نبذة عن حياة الكاتب
السياسة والسياسة الدولية

من أُسس النظام السياسي في الإسلام
الإِسلام نظام شامل كامل رضيه الله تعالى للمسلمين دينًا يصلون به أمور حياتهم الدنيا، وتصلح به أيضًا آخرتهم بعد الموت. وهو يختلف عن سائر الأنظمة الأخرى اختلافًا كبيرًا، بل لا مجال للمقارنة بينه وبين سواه، لأن الإِسلام دين الله وشرعه أنزله رحمة للعالمين وهدىً لهم ونورًا، وهو تعالى اللطيف الخبير بعباده {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، وما سواه فمن وضع البشر ونتاج أفكارهم القاصرة المتأثرة بالبيئة والتقليد، والمنجرفة مع هوى النفس الأمّارة بالسوء.
لهذا كان الإسلام نظامًا فريدًا جامعًا، واقعيًّا معقولًا، يقوم على أُسس لا يقوم على مثلها سواه. ومن أهمها:
أولًا ـــــــ الولاء لله تعالى وحده:
فإن الإسلام يربي المسلم على أن يكون ولاؤه المطلق لخالقه الذي بيده مقاليد كل شيء، وذلك باتباعه ما جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (ص). وهذا الولاء لا يكون صحيحًا إلا بالاستسلام الكلي لحكم الله تعالى، كما قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65]. وهذا الاستسلام ينبغي أن يكون وليد محبة لله ولرسوله لا تعدلها محبة. وذلك بأن يكون الله ورسوله أحب إلى المؤمن من سواهما.
ثانيًا ـــــــ التشريع لله وحده:
فإن بيان الحلال والحرام وتحديدهما في كل أمر وشأن لله تعالى وحده، لا مشرع سواه. فقد بين لنا على لسان رسوله محمد (ص) الأحكام والتشريعات وأمرنا بالحكم بما أنزل وحذّر من الإِعراض عن حكمه وشرعه وإلا وقع المعرضون في ضلال كبير، فلا يجوز لأحد ـــــــ وخصوصًا الحاكم ـــــــ أن يترك حكمًا من أحكام الشريعة الإسلامية ليحكم بهواه أو بهوى غيره.
فالحلال كل ما لم يحرمه الشرع الحنيف والحرام ما حرمه. والحلال حلال إلى يوم القيامة، والحرام حرام إلى يوم القيامة. لا يملك أحد تغيير شيء من ذلك ولا تبديله.
فليس في النظام السياسي الإِسلامي ما يسمّى اليوم «المجالس التشريعية أو السلطة التشريعية» لأن هذه المجالس أوجدتها واستحدثتها أنظمة متحكمة لتكون أداة بيدها تبرر أهواء الحاكمين وتوهم الشعوب بأن ما قرره هؤلاء هو موافق لإِرادتهم ومشيئتهم، وبأن في تلك القوانين صلاح أمورهم. وذلك عكس الواقع تمامًا، فلذلك كثرت الثورات والانقلابات العسكرية وعمليات الاستيلاء على السلطة. وكلها تحصل تحت شعار إلغاء القوانين والأنظمة السابقة الجائرة ـــــــ كما يقولون عنها ـــــــ ثم يأتي النظام الجديد بقوانين جديدة وتشريعات أخرى وفق هواه هو، وتكون بسببها البلية أعظم، فيأسف الناس على العهود السابقة لأنها كانت أقل سوءًا وضررًا. ومن الأسف حقًّا أن ينسى كثير من الناس أن الحكم والتشريع وفق الهوى ضلال أيًّا كان ذلك الحاكم أو ذلك الذي يسمّي نفسه «مشرعًا» وسواء أكان فردًا أم مجلسًا فيه جماعة أو تجمع، فالهوى لا تختلف نتائجه، واتباع الهوى ضلال، لذلك أعلم الله تبارك وتعالى نبيه محمدًا (ص) بأن من لم يستجب له وحده فهو ضال فقال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50].
ثالثًا ـــــــ الخليفة ومعاونوه منفذون للأحكام الشرعية ولا يشرعون:
فإن الجهاز الإِسلامي الحاكم الذي تولى الحكم بصورة شرعية مسؤول عن تنفيذ أحكام الشريعة والدفاع عنها وصون حرمتها من العبث والانتهاك، لأن الأحكام الشرعية معلومة واضحة وشاملة، فليس على الخليفة أو أميره إلا أن يطبق على كل قضية حكمها الشرعي إن كان يعلمه وإلا فعليه أن يستفتي أهل العلم عملًا بقوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
فالحاكم في الإِسلام ليس مستبدًّا برأيه أي: ليس «ديكتاتورًا» يتحكم في الناس بهواه، لكنه مسؤول مؤتمن مأمور برعاية شؤون الرعية طبقًا لشرع الله تعالى، فإذا خرج الحاكم عن سبيل الإِسلام فقد ظلم وعصى الله تعالى بهذا الظلم، وإن كان تركه الحكم بما أنزل الله جحودًا أو استهزاء به أو اعتقادًا بعدم صلاحه فقد كفر وخرج عن الملة. وفي أيّ حال فإن الحاكم إذا أخطأ وجب على المسلمين نصحه وتنبيهه ليعود إلى الحق ويرجع إلى الصواب. وما دام الجهاز الحاكم لا يحكم وفقًا لهواه بل طبقًا لأحكام الشرع فإن مجال التناصح بين الراعي والرعية مفتوح على أوسع نطاق، إذ لا يشعر الحاكم المنصوح بأنه يهان بالنصيحة، ولا يتوهم الناصح أنه يتعالى بنصيحته، بل كلاهما يعتقد أنه يطبق الشرع ويعمل به، هذا بالنصيحة وذاك بقبولها، فتتلاشى بذلك العقد النفسية بين المسؤولين والشعب، ويسود الود والإِجلال والاحترام. وهذا ما بينه الرسول (ص) في الحديث الشريف حيث يقول (ص) خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم. وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويعلنونكم) رواه الإِمام مسلم.
رابعًا ـــــــ الشورى:
أي: أن يكون ثمة مجلس من أهل الحل والعقد من علماء الأمة وفقهائها، يرجع إليهم الحاكم في ما لا نص فيه من الأمور المستجدة. أما أحكام الشرع الواضحة الصريحة التي لا خلاف فيها فلا مجال للشورى بخصوصها ولا يجوز حتى مجرد التردد في تطبيقها. لأنها حكم الله، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].
ومبدأ الشورى في الإِسلام ليس أخذًا برأي فرد أو هوى جماعة في حكم من الأحكام، بل هو استنساب لما فيه مصلحة المسلمين مثل وضع الخطط الاقتصادية أو الحربية كما حصل قبيل معركة بدر الكبرى زمن النبي (ص) حيث نزل الرسول (ص) بالمسلمين في مكان من بدر، فقام الحباب بن المنذر فقال: يا رسول الله أهذا منزل أنزلك الله إياه فليس أن نتقدم عنه أو نتأخر، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فأجابه (ص): (بل هو الرأي والحرب والمكيدة) فأشار عليه بتغيير ذلك المكان والنزول في مكان آخر، وهكذا حصل فكان ذلك من أسباب قوة المسلمين وثباتهم في تلك المعركة الفاصلة.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢