نبذة عن حياة الكاتب
علم النفس: معرفة النفس الإنسانية في الكتاب والسنة - الجزء الأول

البحث الثاني: الإنتباه والغفلة. الذاكرة والنسيَان
الانتـباه:
إن المثيرات التي تشد انتباهنا في ساعات اليقظة كثيرة جداً. ولكننا قد نركِّزُ على شيء ما، ثم ننتقل إلى آخر أو إلى ثالث، ورابع، فلا نختارُ من بين تلك الأشياء إلاَّ ما يُثير اهتمامنا، ويجذبنا إليه، علماً بأنَّ كلَّ ما شدَّ انتباها ليس - في الواقع - إلاَّ جزءاً ضئيلاً من الظواهر الحسية أو الموجودات التي تقع عليها حواسنا، ولذلك فإن العملية التي يتم اختيارنا بها لأشياء معينة، دون غيرها، إنما هي عملية الانتباه..
ولكن ما هي طبيعة الانتباه؟ لا يزال هذا الموضوع محل خلاف بين المعنيين، إذ يرى بعض علماء النفس أنَّ الانتباه هو «مصفاة لتصفية المعلومات عند نقاط مختلفة في عملية الإدراك»؛ بينما يعتقد آخرون «أنَّ الإنسان يركّز ببساطة على ما يريد رؤيته ويرتبط بالخبرة دون استبعاد مباشرة الأحداث المنافسة».
ويقال عن الانتباه: هو اليقظة، وقد عرَّفه أيضاً بعضهم على أنه «تجمع للفاعلية النفسية حول ظاهرة من الظواهر تجعلها تامة الوضوح. فإذا كانت هذه الظاهرة خارجية كان الانتباه حسياً، وإذا كانت داخلية كان الانتباه تأملياً».
والمثال على الانتباه الحسي هو وقوع أشعة النور المرسلة داخل غرفة مظلمة على أحد الأشياء الموجودة فيها دون سائر الأشياء الأخرى، فَتُظْهِرُ الأشعَّةُ هذا الشيء، بينما قد تكون بقية الأشياء غير ظاهرة، وغير مرئية لنا تماماً.
وهكذا يجب تصور الانتباه الحسي على أنه شعور ينبعث من النفس ويوجه الاهتمام إلى شيء معين أكثر من الأشياء الأخرى الموجودة في ساحة الشعور، ولذلك كان تأثير الانتباه هاماً في إدراك الأشياء الخارجية.
أما الانتباه الداخلي فيكون تأثيره في المجالات الفكرية.. إذْ قد يكون لدى الإنسان أفكارٌ عاليةٌ مثل الإيمان، أو الحكم على الأمور، أو الاستدلال، وغيرها مما لا يمكن حدوثها أو بلورتها إلا بالانتباه. وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض الأمور العملية حيث إنَّ بعضها يثير الاهتمام ويشدُّ الانتباه إليه أكثر من غيره، وذلك من غير فرق بين أن يكون العمل فكرياً أو يدوياً، فما دام مهماً بالنسبة إلى الإنسان فإنه يحتاج إلى الانتباه الداخلي كما يحتاج إلى الانتباه الحسي، لكي تأتي نتائجه متوافقة مع مطلب الإنسان.
ولتوضيح مفهوم كلٍّ من الانتباه الحسي والانتباه الداخلي (التأمل الفكري) نعطي المثال التالي:
هب أنك كنت جالساً على شرفة منزلك، وأنظارك تمتد إلى البعيد حيث القرى تتناثر فوق الجبال وتكسوها الثلوج، أو أنك كنت تنظر إلى الأبنية المرتفعة من حولك، أو إلى السيارات التي تتدفق في الطريق، أو إلى باعة العربات وهم يصرخون لينبِّهوا المارة إلى بضائعهم إلخ... كل هذه الأشياء إحساسات خارجية أو مؤثرات حسية بالنسبة إليك. ولو لَفَتَ نظركَ أحدُ الباعةِ بحسن مظهره، فرحت تتأمل توضيب خضاره وفاكهته على العربة التي يدفعها أمامه، فهذا الشعور هو ما يعرف بالانتباه الحسي الذي شغلك عن المؤثرات الحسية الأخرى من قرىً، وجبال وثلوج وأبنية وسيارات.
ولو دخلت إلى مكتبك واستغرقت في التفكير بأحد الموضوعات التي تشغل بالك مثل زواج ولدك من فلانة، أو نجاح ابنتك في الامتحان، أو الاجتماع الذي تعقده ظهراً مع مدير عملك، أو تكاليف السفر إلى الخارج.. بحيث انطوت المؤثرات الحسية التي كنت تراها قبل وقت قصير، ولم تعد تهتم لصراخ أطفالك قبل خروجك من البيت، أو لموجودات المكتب من حولك، فأنت في هذه الحالة في وضع تركِّزُ فيه أفكارك حول الموضوع الذي يشغلك، أي حول مركزٍ واحد، فهذه الظاهرة الشعورية هي التأمل أو الانتباه الداخلي.
وقد يزداد تركيز الأفكار حتى يبلغ درجة عالية ينسى معها الإنسان كل ما يحيط به، فهذا هو الانتباه الشديد. ومثال ذلك أنْ تشدَّك مشاهد مثيرة يعرضها التلفزيون، بحيث تغرق مشاعرك وأفكارك في تلك المشاهد المتلاحقة التي تُعْرَض، فيكون انتباهك هنا شديداً. ولا يعني هذا الانتباه الشديد أنَّك في حالة من الشرود أو من التشتت الفكري أو في حالة من الذهول، بل على العكس إنَّ شدة الإحساس، وشدة التفكير هما اللتان تلازمانك في مثل هذه الحالة، وتطغيان على ما عداهما من مشاعر وأفكار. ولذلك يكون الانتباه مختلفاً تماماً عن التشتت الفكري. لأنَّ هذا التشتت يحصل عندما تتكاثر الأفكار حول موضوعات عديدة، وتتضارب المشاعر بشأنها بحيث لا تقوى إحداهما على الأخرى، ويكون ذلك لفترة من الوقت، يعود بعدها الإنسان إلى حالته الطبيعية ويبعد عنه ذلك التشابك والتضارب في أفكاره ومشاعره، فينتهي عندها من حالة التشتت التي رافقته قبل ذلك.
من هنا، فإن حالة التشتت التام لا توجد إلا في الأحلام، إذ يستسلم المرء للصور التي تتلاحق في خياله، حيث يكون متراخي الشعور، فاقدَ التفكير الانتقادي، فلا يفضل حالة على أخرى، بل تتوارد الصور والذكريات عليه، فتنضم بعضها إلى بعض وتتولد لديه حالة من الشعور بالحزن أو الفرح، بالحب أو الكراهية، بالخوف أو الجبن..
وتتولد عن الانتباه نتائج إيجابية أو نتائج سلبية..
فمن حيث النتائج الإيجابية: إن الانتباه يزيد الانفعالات النفسية شدةً؛ فمثلاً انتباه المريض وتفكيره المستمر بآلامه يزيده ألماً، ومحاولة التخفيف من شدتها، وتوجيه نفسه للانشغال ببعض الأمور، قد يخفف من تلك الآلام.. الجنود لا يشعرون بشدة وطأة آلامِ الجراح وقت احتدام المعركة. وبعض فقراء الهند، وبعض (لامات) التيبت يقطعون أصابع أيديهم أو يجرحون أجسادهم جروحاً بالغة، وهم في حالة من الذهول، من غير أن يشعروا بالآلام. وكذلك حماسة الشهداء في سبيل الله تعالى فإنها تحوّل المشقات والآلام - وهم في حالة الانفعال - إلى لذة وراحة..
ومن صفات الانتباه أنَّه يقوّي إثبات التصورات والمعاني في نفوسنا، فيسهل علينا حفظها، والتمكن في المستقبل من التغلب على الأسباب التي تحول دون تمكّن الشعور منها...
والانتباه أيضاً يُعِين على ترتيب الأفكار وتوضيحها، فليس للإحساس بذاته معنى خاص به، ما لم يرتبط بغيره من الأحاسيس، فسماع ضجة مثلاً قد لا يسترعي انتباهك كثيراً إذا كنت مشغولاً بأمور أخرى، بمعنى أنَّ دور الانتباه يكون بالربط ما بين إحساسٍ معين وغيره من الأحاسيس التي لم ينتبه لها في أول الأمر، كي يعطيه معنى خاصاً، ولذا فإنّ التأمل الفكري أو الانتباه الداخلي من شأنه تنظيم الأفكار وتنسيقها، وتحديد علاقة بعضها ببعض.
والانتباه عامل هام في تحصيل العلم واكتساب المعرفة، فمثلاً التلميذ الذي لا ينتبه لشرح الدرس لا يمكنه أن يدرك المعلومات التي يشرحها المعلم، وبالتالي فقد يكون ذلك من أسباب رسوبه في الامتحان، ولذلك فإنَّ المربين والمعلمين يحرصون على شدّ انتباه تلاميذهم حتى يمكّنوهم من استيعاب الدروس وفهمها وتعلّمها. ومما يساعد التلامذة على تركيز الانتباه لديهم، ويسهل عليهم عملية التعلم، عرض المعاني المجردة بطرق سهلة حديثة: منها الاستعانة بالوسائل السمعية - البصرية، وإجراء التجارب العلمية في المختبرات، وفي الهواء الطلق؛ فمثل هذه الطرق وغيرها من شأنها أنْ تثير انتباه الدارسين وتساعدهم على إدراك فهم النظريات والدروس التي يتلقونها.
ومن أجل إثارة الانتباه فإنَّ القرآن الكريم يستعملُ أساليب متنوعة لهذا الأمر، ومنها الأسلوب القصصي للفت انتباه الإنسان وشدِّه إلى ما تتضمن القصص من عظات وعبر وتوجيه وتعليم. ومنها الأسلوب المباشر في التذكير لذوي العقول والحواس المدركة، كما في قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ *} [ق: 37]. وقد جاءت هذه الآية الكريمة بعد الإخبار عن إهلاك أمم كثيرة من الكفار، إذْ يذكّر ربُّ العالمين بهم قريشاً وأعداءَ الدعوة الإسلامية، ويبين لهم أنَّهم كانوا أشد منهم بطشاً، وأن في الإخبار عنهم عظةً بالغةً لمن كان له عقل مدرك بحيث لا يمكنه، بعد الاستماع إلى كلام القرآن، والإصغاء إليه بانتباه ومن ثم فهمه، إلاَّ أنْ يتأثر قلبه ويتعظ بتلك الأخبار، وإلاَّ فإنَّ من لم يتعظ، فعلاً، فكأنما لا سمع لديه للتدّبر، ولا قلب للتذكر..
ويشير القرآن الكريم أيضاً إلى أنَّ الإنسان بعد النوم عادةً ما يكون أكثر انتباهاً، وإدراكاً للقضايا التي تدور حوله، وأكثر تفهماً للمعاني، ولاسيما تلك التي تهمُّهُ، فمثلاً عندما يفتتح المؤمنُ نهارَه بتلاوةِ القرآن أو سماعهِ بانتباهٍ ووعيٍ كاملين فإنه يكون حينئذٍ أكثر فهماً لمعانيه، وأكثر استيعاباً لها، وما ذلك إلاَّ لأنَّ الذهن يكون قد أخلَدَ للراحة أثناء الليل الذي جعلَهُ الله تعالى سكناً للإنسان، حيث تسكن جوارحه عن الحركة، ويتيح له النومُ الراحةَ من الهموم التي تثقل كاهله في النهار، وقد يكونُ الاستغراقُ في النوم كفيلاً ليُذهِبَ عن النفس كلَّ مشاغل الدنيا وهمومها.. وهذا ما يمكن أن تبيّن أهميتَهُ وتأثيره على الإنسان من القول الكريم الذي يحثُّ فيه الله - عزَّ وجلَّ - رسولَهُ محمداً (صلى اللّه عليه وآله وسلم) للنهوض باكراً، بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنْذِرْ *وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ *وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ *وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ *} [المدَّثِّر: 1-5]. وأما عن أهمية الليل وسكنه وتأثيره على الانتباه فيقول تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً *} [المُزّمل: 6]. والمقصود أنَّ قيام الليل هو أشدُّ مواطأةً بين القلب واللسان، وأجمع للخاطر على تفهم القرآن الكريم، وأبين قولاً من القيام بذلك أثناء النهار، الذي هو وقت انتشارِ الناس وسعيِهم في طلب المعاش، والحركة والتعاطي في مختلف الشؤون.
وفي تأكيده على أهمية تعلّم القرآن وفهمه، يدعو المولى - عزّ وجلّ - الناس للاستماع إليه والإنصات لتلاوته، لأنّ في ذلك رحمةً لهم. يقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *} [الأعرَاف: 204]. فالاستماعُ للقرآن والإنصاتُ لتلاوته يتضمن توجيه الانتباهِ لفهم ما في الآيات وتدبرها، ومعرفة ما جاءت به من عقيدةٍ ومنهجٍ وتعاليمَ وأوامرَ ونواهٍ وحكمٍ وعظات. وفي هذا دليل أيضاً على أهمية الانتباه في الفهم والتعلم.
ومن أساليب القرآن الكريم أيضاً لإثارة الانتباه، استعماله - بالإضافة إلى القصص - الأمثالَ كوسيلة وأسلوب يجسدان معاني العقيدة، وطرق الدعوة إليها، وتقريبها من الأذهان، فمن يستمع إلى القصص القرآني والأمثالِ التي يضربها ويفهم مبانيها ومعانيها، تتجسد في ذهنه الوقائع التي تثيرها، وكأنَّها صور حسية، ومشاهد من الحياة، تُستعرض أمام ناظريه بكلِّ أشكالها وحركاتها.
وكذلك الأمر عندما يصوِّر القرآن الكريمُ مشهداً من مشاهد يوم القيامة. فاستمع وتصوّر وأنْصِتْ إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *} [الحَجّ: 1-2]. فقوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحَجّ: 2] يصور تماماً حالةً مخالفةً للانتباه كلياً، وهي حالة الذهول التي تعتري الناس في تلك الساعة. لأنَّ معنى الذهول هو تشتت الفكر، ومن ذهل عن شيء نسيه، وغفل عنه، أو انصرف تفكيره إلى شيء أهم منه، أي إنه جعل الذهن أو الانتباه موزَّعاً بين أمور شتى، قد ينصرف عنها جميعاً التفكير للتركيز على أكثرها أهمية، وهذا هو الذهول المقصود في الآية الكريمة، الذي يؤدي حتى إلى غياب إدراك الأم المرضعة عن رضيعها، لانشغالها بأمرِ زلزلةِ الساعة العظيم، الذي يسيطر فيه الخوف من عذاب الله الشديد على قلوب الناس، فلا يعودُ أحدٌ قادراً على إدراك شيء، لأنَّ كلَّ انتباهه يكون مشدوداً إلى أمر واحد فقط، وهو المصير الذي سيلقاه، وليس إلى أي شيء آخر، أو أمر غيره على الإطلاق، حتى لترى الناس في هذه الحالة فتحسبهم سكارى، ولكنهم في الحقيقة ما هم بسكارى، لكن هو الذهول الذي أصابهم وجعلهم يظهرون كأنهم سكارى.
وأما من حيث النتائج السلبية فإنَّ الانتباه يضيِّق أفق الفاعلية الفكرية، ويؤدي إلى أُفُولِ قسم كبير من الإدراكات والأفكار وتناقص شدتها. فكما أننا نغلق أجفاننا قليلاً، ونضيّق دائرة البصر عند ملاحظة شيء من الأشياء الصغيرة، فكذلك نطرد من أفق الشعور، عند انتباهنا لبعض العناصر الفكرية، كلَّ أمرٍ لا علاقة له بها. فيضيق أفق الشعور على النحو الذي تضيق به دائرة البصر.
وهكذا يتبين لنا أنَّ للانتباه آثاراً هامةً في الحياة. وتظهر تلك الآثار في مختلف الأوضاع والظروف التي يعيشها الإنسان. إلاَّ أنها تبرز بشكل واضح في تكيّفه مع البيئة[*] ، وفي معرفة الأمور المتعلقة بشخصيته. فالانتباه يجعل الإنسان قادراً على التكيّف مع بيئته، على الرغم من أنَّ عوامل البيئة تكون عادة أكثر تبدّلاً من نزعات الإنسان وميوله. والإنسان مضطر، بحكم وجوده، لمعرفة تلك العوامل، حتى يمكنه التوفيق ما بينها وبين ميوله، ولا يتم له ذلك إلا بالانتباه..
ـ أما فيما خصَّ الأمور المتعلقة بشخصية الإنسان، فإن الانتباه يجعله يختار أحسنها وأكثرها توافقاً مع فكره وقلبه. فالإرادة تتلازم دائماً مع التفكير والتأمل. والإنسان لا يسير دائماً بحسب رغباته ونزعاته وعاداته، بل كثيراً ما يتأمل في مختلف الأمور التي تعنيه، ويوازن فيما بينها لينتقي أفضلها وأقربها إلى نفسه، بحيث يجعل أعماله مبنية دائماً على أفكاره. ولذلك قيل: «إن الفكرة أول العمل، كما أنَّ العمل نهاية الفكرة».
وأياً يكنْ تأثير الانتباه وأهميته في حياتنا، فلا يجوز للإنسان أنْ يفرط في الانتباه والتأمل، لأنَّ ذلك يؤدي إلى الشعور بالإرهاق، والتعب الفكري، إذ إنَّ ملكات الفكر لا يمكن أنْ تستمرَّ في أداء عملها بصورة متواصلة دون أنْ تحتاج إلى فترة من الارتياح؛ ولذلك نجد الطلاب يحسُّون، بعد السهر في ليالي الامتحان المضنية، بميل إلى الابتعاد عن الكتب وكراريس المحاضرات، ليأخذوا قسطاً من الراحة..
ولقد قام العلماء بعدة تجارب لقياس قوة الانتباه، واتبعوا في ذلك طرقاً مختلفة، ومنها الطريقتان التاليتان:
- طريقة تصحيح النصوص: وهي تقوم على شطب بعض الحروف في نص معين. كأن يطلب من التلامذة شطب حرف (الباء) و(الفاء) و(الطاء) من النص الذي بين أيديهم. ويعطون وقتاً محدَّداً لذلك، والتلميذ الذي يشطب أكبر عدد ممكن من هذه الحروف، خلال الوقت المحدد، يكون أكثرَ انتباهاً من الآخرين.
ومثل الاختبار على الانتباه البصري، يمكن إجراء الاختبار لقياس الانتباه السمعي، وذلك بأنْ نقرأ على التلامذة نصاً معيناً، بصوت هادئ وواضحٍ ونطلب من كل واحد أنْ يعيد كتابة النص، والتلميذ الذي يعطي أكبر عدد من المفردات والجمل التي سمعها، يكون الأشدَّ انتباهاً.
وكلا المثالين يدلاَّن على أنَّ قوة الانتباه لدى الأشخاص ليست واحدة، بل تختلف باختلاف التكوين الذهني والنفسي لكل منهم.
- طريقة زمان الانعكاس: وزمان الانعكاس هو الزمان اللازم لانتقال التأثير من العصب الحسي إلى مركز الدماغ وصدوره عنه بواسطة العصب المحرك. وقد يكون المؤثر كلمة يطلب الرد عليها بكلمة أو مجموعة كلماتٍ تقتضي إعادتها.. وقد أدت التجارب التي استعملت في هذه الطريقة إلى النتائج التالية:
1 - كلما كان الطفل أصغرَ سناً كان جوابُه على المؤثر أبطأ.
2 - إنَّ ذوي المواهب العادية أبطأُ من الأذكياء إجابة على المؤثرات.
3 - إنَّ سرعة الإجابة تابعة لسرعة الانتباه، فكلما كان الانتباه أشدَّ، كان زمان الإجابة أسرعَ.
4 - التعب يؤدي إلى زيادة زمان الانعكاس، فانتباه التلاميذ للشروحات في آخر النهار أقل منه في أوله.
5 - الإثارة تزيد في زمان الانعكاس، فمن الخطأ أن نؤنب الولد في البيت أو التلميذ في المدرسة على بطئه في الجواب، لأنّ الخوف الذي يولده هذا التأنيب في نفسه، يزيد في إبطائه على الإجابة.
6 - إنَّ تمارين التنفّس تنقص زمان الانعكاس وتوقظ الانتباه.
7 - إنَّ الكلمة الدالة على الشيء المحسوس أسرع إثارة للجواب من الكلمة الدالة على الفعل. والكلمة الدالة على الفعل أسرع إثارة للجواب من الكلمة الدالة على المعنى المجرد.
الغفلة:
الغفلة: سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ أو التيقظ أو الانتباه. كما في قول الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ *وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ *لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ *} [ق: 20-22]. هذا النص يرسم لنا مشهداً إجمالياً عن يوم القيامة، حين ينفخ في الصور، ويأتي أوانُ الوعد والوعيد.. إنه مشهد مرعب، مزلزل، يكفي أنْ يتذكره الإنسانُ، وهو على هذه الأرض، حتى لا ينامَ ليلهُ في العبادة، والتضرع طلباً للمغفرة والرحمة، رهباً من ذلك اليوم، وطمعاً في رحمة ربه العزيز الرحيم. قال رسول الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم) : «كيف أنتم وصاحبُ القَرْنِ (أي الملكُ الذي يَنفُخُ في الصُّورِ) قَدِ التَقَمَ القَرْنَ، وحَنَى جَبهتَهُ، وانتظَرَ أنْ يُؤذنَ له؟» . قالوا: يا رسول الله ! ماذا نقول؟ قال (صلى اللّه عليه وآله وسلم) : «قولوا حسبُنا الله ونعمَ الوكيلُ» ؛ فردَّدَ القومُ: حسبُنا الله ونعمَ الوكيلُ[*] .
{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ *} [ق: 21].. لما يوحي من مدلولات كثيرة وعظيمة:
{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ} [ق: 21]، ولفظة: {نَفْسٍ} [ق: 21] تحمل بُعدَيْن: بُعداً لغوياً، وبُعداً عقائدياً، فمن حيث اللغة هي تعبير عن الناس، فتقول هذه العائلة مؤلفة من خمسة أنفس، وفي تلك المدرسة مئة نفس، وحضر الاحتفال ألف نفس، ومن حيث العقيدة الإسلامية إنَّ النفس هي محل الحساب عن كل ما قال، وفعَلَ، ونوى الإنسانُ في الحياة الدنيا..
وأمَّا عن المجيء «وجاءت»، فإنَّ كل إنسان يجيء للحساب بمفرده، ولكن ليس طوعاً، بل كرهاً عنه لأنَّ معه ملكاً يسوقه، وملكاً يشهد عليه، ويجيء وهو ذليل خائف، خاضع لأمر السائق حتى يقفَ بين يدَيِ العزيز الجبار، لقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا *} [مَريَم: 93] فكلمة «عبد» تعني الذلَّ، والخضوع، والخوف.. وهذا المشهد الذي يساق فيه الناس - كلُّ نفسٍ، فلا يفلتُ أحدٌ - عبيداً إلى المحشر، إنما يأتون جميعاً ولكنْ كل واحدٍ بمفرده بلا أهلٍ، ولا نصيرٍ، ولا مالٍ، وهو ما يعنيه قوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا *} [مَريَم: 95] متعرّياً من كل شيءٍ، إلاَّ ما يحمل من أثقال الحياة الدنيا على كاهليه..
وأما السائق والشاهد فهما ملكان كاتبان، كانا مكلفين بحفظ كل ما يصدر عنه، وتسجيله في كتاب أعماله ليكون هذا الكتاب وحده كافياً عندما يقرأه صاحبه لتحديد مصيره في الدار الآخرة..
وهكذا يكون المشهد قد اكتمل، فهو أشبهُ شيءٍ بمشهد السَّوْقِ إلى المحاكمة، حيث يسوق الحرسُ المتهمَ للمثول أمام القاضي، ومحاكمته عمّا نسب إليه من جرم، مع الفارق الكبير، وهو أنَّ الحسابَ - المحاكمة - يوم القيامة يكون بين يدي العزيز الجبار، مالك يوم الدين.. وفي هذا الموقف العصيب، يقال للإنسان: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ *} [ق: 22].. هذا هو اليوم الذي حذَّرك القرآنُ من الغفلة عنه، ونبَّهك وأنذرك بأنه آتٍ لا محالة؛ ولكنْ كنتَ في غفلةٍ من الاستعداد له.. أجل، لقد غفلتَ عنه، ونسيته، وأنت سادرٌ[*] في الدنيا، لاهثٌ وراء المتع والمطامع، ولم تنتبه إليه، فلم تحسب له حساباً.. بل ويقالُ لمن أنكرَ البعث والحساب: لقد انحرفت عن فطرتك، وكذَّبت المرسلين، وانصعت لأوامر الشيطان، فكفرت بالله واليوم الآخر حتى عميت بصيرتُك، فكأنما كنت غافلاً وفي سباتٍ عميق. أما اليومَ فقد أذهبنا عنك تلك الغفلة، وكشفنا غطاء النسيان والإِنكار عن قلبك، فلا يحجب عن بصيرتك حجاب، ولا يستر عن بصرك ستار، فالأمر كله مكشوف لديك، وماثل أمام عينيك، بحيث يمكنك أن ترى اليوم ببصرك الحاد، وببصيرتك النافذة ما كنت تأنف من قبوله، أو حتى التفكير فيه.
هكذا يُساقُ كلُّ فرد - لوحده - من الكفار، والمجرمين والمنكرين لحقيقة البعث، أولئك الذين أغلقوا قلوبهم دون الإيمان بالله، وطاعته، وأعمَوْا أبصارهم عن الإسلام وجعلوا لله أنداداً، فتاهوا في غياهب الغي والضلال، بل حتى حلَّ يوم الوعيد، يوم يُلقى في جهنَّم كلُّ كفَّار عنيد، منّاعٍ للخير، معتدٍ أثيم، الذي جعل مع الله إلهاً آخر، فألقي في العذاب الشديد..
وأولئك الذين أغفل الله - عزَّ وجلَّ - قلوبَهم عن ذكره حتى عصوْهُ، وأفرطوا في عصيانه، إنَّما نهى سبحانه نبيَّهُ محمداً (صلى اللّه عليه وآله وسلم) عن طاعتهم بشيء مصداقاً لقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].. ذلك أنَّ غالبية الزعامة في قريش كانوا يحتجّون على النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بأنه يجمع الفقراء والمساكين من حوله، ويلحّون عليه بطردهم حتى يمكنهم الدخول في الإسلام، لأنهم يأنفون من مجالستهم، ومن المساواة معهم في أخوة الدين.. وكان النبي الأكرمُ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يعلم أنَّ ما يطلبونه محضُ افتراء عليه، وعلى دعوة الهدى التي يحمل للناس كافة، بلا أدنى تمييز بين عبدٍ وحرٍّ، وفقير وغني، وصعلوك وسيّد، لأنَّ ميزان الإِيمان في الدين الإسلامي هو التقوى، والتقوى وحدها؛ أما ما طلبَهُ المشركون، فقد كان بدعةً إضافيةً، من جملة ما كانوا يتوهمون لوضع العراقيل في وجه محمدٍ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ودعوته، من أجل، إبعاد الناس عنه.. فكان من مستلزمات مصداقية الدعوة أنْ يحذّر ربُّ العالمين نبيَّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) من أولئك المستكبرين الظالمين، وألاَّ يطيعهم في هذا الأمر، أو في غيره مما يخالف الحق، إذ لو أرادوا الدخول في الإسلام، لكان حريّاً بهم أنْ يَعَوْا ما يقوله لهم هذا النبي، ويتدبروا الآيات القرآنية التي يتلوها على مسامعهم، فلا يعود لديهم الشعور بالفوارق الطبقية، أو التمايز الاجتماعي، بل لوعوا عدلَ الله - عزّ وجلَّ - ورأفته بعباده - بهدى الإسلام ونورانيته - . أمّا وقد ضلّوا عن ذلك كله، فكان حقاً على الله العزيز الحكيم أن يغفل قلوبهم عن الإِيمان، وعن الحقائق والآيات المبثوثة في أنفسهم، وفي الكون كله، مما تقع عليه حواسهم، لأنها تشكل بذاتها البرهان القاطع على حقيقة وجود الله تعالى، وعلى حقيقة ما يدعو إليه رسوله محمد ابن عبد الله .. والله سبحانه وتعالى إنَّما يُغفل عن ذكره وطاعته قلبَ كلِّ إنسان اتَّبع هواهُ، بحيث لا يكون همُّهُ إلاَّ نفسَهُ، ومالَهُ، وعائلته، ولا يكونُ شأنُهُ إلاَّ انصرافه إلى متاع الدنيا، والولوغ في اللذائذ والشهوات، مهما كانت السبل التي تؤمن له ذلك، لأنَّ الغاية عنده تبرر الوسيلة.. ومثل هذا الإنسان يكون عادة من أولياء الشيطان الذي يملأ قلبه بالوساوس الخبيثة، فلا يعود في قلبه متسع لمعرفة الله تعالى، واتباع هداه..
والقلب الذي يشتغل بشواغل الحياة الدنيا، ويجعلها غايته، كان حقاً على الله تعالى، أنْ يُملِيَ لصاحبِهِ ليزدادَ إثماً وعُتُوّاً، كما تدلُّ عليه حياة الكافرين والمشركين، الذين يكون أمرهم إسرافاً في الضلال والظلم، واستكباراً في الأرض ، يقول تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَِنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *} [آل عِمرَان: 178]، وذلك كله من ظلمهم لأنفسهم {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [التّوبَة: 70]..
وإذا كان من المتوقع أنْ يغفل الكافرون والمشركون عن الإسلام الذي بُعث به محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، لأنهم لا يعلمون أنه الحق من ربهم، فإنَّ أهل الكتاب ليعلمون علم اليقين أنَّ هذا الإسلام هو الحقُّ، وأنَّهُ أُنزِلَ من الحقِّ سبحانه وتعالى، ولكن مع هذا العلم، ماذا فعلوا، وماذا يفعلون اليومَ حيال الإسلام وأهله؟ يقول الله تعالى: {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البَقَرَة: 144]ـ فأهل الكتاب - من اليهود والنصارى - ليعلمون - مما يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل - أنَّ القرآن هو الحقُّ من ربّهم، وأنَّ محمداً هو النبيُّ الأميُّ الذي أُنزلَ القرآن عليه.. وعلى الرغم من ذلك فقد عقد أكثرهم العزم - ومنذ بداية الدعوة - على محاربة الإسلام، وتكذيب رسول الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وغنيٌّ عن البيان ما يحفل به تاريخ اليهود في جزيرة العرب من العداوة للإسلام، والتآمر على قتل محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وكذلك ما قام به النصارى، ولاسيما الروم وأتباعهم، من الدعم للقبائل على أطراف شبه جزيرة العرب حتى تقف في وجه الإسلام وتلك الحرب الشرسة التي أعلنوها على المسلمين، حتى اضطروا إلى خوض قتالٍ مريرٍ معهم في «مؤتة»، بل وأكثر من ذلك، فقد أوصى ولاة الإمبراطور الروماني على المقاطعات بقتل كل مسلم أينما لقوه على الأرض الخاضعة للروم.. هذا منذ فجر الإسلام!..
وها هُمُ اليوم أهلُ الكتاب، الذين يعلمون من تدارس القرآن - سراً وعلانية - أنَّه كتابٌ سماوي، وأنَّه الحقُّ من ربهم، وأنَّهُ يدعو إلى الحقِّ، والعدلِ، وتهذيب النفوس، ونشر الأمن والسلام بين الناس، ومع ذلك فما زالت تلك العداوة قائمة للإسلام، والكراهية عينها للقرآن، بل ولا يتورع كثير من أهل الكتاب - ولا سيما أصحاب النفوذ الدولي - من إعلان الحرب على المسلمين، بل وأعلنها - جهاراً نهاراً - رئيسُ الولايات المتحدة الأميركية حرباً صليبيةً منظَّمةً على أثر أحداث 11 سبتمبر عام 2001م، وكل ذلك بسبب معتقداتٍ خاطئةٍ ومخططاتٍ اقتصاديةٍ جشعةٍ، وأطماعٍ دنيويةٍ جامحةٍ.. وما الله بِغَافِلٍ عَمَّا يَعمَلُونَ..

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢