نبذة عن حياة الكاتب
علم اصول الفقه الميسر

الفصل السابع - الأحكام الشرعية
الأحكام الشرعيَّة
الأحكام الشرعية هي خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، كالإجارة والبيع والربا والكفالة والوكالة وإقامة الحاكم، وإقامة حدود الله تعالى، وكون الشاهد عدلًا، وكون الحاكم رجلًا وليس امرأة وما شاكل ذلك... فهذه كلها أحكام شرعية.
أما التوحيد والنبوَّة والبعث، وصدق الرسول، وعصمة الأنبياء، وكون القرآن كلام الله تعالى، والحساب والعذاب وما شاكل ذلك... فهذه من العقيدة، لأن العقائد أفكار تصدَّق، والأحكام الشرعية خطاب يتعلق بفعل الإنسان، فركعتا الفجر ـــــــ مثلًا ـــــــ حكم شرعي من حيث إنهما صلاة، والتصديق بكونهما من الله تعالى عقيدة. وعليه فهناك فرق بين العقيدة والحكم الشرعي.
أما العقيدة في اللغة فهي ما عُقد عليه القلب. ومعنى «عُقِدَ عليه» جُزم به، أي صُدِّق يقينًا.وهذا عام يشمل التصديق بكل شيء. غير أنَّ التصديقَ بالشيءِ يُنْظَرُ فيه إلى ما يصدَّق به، فإن كان أمرًا أساسيًّا، أو متفرِّعًا من أمر أساسي، فإنه يصح أن يسمى عقيدة، لأنه يصح أن يتخذ مقياسًا أساسيًّا لغيره، فيكون لانعقاد القلب عليه أثر ظاهر. وإن كان ما يُصدق به أمرًا غير أساسي، أو غير متفرع من أمر أساسي فلا يكون من العقائد، لأن انعقاد القلب عليه لا يكون له أي أثر، بحيث لا يدفع الاعتقاد به إلى اتخاذ موقف معين. أما إذا كان للاعتقاد به، أي لانعقاد القلب عليه أثر يدفع لتعيين موقف معين تجاهه من التصديق أو التكذيب، فيكون من العقيدة لأنه يكون من الأمور الأساسية أو الأمور التي تفرعت من أمر أساسي.
وتُعَرَّفُ العقيدةُ، تبعًا لذلك، بأنها الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة، وما قبل الحياة الدنيا وما بعدها، وعلاقتها بما قبلها وما بعدها. وهذا تعريف لكل عقيدة وأما الحكم الشرعي بحسب تعريف علماء أصول الفقه فهو:
خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو بالتخيير أو الوضع.
وتبنى على هذا التعريف للحكم الشرعي الملاحظات التالية:
1 ـــــــ قيل الشارع، ولم يُقَلْ خطاب الله تعالى، ليشمل السنّة النبوية من حيث كونه دالًّا على الخطاب حتى لا يُتَوَهَّم أنَّ المرادَ به فقط آيات القرآن، لأن السنّة وحي، فهي إذًا من خطاب الشارع.
2 ـــــــ قيل المتعلق بأفعال العباد ولم يُقَل: المكلَّفين ليشمل الأحكام المتعلقة بالصبي (دون البلوغ) والمجنون ومَن في حكمهما، في بعض الأحكام كالزكاة في أموالهما.
3 ـــــــ متعلقًا بالاقتضاء : أي متعلقًا بالطلب لأن معنى الاقتضاء الطلب.

4 ـــــــ متعلقًا بالتخيير : أي الإباحة.
5 ـــــــ متعلقًا بالوضع : ليشمل ما كان سببًا، وما كان مانعًا، وما كان شرطًا، وما كان صحيحًا، وباطلًا وفاسدًا، وما كان رخصة وعزيمة.
وهكذا يتبين أن هنالك فرقًا بين العقيدة والحكم الشرعي.
فإدراك الفكر والتصديق بوجود واقعه أو عدم وجوده يُعدّ عقيدةً، وإدراك الفكر واعتباره معالجة لفعلٍ من أفعال الإنسان أو عدم اعتباره معالجةً يُعدّ حكمًا شرعيًّا؛ فلأجل اعتبار الفكر معالجة يكفي الدليل الظني. أما التصديق بوجود واقع الفكر فلا بد له من الدليل القطعي.
أنواع الحكم الشرعي
في القرآن الكريم ثلاثة أنواع من الأحكام:
1 ـــــــ الأحكام الاعتقادية، وهي التي تتعلق بالعقيدة كالإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر...
2 ـــــــ الأحكام الخلقية، وهي التي تتصل بالفضائل التي يجب أن يتحلى بها العبد، أو بالرذائل التي يتوجب الابتعاد عنها.
3 ـــــــ الأحكام العملية وهي بدورها على نوعين:
(أ) أحكام تتعلق بالعبادات، أي بالعلاقة ما بين الإنسان وربِّه كالأحكام المتعلقة بالصلاة والصوم والزكاة والحج ونحو ذلك.
(ب) أحكام تتعلق بالمعاملات، أي بالعلاقة ما بين الإنسان والإنسان، وعلاقة الإنسان بالمجتمع أو علاقة الأمم بعضها ببعض... وهذه الأحكام تتناول العقود والمعاهدات والجنايات والعقوبات؛ وهي بحسب الاصطلاح الحديث قد تتنوع لتشمل الأحكام التالية:
1 ـــــــ أحكام الأحوال الشخصية وهي التي تتعلق بتنظيم الأسرة من حيث علاقة الزوج بزوجته والقريب بقريبه...
2 ـــــــ الأحكام المدنية وهي التي تتعلق بمعاملات الأفراد ومبادلاتهم كالبيع والإجارة والرهن والكفالة والوكالة والحوالة والشركة والقرض والصرف وغير ذلك مما فيه تنظيم للحقوق والعلاقات المدنية كافة.
3 ـــــــ الأحكام الجنائية وهي التي تتصل بالجرائم التي يرتكبها الفرد والعقوبات المترتبة على هذه الجرائم.
4 ـــــــ أحكام المرافعات وهي التي تتعلق بكل ما فيه تحقيق العدالة والمساواة بين الناس كأحكام القضاء وأصول المحاكمات وغيرها.
5 ـــــــ الأحكام الدستورية وهي الأحكام التي تنبثق عن القرآن والسنَّة كونهما الأساس للحكم في النظام الإسلامي، وهي تشمل كل ما يحدد علاقة الحاكم بالمحكوم ويقرر حقوق الفرد وحقوق الجماعة وعدد نظام الحكم وأُسُسَه.
6 ـــــــ الأحكام الاقتصادية وهي التي تتصل بتنظيم العلاقات بين مختلف القطاعات الاقتصادية، وبين العامل وصاحب العمل، وحقوق الفقراء، وواجبات الأغنياء في دفع الضرائب وما إلى ذلك.
7 ـــــــ الأحكام الدولية وهي الأحكام التي تتعلق بتنظيم العلاقات بين الدول كالمعاهدات، والأسس التي يجب أن تبنى عليها علاقات الدول الإسلامية بعضها ببعض، من ناحية، وبغيرها من الدول الأخرى في أوقات السلم والحرب.
هذا فيما يتعلق بالأحكام التي يمكن تبيّنها من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة.
أما فيما يتعلق بالحاكم فلا خلاف لدى جميع المسلمين على أن من صدرت عنه الأحكام الشرعية لجميع أفعال العباد هو الله سبحانه وتعالى، فهو الشارع وهو الحاكم، سواء ظهر حكمه في فعل العبد مباشرة من النصوص التي أوحى بها إلى رسوله محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، أم في الأحكام التي يستنبطها المجتهدون من الأدلة الشرعية. فالحاكم هو الله عز وجل؛ كما هدانا إليه كتابه المبين بقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [سورة الأنعام: 57].
والدليل الشرعي على أن الحكم لله تعالى هو أن الشرع التزم التحسين والتقبيح لأمره باتِّباع الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وذم الهوى. لذلك كان من المقطوع به شرعًا أن الحسن ما حسَّنه الشرع، والقبيح ما قبَّحه الشرع، من حيث المدح والذم. والحكم على الأفعال والأشياء بالمدح والذم هو لتعيين موقف الإنسان منها؛ فهو بالنسبة إلى الأشياء يبيِّن هل يجوز له أخذها أو يحرم عليه هذا الأخذ، ولا يتصور غير ذلك في الواقع. ولما كان الحكم لا يجوز أن يكون إلَّا لشرع الله تعالى الذي شرعه لعباده، فقد وجب إذًا أن تكون أحكام الأفعال بالنسبة إلى الإنسان، وأحكام الأشياء المتعلقة بها، راجعة إلى الشرع وحده. ويمكن لمن أراد الاستفاضة في هذا البحث الرجوع إلى كتابنا «لمن الحكم» إذ يجد فيه الأدلة التي تبيِّن أن مصدر الأحكام الشرعية هو الله سبحانه وتعالى، وأن ما عداها من أحكام إنما تكون بفعل العقل الإنساني.
وأما فيما يتعلق بالحكم الشرعي ــــــ بحد ذاته ـــــــ من حيث إنه خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، فقد كان من الواجب أن يثبت الخطابُ، وتبيان معنى هذا الخطاب.
وخطاب الشارع هو ما جاء في الكتاب والسنّة من أوامر ونواهٍ. لذلك كان فهم الحكم الشرعي متوقفًا على فهم الكتاب والسنّة، فإنهما أصل التشريع ومصدر الأحكام.
وخطاب الشارع يفهم بالنص وبالقرائن التي تعيِّن معنى النص، فليس كل أمر للوجوب، ولا كل نهي للتحريم، فقد يكون الأمر للندب أو للإباحة، وقد يكون النهي للكراهة.
ويظهر من تتبُّع جميع النصوص والأحكام أن الأحكام الشرعية يمكن تصنيفها إلى خمسة أنواع:
1 ـــــــ الفرض، ومعناه الوجوب، وهو قسمان: فرض عين كالصلاة والصوم، وفرض كفاية إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين كالجهاد وحمل الدعوة إلى الإسلام، والصلاة على الجنازة.
2 ـــــــ الحرام ومعناه المحظور.
3 ـــــــ المندوب ومعناه المستحب.
4 ـــــــ المكروه ومعناه المنهيُّ الذي لا ذم على فعله.
5 ـــــــ والمباح ومعناه التخيير، لأن خطاب الشارع إما أن يكون طلبًا للفعل، أو طلبًا للترك، أو تخييرًا بين الفعل والترك. والطلب بذاته إما أن يكون جازمًا فهو الفرض أو غير جازم فهو المندوب؛ وإن كان طلب الترك جازمًا فهو الحرام، وإن كان غير جازم فهو المكروه وطلب التخيير هو المباح.
وفي اصطلاح الأصوليين تنقسم الأحكام الشرعية نوعين: الحكم التكليفي والحكم الوضعي.
أولًا ـــــــ الحكم التكليفي:
وهو ما اقتضى طلبَ فعله أو تَرْكه من العبد أو تخييره بين فعله وتركه.
ـــــــ والمثال على ما اقتضى طلب فعله من العبد قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة: 103]، وقوله تعالى: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [سورة آل عمران: 97]. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة: 1]، وما شاكل ذلك...
ـــــــ والمثال على ما اقتضى ترك الفعل قول الله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ} [سورة الحجرات: 11]. وقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَيُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [سورة الإسراء: 32]. وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ} [سورة المائدة: 3] وما شاكل ذلك...
ـــــــ والمثال على التخيير بين القيام بالفعل وتركه قول الله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [سورة المائدة: 2]. وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [سورة الجمعة: 10]. وقوله تعالى: {فَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ}[سورة النساء: 101].
أقسام الحكم التكليفي:
الحكم التكليفي هو الذي ينقسم خمسة أقسام: الواجب ـــــــ الحرام ـــــــ المندوب ـــــــ المكروه ـــــــ المباح.
والمطلوب فعله: الواجب والمندوب.
والمطلوب تركه أو الامتناع عن فعله: الحرام والمكروه.
والمخيّر بين الفعل والترك: المباح.
وسوف نوضح كلًّا من هذه الأقسام على النحو التالي.
أولًا ـــــــ الواجب:
1 ـــــــ تعريف الواجب: الواجب شرعًا هو ما طلب الشارع فعله من العباد طلبًا محتومًا، بحيث إن صيغة الطلب ذاتها تدل على هذه الحتمية، أو على حتمية ترتب العقوبة على تركه.
فالله سبحانه وتعالى عندما قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [سورة البقرة: 183] جعل الصيام واجبًا، لأن الصيغة التي طلب بها الصيام فرضت حتميته على المكلف.
وعندما قال الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَأَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [سورة النساء: 24] جعل إيتاء الزوجات أجورهن أي مهورهنَّ واجبًا.
ومثل ذلك إقامةُ الصلاة، وإيتاءُ الزكاة، وحجُّ البيت، وبرُّ الوالدين، وغيرُها من الأوامر التي وردت صيغة الأمر بها مطلقة، فإذا ما تركها المكلَّف، وهي المفروضة عليه شرعًا، استحق العقاب على هذا الترك. وعلى هذا فإن كل ما دلَّت عليه القرينة من أن الطلب جاء أمرًا جازمًا كان الفعل المقابل للطلب واجبًا، سواء أكانت القرينة هي صيغة الطلب نفسها أم كانت أمرًا خارجًا عن صيغة الطلب.
2 ـــــــ ما لا يتم الواجب إلَّا به: ما لا يتم الواجب إلَّا به قسمان:
ـــــــ أحدُهما أن يكون وجوبه مشروطًا بذلك الشيء. والثاني أن يكون وجوبه به غير مشروط به.
أما ما يكون وجوبه مشروطًا به فإن تحصيل الشرط ليس واجبًا، فالواجب هو ما أتى الدليل بوجوبه كفرض صلاةٍ معينة، فإنه مشروط بوجود الطهارة، بمعنى أن الطهارة ليست واجبة من حيث خطاب الصلاة، بل هي شرط لأداء الواجب. والواجب في الخطاب إنما هو الصلاة إذا وجد الشرط.
وأمَّا ما يكون وجوبه مطلقًا فهذا ينقسم قسمين:
أحدهما أن يكون في وسع المكلَّف أن يقوم به.
والثاني أن يكون غير مستطيع القيامَ به.
أما ما في وسع المكلَّف أن يقوم به فإنه واجب بنفس الخطاب الذي طُلب به الواجب، ووجوبه كوجوب الشيء الذي جاء خطاب الشارع به تمامًا من غير فرق. وذلك كغسل اليدين إلى المرفقين فإنه لا يتم القيام بالواجب، إلا بغسل جزء منهما، لأن الغاية تدخل في المــُغِيّا، ويتوقف حصول هذا الواجب على حصول جزء من الغاية، لذلك كان غسل جزء من المرفقين واجبًا، ولو كان الخطاب لم يأتِ به، لكنه أتى بما يتوقف وجوده عليه، فيكون خطاب الشارع شاملًا الواجب الذي لا يمكن القيام إلَّا به. وتكون دلالة الخطاب عليه دلالة التزام. لذلك كان واجبًا.
وهكذا كل شيء لا يتم القيام بالواجب إلَّا به ولم يكن شرطًا فيه فهو واجب، وهذا إذا كان في استطاعة المكلَّف أن يقوم به. وأما إذا لم يستطع المكلَّف أن يقوم به فإنه غير واجب وذلك لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [سورة البقرة: 286]. ولقوله، صلى الله عليه وآله وسلم: «وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» لأنه لا يجوز التلكيف بما لا يطاق، لأن التكليف به يقتضي نسبته الظلم إلى الله، سبحانه وتعالى، وهو لا يجوز، لأنه عزّ وجلّ تنزَّه عن الظلم. والحاصل أن الأمر بالشيء يكون أمرًا بما لا يتم ذلك الشيء إلَّا به.
3 ـــــــ أقسام الواجب: تقسم الواجبات المفروضة على العباد، شرعًا، أربعة أقسام:
1 ـــــــ الواجب من حيث وقت أدائه، وهو مؤقت أو مطلق.
فالواجب المؤقت هو ما أمر الشارع القيام به في وقت معيَّن كأوقات الصلاة، وصوم شهر رمضان، فمثل هذه الواجبات يجب القيام بها في أوقاتها، وقس على ذلك كل واجب عيَّن الشارع له وقتًا لأدائه.
أما الواجب المطلق فهو ما لم يعيِّن الشارع وقتًا محددًا لأدائه كالكفارة الواجبة على الحنث باليمين، فيمكن للحانث أن يؤدي هذه الكفارة مباشرةً بعد الحنث، أو في وقتٍ آخر؛ وكالحج إلى البيت الحرام فليس محددًا بعام مضى. والواجب المؤقت إذا قام به صاحبه في وقته كاملًا، مستوفيًا أركانه وشروطه سمّي فعلُه أداءً. أما إذا قام به بصورة غير كاملة، وأعاده في وقته فقد سمّي فعله إعادة، وإذا فعله بعد وقته سمّي فعله قضاءً. فمن صلَّى صلاة الظهر مثلًا في وقتها كانت صلاته أداءً للواجب، ومن صلَّاها في وقتها بالتيمم لعدم وجود الماء للوضوء، ثم وجد الماء فتوضأ وصلَّى قبل انقضاء وقت الصلاة كانت صلاته إعادة؛ أما إذا لم يتمكن من القيام بصلاة الظهر في وقتها، وصلَّاها بعد المغرب، فصلاته قضاءً. والواجب المؤقت إذا كان وقته يسعه ويسع غيره من جنسه سمّي هذا الوقت موسَّعًا وظرفًا. فوقت صلاة الظهر مثلًا هو وقت موسَّع، أي إنه يمكن أن يؤدي المكلَّف خلاله فريضة الظهر وأي صلاة أخرى، كما يمكن أن يؤدي فريضة الظهر في أي جزء منه.
أما إذا كان وقت الواجب المؤقت يسعه ولا يسع غيره من جنسه فيسمى هذا الوقت مضيَّقًا ومعيارًا، مثل شهر رمضان، فهو مضيق ولا يسع إلا صوم رمضان، وإذا كان وقته لا يسع غيره من جهة ويسع غيره من جهة أخرى سمّي الوقت ذا الشبهَين، مثل الحج فإن أشهره لا تسع غيره من ناحية أن المكلف لا يحج في العام إلَّا حجًّا واحدًا، ويسع وقته غيره من ناحية أن مناسك الحج لا تستغرق كل أشهره.
ويتفرع من ذلك أن الواجب الموسَّع وقته يجب على المكلَّف به أن يعينه بالنية حين أدائه في وقته، فإن صلَّى وقت الظهر أربع ركعات ونوى بها أداء فريضة الظهر كان أداؤها واجبًا، أما إذا لم ينوِ بالصلاة أداء واجب الظهر، فلا تكون صلاته أداءً لواجب. وإذا نوى التطوع كانت صلاته تطوعًا. وفي الواجب المضيق وقته لا يجب على المكلَّف أن يعينه بالنية في حين أدائه في وقته، لأن الوقت معيار له لا يسع غيره من جنسه، فإذا نوى في شهر رمضان الصيام مطلقًا، ولم يعين بالنية الصيام المفروض انصرف صيامه إلى صيام المفروض، ولو نوى التطوع لم يكن صومه تطوعًا بل كان المفروض لأن شهر رمضان لا يسع صومًا غيره.
والواجب المعيَّن وقته يأثم المكلّف بتأخيره عن وقته بغير عذر، لأن الواجب المؤقت هو واجبان: فعل الواجب، وفعله في وقته. فمن فعل الواجب بعد وقته فقد فعل أحد الواجبين وهو الفعل المطلوب وترك الواجب الآخر، وهو فعل في وقته، فيأثم بترك هذا الواجب بغير عذر. والواجب المطلق عن التوقيت ليس له وقت معين لفعله، وللمكلف أن يفعله في أي وقت شاء ولا إثم عليه في أي وقت.
2 ـــــــ الواجب من حيث المطالبون بأدائه، وينقسم بدوره قسمين:
واجب عيني، وواجب كفائي:
الواجب العيني هو المفروض على الفرد، ولا يجوز قيام مكلَّف به عن مكلَّف آخر كالصلاة والزكاة والحج والوفاء بالعهود واجتناب الخمر والميسر.
والواجب الكفائي هو ما طلب الشارع فعله من مجموع المكلَّفين به شرعًا، وليس من كل فرد منهم وحدَه، فإذا قام به بعضهم سقط عن الباقي، وإذا لم يقم به أحد من المكلَّفين أَثِمُوا جميعًا بإهمال هذا الواجب. ومن الأمثلة عن الواجب الكفائي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلاة على الميت، والجهاد، وبناء المستشفيات والمدارس، وأداء الشهادة، وتلبية حاجات المحتاجين وردّ السلام وما إلى ذلك من الواجبات المفروضة على مجموع الأمة، لأن مصلحة هذه الأمة تتحقق عند قيام بعض أفرادها بها، وليس على قيام كل واحد بها. أي إن على مجموع الأمة أن تعمل على أداء الواجب الكفائي، فعلى القادر عليه أن يقوم به بنفسه وماله، وعلى غير القادر عليه أن يحث القادرَ ويحمله على القيام به. وفي حال إهمال الواجب يأثم الجميع، يأثم القادر لإهماله القيام بالواجب، ويأثم غيره لإهماله حثه وحمله على فعل الواجب وقد ينقلب الواجب الكفائي واجبًا عينيًّا في بعض الحالات، كما لو أنَّ مريضًا احتاج إلى طبيب ولا يوجد في البلد إلَّا طبيب واحد، فإسعاف هذا المريض في حال عدم وجود طبيب هو واجب على أبناء البلد جميعًا من ناحية نقله إلى الطبيب أو المستشفى أو إعانته بما هم قادرون عليه، لكن هذا الواجب الكفائي على أبناء البلدة ينقلب واجبًا عينيًّا على الطبيب عندما لا يكون في البلدة غيره من الأطباء.
3 ـــــــ الواجب المحدد مقدارهُ، والواجب غير المحدد مقدارُه.
الواجب المحدد هو ما عيَّن له الشارع مقدارًا معلومًا بحيث لا تبرأ ذمة المكلَّف به إلَّا إذا أداه بمقداره المعيّن. فكل فريضة من الصلوات الخمس محدد عدد ركعاتها، وتكون ذمة المكلف مشغولة بها حتى تؤدى بعدد ركعاتها وأركانها وشروطها. ومثلها الزكاة والديون المالية، وثمن المشترى، وبدل الإيجار، والنذر المحدد وما إلى ذلك...
والواجب غير المحدد هو ما لم يعيِّن له الشارع مقدارًا معلومًا، بل مطلوب من المكلَّف بغير تحديد، كالإنفاق في سبيل الله تعالى، والتعاون على البر، والتصدق على الفقراء، وإطعام الجائع، وإغاثة الملهوف، وما إلى ذلك من الواجبات التي لم يحدد لها الشارع مقدارًا معيَّنًا، بل فرضت لسد الحاجات؛ أما مقدار ما تسد به الحاجة فيختلف باختلاف أنواع الحاجات، والمحتاجين والأحوال.
والواجب المحدد يترتب دينًا في الذمة، وتجوز المقاضاة به؛ والواجب غير المحدد لا يترتب دينًا في الذمة ولا تجب المقاضاة به، لأن الذمة لا تشغل إلا بشيء محدد، والمقاضاة لا تكون إلَّا على شيء معين.
ولهذا فإن من رأى أن نفقة الزوجة الواجبة على زوجها، أو نفقة القريب الواجبة على قريبه، هي من الواجب غير المحدد لأنه لا يعرف مقدار النفقة الواجب عليه دفعها، لذا فإنَّ ذمة الزوج، أو القريب، لا تكون مشغولة بهذه النفقة قبل القضاء بها أو الاتفاق عليها رضاءً؛ وليس للزوجة أن تطالب بها إلا بعد القضاء أو الرضاء. فإذا حكم بها أو تراخى الطرفان عليها تحدد مقدارها وصحت المطالبة بها. وكذلك الأمر فيما يتعلق بنفقة القريب...
ومن رأى أنها من الواجب المحدد، المقدر بأموال الزوج، أو بما يكفي القريب، قال إن هذه النفقة واجب محدد بذمة الزوج، أو بذمة القريب، فتصح المطالبة بها عن مدة قبل القضاء، أو الرضاء، لأن القضاء أظهر مقدار الواجب ولم يحدده.
4 ـــــــ الواجب المعيّن، والواجب المخيّر.
الواجب المعيَّن هو ما طلبه الشارع بعينه، كالصلاة والصيام، ورد المغصوب، ولا تبرأ ذمة المكلف إلّا بأدائه بعينه.
والواجب المخيّر هو ما طلب الشارع أداءه بأحد وجوهه وليس بها جميعًا، مثل أداء الكفارة، فإنَّ الله تعالى أوجب على من حنث في يمينه أن: يطعم عشرة مساكين، أو يكسوهم، أو يعتق رقبة. فالواجب أي واحد من هذه الثلاثة، ويعود الخيار فيه للمكلف، ومتى أداه تبرأ ذمته من الواجب.
ثانيًا ـــــــ المندوب:
تعريفه:
المندوب هو ما طلب الشارع فعلَهُ من المكلف طلبًا غيرَ إلزاميٍّ، بل كانت صيغة طلبه نفسها لا تدل على أي إلزام فيه، أو اقترنت بطلبه قرائن لا تدل على الإلزام.
فإذا طلب الشارع بصيغة تدل على الأمر فهو الواجب، مثل: كتب عليكم، فرض عليكم، وقضى ربك...
وإن كان طلب الشارع بصيغة الأمر، لكن القرينة دلت على أن الأمر للندب، كان المطلوب مندوبًا، كقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [سورة البقرة: 282]. فإن الأمر بكتابة الدين للندب، لا للإيجاب، بدليل القرينة الموجودة في الآية نفسها، وهي قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [سورة البقرة: 283]. فهذه القرينة تشير إلى أن للدائن أن يثق بمدينه ويأتمنه من غير كتابة الدين عليه ـــــــ وكقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [سورة النور: 33]، فمكاتبة المالكِ عبدَه من المندوب، لأن القرينة أن المالك حر التصرف في ملكه.
وإذا كانت الصيغة لا تدل على طلب الأمر، أو غير الأمر، فإنه يستدل بالقرائن على أن المطلوب هو من الواجب أو المندوب. وقد تكون القرينة نصًّا، وقد تكون ما يؤخذ من القواعد الكلية للشريعة، وقد تكون ترتيب العقوبة على ترك الفعل أو عدم ترتيبها. لهذا كان المندوب ما لا يستحق تاركه العقوبة، ويستحق العتاب.
أقسامه:
ينقسم المندوب ثلاثة أقسام:
1 ـــــــ مندوب مطلوب فعله على وجه التأكيد، لكن تاركه لا يستحق العقاب، ولا يستحق اللوم والعتاب، ومن ذلك المندوبات التي تعدّ مكملة للواجبات، مثل الآذان للصلاة، أو أداء الصلوات الخمس جماعة، ومنه كل ما واظب عليه الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، من شؤونه الدينية، ولم يتركه إلا مرة أو مرتين ليدل على عدم إلزاميته مثل المضمضة في الوضوء، وقراءة آية أو سورة بعد الفاتحة في الصلاة. ويسمى هذا القسم السنّة المؤكدة أو سنّة الهدى.
2 ـــــــ مندوب مشروع فعله، وفاعله يثاب عليه، لكن تاركه لا يعاقبَ ولا يلام عليه؛ كالتصدق على الفقير، أو صيام يوم الخميس من كل أسبوع، أو صلاة ركعات زائدة على الفرض؛ ومنه أيضًا ما لم يواظب الرسول على فعله، بل قام به مرة أو أكثر، وتركه. ويسمى هذا القسم السنّة أو النافلة.
3 ـــــــ مندوب زائد، وهو ما يعد من الكماليات للمكلف. ومنه الاقتداء بالرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، في أموره العادية بصفته إنسانًا يأكل ويشرب ويمشي وينام ويلبس. فالاقتداء بالرسول في مثل هذه الأمور يعد من محاسن المكلف وشدة حبه لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم. ولكن من لم يقتدِ بالرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، في مثل هذه الأمور لا يعد مسيئًا ويسمى هذا القسم مستحبًّا وأدبًا وفضيلة.
ثالثًا ـــــــ المحرَّم:
تعريفه:
المحرَّم هو الأمر الصادر عن الشارع للمكلَّف بالكف عن الفعل بصورة جازمة؛ أي بأن تكون صيغة الطلب نفسها دالَّة على الأمر الجازم مثل قول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْميْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ} [سورة المائدة: 3]. وقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 151] إلى قوله تعالى: {لَعَلَكُمْ تَتَقُون}.وقوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ} [النساء: 19]... أو يكون النهي بما يدل على الجزم، مثل قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [سورة الإسراء: 32].
أو يكون الأمر بالاجتناب مقترنًا بالجزم مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [سورة المائدة: 90]. أو أن يترتب على القيام بالفعل عقوبة كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [سورة النور: 4].
وهكذا فإن التحريم قد يستفاد من: صيغة خبرية تدل عليه، أو صيغة طلبية هي نهي، أو صيغة طلبية هي أمر بالاجتناب، فالقرينة تعيّن أن الطلب للتحريم.
أقسامه: المحرَّم قسمان: محرَّم بذاته، ومحرَّم بعارض.
فالمحرم بذاته هو فعل حكمه الشرعي التحريم من الابتداء، أي ورود التحريم منذ البدء على ذات الفعل كالزنى والسرقة، وزواج إحدى المحارم مع العلم بالحرمة، وبيع الميتة، والصلاة بغير طهارة... وغير ذلك مما حُرِّم تحريمًا ذاتيًّا لما فيه من مفسدة أو ضرر.
وأما المحرَّم لعارض فهو فعل حكمه الشرعي ابتداء الوجوب أو الندب أو الإباحة لكن عارضًا اقترن به جعله محرَّمًا، كالصلاة في ثوب مغصوب، أو الإقامة في مسكن بالتعدي، أو البيع الذي فيه غش، أو الزواج المقصود به مجرد تحليل الزوجة لمطلقها ثلاثًا، أو صوم الوصال، أو الطلاق البدعي أو غير ذلك من المحرمات التي لا يكون فيها التحريم لذات الفعل، بل لأمر خارجي، أي إن الفعل بحد ذاته لا مفسدة فيه ولا مضرة، لكن عارضًا اقترن به جعل فيه مفسدة أو مضرة.
ويبنى على ما تقدم أن المحرم أصلًا لذاته لا يصلح سببًا شرعيًّا، ولا تترتب عليه أحكام شرعية بل يكون باطلًا. ولهذا كانت الصلاة بغير طهارة باطلة، وبيع الميتة باطلًا... والباطل شرعًا لا يترتب عليه حكم. وأما المحرَّم لعارض، فهو في ذاته مشروع ويصلح سببًا شرعيًّا وتترتب عليه آثاره، ولهذا كانت الصلاة في ثوب مغصوب صحيحة، ومجزئة وهو آثم للغصب. والبيع الذي فيه غش صحيح، وهو آثمٌ للغش ومعاقبٌ عليه. والعلة في هذا أن التحريم لعارض لا يقع به خلل في أصل السبب، ولا في وصفه ما دامت أركانه وشروطه مستوفاة. أما التحريم لذاته فهو يجعل الخلل في أصل السبب ووصفه بفقد ركن من أركانه، أو شرط من شروطه، فيخرج عن كونه مشروعًا.
رابعًا ـــــــ المكروه:
المكروه هو ما طلب الشارع من المكلَّف الكفَّ عن فعله طلبًا غير جازم، كما إذا ورد أن الله تعالى كره لكم كذا، أو كان النهي فيه للكراهة وليس للتحريم، كما في قول الله تعالى: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [سورة المائدة: 101]، أو كان أمرًا بالاجتناب ودلت القرينة على الكراهة. فالمطلوب إذًا الكف عن فعله. وإنْ كان صيغة طلبه تدل على أنه طلب جازم فهو المحرم مثل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...} [سورة المائدة: 3] وإن كانت صيغة طلبه تدل على أنه طلب غير جازم فهو المكروه. وإن كانت الصيغة نهيًا مطلقًا، أو أمرًا بالاجتناب مطلقًا، فالقرائن هي التي تدل على أنه طلب جازم أو غير جازم، ومن القرائن ترتيب العقوبة أو عدم ترتيبها على الفعل. لذلك يُعدّ الأصوليون المحرم ما استحق فاعله عقوبة، والمكروه ما لا يستحق فاعله عقوبة وقد يستحق اللَّوم.
خامسًا ـــــــ المباح:
المباح هو ما خُبِّر المكلَّف بين فعله أو تركه، أي لم يطلب الشارع من المكلف أن يفعله، ولم يطلب أن يمتنع عنه.
وتارة تثبت الإباحة بالنص الشرعي، كما إذا نص الشارع على أنه لا إثم في الفعل، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [سورة البقرة: 229] وقوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء} [سورة البقرة: 235]. وكما إذا جاء النص بالأمر ودلت القرائن على أن الأمر للإباحة كما في قول الله تعالى: {وَإذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [سورة المائدة: 2] وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [سورة الجمعة: 10] وقوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ} [سورة الأعراف: 31].
وتارة تثبت الإباحة أصلًا، فإذا لم يرد نص على حكم العقد أو التصرف أو أي فعل، ولم يقم دليل شرعي آخر على حكم فيه، كان هذا العقد أو التصرف أو الفعل مباحًا إباحة أصلية، لأن الأصل في الأشياء الإباحة.
هذه هي الأقسام الخمسة للحكم التكليفي على ما ذهب إليه جمهور الأصوليين.
أما علماء الحنفية فقد قسموا الحكم التكليفي سبعة أقسام لا خمسة:
فالمطلوب فعله عندهم ثلاثة أقسام: الفرض، والواجب، والمندوب.
والمطلوب تركه عندهم ثلاثة أقسام: المحرم، والمكروه تحريمًا، والمكروه تنزيهًا.
والمباح وهو القسم السابع.
وبما أن نصوص القرآن كلها قطعية الورود ولهذا يثبت بها عند الحنفية الفرض والتحريم والندب والكراهة. وأما السنّة فما كان منها قطعي الورود، وهو المتواتر، وفي حكمه المشهور، فيثبت به أيضًا ما يثبت بالقرآن. وما كان منها ظني الورود، وهو خبر الآحاد، فلا يثبت به فرض ولا تحريم، ويثبت به ما عداهما من أنواع الأحكام التكليفية.
والفعل الواحد قد تعتريه هذه الأحكام كلها أو بعضها بحسب ما يلابسه، فمثلًا: الزواج قد يكون فرضًا على المسلم إذا قدر على المهر والنفقة وسائر الواجبات الزوجية، وتيقن من نفسه أنه إذا لم يتزوج زنى. ويكون واجبًا إذا قدر على كل الواجبات الزوجية وخاف أنه إذا لم يتزوج زنى. ويكون مندوبًا إذا كان قادرًا على الواجبات الزوجية، وكان في حال اعتدال لا يخاف أن يزني إذا لم يتزوج. ويكون محرمًا إذا تيقن أنه إذا تزوج يظلم زوجته ولا يقوم بحقوق الزوجية. ويكون مكروهًا تحريمًا إذا خاف ظلمها.

ثانيًا ـــــــ الحكم الوضعي:
خطاب الوضع:
إن كل لفظ يدل على معناه الخاص يسمى «وضعًا» ويسمى الممارس له «واضعًا» واللفظ «موضوعًا»، والمعنى «موضوعًا له».
وبعد أن يوضع اللفظ لمعنى يصبح تصور اللفظ سببًا لتصور المعنى، ويسمى استخدام اللفظ لإدخال معناه في ذهن السامع: استعمالًا. فاستعمال اللفظ في معناه يسمى «مستعملًا» والمعنى يسمى «مستعملًا فيه»، وإرادة المستعمل لإدخال المعنى في ذهن السامع عن طريق اللفظ تسمى «إرادة استعمالية».
وعلى هذا فإنّ الأفعالَ الواقعةَ في الوجودِ قد جاءَ خطابُ الشّارعِ وبيّنَ أحكامَها ووضعَ لهذهِ الأحكامِ ما تقتضيهِ من أمورٍ يتوقّفُ عليها تحقّقُ الحكمِ أو يتوقّفُ عليها إكمالُهُ أي إنها وُضعتْ لما يقتضيهِ الحكمُ الشرعيّ. فخطابُ الاقتضاءِ والتخييرِ أحكامٌ لفعلِ الإنسانِ، وخطابُ الوضعِ أحكامٌ لتلكَ الأحكامِ فَتُكسبُها أوصافًا معيّنةً، وكونُها كذلكَ لا يُخرجُها عن كونها مُتعلقةً بأفعالِ الإنسانِ، لأنّ المتعلقَ بالمتعلِّقِ بالشّيءِ متعلّقٌ بذلكَ فيكونُ الاضطرارُ سببًا في إباحةِ الميتةِ، وزوالُ الشمسِ أو غروبها أو طلوعُ الشّمسِ سببًا في إيجابِ الصلاةِ.
كلُّ ذلك خطابٌ من الشّارعِ متعلقٌ بالحكمِ وهو إباحةُ الميتةِ، وإيجاب الصلاةِ. أمّا ما جاءَ منَ الأحكامِ الكليّةِ ابتداءً كالصلاةِ والصومِ والجهادِ مِنْ حيثُ هيَ، فإنّ خطابَ الوضع في هذه الأحكامِ هو وصفُها من حيثُ كونها أحكامًا كلّيةً ومِنْ حيثُ إنها شُرِّعتْ ابتداءً فكانَ هذا الوصفُ خطاب الوضعِ ولذلك كانتِ العزائمُ من أحكامِ الوضعِ وتُعدّ هيَ والرّخَصُ قسمًا واحدًا، لأن العزائمَ أصلٌ وتتفرعُ منها الرخصُ. وأما ما يتعلّقُ بآثارِ العملِ في الدنيا فإنّ خطابَ الوضعِ يظهرُ من حيثُ هذه الآثارُ، فمثلًا نقولُ: الصلاةُ صحيحةٌ إذا استوفتْ جميعَ أركانها، ونقولُ: البيعُ صحيحٌ إذا استوفى جميعَ شروطِهِ، ونقولُ: الشركةُ صحيحةٌ إذا استكملتِ الشروطَ الشرعيّةَ، فهذا وصفٌ للحكمِ من حيثُ أداؤه لا من حيثُ تشريعُهُ، وقد جاءَ الشارعُ بذلكَ فعدَّ البيعَ صحيحًا والصلاةَ صحيحةً. وكذلكَ إذا فَقَدَ البيعُ الإيجابَ أو فقدتِ الصلاةُ الركوعَ أو فقدتِ الشركةُ القبولَ فإنها تكونُ حينئذٍ باطلةً، فبُطلانُها وصفٌ للحكمِ من حيثُ أداؤه لا من حيثُ تشريعُهُ، وقد جاءَ الشارعُ بذلكَ فعدّها باطلةً، ومن هنا كانتِ الصّحةُ والبطلانُ قسمًا واحدًا، لأنّ خطابَ الشارعِ فيهما يتعلّقُ بحكمٍ واحدٍ إما صحيحًا أو باطلًا لأن الصحة أصلٌ والبطلانَ مترتبٌ على أحكامِ الصحةِ.
أقسام الحكم الوضعي
هذا هو خطابُ الوضعِ وهو متعلقٌ بأمر يقتضيهِ الحكمُ وهو خمسةُ أقسام: السببُ، الشرطُ، المانعُ، الصحةُ والبطلانُ، والعزائمُ والرخصُ.

السَّبَب:
السببُ في اصطلاحِ المتشرّعينَ هوَ كلّ وصفٍ ظاهرٍ منضبطٍ دلَّ الدليل السمعيُّ على كونِه معرّفًا لوجودِ الحكمِ لا لتشريعِ الحكمِ، كجعلِ زوالِ الشمسِ أمارةً لوجودِ الصلاةِ في قوله تعالى: {أَقمِ الصّلاةَ لدَلوكِ الشمسِ}. وفي قوله، صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا زالتِ الشمسُ فصلّوا» وليسَ هوَ أمارةً لوجوبِ الصلاةِ، وكجعلِ طلوعِ هلالِ رمضانَ أمارةً معرّفةً لوجودِ صومِ رمضانَ في قولِه تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ منكمُ الشهرَ فَلْيصمْهُ} وقولِهِ، صلى الله عليه وآله وسلم: «صومُوا لِرؤيتِهِ». وهكذا فالسّببُ ليس موجبًا للحكم بل هو معرّفٌ لوجودِهِ. وواقعُ السببِ أنّهُ وُضعَ شرعًا للحكمِ الشرعيِّ لحكمةٍ يقتضيها ذلكَ الحكمُ. فحصولُ النّصابِ سببٌ في وجودِ الزّكاةِ. والعقود الشرعيّةُ سببٌ في إباحةِ الانتفاعِ أو انتقالِ الأملاك، فالشّارعُ شرّعَ الحكمَ الشرعيَّ للمكلّفِ وكلّفَ بهِ ووضعَ أماراتٍ تدلّ على وجودِ الحكمِ. فهذهِ الأماراتُ هيَ الأسبابُ الشرعيّةُ، فالسببُ هو إعلامٌ ومعرّفٌ لوجودِ الحكمِ لا غيرَ، لأنّ الذي أوجبَ الحكمَ هو الدليلُ الذي وردَ فيهِ والذي عرّفَ وجودَ هذا الحكمِ الذي دلّ عليهِ الدليلُ هو السببُ. وهذا بخلاف العلّةِ، فإنّ العلةَ هيَ الشّيءُ الذي مِنْ أجلهِ وُجدَ الحكمُ، فالحكمُ شرع بها فهيَ الباعثُ عليهِ وهيَ سببُ تشريعهِ لا سببُ وجودهِ. فهيَ دليلٌ من أدلةِ الحكمِ، مثلُها مثلُ النصّ في تشريعِ الحكمِ، فهيَ ليستْ أمارةً على الوجودِ بل هيَ أمارةٌ معرّفةٌ لتشريعِ الحكمِ وذلكَ كالإلهاءِ عن الصلاةِ المستنبطِ من قولهِ تعالى: {إِذَا نُودِيَ للصلاةِ منْ يومِ الجمعةِ فاسعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله وذروا البيع} فإنّ الإلهاءِ قد شُرّعَ من أجلهِ الحكم وهوَ تحريم البيعِ عند آذانِ الجمعةِ، لذلكَ كانَ علةً وليس سببًا، بخلافِ دلوكِ الشمسِ فليسَ علةً لأنّ صلاة الظّهرِ لم تشرع من أجلهِ، وإنما هوَ أمارةٌ على أنَّ الظهرَ قد وجبَ وجوده.
الشرط:
الشرطُ ما كانَ وصفًا مكمّلًا لمشروطِهِ فيما اقتضاهُ الحكمُ في ذلكَ المشروطٍ، فالإحصانُ في رجمِ الزّاني الـمُحْصِنِ مكمّلٌ لوصفِ الزّاني، فهو شرطٌ في الزّاني حتى يجبَ رجمُهُ فيكونُ ممّا اقتضاهُ المشروطُ. والوضوءُ مكمّلٌ أيضًا لفعلِ الصلاةِ، وهكذا، سائرُ الشروطِ. والشرطُ مغايرٌ للمشروطِ لأنّه مكمّلٌ له وليسَ جزءًا من أجزائهِ، وبهذا يختلفُ عن الركنِ، لأنّ الركنَ جزءٌ من أجزاء الشّيءِ، وليس بمنفصلٍ عنه، وقد عُرّفَ الشّرطُ بأنّهُ ما يلزمُ من عدمهِ العدمُ، ولا يلزم من وجودِه وجودٌ.
المانِع:
المانعُ هو السببُ المقتضي لعلّةٍ تُنافي علّةَ ما منعَ. أي هوَ كل وصفٍ منضبطٍ دلّ الدليلُ السمعيُّ على أنّ وجودَهُ اقتضى علّةً تنافي علّةَ الشيءِ الذي مَنَعَهُ وذلكَ مثل «الدَّين». فإنّه مانعٌ منْ وجوبِ الزّكاةِ معَ اكتمالِ النصابِ وحلولِ الحولِ. ومثلُ قتلِ العمدِ العدواني فإنّهُ مانعٌ منَ الميراثِ مع وجودِ سببِ الإِرْثِ وهو القرابة.
وعلى هذا يكونُ المانعُ نقيضَ السببِ. والموانعُ قسمانِ:
1 ـــــــ ما لا يتأتى وجودُهُ معَ الطلَبِ، أي إنّهُ يمنَعُ منَ الطّــلَبِ ومنَ الأداءِ كزوالِ العقلِ بنومٍ أو جنونٍ، فإنّهُ يمنعُ طلبَ الصلاةِ والصومِ والبيعِ وغيرِها منَ الأحكامِ كما يمنَعُ من أدائها. والحيضُ والنفاسُ أيضًا، فإنّهُ يمنَعُ منَ الصلاةِ والصومِ ودخولِ المسْجِدِ ويمنعُ منْ أدائهِ، فهو مانعٌ من أصلِ الطــّلبِ لأنّ النقاءَ منَ الحيضِ والنفاسِ شرطٌ في الصلاةِ ودخولِ المسجِدِ.
2 ـــــــ ما يمكنُ اجتماعُهُ معَ الطلبِ أي إنّهُ يمنعُ منَ الطلبِ ولا يمنعُ من الأداءِ كالأنوثةِ بالنسبة إلى صلاةِ الجمعةِ في المسجد، والبلوغ بالنسبةِ إلى الصومِ. فإن الأنوثةَ مانعٌ من طلبِ صلاةِ الجمعةِ والصغرَ مانعٌ من طلبِ الصلاةِ والصومِ على الصبيّ، لأن صلاةَ الجمعةِ لا تجبُ على المرأةِ، والصلاةَ والصومَ لا تتوجبان على الصبيِّ، فإن قامتِ المرأةُ بصلاةِ الجمعةِ، وقامَ الصبيّ بالصلاةِ والصومِ صحت منهما لأن المانعَ مانعٌ من الطلبِ لا من الأداءِ. وجميعُ أسبابِ الرخصِ موانع من الطلبِ لا منَ الأداءِ.
الصّحَة والبُطلانُ وَالفساد:
الصحّةُ موافقةُ أمرِ الشارع. وتُطبَقُ ويرادُ بها ترتّبُ آثارِ العملِ في الدنيا، كما تُطلقُ ويُرادُ بها ترتُّبُ آثارِ العملِ في الآخرةِ.
فاستيفاءُ الصلاةِ لأركانها وشروطِها عندَ المصلي، تكونُ صلاةً صحيحةً، فتقولُ: الصلاةُ صحيحةٌ بمعنى مُجزيةٍ ومبرئةٍ للذمّةِ ومسقطَةٍ للقضاءِ.
واستيفاءُ البيعِ جميعَ شروطهِ يُكوّنُ البيع صحيحًا فتقولُ: البيعُ صحيحٌ، بمعنى أنّهُ محصلٌ شرعًا للملكِ، ويُباحُ الانتفاعُ والتصرفُ في المملوكِ. هذا منْ حيثُ ترتّبُ آثار العملِ في الدنيا. أمّا من حيثُ ترتّبُ آثار العملِ في الآخرةِ فتقولُ: هذه الصلاةُ صحيحةٌ بمعنى أنّهُ يُرجى عليها الثوابُ في الآخرةِ.
البُطْلان:
البطلانُ ما يقابلُ الصحّةَ، وهو عدمُ موافقة أمْر الشارع. ويُطلَقُ ويُرادُ به عدمُ ترتبِ آثار العملِ عليه في الدنيا، والعقاب عليه في الآخرة، بمعنى أن يكونَ العملُ غيرَ مُجْزٍ ولا مبرّئٍ للذمّة، ولا مُسقِطٍ للقضاء، فإن كان الذي باشره واجبًا لا يسقط عنه، ولا تبرأ ذمته منه، وإن كان سببًا شرعيًّا لا يترتب عليه حكمه، وإن كان شرطًا لا يوجد المشروط. وبالنسبة إلى الصلاة إذا تُركَ ركنٌ من أركانها كانت صلاةً باطلةً. وبالنسبة إلى البيع إذا فقدَ شرطًا من شروطه كانَ بَيعًا باطِلًا، ويترتّبُ على البطلان حرمةُ الانتفاع، ويعاقَبُ في الآخرة، لذلكَ كانتْ للبُطْلان آثارٌ في الدنيا، يترتّبُ عليها آثارٌ في الآخرة.
الفَسَاد:
وأمّا الفسادُ فيختلفُ عن البُطلان، لأنّ البطلانَ عدمُ موافقة أمر الشارع من حيثُ أصلُهُ، أي إنّ أصلَهُ ممنوعٌ، أو إنَّ الشرطَ الذي لم يستوفه مُخِلّ بأصل الفعل، بخلاف الفساد فإنّه في أصلِه موافقٌ لأمْر الشارع، لكنّ وصفَهُ غيرَ المخلّ بالأصل هو المخالفُ لأمر الشّارع.
فبيعُ الملاقيح ـــــــ مثلًا ـــــــ باطلٌ من أساسه، لأنّهُ منهيّ عنْ أصلِه بخلافِ بيعِ الحاضرِ لبادٍ، فإنّهُ بيعٌ لجهالةِ البادي للسعر، ويخيّرُ حينَ يرى السوقَ، فلهُ إنفاذُ البيعِ ولهُ فَسْخُهُ.
العَزيمَة والرّخصَة:
العزيمةُ ما شُرّعَ من الأحكام تشريعًا عامًّا وألزم العبادُ بالعمل به.
والرخصةُ ما شُرّعَ من الأحكام تخفيفًا للعزيمةِ لِعُذْرٍ مع بقاءِ حكم العزيمة ولا يلزمُ العبادُ العملَ به.
والرخصةُ حتى تُعدّ رخصةً شرعًا لا بدّ من أن يدلَّ عليها دليلٌ شرعيّ، فإنها حكمٌ شرّعه الله سبحانه وتعالى لعذرٍ.
فالصومُ مثلًا عزيمةٌ، والفطرُ للمريضِ رخصةٌ، وغَسلُ العضو في الوضوء عزيمةٌ، والمسحُ على العضو المجروح رخصةٌ، والصلاةُ قيامًا عزيمةٌ، والقعودُ في الصلاةِ عند العجزِ رُخصةٌ. وهكذا فالعزيمةُ ما كانَ تشريعُهُ عامًّا فلا تختصُّ ببعض المكلفينَ من دونِ بعضهم الآخر، ولا يخيّرُ بينَ العملِ بها والعملِ بغيرها بل يُلزم بالعملِ بها وحدها.
والرخصةُ ما كانَ تشريعُهُ طارئًا لعذرِ فيكونُ تشريعهُ معتبرًا ما وُجِدَ العذرُ ولا يُعتَبَرُ إذا زالَ العذرُ.
والرخصةُ من حيثُ تشريعُها رخصةٌ حكمها الإِباحة فإذا استمرّ على العمل بالعزيمة انتهى العملُ إلى الحرم. والذي يؤخذ من النصوص أن الرخص إنما شرّعت للتخفيف عن المكلف بإباحة فعل محرم أصلًا. ومعنى الإباحة أنه لا إثم على المكلف عندما يقوم بهذا الشيء المحرم أصلًا ما دام رخص له شرعًا باستعماله. وقد عدت الرخصة من الحكم الوضعي لأن الحكم المشروع هو جعل الضرورة سببًا في إباحة المحظور، أو طروء العذر سببًا في التخفيف لترك الواجب، أو دفع الحرج عن الناس سببًا في تصحيح بعض عقود المعاملات في ما بينهم.


المصادر
17 الاقتضاء هو الطلب، والطلب ينقسم إلى طلب فعل (أمر) أو طلب ترك (نهي).
18 التخيير: هو الإباحة.
19 الوضع أو خطاب الوضع هو الخطاب المتعلق بأفعال العباد بالوضع، أي هو فعل الشيء سببًا أو مانعًا أو ما شاكل ذلك مثل كون دلوك الشمس موجبًا لوجود الصلاة فهو سبب الصلاة، ومثل مَانِعته النجاسة للصلاة.
مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢