نبذة عن حياة الكاتب
قصص الانبياء في القرآن الكريم
الطبعة : الطبعة السابعة
المؤلف : سميح عاطف الزين
فئة الكتاب : سيرة
عدد الصفحات : ٦٩٢
تاريخ النشر : ٢٠٠٥
الفهرس (اضغط على الرابط للقراءة)

المقدمة
القصص
القصّة
خرق النواميس
المنـامات والـرُّؤَى
القصص الديني والتاريخ
التكوين
نظام الزوجية
هل يوجد آدم واحد أو أكثر؟
آدم عليه السلام
السور القرآنية وموضوعاتها
إدريس (عليه السلام)
نوح (عليه السلام)
الأسلوب القرآني المعجز بوضوحه وقوته وجماله
هود (عليه السلام)
القرآن هو المثاني وفاتحة الكتاب هي السبع المثاني
صالح (عليه السلام)
قصة ثمود والإيجاز في القرآن الكريم
1 - ولادة إبراهيم عليه السلام
2 - إبراهيم وأبـوه آزر(+)
3 - إبراهيم والنبوَّة
4 - إبراهيم عليه السلام وقومه المشركون
5 - تحطيم الأوثان والأصنام
6 - معجـزة الله العظمى
7 - الهجرة إلى فلسطين من بلاد الشام
8 - الارتحال إلى مصر
9 - إبراهيم وولده إسماعيل (عليهما السلام)
10 - البلاء المبين
11 - إبراهيم (عليه السلام) والبُشـرى
12 - بناء الكعبة الشريفة
الأحرف وأهميتها في فهم قصص القرآن الكريم
لوط (عليه السلام)
إسحـق (عليه السلام)
يعقـوب (عليه السلام)
يوسف (عليه السلام)
أيوب (عليه السلام)
شعيب (عليه السلام)
مـوسى وهارون (عليهما السلام)
ذو الكفل (عليه السلام)
داود (عليه السلام)
سليمان (عليه السلام)
الأنبياء بشر يتكاملون
إلياس (عليه السلام)
إليسع (عليه السلام)
يونس (عليه السلام)
زكريا (عليه السلام)
يحيى (عليه السلام)
مريم بنت عمران عليها السلام
عيسى (عليه السلام)
عيسى والروح الأمين (عليهما السلام)
المسيح بين كونه إنساناً أم إلهاً من أهداف قصص الأنبياء في القرآن الكريم
المـراجع
هوامش

3 - إبراهيم والنبوَّة
لقد آتى الله - سبحانه وتعالى - إبراهيم الرُّشد، وبفعل هذا الرشد أدرك من قبل، أي منذ أن تفتحت مداركه على الحياة، أنَّ من يقدر أن يصنع هذا الكون الشاسع، وما فيه من الآيات البيِّنات، هو أحق أن يكون الخالق والمعبود، فتوجه بأعماقه النقية الواعية، إلى رؤية الحق بروح اليقين، والعقل المستنير، فآمن بالله إلهاً واحداً أحداً، فرداً صمداً، كما يبيّن لنا ذلك القرآن الكريمُ بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ *} [الأنعَام: 75].
وهكذا كانت هذه الصلة بين إبراهيم وربه، قائمةً على الوعي والإدراك والإيمان، وكانت هي المرحلةَ التي تقدمت مرحلة النبوة التي انتدب إليها إبراهيم (عليه السلام) من الله العلي الحكيم، وهو في ريعان الشباب.
لقد أُنزِلَ الوحيُ على إبراهيم (عليه السلام) يبلغه أمرَ ربه باختياره نبيّاً يهدي إلى الإيمان بحقيقة وجود الله، ووجوب عبادته وحده بلا شريك، وأن عليه أن يحمل رسالة الإسلام للناس، بعد أن أعدَّه الله - سبحانه وتعالى - ليكون واحداً من أنبيائه المكرمين، وبعد أن اصطفاه ليكون من بين تلك الذرية المباركة التي تظهر آثار أفعالها الإيمانية على مدار التاريخ، سواءٌ مِنْ قَبْلِ إبراهيم (عليه السلام) أو مِنْ بعده، والتي هي من أصل واحد، هو معدن النبوة، كما يبين القرآن الكريم هذا الأصلَ، بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عِمرَان: 33-34]. فانتداب إبراهيم (عليه السلام) للنبوة كان بعلم الله السابق، أي من قبل أن يولد، لأنه من شيعة نوحٍ (عليه السلام)، النبيّ الداعية المؤمن، وذلك بقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ شِيْعَتِهِ لإَِبْرَاهِيمَ *إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ *} [الصَّافات: 83-84].
أجل جاءَه التبليغ، فاحتدمت في نفس إبراهيم (عليه السلام) عوامل النبوَّة، بعدما كانت شعلة التوحيد متوقدة في عقله وقلبه وكيانه. فكان لا بد أن يبدأ الدعوة، وذلك بالاحتكاك الإيجابيّ مع أبناء ذلك المجتمع الذي يعيش فيه، الذين لا يعرفون إلاّ العاداتِ الجاهليةَ متمثلةً بعقائد الشرك والوثنية.. ولا بد أن يبدأ الاحتكاك أول الأمر، في داخل بيته. والأولى أن يكون مع أبيه آزر الذي يقوم على صناعة التماثيل التي يتخذونها آلهة، فهو أول من يجب أن يطرقَ سمعَهُ صوتُ التوحيد الخالص، والعقيدة الحق.
ويسجل القرآن الكريم - في «سورة مريم» - الحوار الذي دار بين إبراهيم (عليه السلام) وأبيه آزر. إذ جاءَهُ إبراهيم (عليه السلام) بقلب النبيّ الصدِّيق، وقال له: {...يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا *} [مَريَم: 42].
وبعد أن يضعه أمام هذه الحقيقة العقلية، يطلعه على ما جاءه من علمٍ وتكليفٍ بالنبوَّة، ثم يدعوه لاتِّباعه كي يهديه الطريق السويّ الذي هو طريق الحق والعدل والخير، وطريق النجاة والفوز في الآخرة، فيقول: {يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا *} [مَريَم: 43]. ثم ينهاه عن العبادة التي يقوم عليها، لأنها عبادة للشيطان، الذي يتلبَّس شكل الأصنام والأوثان، وهي عبادة زائفة باطلة، فضلاً عن أن الشيطان قد عَصَى ربَّه، فيقول له: {يَاأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا *} [مَريَم: 44]. ويحذره من مغبة هذه العبادة الآثمة، التي تؤدي إلى العذاب الأليم لا محالة، والتي تجعل صاحبها تبعاً للشيطان ومولى له، فيقول له: {يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا *} [مَريَم: 45].
وبهذا الصدق النبويّ، وبحرارة الدعوة الحقّة، أوضح إبراهيم (عليه السلام) لأبيه طريق الخير وطريق الشر.. فطريق الخير هو عبادة الله سبحانه وتعالى، وطريق الشر اتِّباع الشيطان وعبادة الأصنام والأوثان. وهذا الطريق الأخير لا بد أن يصل بصاحبه إلى الضلال، الذي يحتِّم العذاب.. ثم كيف يتبع إنسانٌ عاقلٌ عبادة مخلوق؟ وكيف إذا كان هذا المخلوق عاصياً؟ أفلا يحق عليه العذاب فعلاً؟!...
نعم إنَّ الله تعالى خلق الإنسان عاقلاً مفكراً متبصراً، فعليه أن يميِّز بين الحق والباطل. بل وعليه أن يخافَ الله ربَّهُ ويخشى من عذابٍ يقع عليه إذا ما كان وليّاً للشيطان. ولسوف يكون هذا العذاب أشدَّ وأدهى إذا دعي الإنسان لعبادة الله الواحد الأحد، فأعرض عن هذه الدعوة، وآثر الضلالَ على الهدى، وفضَّل ولايةَ الشيطان على العبودية للرحمن، رب العالمين...
تلك كانت دعوة إبراهيم (عليه السلام) وحججه لأبيه آزر. وهي دعوة واضحة وضوحَ الشمس.. ولكنَّ الأبَ الضالَّ لم يحفل بدعوة الحق، بل آثر اتِّباع العقيدة المزيفة التي ورثها عن آبائه وأجداده، ولذا نراه يغضب من ابنه إبراهيم (عليه السلام). ويستبدُّ به الغضب فيهدد هذا الابن بأن يمتنع عن كراهية الآلهة التي يعبدها، وإلاَّ فسوف يعمد إلى رجمه وطرده. ويختصر القرآن الكريم كل مشاعر آزر وانفعالاته، بقوله عزّ وجلّ: {...أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي ياإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا *} [مَريَم: 46].
وإزاء هذا الإصرار على الكفر، والمكابرة على الضلال، نجد إبراهيم (عليه السلام) - وقد تخلَّق بأخلاق النبوة، ومن تخلَّق بأخلاق النبوَّة لا يمكنه أن يكون إلا الابن البار لأبيه - لا يرى إلاَّ طلب السلام النفسيّ لهذا الأب، والاستغفار له من ربِّه، عسى أن يرحمه ربُّهُ العزيز، فيقول له: {...سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا *} [مَريَم: 47].
هنا تتجلى الروعة العظيمة في الفوارق التي تميّز المؤمن عن الكافر...
المؤمن هو إبراهيم (عليه السلام) .. يدعو أباه للهداية حتى ينعم بدفء الإيمان، ويسير على الصراط المستقيم، فيفوز في الدنيا والآخرة.
والكافر هو آزر.. يبادل الهداية إلى الإيمان الحق بالله العزيز الحكيم، بإصرارٍ وعنادٍ على عقيدة الوثنية. ثم يُهدد ابنه بالقتل رجماً بالحجارة، وبالطرد من بيته، إن لم يمتنع عن دعوته تلك... نعم لقد وصَلَ به الحد إلى التهديد، ولمن؟ لابنه الذي يفترض أن يحبه حبّاً شديداً!.
وهنا يبرز بين المؤمن والكافر موقفان يسجلهما التاريخ على صفحاته، بأروعَ ما يكشف عن حقيقة الإنسان في اتخاذ الموقف الذي يختار:
- هوذا شخص يظهر لك إرادة الإضرار، والسوء بك حتى ولو كنت أقرب المقربين منه، كما فعل آزر بتهديد ابنه بالرجم، وإبعاده عن حياة مَنْزله. وهذا هو الموقف الأول.
- أما أنت، ورغم ما أظهره لك هذا الشخص فإنك تبادله على موقفه السيئ بموقف مغاير تماماً عندما تبدي له أمانيك بإحلال السلام في نفسه، والأمان في حياته، حتى يكون بعيداً عن كل ضرر (إذ قال إبراهيم لأبيه: سلام عليك)... ثم تذهب إلى أبعد من ذلك، عندما تصدقه الشعور بأنك سوف تدعو الله تعالى الغفور الرحيم، بأن يغفر له سوء عمله، وما ينتج عن هذه المغفرة من خلاصٍ من العذاب {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} [مَريَم: 47]. وهذا هو الموقف الثاني.
هل بعدُ أروع من هذا الموقف الذي تقشعر له الأبدان؟ إنه حقاً فعل الإيمان، وعلى نقيضه دائماً فعل الكفر. ففعل الإيمان دائماً كله خير، مثلما أنَّ فعلَ الكفر دائماً كله شر.
وليس هذان الموقفان بين إبراهيم (عليه السلام) وآزر هما وحدهما ما يبرزه القصص القرآنيّ، للتدليل على حقيقة الإنسان في تكوينه النفسيّ والجسديّ، وفي علاقاته المجتمعية، وعقيدته الدينية، بل هنالك مواقف كثيرة أخرى، يسوقها القرآن الكريم، ومن خلال حياة الأنبياء بالذات، لتكون الأدلة على إبراز الشخصية الإنسانية في وجودها العام والشامل، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الشخصية في الأحداث التي تتعاقب على الناس بتعاقب الأجيال والأزمان.
ولذلك يُبرز القصص القرآنيّ نموذجين من البشر، مختلفين تمام الاختلاف:
فالنموذج الأول يتمثل في نوح (عليه السلام) : فهو الأب الصادق، بينما ابنه (كنعان) هو الكافر الجاحد.
والنموذج الثاني يتمثل في إبراهيم (عليه السلام) : فهو الابن المؤمن البار، بينما أبوه (آزر) هو الكافر الحانق.
أما وحدة الهدف، في هذَين النموذَجين، فهي التأكيد على حقيقة الروابط والعلائق التي يجب أن تقوم بين الناس - حتى أقرب المقربين منهم إلى بعضهم - والتي شاءَ الله تعالى أن يكون أساسُها العقيدة الدينية، لا علاقة النسب أو العاطفة. صحيح أنَّ لهذه العلاقة الأخيرة آثارَها الهامةَ بين البشر، إلاَّ أنها تبقى آثاراً جزئية بالنسبة إلى مقومات العلاقة المبنية على العقيدة... وكلما تباعد الناس في العقيدة كلما صاروا أغراباً عن بعضهم البعض، وتفككت فيما بينهم الروابط، وانحلَّت الأواصر التي تحقق لهم الإنسانية بمعناها الشموليّ والكامل.. فلأنَّ إبراهيم (عليه السلام) وأباه آزر غريبان في العقيدة، أو لأنَّ نوحاً (عليه السلام) وابنه كنعان غريبان في العقيدة، فقد تباعدا عن بعضهما في رابطة الحياة، ولم يكن بينهما ذلك التآلف الذي يفترض وجوده بين الأب وابنه... وكلما كثر مثل هذا التباعد، كلما تصدَّعت العلاقات البشرية، وسقطت إنسانية الإنسان في مهاوي التفرقة والانقسام، مما يجعل الأرض تتخبط بالويلات والشرور، وهي ما دلت عليها آثار الأقدمين، وكما تدلُّ عليها العلاقات بين الناس في حياتنا الحاضرة.. فتأمل غاية القرآن الكريم في إفهام الناس حقيقةَ الصلات التي يجب أن تقوم بينهم، والمقوماتِ الأساسيةَ التي يجب أن تبنى عليها هذه الصلات، حتى يحققَ الإنسانُ الراحة في الأرض، وينالَ السعادة في الآخرة. {...فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ *} [المؤمنون: 101] إذ العبرة بالأعمال والأفعال، لا بالأنساب والأقوال.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢