نبذة عن حياة الكاتب
المعاملات والبينات والعقوبات

التعزير والأرش
التعزير في اللغة المنع. واصطلاحاً: التأديب والتنكيل. وتعريفه الشرعي: «العقوبة المشروعة على معصية أو جناية، لا حدَّ فيها ولا كفارة».
والأرش هو أن يقال: أرش أرشاً أي أعطاه الأرش، ومعناه الدية، والجمع: الأروش، فيكون الأرش لغة: دية الجراحات.
والأرش اصطلاحاً: المال الواجب المقدر شرعاً بالاعتداء على ما دون النفس، أي مما ليس فيه دية كاملة من الأعضاء، فيكون الأرش دية العضو.
والذي يقوم بالتعزير هو الحاكم أو نائبه. ويكون التعزير إما بالضرب، أو بالحبس أو بالتوبيخ ونحوها بحسب ما يراه ولي الأمر مناسباً وأحوال الناس.
والتعزير فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأمر به. فعن أنس «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حبس رجلاً في تهمة ثمَّ أخلى عنه»[*]. وعن الحسن (عليه السلام) «أن قوماً اقتتلوا فقتل بينهم قتيل، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فحبسهم». وروي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) حبس رجلاً في تهمة ساعة من نهار ثم أخلى سبيله، وأنه حكم بالضرب، وبالسجن. وروي أن عمر (رضي الله عنه) قضى بالجلدِ على من زَوَّرَ كتاباً لبيت المال ووضع عليه بصمة خاتم اصطنعه على نقش خاتم بيت المال، وقدمه لأمين بيت المال وأخذ منه مالاً. وعليه فالتعزير ثابت بالسنة، وقد سار عليه الصحابة من بعد.
وتقدر عقوبة التعزير على قدر الجريمة. فالجريمة الكبيرة تقدر لها عقوبة كبيرة حتى يتحقق معنى العقوبة وهو الزجر، والجريمة الصغيرة تقدر لها عقوبة تزجر عن مثلها، ولا تقدر أكثر من ذلك حتى لا تكون ظلماً للمذنب.
وهل يطلق تقدير العقوبة لصاحب الصلاحية أي للخليفة أو القاضي فيقدره بما يراه يزجر عن المعصية. أم أنه مقيد بما لا يزيد عن الحد؟ فقالوا: يُشتَرَطُ أن لا يبلغ التعزير مقدار الحد الذي وجب في نوع المعصية، واستدلوا على ذلك بما روي عن أبي بردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين»[*]. وقالوا: إن العقوبة على قدر الإجرام والمعصية، والمعاصي المنصوص على حدودها أعظم من غيرها فلا يجوز أن يبلغ في أهون الأمرين أعظمها.
غير أنه بإمعان النظر يتبين أن الشَّرعَ قد جعل تقدير عقوبة التعزير للخليفة أو الأمير أو القاضي مطلقاً، يرجع فيه إلى اجتهاده في ما يراه، وما يقتضيه حال الشخص، وما يستوجبه واقع الجريمة وواقع وضعها في الدولة. فهو متروك للاجتهاد، وتقييد الاجتهاد بحد أعلى أو بحد أدنى يجعله من الحدود، ويجعله منافياً لكونه تعزيراً ومتروكاً للاجتهاد. ذلك أن بعض الجرائم غير الحدود قد تكون أفظع من الحدِّ: فالإدمان على المخدرات كالحشيش أو الكوكايين، أو الأفيون أفظع من شرب الخمر، وسرقة مبالغ ضخمة من بيت المال أفظع من سرقة متاع ثمنه ربع دينار من رجل من الناس وهكذا... ثم إن هنالك جرائم يمكن أن تؤدي إلى تمزيق وحدة الأمة كالدعوة إلى غير الإسلام أو إلى انفصال إقليم من الأقاليم عن جسم الدولة الإسلامية أو ما شاكل ذلك. هذه الجرائم وأمثالها تستحق في معظم الأحوال الإعدام لأنها في جوهرها تؤدي إلى الخيانة. ولهذا فإن قول الحق أن لا يقدر التعزير بحدٍّ أعلى ولا بحدٍّ أدنى، بل يترك لاجتهاد الخليفة.
أنواع العقوبات التعزيرية:
التعزير عقوبة جعل للحاكم حق تقديرها، ولكن لم يجعل له أن يعاقب بما يشاء. فهناك عقوبات جا النص صريحاً في النهي عنها فلا يجوز أن يعاقب بها. ثم إنَّ نصوصَ الشرع من الكتاب والسنة جاءت بعقوبات معينة محددة، وجاء الأمر بإيقاع العقاب بها. واجتهاد الحاكم في التعزير إنما هو في مقداره لا بأية عقوبة يرى. وكون الشارع جاء بعقوبات معينة فإن ذلك يدل على أن إيقاع العقوبات في التعزير محصور بما جاء به الشارع ولا يصح بغيره.
أما العقوبة التي جاء النهي الصريح عنها فهي الحرق بالنار. فالعقوبة بالحرق بالنار لا تجوز. روى البخاري من حديث أبي هريرة[*]: «وإن النار لا يعذب بها إلا الله». وعن عكرمة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: «لا تعذبوا بعذاب الله»[*] يعني الحرق بالنار. وعن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «وإنه لا ينبغي أنْ يُعَذِّبَ بالنارِ إلاّ ربُّ النار»[*].
وأما ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في حديث العرنيين من أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم): «أمر بمسامير فأحميت فكحلهم»[*] فإن ذلك هو الكي بالنار ولم يرد نهي عنه. وعمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) بإيقاع العقوبة به دليل على جوازه، والمنهي عنه إنما هو الحرق بالنار.
أما العقوبات التي جاء الشارع ونص على المعاقبة بها فإنها التالية:
1 - عقوبة القتل: يجوز للخليفة أن يبلغ في التعزير حد القتل. وإنه وإن كان القتل حداً من الحدود، والحديث ينهى عن أن يبلغ الحد في غير الحد كما ذكرناه من قبل، إلا أنه أي القتل ليس كالجلد حداً يمكن أن ينقص عن حده.
2 - التعزير: غير أن التعزيرَ بالضربِ والجلد لا يجوزُ أنْ يزيدَ عن عشر ضرباتٍ أو عشر جلدات، وقد جاء ذلك صريحاً في نصوص الحديث. فقد روى البخاري عن عبد الرحمن بن جابر عمن سمع أَنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: لا عقوبة في عشر ضربات إلا في حد من حدود الله»[*]. وروى البخاري عن أبي بردة (رضي الله عنه) قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول: لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله»[*].
3 - الحبس: الحبس الشرعي هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواء أكان ذلك في بلد، أم في بيت، أم في مسجد، أم في سجن معد للعقوبة، أم غير ذلك. والدليل على أن الحبس عقوبة من عقوبات الشرع ما روي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده «أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حبس رجلاً في تهمة ثم خلى عنه»[*]. وكان الحبسُ على عهدِ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في بيت، أو في مسجد، وكذلك الحال كانت على أيام أبي بكر (رضي الله عنه) فلم يكن هناك حبس معد للمحكومين. فلما ولي الخلافة عمر (رضي الله عنه) اشترى داراً لصفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم وجعلها حبساً. وقد حبس عمر الحطيئة على الهجو، وحبس صبيغاً على سؤاله عن الذاريات والمرسلات والنازعات وشبههن. وروي عن عثمان (رضي الله عنه) أنه سجن ضابئ بن الحارس وكان من لصوص بني تميم وفتّاكهم حتى مات في السجن. وروي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه بنى سجناً من قصب وسماه نافعاً فنقبته اللصوص، ثم بنى سجناً من مدر وسماه مخيساً.
والسجن عقوبة من العقوبات كالجلد والقطع فلا بد أن يكون مؤلماً للمسجون ألماً موجعاً وأن يكون عقوبة تزجر. ولهذا فإنه من الخطأ أن يقال: يجب أن نجعل السجون مدارس للتهذيب، فالمدرسة غير السجن، المدرسة للتعليم والتهذيب، ولكن السجن لإيقاع العقوبة بالمجرم، فلا بد أن يكون على حال تكون عقاباً زاجراً، وأن يكون بناؤه وغرفه وممراته غير بناءِ وغُرَفِ وممراتِ المدارس والمنازل والفنادق وما أشبه ذلك. ويجب أن يكون على شكلٍ يثير الكمد والحزن، وأن تكون غرفه شبه مظلمة في إنارتها نهاراً أو ليلاً، وأن لا يسمح فيه بفراش وأثاث، بل يجعل للمسجون وطاء خشن من ليف ونحوه، وغطاء خشن من خرق أو خيش ونحو ذلك. وأن يكون طعامه خشناً وغير كثير، ولكنه كافٍ لتغديته وبقائه متمتعاً بالعافية. ويجب أن لا يُمكَّن أحد من الدخول عليه إلا أقاربه وجيرانه، وألاَّ يمكثوا عنده طويلاً، إلا أنه يجوز أن يسمح لزوجته أن تبيت عنده إذا رأى مدير السجن أن حال المسجون تقتضي ذلك، أو أن أخلاق المسجون وسلوكه في السجن حسنة. ويمنع من الخروج من السجن إلا لحاجة يقدرها مدير السجن. ولا يضرب ولا يغل ولا يقيد ولا يهان إلا إذا كان قرار القاضي قد نص على ذلك. ومَنْ أظْهَرَ التعنتَ في السجن وُضِعَ في غرفةٍ ضيقةٍ منفرداً (حاشرة) وأقفل عليه الباب وترك له ما يقضي به حاجته، ويلقى إليه الماء والطعام من ثقبة الباب.
ولكن نقل المحبوس إلى هذه الحاشرة لا يكون برأي مدير السجن أو السجان، بل لا بد أن يكون بقرار من القاضي، لأنها عقوبة تزيد عن العقوبة المحكوم بها فتحتاج إلى قرار القاضي. وإذا احتاج الأمر لأن يشدد عليه الحبس أو يخفف فلا بد أن يرفع الأمر إلى القاضي، وهو الذي يعطي قراره حسب ما يراه. ولا يسجن المجرم إلا في بلده، لأن سجنه في غير بلده يعتبر تغريباً فيحتاج إلى قرار من القاضي غير قرار سجنه، وهو عقوبة ثانية.
وتكون السجون أنواعاً حسب الجرائم المرتكبة. ويعين نوع السجن بقرار القاضي. ولا توجد جرائم سياسية وغير سياسية، ولا تمييز للصحفيين أو المحامين أو ما شاكلهم على غيرهم. بل ينظر لكل فعل قبيح بأنه جريمة. وصغر الجريمة وكبرها راجع لتقدير الإمام لأنه هو الذي يقدرها، فمن قدح بشخص أو ذمه يعاقب على ذلك بغض النظر عن كونه صحفياً أو غير صحفي، ومن طعن بالحكم في غير أمر حق يعاقب على ذلك بغض النظر عن كونه سياسياً أو غير سياسي.
وتقدير نوع العقوبة يجوز للقاضي أن يفاضل فيه بين الأشخاص فيعاقب شخصاً بالسجن سنة ويعاقب آخر للجريمة ذاتها بالسجن أسبوعاً. وله أن يعاقب شخصاً بوضعه في سجن شديد القسوة، ويعاقب آخر بوضعه في سجن أقل قسوة، مستنداً لما لديه من معلومات عنهما من كون الأول معروفاً بأنه مجرم، ومن كون الثاني معروفاً بأنه من الأتقياء وأنَّ جرمه هفوة أوقعه بها الشيطان، أو ما شابه ذلك.
والمسجون إما أن يكون محكوماً وإما أن يكون موقوفاً، فإن كان محكوماً فلا كلام فيه. وأما إن كان موقوفاً فيجب أن يوضع في أخف السجون لأنه مسجون بتهمة لا بجرم، ويجب أَنْ تُحَدَّدَ مدة توقيفه بأقصر مدة ممكنة. وإنْ لزم تجديد توقيفه فيحتاج ذلك إلى قرار من القاضي وإلى سبب يقتنع به القاضي. وإن لم يصدر قرار بتجديد توقيفه يخلى سبيله عند انتهاء مدة التوقيف من غير حاجة إلى أمر إفراج. وإذا نقل القاضي أو عزل أو عين بدلاً منه آخر وجب على القاضي الجديد أن يبدأ عمله بالنظر في حال الموقوفين، فمن تثبت عليه التهمة حكم عليه، ومن برأه أخلي سبيله فوراً. ولا يحبس أي إنسان ولا يوقف إلا بقرار من القاضي.
وليس لعقوبة السجن حدٌّ حدده الشرع لا يجوز أن يتجاوزه أحد كما هي الحال في الجلد، إذ لم يرد في الشرع نص على مدة معينة، فترك تقديرها للخليفة. إلا أنه لما كانت العقوبات زواجر فإنه يراعى في تقدير مدة الحبس للجريمة أن تكون زاجرة للمذنب وغيره، فمن وجب عليه التعزير يعزر بما يردعه. ولا يوجد حد أعلى للسجن مطلقاً. فقد روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) حكم بالسجن ولم يرو عنه أنه التزم مدة معينة، أو عين مدة معينة، فيبقى الحكم في شأن السجن مطلقاً لأنه ورد مطلقاً.
وأما ما يقوله بعض الفقهاء من أن الحد الأقصى للسجن سنة، وأنه لا يجوز أن يزيد على السنة قياساً على التغريب، فإنه قول خاطئ، لأن الحبس لا يقاس على النفي، لاختلاف واقع كل منهما عن الآخر، ولا توجد علة جامعة لهما تصلح للقياس. ولا يقال إن تعريف الحبس ينطبق على النفي، لأن الحبس هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، والنفي مثله تعويق للشخص ومنعه من التصرف بنفسه.. لا يقال ذلك لأن النفي ليس منعاً للشخص من التصرف بنفسه بصورة مطلقة بل منعه من التصرف بنفسه في غير المكان المعين، فالمنفي لا يحشر في مكان معين بل يحشر في بلد معين أو ولاية معينة فهو على خلاف السجن. ثم إنَّ النفيَ يَزِيدُ من ناحيةٍ ثانيةٍ على السجن إذْ هو تغريبٌ للشخصِ عن وطنه أو عن المكان الذي هو فيه إلى مكانٍ آخر، وهذا لا ينطبق على تعريف الحبس. لذلك لا تقدر مدة الحبس بسنة بل يجوز للقاضي أن يُعَيِّنَ للجريمة مدة السجن التي يراها رادعة للمذهب وغيره.
وأما ما ورد من أن المدين الموسر يُحبس في المال القليل نصف شهر وفي الكثير شهرين أو أربعة، تبعاً لقدر المال المحبوس فيه، فذلك ليس بتقدير حتمي، لأنه حصل في ظروف معينة وعلى أشخاص معينين، فلا يصح أن يؤخذ قاعدة ولا أن يطبق على وقائع أخرى.
ولكن التحديد للمدة التي يُحكم فيها على المذنب بالحبس واجب، حتى تكون العقوبة التي أوقعها القاضي عقوبة معلومة لا عقوبة مجهولة.
ولذلك لا بد من ذكر المدة التي يحكم بها بالحبس وتحديدها بمُدةٍ معينة، سواء أكان الحكم بجرمٍ أم التوقيف بتهمة.
السجن على ذمة التحقيق:
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام، فإن جاء أولياء المقتول بثبتٍ وإلا خلي سبيله»[*].
وعلى هذا فإنه لا يجوز أن يحبس في التهمة إلى أن يستطيع المدعي إيجاد البيِّنة، لأنَّ ذلك غير معروف، بل يجب أن تحدَّدَ له مدة ليجمعَ خلالها البينات. وهذه المدة تقدر بقدر ما يحتاج الحصول على البينة فيما هو ظاهر ومعلوم لا فيما هو محتمل وموهوم. فإذا قال حتى أحضر شاهدي أو شهودي من بلدة كذا أو من المكان الفلاني، قدرت المدة التي يحتاجها وعينت في أمر الحبس، على أن لا تكون بينته خارج سلطان الدولة، لأنه إن كانت خارج سلطان الدولة كان إحضارها غير مقطوع به. ويرجع الأمر عندئذٍ للقاضي، فإن رأى أنَّ هناك إمكانية بإحضارها عيَّن المدة التي يراها هو، وإن رأى أن هناك شكاً في ذلك عين أقل مدة يمكن فيها إحضار البينة عادة.
وكذلك لا يجوز أن يحكم على أحد بالحبس حتى التوبة، أو بالحبس حتى الموت، لأنه حكم مجهول غير صحيح، إذ هو حكم بعقوبة مجهولة، فلا يعلم متى يتوب، ولا يعلم متى يموت. ولا يقال إنَّ التحديدَ بالموت معلوم وليس بمجهول، إذ هو أمر محقق لا بد من حصوله، لا يقال ذلك لأن المدة التي يقضيها المذنب في هذا الحكم غير معلومة، والحكم ليس بالموت وإنما بمدة انتهاؤها يكون بالموت، فتكون المدة غير معلومة، وبالتالي يكون الحكم بها غير معلوم. ولا يقال إنَّ الله تعالى حدَّد الحبسَ بالموتِ في قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوفَّاهُنَّ الْمَوْتُ} [النِّسَاء: 15] لأن هذه الآية منسوخة بآية النور {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النُّور: 2] الآية، ولذلك لا تصلح دليلاً.
كذلك فإن منع الزوج زوجته من أن تخرج من بيته لا يعتبر حبساً شرعاً، فله أن يمنعها من الخروج من بيته في أي وقت يشاء، ولا يعتبر ذلك حبساً لها، إذ لو اعتبر حبساً لعوقب على ذلك، لأن إيقاع العقوبة بالناس خاص بالحاكم ولا يجوز لغيره أن يعاقب، ولأن الله عزَّ وجلَّ حين جعل للزوج تأديب زوجته حدد أنواع التأديب وهي الوعظ والهجران والضرب غير المبرح {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النِّسَاء: 34] والحبس ليس واحداً منها فلا يجوز أن يحبسها. وعلى ذلك فلا دلالة في الآية على جواز العقوبة بالحبس حتى الموت. وأما ما روي من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: «اقتلوا القاتل واصبروا الصابر»[*] فإن معناه من قتل يقتل، ومن حبس شخصاً في حبس مميت حتى مات فإنه يقتل بالطريقة نفسها، أي يحبس في حبس مميت حتى يموت، لا أنْ يحبس حتى الموت، فهذا نوع من قتل القاتل، وهو جناية وليس تعزيراً، فلا دلالة فيه على جواز الحبس حتى الموت. وعلى ذلك فالحكم بالسجن المؤبد لا يجوز شرعاً بل لا بد من تحديد المدة التي يحكم بها بالسجن على شخص معين.
والحبس هو اعتقال وليس تشغيلاً، فالتشغيل شيء آخر غير الحبس، ولذلك فإنه إذا حكم الشخص بالحبس فلا يجوز أن يُشغَّل، لأن كلمة الحبس لا تشمل التشغيل، ولم يرد نص شرعي يجعل العقوبة تشغيلاً: لا أشغالاً شاقة ولا غير شاقة. ولكن ذكر الفقهاء أن المدين المعسر إذا حكم بالحبس فإنه يشغل بأعمالٍ بأجرٍ لسدادِ دينه. وهذا القول حكم عقلي وليس حكماً شرعياً، فلا قيمة له. وبما أن نوع العقوبة التي يحكم بها القاضي مقيد بما ورد به الشرع، ولم ترد عقوبة بالأشغال الشاقة، لذلك لا يعاقب بها وإنما يقتصر على الحبس بمعنى الاعتقال.
4 - النفي: هو التغريب أو الإبعاد. وقد جاءت عقوبة النفي في القرآن الكريم، بقوله تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المَائدة: 33].
وفي الحديث كما روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: «لعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال: أخرجوهم»[*]. فهذه الأدلة تثبت أن النفي نوع من العقوبات التي ورد بها الشرع، كما أنها تثبت أنه قد جرت العقوبة فيها بالتعزير. وقد سار على ذلك الصحابة (رضي الله عنهم) فنفى عمر (رضي الله عنه) صبيغاً للبصرة بعد جلده، ونفى نصر بن حجاج خشية أن تفتتن به النساء.
والنفي يكون تغريباً لا توطيناً فلا يصح أن تطول مدته. ولم يرد نص بتحديد حد أقصى لعقوبة النفي. ولكن الشرع حين أوقع عقوبة النفي في الزاني غير المحصن جعلها سنة، وهي ليست حداً لازماً فيجوز للإمام أن يضيف النفي إلى الجَلد، ولكن الشرع لم يجعلها أكثر من سنة. وهذا لا يدل على تحديد حد أقصى للنفي ولكن يستأنس به أن تكون سنة. غير أنه لا يوجدُ ما يمنع زيادتها عن ذلك، شرط أن لا تطول المدة بحيث تعتبر الإقامة توطيناً لأن ذلك يذهب عنها معنى النفي وهو التغريب.
والنفي إنما يكون داخل حدود الدولة الإسلامية، ولا يصح النفي إلى خارج حدودها، لأنه إخراج من دار الإسلام إلى دار الكفر. ويستحسن أن تتخذ الدولة منافيَ في أمكنة معينة. قال أبو الزناد: كان منفى الناس إلى باضع من أرض الحبشة وذلك أقصى تهامة اليمن، لأن النفي عقوبة والمناسب أنْ تكون عقوبة التغريب موجعة بحيث يحصل فيها الزجر. وروي عن الحسن والزهري في نفي قطاع الطرق أن نفيهم هو تشريدهم عن الأمصار والبلدان فلا يتركون يأوون بلداً، يعني أنْ لا يجعلهم الحاكم يستقرون في بلد فينقلهم من بلد إلى بلد. ولكن هذا الرأي يجعلهم كالمسافرين. والأقرب للنفي الذي هو عقوبة أن تكون هناك منافي موحشة بحيث يؤلم النفي إليها وتكون عقوبة تزجر.
5 - الهجر: وهو أن يأمر الحاكم الناس أنْ لا يكلموا الشخصَ مدةً معينةً. ودليله ما حصل مع الثلاثة الذين خُلِّفُوا عندما منع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) المسلمين من التحدث إليهم، وكان ذلك عقوبة لهم.
غير أن هذه العقوبة تستعمل إذا كانت تزجر، أي مع الناس الذين لديهم إحساس ويقدّرون معنى هجر الناس لهم. أما الذين ضعف لديهم الإحساس فإن مثل هذه العقوبة لا تؤلمهم ولذلك لا تستعمل معهم.
6 - الصلب: وهو يحصل في حالة واحدة إذا كانت عقوبة المجرم القتل فيجوز أن يحكم عليه بالصلب أيضاً، لقوله تعالى: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المَائدة: 33] وأو بمعنى الواو، أي أن يقتلوا ويصلبوا، أو يقتلوا من غير صلب. ولكن أن يكون الصلبُ عقوبةً وحده لا يصح، لأنه تعذيب، وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن تعذيب الحيوان، والنهي عن تعذيب الإنسان من باب أولى. وأما قولهم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) صلب الحي تعزيراً فإنهم لم يوردوا سنده. وآية الصلب جعلته بعد القتل، والحكم الشرعي أن يجمع مع القتل، أو أن يكون القتل بغيره. وفي عقوبة قطاع الطرق لم يقل أحد بالصلب وحده. لذلك فإن الصلب للأحياء لا يكون عقوبة من العقوبات، وإنما الصلبُ لمن يقتل فيحكم عليه بالقتل والصلب، فالصلبُ يتبع القتلَ، وعلى هذا الوجه تكون عقوبة الصلب، أما الحكمة من الصلب بعد القتل فجعله عبرة لمن أرادَ الخروج عن طاعة الحاكم بغير حق..
7 - الغرامة: وهي الحكم على المذنب بدفع مال عقوبة على ذنبه. وهي ثابتة بالسنة، فقد روى النسائي في حديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ومنه: «قال يا رسول الله والثمار وما أخذ منها في أكمامها؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): «من أخذ بفيه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء، ومن احتمل ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال». وزاد النسائي في آخر الحديث: «وما لم يبلغ ثمن المِجَنّ ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال»[*]. وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «وكاتم الضالة عليه غرامتها ومثلها معها»[*]. وكذلك تعزير مانع الزكاة بأخذ شطر من ماله. فهذا كله يدل على أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمر بعقوبة الغرامة في التعزير.
ولم يرد حد معين لها، فترك لتقدير الحاكم إذا لم يتبين الحاكم فيها مقداراً معيناً. وإذا عجز المذنب عن دفع الغرامة هل يحبس بمقدارها أم يعفى منها؟ والجواب عن ذلك هو أنه إذا حكم بعقوبة معينة فلا يصح أن يعاقب عقوبة غيرها لأن حكم الحاكم يجب أن ينفذ كما نطق به، ولذلك لا يحبس عوضاً عن الغرامة، وكذلك لا يعفى منها لأن العفو إلغاء لحكم الحاكم. والأولى في مثل حالة تعذر عجز المذنب عن دفع الغرامة، أن تؤخذ من ظاهر ماله إنْ وجد، وإن لم يوجد ينتظر عليه حتى يوجد معه مال فتحصل من قبل الدولة.
8 - إتلاف المال: وذلك بإهلاك المال إهلاكاً تاماً بحيث لا ينتفع به كما لو أقدم أحدهم على قطع شجرة مثمرة في بستان غيره، أو قتل حيوان جاره، أو كسر رصيف الطريق العام وما إلى ذلك. فمن أقدم على شيء من ذلك وجب أن يحكم عليه بعوضه، ويقدر القاضي هذا العوض بالاستناد إلى أهل الخبرة. كما للحاكم أن يأمر بإتلاف المال الحرام إذا وجد عند المسلم، مثل الخمر أو الخنزير.
9 - التغيير في عين المال: وذلك بتغيير شكله أو صفته. فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): أنه نهى عن كسر العملة الجائزة بين المسلمين[*] كالدراهم والدنانير إلا إذا كان بها بأس، فإذا كان بها بأس كسرت. أي نهى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن كسر قطع النقد الفضية أو الذهبية، إلا إذا كانت مغشوشة فإنها حينئذ يحكم بكسرها وتفتيتها عقوبة ويعاقب الغاش. وقطع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) رأسَ التمثال فصار كالشجرةِ. وهكذا إذا صار المال على شكل محرم فإنه يغير هذا المال على الشكل الذي تزول به الحرمة، فضلاً عن معاقبة من فعله على الوجه الذي يراه الحاكم. وقال مالك وأحمد بجواز إتلاف محل المال تبعاً للشيء الحال فيه.
10 - التهديد الصادق: وذلك أنْ يُهَدَّدَ المذنب بإيقاع العقوبة عليه إذا فعل كذا.. والدليل على ذلك ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «رحم الله امرءاً علق سوطاً في بيته يؤدب به أهله»[*].
11 - الوعظ: وذلك أن يعظ الحاكم المذنب بتخويفه من عذاب الله تعالى. والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النِّسَاء: 34].
12 - الحرمان: وذلك أن يحكم على المذنب بالحرمان من بعض الحقوق المالية التي يستحقها كحرمان النفقة للناشز، وكالحرمان من سلب القتيل، وكالحرمان من حصته في أموال الملكية العامة وهكذا...
13 - عقوبة التوبيخ: وهي إهانة المذنب بالقول، وقد ثبت التوبيخ بالسنة. فقد رُوي أَنَّ عبداً خاصم عبد الرحمن بن عوف إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فغضب عبد الرحمن وسب العبد بقوله يا بن السوداء. فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لذلك غضباً شديداً ورفع يده قائلاً: «ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل». فخجل عبد الرحمن بن عوف ووضع خده على التراب ثم قال للعبد: طأ عليه حتى ترضى[*]. فهذا كله يدل على أنَّ التوبيخَ والسَّبَّ من العقوباتِ في التعزير.
وقد سار على ذلك الصحابة رضوان الله تعالى عليهم. فقد روي عن عمر أنه وبخ عبادة بن الصامت بأن قال له: «يا أحمق». وعلى هذا يجوز للقاضي أن يوبخ المذنب، ولا يكون ذلك شتماً من القاضي، وإنما يكون عقوبة يوقعها على المذنب. وليس لعقوبة التوبيخ لفظٌ معين، وإنما كل لفظ يعتبر من قبيل التوبيخ يصح استعماله من قبل القاضي والحاكم، إلا الألفاظ التي تعتبر من قبيل القذف فلا يجوز استعمالها لورود النهي عنها عاماً يشمل الحاكم وغيره.
14 - عقوبة التشهير: يكون التشهير بمن توقع عليه العقوبة لرفع ثقة الناس منه. وهو إعلام الناس بجرم الجاني وتحذيرهم منه وفضحه على رؤوس الإشهاد. والأصل في عقوبة التشهير قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *} [النُّور: 2] فإن المقصود هو التشهير بهما وذلك بمشاهدة الناس عقابهما بالجلد تقريعاً وتوبيخاً وفضيحة.
وقد ورد في السنة ما يدلُّ على عقوبةِ التشهير. فقد روى البخاري عن أبي حميد الساعدي قال: «استعمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) رجلاً من بني أسد يقال له ابن الأتبيَّة على صدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي. فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فصعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: «ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هذا لك وهذا لي. فهلا جلس في بيت أبيه وأُمه فينظر هل يهدي له أم لا. والذي نفس محمد بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تبعرُ». ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه قائلاً: ألا هل بلغت ثلاثاً»[*]. ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخبر أنَّ من يأخذُ من الأموالِ العامة، ومن يأخذ هديةً لأنه والٍ أو عامل، سيعاقبه الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة بفضيحته، حيث يأتي يحمل ما أَخذه من مال. وهذا يعني فضيحة الولاة على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم. فيكون التشهير مما يعذب به الله تعالى. ولم يرد نص أنه خاص بعذاب الله سبحانه وتعالى كما ورد في العذاب بالنار، فيجوز للحاكم أن يعاقب المذنب بالتشهير به. والحديث دليل على جواز التعزير بالتشهير.
وقد سار الصحابة على ذلك فعزروا بالتشهير. فقد نقل عن عمر ابن الخطاب أنه كان يُشَهِّرُ بشاهد الزور بأن يطاف به. كما نقل عن مشهوري القضاة أنهم كانوا يحكمون بالتشهير. ومنهم القاضي «شريح» على عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام). وهو من مشاهير القضاة، وكان يحكم بالتشهير.
هذه هي أنواع عقوبات التعزير التي ورد في الشرع دليل على جواز أن يعاقب بها الحاكم. وما عداها من العقوبات لا يجوز للحاكم أن يوقع عقوبة بها ولو لم يرد نص من الشارع في النهي عنها. ذلك لأن العقوبة فعل فلا بد من دليل على جوازه. ولا يقال: لا بد من دليل على منعه من الحكم بعقوبات معينة، لا يقال ذلك لأن الأصل هو عدم العقوبة، فصدور الحكم بعقوبة معينة هو الذي يحتاج إلى دليل. أما أنَّ الأصلَ عدم العقوبة فذلك أنَّ الدليلَ العام قد قام على كرامة الإِنسان وعدم إيقاع الأذى به، وإيقاع عقوبة معينة عليه يحتاج إلى دليل يجيز ذلك، وما لم يقم الدليل على جواز عقوبة بعينها فلا يجوز إيقاعها.
ولا يقال: إنَّ التعزيرَ قد جعل الحاكم مطلقاً دون قيد فله أن يعزِّر بالعقوبة التي يراها. لا، لا يقال ذلك، لأنَّ الشارع قد عيَّن أنواع العقوبات وجعل القاضي مقيداً بها فلا يحل له أنْ يعاقب بغيرها، ولكن له أن يختار منها ما يراه زاجراً.
وعليه فإنه يجب على الحاكم حين يوقع عقوبة التعزير أن يتقيد بالأحكام الشرعية، فلا يعاقب إلا بالعقوبات التي جاء الشارع بها. ومن هنا لا يجوز للحاكم أن يوقع عقوبة المصادرة، لأنه لم يرد نص شرعي بجواز العقوبة بها. ولا يقال: إن المصادرة هي كالغرامة، لأنها عقوبة مالية، إذ هي من جنس الغرامة، لا يقال ذلك لأن المصادرة غير الغرامة، إذ الغرامة دفع مال جزاء على ذنب، وأما المصادرة فهي أخذ عين المال الذي جرى بسببه الذنب، فهذه غير تلك. وأيضاً فإنَّ النصَّ الشرعي لم يكن نصًّا على عقوبات مالية حتى يقال هذه عقوبة مالية تدخل تحت نص الشرع، وإنما نص على الغرامة، وعلى تغيير المال، وعلى إتلاف المال، ولم ينص على المصادرة، فيوقف عند حدود النص، ولا يقاس عليه. وهذا بخلاف ما أورد بعض الفقهاء من أن «مصادرة السلطان لأرباب الأموال لا تجوز إلا لعمال بيت المال، على أن يردها لبيت المال»[*]. إلاَّ أن تملك الدولة المال الخاص للمنفعة العامة، جائز بعد التعويض على صاحب الملك تعويضاً عادلاً، وهو ما يعرف بالاستملاك في العقارات.


مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢