نبذة عن حياة الكاتب
قصص الانبياء في القرآن الكريم
الطبعة : الطبعة السابعة
المؤلف : سميح عاطف الزين
فئة الكتاب : سيرة
عدد الصفحات : ٦٩٢
تاريخ النشر : ٢٠٠٥
الفهرس (اضغط على الرابط للقراءة)

المقدمة
القصص
القصّة
خرق النواميس
المنـامات والـرُّؤَى
القصص الديني والتاريخ
التكوين
نظام الزوجية
هل يوجد آدم واحد أو أكثر؟
آدم عليه السلام
السور القرآنية وموضوعاتها
إدريس (عليه السلام)
نوح (عليه السلام)
الأسلوب القرآني المعجز بوضوحه وقوته وجماله
هود (عليه السلام)
القرآن هو المثاني وفاتحة الكتاب هي السبع المثاني
صالح (عليه السلام)
قصة ثمود والإيجاز في القرآن الكريم
1 - ولادة إبراهيم عليه السلام
2 - إبراهيم وأبـوه آزر(+)
3 - إبراهيم والنبوَّة
4 - إبراهيم عليه السلام وقومه المشركون
5 - تحطيم الأوثان والأصنام
6 - معجـزة الله العظمى
7 - الهجرة إلى فلسطين من بلاد الشام
8 - الارتحال إلى مصر
9 - إبراهيم وولده إسماعيل (عليهما السلام)
10 - البلاء المبين
11 - إبراهيم (عليه السلام) والبُشـرى
12 - بناء الكعبة الشريفة
الأحرف وأهميتها في فهم قصص القرآن الكريم
لوط (عليه السلام)
إسحـق (عليه السلام)
يعقـوب (عليه السلام)
يوسف (عليه السلام)
أيوب (عليه السلام)
شعيب (عليه السلام)
مـوسى وهارون (عليهما السلام)
ذو الكفل (عليه السلام)
داود (عليه السلام)
سليمان (عليه السلام)
الأنبياء بشر يتكاملون
إلياس (عليه السلام)
إليسع (عليه السلام)
يونس (عليه السلام)
زكريا (عليه السلام)
يحيى (عليه السلام)
مريم بنت عمران عليها السلام
عيسى (عليه السلام)
عيسى والروح الأمين (عليهما السلام)
المسيح بين كونه إنساناً أم إلهاً من أهداف قصص الأنبياء في القرآن الكريم
المـراجع
هوامش

آدم عليه السلام
يحكي القرآن الكريم قصة عمارة الأرض بعد أن أتمّ الله تعالى خلقها وخاطب الملائكة بقوله العزيز: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البَقَرَة: 30].
ومن الطبيعي ألاّ تعلم الملائكة حكمة الخالق من هذا الاستخلاف كما لم تعرف سبب الخلق أصلاً... وقد بدا لهم بعدما تأكدوا أن آدم (عليه السلام) وذرّيَّته سوف يكونون مخيّرين بين الفجور والتقوى، أن يسألوا الخالق القادر مستفسرين {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البَقَرَة: 30].
وهذا الاستشفاف للغيب قد ألهمَهُ الله ـ تبارك وتعالى ـ للملائكة حتى تأتيهم الحكمةُ فيما بعد من خلق آدم (عليه السلام)، فسألوا ربهم عما ستؤول إليه أحوال هذا المخلوق من الإفساد وسفك الدماء في الأرض، فأجابهم العزيز الحكيم ـ وهو وحده الذي يعلم الغيب ـ بقوله تعالى {...إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [البَقَرَة: 30]... فاطمأنت قلوبهم وزالت حيرتهم بعد هذا الجواب الهادي، لأن سؤالهم لم يكن اعتراضاً على صُنْعِ الله، ولا شكّاً في حكمته أو طعناً في خليفته. ولا يمكن أن يكون كذلك والملائكة هم أمناء الله المقرَّبون وعباده المكرمون، لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون..
وعلَّم الله سبحانه وتعالى آدم (عليه السلام) الأسماءَ كلَّها.. والمراد بهذا التعليم إنما هو مسميّات الأشياء، لا اللغات، أي علَّمه حقائق الأشياء وخواصها، وأعطاه المعلومات التي يستعملها للحكم على الأشياء.. ذلك أن الإحساس بالواقع لا يكفي وحده للحكم عليه وإدراك حقيقته، بل لا بدّ من معلومات سابقة يفسّر بها هذا الواقع. فالله تعالى علَّم آدم (عليه السلام) الأسماء، أي مسميات الأشياء التي يحسّها.. وتعبير القرآن الكريم بكلمة «الأسماء» يراد به أنه قد أطلق الاسم وأراد المسمى، كما يدل على ذلك الواقع.
وعلى هذا فإن آدم (عليه السلام) عرف الأشياء ولم يعرف اللغات، فكل ما تُعرف ماهيته، ويُكشف عن حقيقته يكون محلاًّ للتعليم والمعرفة..
واللغة إنما هي وسيلة للتعبير ليس إلاَّ..
وهكذا يكون سياق الآية للتدليل على أن المراد من عبارة «الأسماء كلها» المسميات أي الحقائق والخواص.
وآدم (عليه السلام) في صنعه وبما حوى رأسه من تركيب في الأجهزة، وضبط في الأنسجة، ودقة في الربط، وإحكام في الأداء هو مخلوق كامل. وهو بعد زرع الحواس الخمس فيه، وإعطاء كل جزء من أجزاء هيكله الظاهرة والخفية وظيفة خاصة يؤدّيها في نطاق نظام عجيب في الدقة والإتقان، قادر على أن يربط عن طريق الدماغ ما بين الوقائع والمعلومات. وبنتيجة هذا الربط صار لديه القدرة على فهم حقائق الأشياء وتسميتها. وهو بهذه الملكات والقدرات الخارقة التي مكَّنته من الإنشاء والارتقاء، أصبح قادراً على إصلاح الأرض وعمارتها.. ومن هنا استحق أن يكون خليفةً فيها، بدلاً من الملائكة الذين لم يعطوا من تلك القدرات والملكات ما أعطيَه آدم (عليه السلام).
ولكي يدلل الله سبحانه وتعالى على تلك المقدرة التي وهبها لآدم (عليه السلام)، وخصَّه بها، عرض أسماء الكائنات على الملائكة قائلاً: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *} [البَقَرَة: 31].
ودهش الملائكة، وحاولوا البحث في طوايا أنفسهم عن سابق علمهم، فلم يجدوا إلى الجواب سبيلاً، فقالوا: {...سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ *} [البَقَرَة: 32]..
وفي عجزهم عن الإجابة، دلالة أخرى على المكانة التي أرادها الله تعالى لآدم (عليه السلام) ليتفوَّق بها على الملائكة، بتلك المعرفة التي خصَّهُ بها خالقه ليكونَ جديراً باستخلافه في الأرض. وكيف لا، أوَليس هو مكرَّماً بالعقل والفكر والشعور والإحساس؟.
ومن هذه المكرمة، اغترف آدم (عليه السلام) من فيض ربّه، واقتبس من نور علمه، فبعدما أُعطيَ القدرة على المعرفة، أمره الله أن ينبىء الملائكة بما عجزوا عنه، وأن يخبرهم بما قصرت مداركهم عن إدراكه، فأخبرهم آدم (عليه السلام) بالحقائق التي أراد الله جلاء غموضها.. فناداهم ربهم: {...أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ *} [البَقَرَة: 33].
الملائكة يسجدون لآدم إلا إبليس
وإمعاناً في تكريم آدم، وزيادةً في إظهار تخصيصه بما لم يختصّ به غيره من المخلوقات، وإظهاراً لعلمه، وتزكيةً لما آثره الله به، أمر سبحانه الملائكة أن يسجدوا لآدم. ولم يكن أمامهم من سبيل - وهم عباد الله الطائعون، وقد عرفوا المكانة الخاصّة لآدم لدى الخالق الجبّار - إلا السجود، فسجدوا....
نعم، لقد كان سجود الملائكة لآدم، سجودَ تكريم، لا سجودَ عبادة... وحريٌّ أن يُكَرَّمَ من هو قابل لإدراك جميع الممكنات، وأن يفضَّل من هو مؤهل للوصول إلى أقصى الغايات.. وسجود الملائكة هو من هذا القبيل فقد أدركوا أن آدم هو خلق كريم، يجب إجلاله وتعظيمه لشرف مواهبه، فأجلّوه وأكبروه. وحتى يكون السياق متكاملاً ما بين الخلق وعمارة الأرض، وما سوف يحصل على هذه الأرض بعد عمارتها من قبل الإنسان، بدءاً بآدم وذرّيته - وهو ما عناه الملائكة في حيرتهم الأولى عن استخلاف من يسفك الدماء فيها، وإذعانه في جوانبَ من حياته للباطل - وحتى تظهر الغاية التي أرادها الله في جعل التعقل صفةً لصيقةً بالإنسان لكي يمكنه بواسطته التمييز بين الحق والباطل والتفريق بين الخير والشرّ.. من أجل ذلك كله، أراد الله سبحانه أن يكشف حقيقة كفر إبليس، فلما أمر بالسجود لآدم رفض إبليس هذا السجود، واستكبر واستعلى (حتى يكون مثال الكافرين اللاهثين وراء الباطل والشرّ) كما أخبرنا الله العزيز بقوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *} [الحِجر: 30]، [ص: 74] ثم ناداه سبحانه: {...مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ *} [ص: 75]. فأجاب إبليس: {...قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *} [الأعرَاف: 12]... وفي هذا قال الإمام عليّ (كرم الله وجهه) : «افتخر إبليس على آدم بأنه خلق من نار وآدم من طين، وتعصَّب على آدم بأصله، فإبليس إمام المتعصبين، وسلف المستكبرين، الذي وضع أساس العصبية.. فاحذروا عباد الله أن يُعْدِيَكُمْ بدائه وأن يستفزكم بندائه، وأن يجلب عليكم بخيله ورَجِلِه... فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبية، وأحقاد الجاهلية... فإنما تلك الحمية تكون في المسلم من خَطَراتِ الشيطان ونزعاته ونفثاته.... فاتقوا الله ولا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم، وأدخلتم في حقكم باطلهم، وهم أساس الفسوق. اتخذهم إبليس جنداً بهم يصول على الناس، وتراجمةً ينطق على ألسنتهم».
وعجباً من أمر هذا المخلوق المتعجرف، كيف يستكبر على أوامر خالقه وموجده من العدم؟ أيحق له أن يستكبر على مخلوقٍ شاء الله أن يخلقه ويكرمه وفقاً لما يحكم ويقدِّر، ثم يدَّعي أنه خير منه، لأنه هو خلق من نار بينما آدم خلق من تراب؟
ولو أراد الباحث اليوم أن يفرّق بين النار والطين (التراب) لوجد أن النار إنما أصلها من الأرض، وبدون الأرض لا يمكن أن توجد النار. فمصادر النار معروفة لدى الجميع فهي إمّا من الخشب ومشتقاته، وإما من الطاقة الحرارية كمثل البترول والكهرباء ومشتقاتهما، وأصلها كلها من الأرض، وحتى الآلات أو الأدوات التي تنقل الطاقة الكهربائية فإنها قد تكون من المعادن، والمعادن كلّها مكوَّنة في الأرض وكامنة فيها، مما يعني أن الأرض هي الأم والمصدر للنار.. وما هذا التذكير إلا من الحقائق التي ليس عليها اختلاف. فإن يك إبليس يعتبر نفسه أفضل من آدم لأنه من نار، فقد غاب عن باله أن أصل النار من الأرض، أي من الجِبلَّة التي جُبِلَ منها آدم. ولكن أعماه الحقد، وشطَّ به الاستعلاء، وتقزَّمت نفسه بالكوامن الملتوية، فانصاع بلا دراية منه ليجسّد الصورة الأخرى للخليقة في ضلالها، وفي عمى بصرها وبصيرتها، في حين أن عقاب الضلال محتم، وبذلك حلَّ العقاب الفوري بإبليس، وهو أقصى عقاب يناله مخلوق... إنَّه اللعنة الخالدة، يعاقبه الله بها، ويرجمه بسوئها، بعدما تنزل به الواقعة ويُطرَد من رحمة الله، ويظل يعيش تلك اللعنة، وذلك الرجم إلى يوم الدين!!..
وكان آدم يتابع ما يحدث حوله، ويحس بالحب، والرهبة، والدهشة.. كان حبّه لله الذي خلقه وكرَّمه وجعل الملائكة يسجدون له... وكانت رهبته من غضب الخالق حين طرد إبليس من رحمته.. أما دهشته فقد كانت من هذا المخلوق الذي كرهه من غير أن يعرفه، والذي تصور أنه هو أفضل منه وذلك كله دون أن تتاح لأحدهما فرصة لاختبار الآخر وإثبات تفوّقه وأفضليته. وتزداد دهشته ويعجب لحجَّةِ إبليس: إذ كيف يتصوَّر هذا المخلوق من الجنّ أن النار أفضل من الطين؟ ومن أين جاءه هذا الظن؟ المفروض أن يكون الله سبحانه وتعالى الذي خلق الطين والنار، هو وحده الذي يعلم أيّهما أفضل من الآخر، وهو وحده - سبحانه وتعالى - الذي يوحي لمخلوقاته بما يعلمون وما لا يعلمون.
وأدرك آدم وهو يستمع إلى حوار الله مع إبليس، أن هذا المخلوق يختلف عنه، وهو يتصف بالجحود.. وعرف أنه سوف يكون له عدوّاً أبدياً، ولكن حلم الله أوسع، وعنايته أجمل، فهو لم ينزل البلاء الأعظم بإبليس بل ترك له مجالاً للتصرّف... وأدرك آدم أن الله تبارك وتعالى قد جعل لمخلوقاته التي تعقل حرية الاختيار، وهي نسيج أصيل في الوجود الذي أراده الله تعالى لها. وأن هذا الاختيار إنما يمنح للمخلوقين المكلفين، وأن عليه يترتب ثواب وعقاب يتأتّى من الحكم العادل.
ورأى آدم أن له السيادة على غيره، وأسباب هذه السيادة علمه ومعرفته.. علمٌ بخالقه ومعرفته، وعلم بالخلق ومعرفتهم، فحمد الله على ما حباه من هذا النور النورانيّ، وشكره على ما أسبغه عليه من تلك النعمة الفياضة، ونام قرير العين هادىء البال...
وذات يوم استيقظ ليجد عند رأسه مخلوقاً من نوع آخر، كان يحدّق فيه بأمارات المحبّة والحنان والتعاطف.
وسأله آدم: من أنت؟ ومن أين جئت أيها المخلوق؟ فقال له: جئت من نفسك، خلقني الله منك وأنت نائم، أفلا تريد أن تستعيدني إليك وأنت مستيقظ؟..
وآنس آدم اطمئناناً في شعوره.
فأجاب: وكيف لا آنس لمن هو جزء مني؟ فحمداً لله على مكرماته أن خلق لي سبحانه وتعالى من أسكن إليه. وعرف آدم أن هذا المخلوق هو حواء.. لأنها خلقت منه وهو كائنٌ حيٌٍّ...
وعاش معها في الجنَّة، في النعيم، والسعادة، يتحدثان، ويستمعان لغناء الطيور وشدوها، ويطربان لتسبيح الكائنات لخالقها، في عَالمٍ متَّسع لا يعرف مداه إلا خالقه، وليس فيه إلا الأمان والاطمئنان والرضى.
وسكن آدم وزوجه في هذا العالم، لهما كل ما فيه من أسباب الحياة والسعادة، غير محرَّم عليهما إلاَّ ثمرة شجرة واحدة، نهاهما الله عنها، ومنعهما عن الأكل منها.. غير أن آدم إنسان، فنسيَ أمرَ ما حرّم عليه. وقد صدق فيه قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا *} [طه: 115].
آدم وحواء يأكلان من الثمرة المحرمة
وعزم إبليس على العمل بالوسوسة والخنوس فهما مجال عمله حيث يخنس في مكامن الضعف في الإنسان ليعود فيوسوس في الصدور. فهو إذن يريد أن يستغلَّ نقطةَ الضعف في آدم، وهي تكمن في تكوينه النفسيّ والجسديّ، ولكنه لا يطمئن له وقد عرف آدمُ ـ من قبلُ ـ موقفه منه، وعداوته له عندما فضَّله ربه عليه.. إذن فما السبيل إلى إغوائه؟
أوَليست حواء غاليةً عليه وهي رفيقة حياته وشريكته في هذا الوجود الذي ينعمان به؟ وقد لا تكون حواء قد أعطيت من الملكات ما أُعطِيَهُ آدم، فتكون ـ حينئذٍ ـ الوسيلةَ إلى الإغواء.
ودلف إبليس إلى حواء يستهوي فيها المشاعر والعاطفة، ويزيّن لها بأنه سيدلها على شجرة، إن هي أكلت منها وزوجها، كان لهما الخلد والملك الذي لا يبلى. ثم عادَ فوسوس لآدم، وقال: {...ياآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى *} [طه: 120]؟..
وظنَّت حواء بأنَّ الشجرة المحرَّمة هي شجرة الخلود، وأدخلت في روع آدم أنه ليس من سوء لو أكلا من تلك الشجرة. وحار آدم، ولكن حواء كانت تلحّ عليه حتى ظنَّ مثلها أن تلك الشجرة هي شجرة الخلد حقّاً، وهل أروع من أن يخلّد في البراءة المطلقة والعيش الهنيء. وهكذا راح حلم الخلود يراوده، وإبليس لا ينفك عن إغوائه في تزيين هذا الحلم وتقويته في نفسه!..
ونسي آدم وعد ربّه: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى *وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى *} [طه: 118-119]، في حين نجح إبليس وهو يمعن في الدهاء والمكر عندما خاطب آدم وزوجه حالفاً: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ *} [الأعرَاف: 21] ثم قال لهما: {...مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ *} [الأعرَاف: 20].
واكتملت أول مكيدة خبيثة بكل عناصرها في حياة الإنسان، وانتصر الباطل الأول في جولته الأولى، وكان مقدراً ذلك ومحفوراً في اللوح المحفوظ، وذلك حتى يتسنَّى للإنسان أن يستخدم القدرات والملكات التي أوجدها الله فيه، ويتخذ موقف الخيار أمام التجربة، أو الامتحان في الابتلاء بالشر والخير فتنةً، كما في قوله تعالى: {...وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ *} [الأنبيَاء: 35]. فإمّا أن يغلّب الخير فيكون كما أراده الله تعالى مخلوقاً طائعاً، وإمَّا أن يختار الشرّ، فيكون عاصياً، وناكراً لجميل خالقه. وظن إبليس أنه انتصر بدهائه وخبثه ولؤمه، وأنه هزم آدم لطيب قلبه وصفاء نفسه، ونقاوة ضميره..
وكان لا بدَّ لآدم أن يغفل عن ذاته ولو للحظات، وأن يأكل الثمرة المحرَّمة، وبدأت بذلك قصة الصراع ما بين الخير والشر. وقُضيَ للإنسان أن يعظم ويكبر ويتعالى بالإيمان وبأعمال الخير التي حباه الله بها، وأن يوجهها نحو الأهداف والمُثل التي ترضي الله وعباده.. كما قدِّر له أن ينحدر إلى مهاوي الكفر والفسوق، وأن يُسِفَّ إلى مواطن الخطأ والضلال، وأن يحوِّل المزايا الإنسانية فيه إلى نقائضها من الأنانية والذاتية والنفعية المنحرفة، فضلاً عن الأفكار والأعمال التي تغضب الله وعباده...
وأحسّ آدم وحواء بالألم والخجل، واعتراهما الحزن على الفور.. فلقد تغيَّر الجو حولهما وسكتت أنشودة الهناء التي كانت تنبعث من داخلهما، وبدت لهما سوءاتهما، فأسرعا إلى ورق الشجر يغطيان به جسديهما العاريين..
وخرج آدم وزوجه عن أمر ربهما، فسلبهما نعمته، وحرمهما جنته، وناداهما: {...أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ *} [الأعرَاف: 22].
فكان لا بد لهذا العدوّ، وقد نجح إغواؤه، وأفلحت ضلالته للإنسان الذي سما عليه، إلا أن يطلب إلى ربّه أن يمدَّ له بالحياة وأن يمهله إلى يوم البعث، حتى يغويَ من يغوي، ويبعدَ من يبعدُ عن الطريق المستقيم.. وأجابه الله تعالى: {...فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ *} [الحِجر: 37].
وبدل أن يشكر إبليس ربّه، على منحه تلك المهلة الطويلة، قابل نعمته بالكفران، وفضله بالجحود والنكران، ولم تكن له من نيّة في ذلك إلاَّ الإمعان في كرهه لآدم (عليه السلام)، والتصميم على الثأر من ذريَّته على مدى الدهور... فأجاب ربَّه قائلاً: {...فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ *} [الأعرَاف: 16] أي أخذ على نفسه أن يترصدَهم لإغوائهم، ويجهدَ في إضلالهم كل حين، حتى وهم يقومون بعبادة خالقهم.
فليكنْ لإبليس ما يطلب، ولْيغوِ من بني آدم الغاوين، وليستفززْ من استطاع منهم بصوته، وليجلبْ عليهم بخيله ورجاله، وليشاركْهم في الأموال والأولاد، وليعدْهم المواعيد الكاذبة، ولْيمنِّهم الأمانيّ البعيدة... إلاَّ أصحاب العقيدة، أقوياء العزيمة من عباد الله المخلَصين فإنه سبحانه لن يخلّي بين إبليس وبينهم ولن يكون له عليهم سلطان بإذن الله. أمَّا ما اعتزمهُ من إغواء الناس وفتنتهم، فحسابه عليه عسير، وجزاؤه على اقترافه عظيم، هو ومن تبعه من الخاسرين. ولذلك كان جواب الله سبحانه وتعالى له بقوله العزيز: {...فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ *} [ص: 84].
وندم آدم وزوجه على غفلتهما، واعترفا لربّهما بأنهما ظلما أنفسهما، وطلبا منه المغفرة والرحمة حتى لا يظلا في الخسران الكبير. فاستجاب الله لدعائهما ورجائهما {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} [البَقَرَة: 187]. وظنَّ آدم وحواء، أن التسامح والغفران من ربهما سوف يمحو خطأهما وسوف يبقيان في الجنة. فعلم الله ما جال بخاطرهما، ووقف على ما تطلَّعت إليه نفساهما، فقال للجميع: {...اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *} [البَقَرَة: 38].
وبهذا يكون الله سبحانه وتعالى في مرّة أخرى قد أعطى الإنسان الفرصة كي يبرهن على حسن نيَّته، وإقراره بأن خالقَهُ هو الحق، وبأن ربَّهُ هو الحق، وبأنه سوف يسخِّر الطاقات التي وهبه إيّاها لعبادته ومرضاته... وبهذا الهبوط من الجنة انتهى طور النعيم الخالص والراحة التامة، ودخل آدم ومعه ذُرّيتُهُ من البشر في طور جديد فيه طريقان:
هدى أو ضلال.. إيمان أو كفر.. خيرٌ أو شرّ.. حق أو باطل.. فمن اتبع هدى الله الذي شرّعه، أو سلك الصراط المستقيم الذي حدّده، فلا خوف عليه من وسوسة الشيطان وإغوائه له. وأما من أعرض عن ذكر الله، وحاد عن سبيله، فسيكون عيشه ضنكاً، وسوف يكون من الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً..
وكان الهبوط، وعاش آدم وحواء (عليهما السلام) على الأرض. وبدأ نظام الحياة الجديدة يستكمل وجوده حينما تهيَّأت حواء لتستقبل أول زهرة في رياض الإنسانية وأول نفحة من نفحات البشرية التي ستأنس، وتسعد بها مع زوجها آدم (عليه السلام). وكانا شديدي الشوق لرؤية فلذات أكبادهما تدبُّ على ظهر البسيطة لتمتلىء جوانب الأرض بسلالتهما، تسعى في مناكبها وتأكل من رزق الله. ولقد كان آدم (عليه السلام) متلهفاً لرؤية أبنائه، وحواء مستبشرة بقدومهم، رغم ما قاسته من آلام الحمل.
ووضعت حواء توأمين: أحدهما قابيل وأخته، والآخر هابيل وأخته. وشبَّ الإخوة في رعاية الأبوين وتبادلوا ودّ الإخاء، وأحاطهم عطف الوالدين حتى بلغوا عنفوان الشباب، فوضع آدم (عليه السلام) البنتين مع أمّهما وترك الولدين يضربان في الأرض كسباً للرزق وابتغاءً للخير، فكان قابيل من زُرَّاع الأرض وكان أخوه من رعاة المواشي. ونظراً للتعاون الكامل بين أفراد الأسرة تمهدت لها سبل الحياة وسهل عيشها، وعذُب مذاقها، وانتشر رُواق السلام والأمان على هذه الأسرة السعيدة الطاهرة حتى أوحى الله تعالى - كما قيل - إلى أبي البشرية أن يزوج كلاًّ من ابنيه بتوأم أخيه، فيكون هو عوناً لها، وتكون هي عوناً له، وتأتي الذريةُ وتتكاثر...
أوعز آدم (عليه السلام) بذلك إلى أبنائه وهو جدير أن يكون قوله الفصل، غير أن جموح النزعة البشرية وانسياقها إلى مهاوي البوار والخسران لم يحقق للأب ما تمنى. إذ إن شهوة الإنسان قوامها الحرص والطمع، فمن كبح جماح شهوته وكسر حدَّة سطوته، وجعل لعقله سلطاناً على هواه، كان من الذين أكرمهم الله في الدنيا والآخرة. وأمّا من انساق وراء شهواته وانفلت من زمام عقله، فهو من الأخسرين أعمالاً. وهذا هو محكّ طبيعة النفس البشرية في هذه الأرض.
قابيل يقتل أخاه هابيل
فبعد أن عرف قابيل من أبيه أن توأمته لا يجوز أن تكون له، بل يجوز أن تكون لأخيه، ثارَ ولم يرض بالقسمة لأن نصيبه أقل جمالاً من نصيب أخيه، وقرّر أن تكون توأمه من نصيبه دون سواه، ذاك أن جمال الخَلْق كان - منذ كان - يخلق ريحاً هوجاء تتقاذف النفس البشرية وقد توردها موارد الحتف والهلاك.
وهكذا كان الجمال سبباً للشقاق بين الأخوَين فجمحَ أحدهما عن طاعة أبيه، ونقض ما كان قد أبرم، وفصم ما كان قد أحكم.
فهبَّت على الأب الوقور رياحٌ أوشكت أن تقتلع أشجار السعادة التي أورقت في حياته على الأرض. وتوزعت نفسه بين رغبة ابنَيه، والإبقاء على السلام بينهما والأمان، إلى أن هداه الله إلى مخرجٍ يسدّ به مهبَّ الريح، فطلب إليهما أن يُقرّب كلّ منهما قرباناً إلى الله، فأيّهما تُقبل قربانه كان أحقَّ بما يشتهي ويريد. وقدّم هابيل جملاً من أنعامه، فيما قدّم قابيل قمحاً من زراعته، فتقبَّل الله قربان هابيل ولم يتقبَّل قربان قابيل لأنه لم يُخلص النيَّة ولم ينزل على حكم أبيه..
فأُسقِط في يد قابيل وتوعَّد أخاه وقال: لأقتلنَّك حتى لا أصاحبك سعيداً وأنا شقيٌ، ولا أُؤاخيك مُشرق الأمل وأنا مكبوت العاطفة، مكسورُ الخاطر. فقال هابيل لأخيه: يا أخي إنَّك لجائر، مائل عن طريق الصواب، آثمٌ في عزمك، وأولى لك أن تستغفر الله وأن ترجع عن رأيك. {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَِقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ *} [المَائدة: 28-29] ولم تكن آصرة الأخوّة شفيعةً أمام ذلك الحقد المتَّقد في صدر قابيل، ولم تكن مخافة الله ولا رعاية حقوق الوالدين رادعةً لتلك النفس التي كانت أَوَّلَ من أجرم على ظهر الأرض. فقتل قابيل أخاه هابيل وتركه بالعراء لا يدري ما يصنع به، ثم حمله في جراب على ظهره حتى أرْوَح. فبعث الله غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمنقاره وبرجله ثم ألقاه في الحفرة وواراه، وقابيل ينظر إليه {...قَالَ يَاوَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِي سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ *} [المَائدة: 31]. نعم لقد هبطت رحمة الله في تلك الفترة بإرسال الغرابين تعليماً للإنسان وإفهاماً له أنَّه من الأرض وإلى الأرض يعود، ورعايةً لتلك الجثَّة الطاهرة، وسَنّاً لدستور الخليقة، وإبقاءً على كرامة آدم (عليه السلام) وذرّيَّته، ودرساً قاسياً للقاتل الغرّ الحقود لأنه ما كان أهلاً لوحي الله ولا لإلهامه بل أسفّ به جرمه الشنيع فكان مقلداً للغراب، يتضاءل فهمه أمام غريزة ذلك الطائر الأسود، وتفنى شخصيته بجانب ذلك الدرس المؤلم الذي تلقّاه ذليلاً صغيرَ النفس معذَّبَ الفؤاد، وليرى نفسه على حقيقتها.
وبعد مدّة من مقتل هابيل ولدت حواء ولداً كان خَلَفاً لهابيل فاتخذه آدم (عليه السلام) وصيّاً له وولياً لعهده. وأما قابيل فذهب طريداً شريداً فزعاً مذعوراً لا يعلم مستقرّه إلاّ الله سبحانه وتعالى، بدليل أن القرآن الكريم لم يأتِ على ذكره بعدها.
وهذه قصة آدم (عليه السلام) كما أوردها القرآن الكريم
في «سورة البقرة»:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ *قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ *وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ *فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ *فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *} [البَقَرَة: 30-39](+)
وفي «سورة المائدة»:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأََقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ *لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَِقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ *فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ *فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِي سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ *مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ *} [المَائدة: 27-32].
وفي «سورة الأعراف»:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ *قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ *قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ *قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ *ثُمَّ لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ *قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأََمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ *وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ *فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ *وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ *فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ *قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ *قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ *يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ *يَابَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ *} [الأعرَاف: 11-27](+).
وفي «سورة طه»:
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا *وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى *فَقُلْنَا ياآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى *إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى *وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى *فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَال ياآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى *فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سُوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى *ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى *قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى *} [طه: 115-123].
وفي «سورة يس»:
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ *وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ *وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ *هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ *اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ *الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ *وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلاَ يَرْجِعُونَ *وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ *} [يس: 60-68](+).
وفي «سورة ص»:
{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ *أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ *مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإَِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ *إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ *إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ *فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ *فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ *إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ *قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ *وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ *قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ *إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ *قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ *قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ *لأََمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ *قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ *إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ *وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ *} [ص: 67-88].
وفي «سورة الحجر» أتى القرآن الكريم على قصة آدم (عليه السلام) ولكنه لم يذكر إسمه بقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ *فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ *فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ *إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ *قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ *قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَِسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ *قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ *وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ *قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ *إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ *قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ *} [الحِجر: 28-40].

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢