة التي لا تكاد تخفيه، وتزلزلت أركانُ قواعده التي جعلها رأسَ جسرٍ له مثل دولة اليهود في فلسطين وسواها. لذلك صارت الفرصةُ مؤاتيةً لرفع كابوسه عن الأمّة الإِسلاميّة ولحمل الدعوة الإِسلامية إلى العالم. وهي فرصةٌ عظيمة لكنها طويلةٌ، لا تنقضي بشهور وسنوات، بل إنها تمتدّ إلى عدة سنوات، وهي في كل يوم تكون مؤاتيةً أكثر من اليوم الذي قبله، لأنّ الأعداءَ يزداد انكشافُهم ويزداد انهيارُ تدجيلهم، ويطّرد رفعُ قبضتهم اطّرادًا ظاهرًا. لذلك فإن الأمّة الإِسلامية لا شك في أنها ستتحرك، ولا شك في أنها ستندفع، ولا شك في أنها ستزمجر، فإنها تشاهدُ كل ما مر ويمر بها من كيد أعدائها وبطشهم وتشاهدُ أين وصل استخفاف أعدائها بها، وهذا ما يجعلُنا على مثل اليقين بالنصر العزيز.
إنّ الدّول الكبرى التي تفرض سيطرتها على بلاد الإِسلام، هي أشدّ الدول عداوةً، وأكثرُها خطرًا على بلاد الإِسلام. وهي التي تتحكمُ في العالم وتذيقُه من ألوان الظلم والشقاء. لذلك فإن الأمّةَ الإِسلاميّةَ مكلّفةٌ بإنقاذ العالم من هذه الدول، وبالوقوف في وجه هذه الدول، والدخول معها في صراعٍ سياسيّ لتبليغ الإِسلام ونشر دعوته، ومكلفةٌ بإعداد القوة الكافية للدخول مع أيّ منها في حرب فعليّة إذا اقتضى ذلك حملُ الدعوة أو تحريرُ البلاد الإِسلامية والدفاع عنها. ومن هنا، يكون المسلمون في حالة جهادٍ دائمٍ وكان الجهادُ باقيًا ومستمرًّا حتى قيام الساعة، وكان فرضًا كفرضِ الصلاة، لا يَسقطُ عن أي مسلم حتى تحصلَ الكفايةُ بردّ العدو، أو تحرير البلادِ، أو نشر الدعوة حيث يجب نشرها. ومن هنا كان الجهادُ هو الصفة التي يجب أن تتحول إلى سجيّة من سجايا الأمّة الإِسلامية، لأنه الطريقةُ لحمل الدعوة إلى العالم.
والدولُ الكبرى المتحكّمةُ في العالم هي العملاقان الجباران: أميركا وروسيا، والدولةُ الماكرة الخبيثة هي إنكلترا، ثم فرنسا التي لا تزال تحاولُ تركيزَ نفوذِها في بعض بلاد الإِسلام، ولا تزال تحاولُ بسطَ سيطرتها على بلاد الإِسلام. لذلك كان الصراعُ السياسيّ المستمرّ هو مع هذه الدول جميعها بلا استثناء، وأما باقي الدول فإنها ليست ذات موضوع الآن.
والسؤال الذي يَرِدُ الآن هو: هل يكون الصراعُ مع هذه الدول مجتمعةً، وهذا ليس بالسياسة الحكيمة، أم يكون الصراعُ مع بعضها ويُعاهَدُ بعضها الآخر، حتى لا تتكتّل القوى ضدها؟ والجواب عن ذلك أن الصراعَ يتخذ ناحيتين اثنتين: إحداهما الصراع الفكريّ وهو ما يُطلقُ عليه الصراعَ السياسيّ، والثاني الصراع المادي، ومنه الحربُ الفعلية التي هي الجهاد.
أما الصراعُ الفكريّ، أي الصراع السياسي فإنه يجب أن يكونَ مع جميع هذه الدول مرة واحدة، ولا تُهادَنُ أيّ دولةٍ في هذا الصراع، لأن طبيعةَ التناقض بين مبدأ الإِسلام ومبدأي الرأسمالية والاشتراكية ومنها الشيوعية، تقتضي دوامَ المواجهة بينهما ولأن هذه الدول تجعل الأعمالَ السياسيّةَ طريقةً للسيطرة وبسط النفوذ، لذلك فإن طبيعةَ الواقع الدولي تقتضي دوامَ الصراع السياسيّ مع الجميع.
أما الصراعُ المادي ومنه الحربُ الفعليّة، فإن الأوضاع والأحوالَ هي التي تقرره، وهو الحالةُ الأخيرةُ التي يُلجأ إليها إذا تعذرت أو تعسرت سائرُ الحالات. فالرسولُ (ص)، هادن بعضَ القوى من أجل أن يحاربَ بعضها الآخر، كما فعل في الحديبية وفي موقعة خيبر، وهادن القبائلَ من أجل أن يتفرغَ إلى حرب قريش. ولما أمن شرّ قريش دخل في حرب فعلية مع دولة الروم. فمحاربةُ دولةٍ ومهادنةُ دولةٍ أخرى جائزٌ كما أن محاربةَ الدول المتكتلة مهما بلغت قوّتها جائزٌ كذلك. والذي يقرر هذا إنما هو الأوضاع والأحوال. وما يُسمى بالحرب الباردة حكمُها حكمُ الحرب الفعلية في هذا المجال، لأنها تؤدي إلى الحرب الفعلية، ولأنها لا تُخاضُ إلا إذا كانت القوى الماديّةُ كافيةً للنصر فيما دخلت الدولة التي تشتبكُ معها في حرب باردة، وفي حرب فعلية معنا. فالحربُ الفعليّة وما يُسمى بالحرب الباردة، لا ندخل فيها إلا إذا كانت قوانا نصف قوى عدونا من رجال وعتاد لقوله تعالى: {فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ} [الأنفال: 66] وكنا قادرين على أن نحقق الرهبة للعدو ويجوز لنا أن نقفَ ضده جميعًا إذا تكتلت في حلف واحد، أو أن نعاهدَ بعضها ونقفَ في وجه بعضها الآخر، لا فرقَ في ذلك بين أن يكونَ تكتّلُها للحماية أو التهديد، كما كانت الحال بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية، حتى أوائلِ الستينيات، وبين أن تدخلَ متكتّلةً في حرب فعلية ضدّنا، كما كانت حال الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ضدّ ألمانيا، لذلك فإن موقفنا تجاه هذه الدول الأربع إنما تقرره الأوضاع والأحوال.
والقضيّة التي فرضت نفسها على الأمّة الإِسلاميّة في أواخر الثمانينيات الميلادية هي تحريرُ الأمّة الإِسلاميّة كلّها من سيطرة هذه الدول الأربع، ومن نفوذِها، أي تحريرُها من الاستعمار والنفوذ، ولكن لا يصح أن نخوضَ العراك بشأنها للتحرير، بل يجب أن نخوضَها لحملِ الدعوة إلى العالم وإنقاذه مما هو فيه، والتحريرُ يكون وسيلةً لا غايةً، وأداةً وليس قصدًا، لأن مهمتَنا هي حملُ الدعوة الإِسلاميّة إلى العالم. والتحريرُ أمر بديهيّ من البديهات، إذ الأصل أن نكونَ أمّةً تحملُ الدعوةَ لا أمةً مستعمِرةً. فإن القتالَ حتى يكونَ جهادًا لا بدّ من أن يكونَ لإِعلاءِ كلمة الله، وكلمةُ الله هي حملُ دعوةِ الإِسلام، فحتى الجهادُ يجب أن يكونَ لإعلاءِ كلمة الله. فنحن حين نقاتلُ لتحرير فلسطين أو تحرير جنوب لبنان، أو الجولان، أو أفغانستان، لا نقاتلُ من أجل حجارة المدارس والمساجد ولا تراب الأرض، بل نقاتلُ لإِعلاءِ كلمة الله في أرضه وبين عباده، ولا يتأتى ذلك إلا بالجهاد.
إن العدوّ في الوقت الحاضر لا يقومُ إلا بالأعمال السياسية للاحتفاظ بسيطرته ونفوذه، ولا يلجأ إلى القوّة العسكرية إلا في حالةٍ نادرة، وحين يصبحُ استعمالها لا يشكّلُ إلا في حالةٍ نادرة، وحين يصبحُ استعمالُها لا يشكّلُ خطرًا عليه. لذلك فإن الصراعَ مع العدوّ تكفي فيه الأعمالُ السياسيّة، والاستعدادُ للاستشهاد وإعدادُ القوة لتشكيل الخطر على العدو إذا فكّر في اللجوء للقوى العسكرية. هذان الأمران، وهما: الأعمالُ السياسيّةُ، والاستعدادُ للاستشهادِ في سبيل الله وإعدادِ القوّة الكافية لتشكيلِ الخطر على العدو، كافيان للتحرير أي كافيان لحمل الدعوة والنجاح في التحرير. لذلك ما على الأمّة الإِسلامية إلا أن تحذقَ الأعمالَ السياسيّة، وتُعِدّ العدة الماديّة للجهاد، فالأمر لا يحتاجُ إلى قوة تعادلُ قوى الدولِ الأربع الكبرى، حتى ولا إلى قوةٍ تعادل قوةَ أضعفها. لأن التّحريرَ صارت تكفيه الأعمالُ السياسيّة، والاحتياطُ لما قد يُحتملُ من التدخّلِ العسكريّ المحدود. ولهذا فإنه لا عذرَ لأحدٍ عن النهوض للاضطلاعِ بأعباء التحرير وحملِ الدعوة، ولم يبقَ أيّ مجالٍ ولا أيّ مبررٍ للالتصاق بالأرض والقعود عن العمل.
إن الأعمالَ التي تقومَ بها الدولُ العدوّة في بلاد الإسلام، ليست مقسمةً بينها، ومنفصلةً بعضها عن بعض حتى يقالَ إننا نخاصمُ إنكلترا مثلًا ونهادنُ أميركا، أو نخاصمُ أميركا ونهادنُ روسيا، بل إن العملاقين الكبيرين روسيا وأميركا يحاولان معًا في البلاد الإِسلامية فرض السيطرة وبسطِ النفوذ، وهما وإن اقتسما العالمَ بينهما ومنه بلادُ الإِسلام فإنهما يعملان معًا في العالم كله. وإنه وإن كانت أميركا تصارعُ إنكلترا فإن هذا الصراعَ تنافسٌ على المغانم لا صراع حرب وعداء، وما هما إلا لاعبان يقومان بلعبة بعضهما ضد بعض فأيهما يغلب يربح، وإن كانت مادةُ اللعبة هي بلادَ الإِسلام. ولهذا لا يمكنُ الدخولُ في صراعٍ مع أحدهما ومهادنة الآخر، بل لا بدّ من الدخول في صراعٍ معهما مجتمعَيْن مهما كلّف ذلك من تضحيات.
ومن هنا كان لزامًا على الأمّة الإِسلامية أن تصارعَ الدوّل الأربعَ في آن، من دون أيّ مهادنة، ومن دون أيّ ممالأة، بل من دون أيّ مغازلة أو استمالة. فالموضوعُ هو إخراجُهم من بلاد الإِسلام، وليس هو عداءَ دولةٍ ما، والاستعانةَ بمنافستها ضدها. لذلك كان من الخطأ والخطر ما قام به بعضهم من الاستعانةِ بأميركا لإخراج إنكلترا ومن الاستعانة بإنكلترا لإخراج فرنسا. فالعدوّ لا يُستعانُ عليه بعدوّ، والمستعمرُ لا يُستعانُ عليه بمستعمرٍ آخر، والتفاضلُ بينهما كالتفاضل بين العمى «بالمياه الزرقاء» أو العمى «بالمياه السوداء» وكلّه عمى ولا تفاضلَ في العمى.
والأعمالُ السياسية هي الأعمالُ التي يقامُ بها من أجلِ رعايةِ شؤونِ الناس، سواءٌ أقام بها أفرادٌ أم قامت بها أحزابٌ وتكتلاتٌ، أو قامت بها دولةٌ أو دولٌ. والأعمالُ السياسيّةُ موجودةٌ منذ نشأة الجماعات على الأرض، فالقبائلُ كانت تقومُ بأعمال سياسيّة، والزعماءُ كانوا يقومون بالأعمال السياسيّة، وسيظلُ الناس يقومون بالأعمال السياسيّة ما دام هناك جماعاتٌ ترعى شؤونها، وعلى ذلك فإن القيامَ بالأعمال السياسيّة لا يتوجب مهارةً في السياسة، ولا حذقًا بفنّ الحكم بل في إمكانِ كلّ فرد وكلّ جماعة وكلّ دولة أن تقومَ بالأعمال السياسية، إلا إنّ الأعمالَ السياسيّة التي يجب أن تُوجّهَ إليها العنايةُ الفائقةُ من قِبَلِ أي شعب يريدُ التحرر، ومن قِبَلِ أيّ أمّةٍ تحملُ رسالةً للناس، إنما هي الأعمالُ المتعلّقة بالدول الأجنبية، ولا سيما الأعمال المتعلقة بكفاح الدول الاستعمارية، وباتقاء خطر الدول الطامعة. ومن هنا كان لزامًا على الأمة الإِسلاميّة، وهي تريدُ التحررَ، وتحمل الدعوةَ الإِسلاميّةَ، أن تعطيَ الأعمالَ السياسيّةَ المتعلّقةَ بالدول الأجنبية أهميةً فائقة، وأفضليةً على سائر الأعمال، وأن توضعَ في رأس القائمة من أولويات الأعمال.
وإذا استعرضنا الأعمالَ السياسيّةَ في الماضي والحاضر نجدها تملأ صفحاتِ التاريخ، فالتاريخُ كله أعمالٌ سياسيّةٌ تشغل الدنيا كلّها في الحاضر، وقد كانت أهم عوامل النصرَ للدول، ورفعت منزلةَ الشعوب والأمم، وكانت في كثير من الأحيان تُغني عن الجيوش الجرارة في الفتوحات. فالرسولُ (ص) حين كان يعرضُ نفسه على القبائل، وحين أخذ بيعةَ العقبة الثانية، وحين أرسل عبدالله بن جحش يتحسس أخبار مكة، وحين نهد لأخذ تجارة قريش فكانت هي سببَ موقعة بدر، وحين أرسل نعيمًا يثبّطُ القبائلَ ويثيرُ فيها الشكوكُ والتحسباتِ في موقعة الخندق، وحين ذهب لأداءِ العمرةِ وأقامَ بالحديبية وهادن قريشًا، وحين حكّم سعدًا في بني قريظة، وحين أرسل الدعاةَ إلى القبائل، وحين أرسل الكتبَ إلى الملوك والأمراء يدعوهم إلى الإِسلام، وحين جاء العباسُ بأبي سفيان وهو ذاهبٌ إلى مكة، وحين عقد المعاهداتِ، واستقبل الوفودِ من جزيرة العرب، وحين همَّ بمباهلة النصارى الذين جاؤوه، وحين أمر باجلاءِ بني النضير، وحين عيّن حاكمَ اليمن من قبل فارس حاكمًا عليها بعد أن أسلم، كلّ ذلك وأمثالهُ أعمالٌ سياسيّة، وقُلْ مثلَ ذلك في الخلفاء الراشدين وسائر الخلفاء. فإن ما يغلبُ على أعمالهم بالنسبة إلى الدول الأجنبية إنما هو الأعمالُ السياسيّة. لذلك كان يأمرُ أميرَ الجيش حين يوليه أن يطلبَ من القوم أن يدخلوا في الإِسلام، فإن أبَوْا عرض عليهم الجزية، فإن أبَوْا استخار الله وآذنهم بالحرب. فالحربُ هي آخرُ عمل يُلجأُ إليه، والسياسةُ هي التي يجب أن يُقامَ بأعمالها أولًا، ومن هنا كانت الأعمالُ السياسيّةُ هي من أهم واجبات الأمة، ومن ألزم ما يلزم أن تقومَ به. ومن هنا لم يكن غريبًا أن تكون الأعمالُ السياسيّة من أهم أعمال التحرير، ومن أهمّ أعمال حمل الدعوة الإِسلامية، ولولا الأعمال السياسيّة لما تحقق نشرُ الإِسلام، ولا أمكن حملُ دعوته للناس في هذا العصر. إلاّ إنّ القيام بالأعمالِ السياسية في هذا العصر يقضي بأن تعرفَ الأمة أحوالَ العلاقات بين الدول، وأن تتبّعَ هذه العلاقات، وأن تدركَ خفاياها ومراميَها، وأن تُميزَ بين المناورة وغير المناورة، وأن تفرّقَ بين العمل وأهدافه، وأن تكونَ واقفةً على آخرِ وضعٍ تكون عليه العلاقات، وهذا يقضي بدوامِ تثقيف الأمة تثقيفًا سياسيًّا، وجعلها تتبعُ وتدركُ السياسيةَ الخارجيةَ تتبعًا دائمًا وإدراكًا واقعيًّا، وأن يكونَ حملُ الدعوة الإِسلامية هو الحكم على هذه السياسة، وهو المسيّر لها. فمثلًا لا يكفي أن تعرفَ الأمة أن الموقف الدوليّ قد تغير وأن العلاقاتِ الدوليّةِ صار يشرف عليها ويسيّرُها دولتان اثنتان هما روسيا وأميركا، بعد أن كان يشرفُ عليها ويسيّرها معسكران هما المعسكر الشرقيّ والمعسكر الغربي، بل لا بد من أن تعرفَ أن هاتين الدولتين لا تسيران كما يسير المعسكران، وصار من الممكن أحيانًا أن يصلَ الموقفُ الدوليّ إلى شفير الحرب عندها لا تُوجَدُ قوّةُ تستطيع أن تُوجِدَ الانفراج. لذلك فإن الحربَ بينهما أخطرُ وأقربُ منهما في ما لو بقي الموقفُ الدوليّ معسكرين. وإنه حين كان الموقفُ الدوليّ معسكرين كان من الممكن أن يُوجَدَ معسكرٌ ثالثٌ، وكان من الممكن أن تقومَ دولةٌ فاعلةٌ تستطيع أن ترتفعَ وتنموَ حتى تزحزحَ الدولةَ الأولى في العالم عن مكانتها. ولكن بعد أن صار الموقفُ الدوليّ محصورًا بين عملاقين، صار من العسير أن يُوجَدَ معسكرٌ ثالثٌ، ومن الشاقّ جدًّا أن تنموَ دولةٌ وترتفعَ لأخذ زمام المبادرة من الدولتين. فالمعرفة الإجمالية للقضايا الأساسيّة لا تكفي بل لا بد من الوقوف على كثير من الخفايا والتفاصيل. ومثلًا لا يكفي أن يعرفَ الإنسانُ أن إنكلترا قد نزلت عن مستوى الدولة الكبرى، ولم يَعُدْ لها وجودٌ في النظر في الشؤون الدولية، ولم تَعُدْ قادرةً على التأثير إلا قليلًا في الموقف الدولي. لا يكفي أن يعرفَ ذلك، بل يجبُ أن يعرفَ أن إنكلترا لا تزال موجودةً في مستعمراتها عن طريق الكومنولث وعن طريق العملاء، وأنها لا تزال تتّبعُ الشؤونَ الدوليّةَ وتحاولُ أن تدخلَ فيها، ولا تزالُ محافظةً على ركائزها التقليدية الثلاث، فلا تزال تركضُ وراء أميركا وتحاولُ أن تجعلَها سندًا لها على الرغم من أنّ أميركا تحاولُ إزالة الاستعمار الإنكليزي من الوجود، وتحاولُ إضعاف الإنكليز، ولا تزالُ تحاولُ تسخيرَ أوروبا وحفظَ التوازن بين الدول الأوروبية، فدخلت السوقَ المشتركةَ، وتحاولُ جرّ أوروبا إلى عقد اتفاقياتٍ سياسية تتجاوزُ الناحيةَ الاقتصاديّة. ولا تزالُ هي التي تسيّرُ سياسةَ مستعمراتها السابقة سواءٌ في الكومنولث، أو في الدول التي أعطتها استقلالَها وتركتها حرةً أمام الناس. لا بدّ من أن يعرفَ ذلك حتى يكونَ الحكم على تسيير العلاقاتِ الدوليّةِ حكمًا صحيحًا، وحتى يكونَ موقفُ الأمّةِ الإِسلاميّةِ تجاه الموقف الدوليّ موقفًا سليمًا.
ثم إنها لا بدّ من أن تعرفَ القضايا على حقيقتها فتعرفَ أنّ ما كان يُسمّى حربًا في فييتنام إنْ هو إلا أعمالٌ سياسيّةٌ تتخذُ الأعمالَ العسكريّةَ أداةً من أدواتِ العملِ السياسيّ، وأنّ قضيةَ قبرص ليست بين اليونان والأتراك، وإنما هي بين الإنكليز والأميركان وأنها عملٌ من أعمالِ تصفيةِ القواعدِ الإنكليزيّة في العالم.
كذلك لا يكفي أن تعرفَ القضايا المحلية في لبنان وفي غيره من بلدان العالم على ظاهرها، بل لا بد من أن تدركَ ما وراءها، فمثلًا حين تجد أنّ رئيسًا أميركيًّا نجح في انتخابات الرئاسة الأميركية للمرة الأولى وللمرة الثانية، يجبُ ألّا تساقَ مع تيّار الدعاية بأن الشّعبَ الأميركي مع ذلك الرئيس ـــــــ مثل نيكسون ـــــــ بل يجب أن تستعرضَ الأمورَ السّابقةَ لترشيح نفسه، لقد سبق أن سقط أمام كنيدي حين رُشّحَ لرئاسة الجمهورية ولم ينجح حين رشّح نفسه لحاكمية إحدى الولايات الأميركية وسقط سقوطًا ذريعًا، ثم حلف ألّا يرشّح نفسه بعد ذلك مطلقًا، واشتغل محاميًّا عند الشركات الكبرى. وهذه الشركات هي التي رشّحته وهي التي عملت على إنجاحه في المرة الأولى والثانية. فإن أميركا لا يستطيع الشّعبُ فيها أن ينصّبَ الرئيس الذي يريد، بل أصحابُ الأموال الضخمة والرأسماليون هم الذين ينصبون الرئيسَ وكيلًا عنهم من أجل تشغيل أموالهم.
ومثلًا حين ترى حزب العمال في إنكلترا يهاجم حزب المحافظين ـــــــ وهو في الحكم ـــــــ لقبوله شروطًا مجحفةً لدخوله السوقَ الأوروبيّةَ المشتَرَكَةَ، فإنه لا يصحّ أن تظنّ أن هذا صراعٌ سياسيّ محليّ على الحكم بين حزبين ولا هو غيرةً على مصلحة الإنكليز، بل هو خطّ رجعةٍ لإنكلترا فيما لو لم تستطع تحقيقَ أهدافها من السوق الأوروبية المشتركةَ.
ومثلًا حين ترى أن رومانيا تحاول أن تتصرّف تصرفًا استقلاليًّا وأنها تعملُ على الانعتاقِ من سيطرة روسيا، وأنها أخذت بالتعامل بحرية واستقلالية مع دول العالم وخصوصًا مع أميركا، فإنه لا يصحّ أن تظن أن هذا هو الواقع، بل عليك أن تعلم أن هذا تحريك من روسيا لرومانيا، بموافقة أميركا، من أجل أن تؤدي دورًا رئيسيًّا في العلاقات بين الصين وروسيا، وبين الصين وأميركا، وبين روسيا والعالم.
كذلك فإنه لا بدّ من أن تميزَ القضايا الفرعيّةَ من القضايا الأصليّة، وأن تفرّقَ بين القضايا الاقتصاديّة البحتة والقضايا النقديةِ البحتة، والقضايا الاقتصاديّةِ السياسية، والقضايا النقديّةِ السياسية، وبين القضايا العسكرية العسكرية، والعسكرية السياسية، فلبنان لا يُعدّ إلا قضية عسكرية سياسية، سواءٌ من حيث الدافعُ أو من حيث الهدفُ، أو من حيث الأعمالِ العسكرية نفسها، والأعمال الاقتصاديّةِ والأعمالِ الماليّة.
فهذا الشرح عن واقع الدول الكبرى وعن واجب الأمة الإِسلامية وعن المشاكل الدولية نموذجٌ من الأمثلة للأعمال السياسية الدولية التي تقومُ بها الدول بعضها ضد بعض في الصراع الدولي، وفي الحياة الدولية، إما لنصبِ فخاخ دولية، وإما لإضعاف الدول الأخرى، وإما مناورات سياسية، وإما غير ذلك.. وهو يكون عند الفرد أو الجماعة التجربة السياسية.
وأما الموقفُ الداخليّ فيتلخصُ في أنّ العالمَ الإِسلاميّ قد قسم العرب فيه دويلاتٍ على أساسٍ إقليميّ وطني. وقسم غير العربِ فيه دولًا على أساسٍ قوميّ وطني. وتقومُ على كلّ قسمٍ حكوماتٌ لا يكتملُ فيها معنى الدولة، فلا توجدُ لها سياسةً خارجية مستقلة. ولا تقومُ على عناصرَ فيها مقومات الدولة، كما أن هذه الدول منفردة، لا تملك من المصانع الثقيلة ولا من الموادِ الخام، ما يمكنها من القيام بالتبعات التي تلقى على عاتقها.
هذا من ناحيةِ فهمِ الموقفِ الدولي، وفهمِ الموقفِ الداخلي، أما من ناحيةِ تحويلِ دفةِ سفينةِ الكفاحِ الموجودة شكليًّا في اتجاهِها الحالي، فهو اتجاهٌ خاطئٌ، فضلًا عن كونِهِ لا يعدو القيامَ بأعمالٍ تافهةٍ، لا يمكن أن تؤديَ إلى بناءِ أُمّة.
والمشاهدُ الملموسُ أنّ المسلمينَ يقومون في البلادِ الإِسلامية بحركاتٍ ارتجاليةٍ لا ترقى إلى تسميتِها بحركاتٍ سياسية. ذلك لأنها ليست صادرةً عن فهمٍ سياسيّ، وهي لا تؤدي إلى القيامِ بأعمالٍ سياسيةٍ، وهي في جملتها لا تخرج عن كونِها رجعًا لألمِ الاستعمارِ، كالثوراتِ والاضطرابات والمظاهرات التي كانت تقوم ضد فرنسا وإيطاليا وأميركا وبريطانيا، أو إثارات من عملاءِ المعسكرِ الشرقي، كالأعمالِ التي يقومُ بها الشيوعيون للتشويش على الاستعمارِ الغربي، أو حركات اصطناعية أوجدها الاستعمارُ بأساليبه الخفيةِ لتنفيذ خططِهِ ومآربهِ، كالثورات المصطنعةِ التي تقومُ في البلادِ بتحريضٍ من الدولِ المستعمرةِ ضدّ بعضِها.
فهذه الأعمالُ وما شاكلها، وإن قام بها المسلمون، ليست صادرةً عن وعيٍ حقيقيّ، ولا عن دافع ذاتي. فيجب تغييرُ دفةِ الكفاحِ إلى اتجاهٍ آخر صادر عن وعيٍ سياسيّ يؤدي إلى القيامِ بأعمالٍ سياسية.
نعم إن العالَم اليومَ لا يستسيغَ القيامَ بالأعمالِ السياسيةِ على أساسِ الدين، ولا يألفه كثير من المسلمين، بتأثير الغزوِ الثقافي، لكن ذلك لا يؤثّرُ، لأنه ما أسرعِ أنَ يستسيغَهُ العالم حين يرى كيف أن الفكرَ الإِسلاميّ يوجّه الأعمالَ السياسية، وما أسرعَ ما يضطلعُ المسلمونَ بالاشتغال بالسياسة، على أساسِ الإِسلامِ، حين تزال الغشاواتُ الموجودةُ على أذهانِهم ويفهمون معنى السياسةِ في الإِسلامِ، وحين تعرض عليهم الفروقُ الواضحةُ بين السياسةِ الصادرةِ عن الفكر الغربي، والسياسةِ الصادرةِ عن الفكرِ الإِسلامي.
إن الأفكارَ السياسيةَ في السياسةِ العالمية تناقضُ الأفكار السياسية الإسلاميةَ، ونظرًا إلى عدمِ وجودِ الإِسلامِ في السياسة الدولية، فإن العملَ السياسيّ في الموقفِ الدولي الحالي قائمٌ على نقيضِ العملِ السياسيّ للإِسلام.
لذلك قد يبدو أن جعلَ الدعوةِ أساسًا للعملِ السياسي غيرُ متفقِ مع السياسةِ ومعناها، وأن ما تركز في الأذهان من المفهوم الروحي عن الإِسلام والدعوةِ الإِسلامية، وما تركز في الأذهانِ من المفهومِ عن السياسةِ بأنها عملٌ يقومُ على أساسٍ غير خلقيّ وغير مستقيم ـــــــ كما بينا في أوائل هذا الكتاب ـــــــ يكاد يظهر التناقض بينهما. ولكي يكونَ واضحًا أمر جعلِ الدعوةِ الإِسلاميةِ أساسًا للسياسةِ لا بد من أن يُفهم بوضوح أن السياسةَ هي رعاية شؤونِ الأمةِ داخليًّا وخارجيًّا، وهي تعني نظامَ الحكم وجهازَ الدولةِ، كما تعني علاقةَ الأمةِ بغيرِها من الشعوبِ والأمم.
وهذا المعنى هو المرادُ بالسياسةِ، فالأول هو السياسة الداخليةُ، والثاني هي السياسةُ الخارجية. وقد وضع علماءُ المسلمين في أمهاتِ كتبِ الشريعةِ الإِسلامية للسياسةِ الداخليةِ أبحاثَ الخلافةِ والبيعةِ والقضاءِ إلخ.... ووضعوا للسياسةِ الخارجيةِ أبحاثَ المستأمن والمــُـــعَاهَد وأحكامَ دار الحرب إلخ... وهذه كلها أحكامٌ شرعيةٌ كأحكامِ الصلاةِ والزواجِ والبيعِ وما شابَهَا.
لذا كان قيامُ السياسةِ على أساسِ الدعوةِ الإِسلامية أمرًا حتميًّا لأنها أحكامٌ شرعيةٌ، ولأنها جزءٌ من الدعوة، ولأنها الطريقة لتنفيذ الإسلامِ وحمل دعوتهِ إلى العالم.
فعلى هذا الأساس من الوعي لتعريف السياسة بمفهومها الأصيل في الإِسلام، ندعو جميع المخلصين من هذه الأمة إلى العمل وفق ما بيَّناه سابقًا حين قلنا:
أولًا : إن العمل السياسيَّ القائم على أساس المبدأ الحق هو الذي يحقق وعيًا للأمة ويُطلعها على حقيقة كلِّ دولة ويريها واقعها التي هي عليه.
ثانيًا : إن العمل السياسي الواعي النظيف يجعل الأمة كتلةً واحدة، تمضي لشقِّ طريقها واحتلال مركزها اللائق بين الدول على أساس فهمٍ وعلمٍ ودراية.
ثالثًا : العملُ السياسيُّ يجعل الأمة تسعى لتطبيق مبدئها الذي تعتقده في الداخل، ثم تحمله إلى الناس في الخارج، باعتبار أن مبدأها هو الحلُّ الوحيد لجميع الأزمات القائمة في العالم، وهو الذي يكفل ـــــــ في الوقت نفسه ـــــــ العدل والأمن والرفاهية لجميع الناس في كل زمان ومكان.
والله ولي التوفيق والحمد لله ربِّ العالمين
januvia 100 mg site januvia 100 mg tablet
مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢