نبذة عن حياة الكاتب
علم النفس: معرفة النفس الإنسانية في الكتاب والسنة - الجزء الأول

المنافقون
المنافقون وصفاتهم
من أسوأ العادات وأنكرها، التي تأنفها الطباع الصادقة، عادة النفاق. وهي عادة ذميمة تولد مفاسد كثيرة مثل الكذب، والحيلة، والمراوغة، والمداهنة، والمراءاة، وما إليها من صفات سيئة، وأعمال شنيعة...
وطبيعة الإنسان، بالفطرة السليمة، ليس فيها نفاق في الأصل. ولذلك فإن النفاق لا يولد مع الإنسان، بل هو يكتسب في الحياة اكتساباً، تدفعه إليه عوامل نفسية إطارها الضعف والهوان، وتشده إليه منافع مادية دائرتها الخبث والدهاء. وبما أنَّ الإنسانَ عليه التزامات متنوعة تجاه ربه، ونفسه، وعائلته، ومجتمعه، والإنسانية بأسرها، فعندما يتفلّتُ من هذه الالتزامات، أو يمتنع، ويتقاعس عن القيام بما هو مطلوب منه بصدق وإخلاص - وهذا ما يفعله كثيرون في أيامنا هذه - حينها يكون النفاق قد دخل قلب هذا الإنسان، وعشش السوء في نفسه. ومع الزمن يمرد على النفاق فيصبح طبعاً متأصلاً فيه، هو الذي يتحكم بتصرفاته، ويسيّره وفق الرغائب، والشهوات، والأهواء، التي تظهر أكثر ما تظهر في الظلم: ظلمه لنفسه وللآخرين..
إنّ المنافق عندما يبدأ بمخالفة التزاماته، الخاصة منها أو العامة، فإنه يحاول التملّص من اللوم، أو التخلّصَ من الشعور بالذنب، أو العقوبة التي قد تطاله، بانتحال الأعذار الكاذبة، ثم يتمادى في الكذب، فلا يعود يَصدُق بعدها في قول أو فعل، حتى يغدو خائناً لنفسه، وواجبه. ومع الأيام يستمرئ ما قام به، فتحلو له أكاذيبه، ويستسيغ طعم خيانته، فيمرد على النفاق، ويمارس كلّ أسلوب من أساليب المراوغة والمخادعة، ويسلك كل سبيل من سبل الالتواء والتلاعب. هكذا ينشأ النفاق، وهكذا يكتسبه الإنسان، ذو النفس الأمَّارة بالسوء.
وهذا النفاق قد يطال بآثاره كل الناس الذين يعرفهم المنافق، أو يتعامل معهم.. لأنَّ خداعَهُ غالباً ما ينطلي على الآخرين، فيما يُظهر لهم من التقرّب، والمودّة، والبذل والعطاء - أحياناً - وبما يمالئهم به من مشاركة، وتعاون، وما إلى ذلك من المشاعر والأساليب التي تكون في أساسها، كذباً بكذب، إلاَّ أنه يبرع في ممارستها.. والعجيب في الأمر أنَّ مِنَ الناس مَنْ قد يعتبرونه حاذقاً ذكياً، أو شهماً كريماً ولذلك تنطلي عليهم ألاعيبُهُ، وتغرّهم أكاذيبُهُ.. تلك هي أولى صفات المنافقين، أي الكذب، التي يشهدُ عليها ربُّ العزة والجلال من فوق العرش العظيم، بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنَافِقون: 1].
والمنافق مخلف لوعده وعهده . وهذه أيضاً قاعدة عامة وثابتة يفترق فيها المنافق عن غيره من الناس..
ذلك أنَّ المنافق يُظهر، عادةً، غيرَ ما يبطن للوصول إلى أغراضه وتحقيق مآربه. فهو لا يتورع كي يُخلفَ بالوعود التي قطعها على نفسه عن استخدام أية وسيلة، لأنَّ الغاية عنده تبرر الوسيلة، فيمكن أن يتآمر، ويدبر المكائد، وقد يضحّي بأمور مادية وغير مادية كثيرة، وقد يتوسل أو يتذلل، وقد يستخدم أساليب إجرامية معيّنة من أجل الوصول إلى مطامعه الدنيئة، ولذلك تراه دائماً يفتش عن اختلاق الأعذار لكي يتهرب من وعدٍ قطعه، أو ينكث بعهد التزم به، بل ولا يتوانى عن الحنث بما يحلف أو يقسم به، ولو حلَفَ أو أقسم بأقدس المقدسات!.. والنموذج لهؤلاء المنافقين، الذين ينقضون العهود، ويحنثون بالوعود، يبرز في قول الله تعالى: {ومِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ *فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ *فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ *أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ *} [التّوبَة: 75-78]. وإذا كان هذا حال المنافقين مع الله - عزَّ وجلَّ - مالك الملك، القدير على كل شيء، الذي يعلم ما تسرُّ القلوب،، وما تخبئ الصدور،.. وذلك بما يُخلفون من الوعود التي يقطعونها على أنفسهم، ويتولون ويعرضون عن الوفاء بعهودهم مع ربهم!.. فكيف يفعلون مع الناس، مع عباد الله الذين لا يملكون حولاً ولا طولاً من قدرة الله تعالى ومشيئته؟!.. فسبحان الله الذي أعقب المنافقين نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا ما وعدوه، وبما كانوا يكذبون.
اتّباع الشيطان...
ومن صفات المنافقين: اتباع الشياطين: شياطين الجن والإنس، والسفاهة، والاستهزاء، والضعف، والوهن عن اتخاذ المواقف الحاسمة، والإفساد في الأرض..
يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ *} [محَمَّد: 25-26].. أجل ذلك فعلُ الشيطان في ملاحقة أعداء رسول الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ليوغر صدورهم بالحقد عليه وعلى المسلمين.. إذْ كما هو ثابت، فقد هاجر النبيُّ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) من مكة إلى يثرب بأمر من ربه تعالى؛ وهناك أعزَّ الله تعالى الإسلام، فلم يبقَ في المدينة بيت إلاَّ دخله الدينُ الجديد. ولكنْ يبدو أنَّ الذين دخلوا في هذا الدين، لم يدخلوا جميعاً عن قناعةٍ واختيارٍ، بل كثير منهم خاف على نفسه وعلى مكانته في قومه، فاضطر للتظاهر بالإسلام، بينما كان في دخيلة نفسه كارهاً لهذا الدين، معادياً لرسول الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم) الذي يدعو إلى دين الله . وكان عبد الله بن أبي بن أبي سلول رأس النفاق والشرك، وكبير المنافقين في المدينة، بحيث لم تظهر فتنةٌ في ذلك الحين، إلاَّ ويكون له ضلع فيها، إنْ لم يكن هو مدبِّرَها.. ولشدة ما استشرى النفاق، فإنّنا نجدُ هذا التركيز على ذِكرِ المنافقين، ووصفِ دسائسهم، والتنديد بمؤامرتهم وسلوكهم، في كثيرٍ من السور التي أنزلها الله تعالى في المدينة المنورة، ومثاله ما وردَ في الآيتين المذكورتين آنفاً، حيث نرى صورة أولئك المنافقين وهم يرتدّون عن الإسلام، بعدما تبين لهم أنه الهدى من الله تعالى،وأنَّه الدينُ الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور.. وحركة الارتداد تلك ترتدي طابعها الحسي في التعبير بالارتداد على الأدبار، أي بحركة الرجوع إلى الوراء - بالنفاق - بدلاً من التقدم إلى الأمام - بالدخول في الإسلام - وهو تصوير لا يتسنَّى إلاَّ للقرآن المبين إبرازُهُ بالحركة والفعل وما انطوى وراءهما من غايات؛ فالارتداد عن الإسلام هو بخلاف التقدّم تماماً، وفي هذا ما يكفي لبيان هذا الارتداد وآثاره.. ثم إنَّ وراء كلِّ ابتعادٍ عن دين الله يكمن - دائماً - الشيطان، الذي كان يوسوس في صدور المنافقين، ويسوَّل لهم، ويملي عليهم بأنْ لا يطمئنّوا للإسلام، لأنَّه يعلم في قرارة نفسه أنه للهدى، والخير والسعادة، وهو لا يريد ببني الإنسان إلاَّ الضلال، والشرَّ والشقاء، فكان من نهجه، ودأبه أنْ يُملي عليهم النفاق، وهو يزيّن لهم الاغترار بمكانتهم، ومعاداة الإسلام للحفاظ عليها، وأن يشحن نفوسهم بالكراهية لهذا الدين ورسوله، بما يتوافق مع توجهاتهم ومآربهم.. ولقد نجح الشيطان بما زيّن لهم، فاغتروا فعلاً حتى غلب عليهم النفاق الذي جرَّهم إلى الانحراف عن الحق، والارتداد عن الهدى..
ويوضح النص القرآني هنا حالة واحدة من تلك الحالات التي كان الشيطان يملي فيها على المنافقين، وذلك بأنَّهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله: سنطيعكم في بعض الأمر...
والذين كرهوا ما نزَّل الله تعالى هم المشركون عموماً، واليهود خصوصاً. فاليهود كانوا يتوقعون - ويتمنَّون - أن يكون النبيُّ الموعود، الذي أطلَّ زمانُهُ والذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة، من بني يهود.. فلَّما رأوا محمد بن عبد الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، من قبيلة قريش، سيدة العرب، ومن أبناء مكة المكرمة، البيت المقدس عند العرب حتى في جاهليتهم.. لم يصدقوا، بل ولم يقبلوا، وكأنَّ الأمر بيدهم!!.. ولم تكن توجهات وتطلعات المشركين بأقلَّ عداوة للإسلام والنبيِّ وإن اختلفت بعض الشيء في مقاصدها عمَّا عند اليهود، فتوافق الطرفان على العداوةِ، للإسلام ورسوله؛ ولكنَّ ضعفهم عن مقاومة المسلمين جعلهم يُخبتون، وينصرفون إلى الدسائس والمؤامرات، والكيد للإسلام وأتباعه. فاتخذوا من المنافقين مطيَّةً لتنفيذ مآربهم، فكانوا يجتمعون في السرّ؛ ويعطونهم التعليمات التي يتّبعونها، فإذا كانت ممَّا لا يطيقه المنافقون، قالوا لهم: سنطيعكم في بعض أوامركم، وليس جميعها، حتى لا يفتضح أمرنا من المسلمين!.. وعلى هذا الدأب سار أعداء الإسلام في المدينة المنوّرة.. ولكن غاب عن بال جميع الذين كرهوا ما نزَّل الله تعالى، أنَّ الله يعلم إسرارهم، وما يحوكون في السر والخفاء، وأنه علاَّم الغيوب لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء!..فتلك الحالة من الطاعة والامتثال لأوامر رؤوس الشرك ودهاقنة اليهود، تبيِّن حقيقة نفوس المنافقين، إذْ كانوا يتظاهرون بالإسلام، ويعيشون بين المسلمين، بينما هم - في قرارة أنفسهم وفي اجتماعهم مع أهل الغي والضلال - كانوا ألد أعدائهم، لأنَّهم أعوان الشيطان وأتباع الأهواء؛ فقبحاً لأولئك المنافقين الذين يؤثرون ما يسوّل لهم، وما يملي لهم الشيطانُ على طاعة الرحمن، وطاعة رسوله الرحيم!.
ومن صفات المنافقين أيضاً السفاهة والاستهزاء..
يقول الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ *وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ *اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ *} [البَقَرَة: 13-15]..
ويظهر القرآن الكريم، في سورة البقرة المباركة بعضاً من طبائع المنافقين: إنهم سفهاء. وإنهم مستهزئون. ذلكما مبلغ ما يمكن أن يصل إليه المنافقون من الصفاقة، فهُمُ الذين يقرّون، ويعترفون، فيقولون عن أنفسهم: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البَقَرَة: 14].. ومن يدرك معنى الاستهزاء يعرف مدى ما يحمل من حقارة ودناءة..
ولنلاحظ هذا التلوّن في السلوك الذي كان يعيشه المنافقون:
فالمؤمنون يدعونهم إلى الإيمان الصادق، المتجرد عن الهوى. يدعونهم لأن يسلموا وجوههم لله تعالى، ويسلّموا مقاليد أمورهم لخالقهم. ويدعونهم لأنْ ينضووا تحت راية الإسلام فيطيعوا الرسولَ الكريم الذي يحمل هذا الدين نورَ هداية لهم وللناس كافة..والدعوةُ للإيمان من شأنها أنْ تحمل في طياتها إبعادَ الناس عن الخصائص الحيوانية، والارتقاء بهم إلى الكمال الإنساني، ولكن ماذا كانت ردة الفعل عند المنافقين: كانت اغتراراً واستعلاءً واستكباراً بغير حق.
قالوا:{أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البَقَرَة: 13]..
وهل يقصدون بـ«السفهاء» إلاَّ الأوس والخزرج، الذين كانوا أهلَ الدار والإيمان، فرفع العليُّ العظيم من عليائه مقامَهم فسماهم: الأنصار؟! أوِ الفقراء والمستضعفين الذين دخلوا في الإسلام مختارين، مسلمين وجوههم وقلوبهم لرب العالمين؟! أم أولئك السادة والأشراف من قريش، وهم الذين تخلوا عن كل شيءٍ في موطنهم مكة، وهاجروا مع رسول الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم) هرباً بدينهم، وتخلُّصاً من فتنة المشركين لهم؟!.
وجاءهم الرد الحاسم، والتقرير الجازم من السميع العليم: {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ} [البَقَرَة: 13].
أجل! إنهم هم السفهاء بنفاقهم وخداعهم وكذبهم.. أما الذين يتهمونهم - ظلماً وعدواناً - بأنهم السفهاء، فهم المؤمنون بإسلامهم، وصدقهم وإخلاصهم.. والأدهى من السفاهة عند المنافقين ذلك الجهل الذي كان يلفُّ عقولهم حتى جعلهم لا يعلمون أنهم هم السفهاء. ومتى كان السفيه يعلم أنه سفيه، ومتى كان المنحرف يدرك أنه يميل عن الطريق المستقيم؟
وعلى نسق السفاهة، كانت حياتهم تقوم على الذبذبة في المواقف، والخداع في التنقل ما بين المؤمنين والكافرين.. فإذا لقوا المؤمنين، قالوا: آمنّا.. وإذا انتقلوا إلى الناحية الأخرى، إلى الخلوات التي كان يعقدها أعداء الإسلام، وهي تجمع المشركين، والكافرين والمنافقين والعرافين والكهان واليهود - الذين يصفهم الله تعالى بالشياطين، لشدة كفرهم وشركهم ونفاقهم - .. أجل، إذا خلوا إلى أولئك الشياطين، قالوا: إنّا على دينكم، إنما نحن نستهزئ بأصحاب «محمد»، ونسخر منهم عندما نقول لهم: آمنا...
ولكنَّ القرآن الكريم ما يكاد يحكي فعالهم وأقاويلهم تلك، حتى يصبَّ عليهم من التهديد ما يهدّ الرواسي: {اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ *} [البَقَرَة: 15].
وما نفع حيلهم ومكائدهم ونفاقهم وخداعهم، وجبار السماوات والأرض يستهزئ، بل ويمدُّهُم بأسباب الحيلة والمكر، ومواقف الكفر والذبذية والنفاق، حتى تصل إلى حد الطغيان الذي يعمي بصائرهم، ليبقى الضَّلالُ يحيق بنفوسهم، ويبعدهم عن طريق الهدى.. فهم في الحيرة والتردّد قد وقعوا، وعن طاعة الله ورسوله قد انحرفوا.. يخادعون الله والذين آمنوا، وما يخدعون إلاَّ أنفسهم ولكن لا يشعرون.. ولسوف يظلون كذلك حتى يُقادوا إلى مصيرهم المشؤوم، فتمتد إليهم أيدي زبانية النار لتلقي بهم في جهنّم وبئس المصير.
الضعف عن اتخاذ المواقف الحاسمة...
يقول الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً *مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً *} [النِّسَاء: 142-143].
لقد بات واضحاً أَنَّ في رأس الأمراض المنطبعة في قلوب المنافقين - حتى لا يدخلها الإيمان - يأتي الخداع.. ومن كان في طبعه الخداع فلا يمكن أن يتبع مسلكاً سوياً، ولا منهجاً معروفاً.. ثم إنَّ من جهالة المنافقين العمياء غلبة الظنّ عليهم أنهم يخادعون الله تعالى، وذلك بإظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر، ليحموا أنفسهم ومصالحهم من بأس المؤمنين،.. فما أجهلهم وما أحقرهم في هذا الظنِّ والله - عزَّ وجلَّ - بيده أسرار القلوب وخفايا النفوس! إنَّ من يحاول أن يخادع الله ربَّهُ، وخالقه، وهو ذو الفضل عليه والرحمة، لا بد وأنَّ تكون نفسه قد تاهت في غيابة السوء والجهل والغفلة.. ولكن خسئ المنافقون وهم يتوهمون أنهم يخادعون الله تعالى.. فقد أوكلوا الأمور إلى نفوسهم، وما حسبوا أنه سبحانه يستدرجهم، ويتركهم في غيهم يعمهون، فلا يوقظهم من غفلتهم، ولا يوقع بهم بلاءً ينبِّههم، حتى تحل بهم القارعة ويسقطوا في الهاوية بحيث يأتي جزاؤهم من جنس عملهم، فيفتضحون في الدنيا، قبل أن يساقوا إلى العذاب في الآخرة..
ومن قبيل خداعهم ما يتعلق بركن أساسي من أركان الإسلام، هو الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.. فقد أوجَبَها الله - عزَّ وجلَّ - فريضةً على المؤمنين، يؤدُّونها خمسَ مراتٍ في اليوم، فكان المنافقون إذا حانَ وقت الصلاة لا يقومون لأدائها، إلاَّ وهم كسالى، متثاقلين كمن يحمل على ظهره عبئاً ثقيلاً.. مما يدلُّ على كراهيتهم للصلاة، وإنما كانوا يراؤون الناس ويمالقونهم ويخادعونهم في مشاركتهم القيام بها.. وحتى فيما يراؤون الناس به، كانوا لا يذكرون الله تعالى إلاَّ قليلاً، فلا يصلُّون كل الأوقات، ولا يحافظون على الفرائض - إجمالاً - إلاّ قليلاً.. لقد غلب على سلوكهم الزيف والخداع بما جعلهم مترددين بين الكفر والإيمان لا يتخذون موقفاً ثابتاً ونهائياً من أحدهما.. يتقلّبون بين صفوف المؤمنين تارة، وصفوف الكافرين تارة أخرى، مذبذبين بين ذلك، لا إلى المؤمنين ينتمون، ولا إلى الكفار ينتسبون... وهذا كله دليل على الضعف والهوان في نفوسهم، بحيث لا يقدرون على الاختيار بين عقيدة الإيمان، ومعتقد الكفر، ولا يسلكون منهجاً واضحاً، أو ينتحون ناحيةً محددة.. دأبهم التلوّن، وسيرتهم الذبذبة، ونهجهم الخداع، وعقيدتهم النفاق.. وهذا هو الضلالُ بعينه، ومن يُضلل الله فلن تجد له سبيلاً لهدايته، ولا طريقة لتقديم اعوجاجه، فيعيش على الذبذبة والنفاق!.. ومن نعمة الله تعالى على المسلمين في بداية العهد المديني أنه أنزل على رسوله الأمين من الآيات القرآنية ما يكشف عن سرائر المنافقين، ويفضح نياتهم الخبيثة، اتقاءً لشرور فعالهم، فصاروا يتقزّزون منهم قرفاً، ويتحاشون الجلوس معهم، أو معاشرتهم ظنّاً بإيمانهم.. بينما نحن اليوم نمالئ المنافقين ونداهنهم، وقد نسير في ركابهم، معلنين الولاء لهم!.. فأي مفارقة هذه التي يعيشها المسلمون اليوم خلافاً لدينهم؟!..
الإفساد في الأرض...
يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ *وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ *وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ *وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ *} [البَقَرَة: 204-207]. هنا يكشف الله تعالى عن حقيقة المنافق في كثير من تصرفاته المشينة: فهو لا يترك وسيلةً في القول إلاَّ ويتبعها، ليظهر غير ما يبطن، ويعلن غير ما يُسرّ، فهو مثل كثير من الناس، ممَّنْ يكون حذقاً في كلامه، فيعجبك قوله، وذلاقة لسانه، ويعجبك حديثه عن الخير والبر والصلاح والإخلاص!..
- وهو عندما يتحدث يشدِّد في قسمه، ويشهد الله تعالى على أنه صادق القول والنية، لأنه «يخاف الله تعالى»!!.. فحذارِ أنْ يخدعك مَنْ يكون على هذه الشاكلة بينما هو - في الواقع، وفي حقيقة نفسه - كذّاب، مراوغ لا يعرف شيئاً من برٍّ أو صلاحٍ أو خير، بل غالباً ما يكون أشد الخصام لأهل الحق والخير والإيمان!.
- ومثل هذا الإنسان ما أنْ يدير لك ظهره وينصرف عنك، حتى يعود إلى جبلّته التي اكتسبها، فيسعى إلى الفساد، وارتكاب المعاصي، فلا يضرب في مكان في الأرض إلاَّ ليفسد فيها.. فلا يستنكف، من أجل مصلحته، عن إتلاف البيئة، بما فيها من الزرع والنبات والثمار، إنْ أمكنه ذلك، ولا يقف أذاه عند هدم مناظر الطبيعة من حوله، بل يطاول النسل الذي يمثل امتداداً للحياة البشرية. وإهلاك النسل هنا كناية عما يعتمل في نفس هذا المخلوق من الحقد والشر والغدر والفساد، أي كل ما فيه ضرر وأذى لبني البشر!.
ـ وإذا كُشِف أمر هذا المخلوق العجيب، في سعيه للفساد وإهلاك الحرث والنسل، وقيل له: اتقِ الله يا هذا!.. ألا تعلم أنَّه تعالى خبيرٌ بنياتك، عليم بأفعالك، يسمع ويرى كل شاردة وواردة تقوم بها؟! إذا قيل له ذلك أخذته العزّة بالإثم، فثار غاضباً، مستكبراً، مستقوياً بالأعمال الآثمة من الجرائم والذنوب والمعاصي التي يرتكبها، ويفاخر بها!.
وقد يعتز المنافق بإثمه، إلا أنَّ في مواجهةِ ذاكَ الاعتزاز تهديدَ العزيز الجبّار: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البَقَرَة: 206].. إذ يكفيه مصيراً أنْ يكون مستقرُهُ في الآخرين جهنَّمَ التي وقودها الناس والحجارة، ولبئسَ المهاد في مقرٍّ أبديٍّ ليس أشد منه بؤساً وعذاباً.. لقد دعي المنافق لأنْ يتَّقِيَ الله تعالى، ويخاف عقابَهُ، فيترك النفاق في حياته، ولكنه استكبر وأخذته العزّة بالإثم فاستحق مصيرَهُ المشؤوم. قال الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إن من الذنوب التي لا تغفر أن يقال للرجل: اتقِ الله . فيقول: عليك بنفسك».
وأنت أيُّها الإنسانُ، يا مَنْ يخاطبك القرآنُ، إذا فكَّرتَ وتأمَّلتَ في تصرفات الناس من حولك، ألا تَجِدُ كل يوم كثيراً من هؤلاء المنافقين الذين يخادعون الناس بالمظاهر، ويضارّونهم بالفعال؟!.
وفي الحديث عن النفاق لا يجوز أنْ نغفل دور النفاق اليهودي القديم والحديث في محاربة الإسلام والكيد للمسلمين فقد شنَّ اليهودُ أعتى الحملات على الإسلام، بشكل خاص، بعد معركة بدر. وذلك بما اتبعوا من نفاق وكذب، لتضليل المسلمين، وحملهم على التنكر لدينهم، من أجل إعادتهم، بالتالي، إلى الشرك والكفر.. ولكنَّ الله سبحانه وتعالى حذّر المسلمين من أضاليل اليهود وخداعهم، فأنزل قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البَقَرَة: 109].
وأهل الكتاب الذين يشير إليهم النصُّ هم اليهود. لقد ثبت لهم أنَّ الإسلام هو خاتمة الرسالات السماوية، وتبين لهم أنَّ محمداً (صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو خاتم النبيين. وهذا هو الحق من ربهم. ولكنهم لم يرتضوا ذلك لسببٍ كامنٍ في نفوسهم وهو: الحسد، ولذلك كانوا يجهدون، بدوافع ميولهم، وحبهم لأنفسهم، لو يردّون المسلمين بعد إيمانهم كفاراً. إلاَّ إنهم فشلوا بفضل الله تعالى، وتحذيره - سبحانه - المسلمين من دسائسهم، وكيدهم وحسدهم..
ويبيّن الله تعالى وجهاً آخر من دسائس اليهود ومكائدهم على المسلمين، وذلك من خلال ما شُحِنَتْ به نفوسهم من خبثٍ ودهاءٍ، ومن رياءٍ ونفاق، فيقول تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ *} [آل عِمرَان: 72].
إنها طريقة أخرى من طرق اليهود الرخيصة، ووسيلة أخرى من وسائلهم الخبيثة، فقد حاولوا، وجرَّبوا كثيراً ليعيدوا المسلمين كُفَّاراً، حسداً من عند أنفسهم.. لكنَّ جميع محاولاتهم وتجاربهم، للنيل من المسلمين، لم تفلح بشيء. ولذلك ابتدعوا هذا الأسلوب المخادع، علَّه يوقع بذوي النفوس الضعيفة من الاضطراب والبلبلة ما يجعلهم يرجعون عن دينهم الذي ارتضاه لهم خالقهم؛ وهذا واضحٌ في النصّ القرآني، إذ كانت طائفةٌ من أحبارهم، وعلمائهم، ومن وجهاء قبائلهم يدعونهم أنْ يَدْخُلوا في الإسلام وضَحَ النهار، بحيث يراهم الناسُ يجتمعون مع المسلمين، وهم يظهرون الإيمان.. فإذا انصرم النهارُ تفرّقوا في الليل، فرادى وجماعاتٍ، على مجالس بعض المسلمين، وعلى مجالس العرب، ممَّن لم يدخلوا بعدُ في الإسلام، مدَّعين أنّ ما قيل لهم عن الإسلام لم يكن إلاَّ أضاليل يريد المسلمون أن يغشوا بها الناس، وأنَّ «دينهم اليهودي» هوأحق باتباعه!.. وهذا - والله - إظهارٌ للكفر الصراح.. أجل هذا ما كان اليهود يفعلونه لعلَّ فيه ما يحقق مآربهم في إرجاع بعض المسلمين عن دينهم.. ولكن والحمد لله لم ينجح ذلك الأسلوب الخادع، وظل المسلمون جميعاً على عهدهم باقين، يعمر الإيمانُ قلوبهم، ويقدمون الولاء والطاعة لله ورسوله، حتى كتب الله تعالى لهم النصر على أعدائه وأعدائهم.
ولا تزال خدعة اليهود وأعداء الإسلام تمارس حتى اليوم في شتى الصور والأساليب التي تتناسب وتطور الأحداث في كل جيل. وها هي الخديعة الكبرى تتمثل بما تجنَّد قوى اليهود الشريرة من العملاء للنفاذ إلى العقيدة الإسلامية وإضعاف المسلمين، وذلك من خلال الأبحاث والعلوم والآداب والفنون والصحافة وغيرها.. التي يستخدمها العملاء وأسيادهم للنيل من شأن الشريعة الإسلامية وتأويلها وتحميلها ما لا تطيق، والقول المتواصل برجعيتها وعدم ملاءمتها لروح العصر.
إنها حرب الافتراء، معلنةً ومستترة، التي يشنها أعداء الإسلام بصورة دؤوبةٍ لإبعاد الناس عن الإسلام، وإبعاد الإسلام عن الحياة تحت شعار: الإشفاق عليه من الحياة، أو الإشفاق على الحياة منه!!..
إنها الحرب اللئيمة المبتدعة لتشويه حقائق الإسلام المطلقة، وقيمه الروحية والأخلاقية..
والعجيب في الأمر أن يكون من أولئك العملاء والمأجورين مَنْ يحملون أسماء إسلامية، أو ينتسبون - فقط - إلى الإسلام، وما هم من الإسلام في شيء، بل وأكثر عجباً أنْ يشهروا سلاح أعداء الأمة الإسلامية، ليثيروها حرباً شعواءَ على المسلمين، ودعوةً سافرةً إلى الضلال.. وهؤلاء، مع غيرهم من مختلف البلدان والجنسيات باتوا يشكلون نوعاً من الجيش المتخفي، الذي أنعم عليه أسياده بالوظائف، أو الجنسيات، أو غيرها من لُعاعة هذه الدنيا، حتى يرتكب أفراده الجرائم النكراء التي تظهر في طباعة أسمائهم على كتب أقل ما يقال عنها أنها عناوين للقباحة والسوء واللعنة على أصحابها[*] .. أوليس هؤلاء العملاء والمأجورون مما ينطبق عليهم قول الله تعالى: {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عِمرَان: 72]... إنهم يَظهرون أمام الناس بلباس الإسلام، وبكلامٍ عن الإسلام وبمطبوعات عن الإسلام.. ولكن ما أنْ تحلّ مواعيد الاجتماعات، وتنعقد المجالس السريّة وغير السريّة، ويخلون إلى شياطين الكفر والإلحاد، حتى يخلعوا رداء الزيف، ويقدموا ولاء الإذعان للكفّار والدولار!. إنهم يقومون بالدور نفسه الذي قامت به تلك الطائفة من أهل الكتاب على عهد رسول الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم).. ولا يزال الأمر يتعاقب، ولا تزال المؤامرة تحاك، والخديعة تسري، ولا يتغير إلا الشكل والإطار، مع تغير الأشخاص والفجّار، بحكم الزمن.. وهكذا تظهر صفات المنافقين.. وما مثل الذين مردوا على النفاق إلا كمثل إبليس مرد على مخالفة أمر الله تعالى وطاعته حتى أعقبه الله تعالى حرمان التوبة، فسلبت منه القدرة على هذه التوبة، فهو على الضلال قائم، وعلى البغي باق، وعلى الفساد عامل إلى اليوم الذي يلقى فيه مصيرَهُ المحتومَ في نار السعير..
والمنافقون قد يخادعون الله تعالى، وقد يخادعون الناس، ولكنَّ خداعهم لا يكون إلاَّ لزمنٍ محدودٍ؛ لأنه مهما عظم النفاقُ وأهله، فلا بُدَّ أنْ يكشفَ الله تعالى الغطاءَ عن أعين وبصائر المضلَّلين، واللاهثين وراء المناصب والمال، فيروا مدى فداحة الجرم الذي يوجههم إليه المنافقون لمحاربة الإسلام.. وهذا مرهون بمشيئة الله تعالى، الذي يعلم أعمالكم أيها المنافقون، وأعمال عملائكم ومستخدميكم، كما يدلُّ عليه قول الحق تبارك وتعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لأََرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ *} [محَمَّد: 30].
وقال الشاعر المؤمن:
ثوبُ الرِّياء يَشفُّ عمَّ تَحتَهُ
فَإنِ التَحفْتَ بِهِ فإنَّكَ عارِ
فحذارِ أيها المسلم من المنافقين، وبخاصة من هؤلاء الذين يُظهِرون من عقيدتِهم غير ما يبطنون، فإنهم شر خلق الله على عباده المؤمنين. فلا يخدعنك منافق بقول أو دعوة أو عطاء، ولا تسمح له أن يسلك بك سبل إبليس حتى لا تكون مع المنافقين والكفار في نار جهنم التي وعدهم الله تعالى بها: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ *} [التّوبَة: 68].
وصدق رسول الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وهو يلخّصُ صفات المنافقين بقوله: «صفات المنافق ثلاث: إذا حدّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خَانَ»[*] .
وبقوله (صلى اللّه عليه وآله وسلم) الكريم: «إنّي لا أخَافُ على أُمّتي مُؤْمِناً ولا مُشرِكاً. أمَّا المؤمِنُ فيَمْنَعُهُ الله تَعالى بإيمانِهِ، وأمَّا المشرِكُ فيقمَعُهُ الله بِشِرْكِهِ. ولكنّي أَخافُ عليكُمْ كلَّ مُنافِقِ الجَنانِ، عالمِ اللِّسانِ، يقَولُ ما تَعرِفُونَ، ويَفْعَلُ ما تُنْكِرُونَ»[*] .

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢