نبذة عن حياة الكاتب
X
التاريخ
ليسَ التاريخُ مصدرًا للنظامِ والفكرِ، بلْ يُؤخَذُ النظامُ من مصادرهِ الفكريةِ لا من التاريخِ، فحينَ نريدُ أن نفهمَ النظامَ الشيوعيّ لا نأخذُهُ من تاريخِ روسيا، بلْ نأخُذُهّ من كتبِ المبدأ الشيوعيّ نفسه، وحين نريدُ أن نعرفَ الفقهَ الفرنسيّ لانأخذُهُ من تاريخِ فرنسا، بلْ منْ مصادر اللغةِ الفرنسيّة.
وهذا ينطبقُ على كلِّ نظامٍ أو قانونٍ.
وللتاريخِ ثلاثةُ مصادرٍ:
أحدُها: الكتبُ التاريخيّةُ.
الثاني: الآثارُ.
الثالث: الرواية.
لمْ يكنْ للمسلمينَ باعٌ في التاريخِ، تاريخِهِم أو تاريخ الأممِ الأخرى وإن كانتْ طريقتُهُمْ، في كتابةِ التاريخِ، هيَ الطريقة الصحيحة كروايةِ الخَبَرِ عَمّنْ شاهَدَهُ أو روايةِ الكتّابِ عَمّنْ روى الخبرَ عمّنْ شاهدهُ.
وفي تاريخِ الأمَمِ الأخرى اعتمدوا على رواياتٍ ضعيفةٍ حُشِيتْ بالأساطيرِ والقِصَصِ، وفي تاريخِ الإسلامِ لمْ يُدَقِّقُوا في الرواية تدقيقَهُمْ في السّيرةِ والحديثِ، واقتصروا على أخبارِ الخلفاءِ والرواةِ، ولمْ يُعْنَوا بأخبارِ المُجتمعِ وأحوالِ النّاسِ. ولذلك لا يُعطي التاريخُ الإسلاميّ صورةً كاملةً عنِ المجتمعِ أو عنِ الدولةِ وإنما يمكِنُ أخذُ هذه الصورةِ من كُتُبِ السيرةِ بَعْدَ تحقيقها. ومن كُتُبِ الحديثِ التي رُوِيَتْ فيها أخبارُ الصّحابةِ والتابعينَ.
والحقّ أنّ التاريخَ الإسلاميّ يحتاجُ إلى إعادةِ نظرٍ في تحقيقِ ما وردَ منْ حوادثَ في كُتُبِهِ، عن طريقِ التّحقيقِ في أمْرِ الرواةِ والمستَنَداتِ، وفي الحوادثِ نفسِها ومحاكمتِها على ضوءِ الوقائعِ والرواياتِ.
ولا أهميّةَ لما حدثَ في غيرِ زمنِ الصّحابةِ. أمّا ما حصلَ من الصحابةِ فإنّهُ موضِعُ البحثِ، لأنّ إجماعَ الصحابةِ دليلٌ شرعيّ. ولأنّ هنالكَ أحكامًا كثيرةً تجدّدتْ بتجدّدِ الحياةِ، وعُولِجَتْ مشاكلُ مِنَ الصحابةِ أنفسِهِمْ. فلا بُدّ منْ معرفَتِها من ناحيةٍ تشريعيّةٍ، فتاريخُ الصّحابةِ مادّةٌ من موادِّ التشريعِ.
إنّ كثيرًا من شؤونِ الجِهادِ، ومعاملةِ أهلِ الذمّةِ، والخراجِ والعُشرِ ومعرفةِ كونِ الأرضِ عُشريةً أمْ خِراجيّةً، أي أيها أُخِذَ صُلحًا وأيها عَنْوَةً، والأمانِ والهدنَةِ، وأحكامِ الغنائمِ، والفيءِ وأرزاقِ الجُنْدِ، كلّها حوادثُ وأحكامٌ صارَتْ عمليّةً في الدولةِ، فلا بُدّ مِنْ معْرِفَتِها لاتخاذِ ما أجْمَعَ عليهِ الصّحابةُ، واعتبارِهِ دليلًا شرعيًّا يُحْتَج بهِ. ولا سيما ما أجمعَ عليهِ الخلفاءُ الراشدونَ من تسيير الحُكمِ والإدارةِ والسياسةِ. فإنّهم خيرُ مَنْ آتاهُ الله عقليّة حُكمٍ، وخيرُ مَنْ يفهم تطبيقَ الأحكامِ في الدولةِ على الرعيّةِ، مسلمينَ كانوا أو ذِمّيّينَ. ولهذا فلا بُدّ من معرفةِ التاريخِ الإسلاميّ في عصرِ الصحابةِ.
وأما التاريخُ الصحيحُ لغيرِ الصحابة فإنه لا بأس به كأخبار ومعلومات ولكن ليس للاقتداء به، حتى ولا للاتعاظِ بما جاء فيه.
نعم إن القرآنَ الكريم قصَّ علينا تاريخَ بعضِ الأنبياء وبعض الأمم الأخرى، للعظة بالنسبة للإيمان ولطاعة الله وبيان عاقبة من يعصيه، لا لنتخذَ أخبارهم وأعمالهم منهجًا للسير بحسبه. ومن الأخطاءِ الشائعة ما يزعُمُه الكثيرون بأن للتاريخ أهمية كبرى في نهضة الأمم، ويقولون: إن معرفةَ الماضي تلقي ضوءًا على الحاضر وهذا لا ننكره، ولكنهم يسترسلون بقولهم بأن التاريخ يفتحُ الطريق للمستقبلِ للوصول إلى النهضة.
هذا القولُ نعترضُ عليه ونعتبرهُ وهمًا ودجلًا لأنه قياس للحاضر المحسوس على الغائب المجهول، وقياس للقطعي اليقيني الذي نشاهدهُ ونشعر به على الظني الذي أخبرنا عنه، وقد يكون صحيحًا، وقد يكون خطأً، وقد يكون صدقًا وقد يكون كذبًا.
والحقُّ يقالُ: إن التاريخَ لا يجوزُ أن يُتخذَ أساسًا لأية نهضة بل ولا لأي بحث في سبُل النهضة. والنهضةُ لا تكون إلا بجعل الواقع الذي نعيشهُ ونحياه موضعَ البحث لأنه محسوس وملموس، فيدرس حتى يفهم، ثم يوضع له علاج، إما من الشريعة إن كان متعلقًا بالأحكام الشرعية. وإما من مقتضيات هذا الواقع من علاج إذا كان من الوسائل والأساليب شرط أن لا تخالف هذه الوسائلُ والأساليبُ الشرع الإسلامي. وإذا كان لا بدّ من دراسةِ أخبار الناس فلندرس أخبار المجتمعات الحاضرة كواقع لمعالجته، ولتحديد موقفنا من هذه المجتمعات، ونحن في حالة كفاح دائمٍ في سبيل نشر الإسلام وحمل دعوته لتلك الأمم.
وليس من المفيد أن يُشْغَلَ المسلم بأخبار نابليون ولا جان جاك روسو ولا بأخبار لينين وكارل ماركس بل من المحتم أن يُشغلَ المسلم بالشريعة الإسلامية أفكارًا وأحكامًا، وبالحياة العملية الواقعية من ناحية رفع شأن الإسلام والمسلمين واتخاذ جميع الإمكانيات لنشر الإسلام وحمل دعوته إلى العالم.
المصادر 14 ابن ماجة الجزء الثاني رقم 2714.
15 ابن ماجة الجزء الثاني رقم 2633.