نبذة عن حياة الكاتب
لمن الحكم
الطبعة : الطبعة الاولى
المؤلف : سميح عاطف الزين
فئة الكتاب : فكر معاصر
عدد الصفحات : ١١١
تاريخ النشر : ١٩٨٨
الفهرس (اضغط على الرابط للقراءة)

المقَدِّمة
وَاقِعُ العَقْل
الإدرَاكُ الشعُوريّ أو التميِيزُ الغَريْزِيّ
الطَريقَةُ العَقْلِية والطَريقةُ العِلْميّة
أقسَامُ الفِكْرِ
حَلُّ العُقْدَةِ الكُبْرَى أو الإِيمانُ بِالله عَنْ طَريقةِ الفِكْرِ المُسْتَنِير
خُلاصة
التفكيرُ البَطيءُ وَالتفكيرُ السَّريعُ أو الإدراكُ البَطيءُ وَالإِدراكُ السَّريعُ
فِطْرَةُ الإنْسَان
الطَاقةُ الحيويَّةُ غَريزَةُ البَقَاء
غَرِيزَةُ النَّوْعِ مِنْ مَظاهِرِهَا الشُعورُ الجِنْسِيّ
التَدَيُّن
الخوفُ: مظهَرٌ مِنْ مظاهِرِ غَريزَةِ حُبِّ البَقاء
العِبَادَةُ
حاجَةُ الإنسَانِ إلى الرُّسُل
لِـمَنِ الحُكْمُ؟
الشَرعُ أو الشَرِيعَة
القُرآنُ عَرَبيٌّ
الحَقِيقَةُ العُرفيَّةُ وَالحقِيقَةُ الشَرعيَّةُ
المُجْتَمَع
تَكْوينُ المُجْتَمع وتنظيمُه عِنْدَ الشيُوعِيين
كيفَ يَنْهَضُ المُجْتَمَع
الأهْدافُ العُلْيَا لِصِيَانةِ المُجْتَمَعِ الإسْلاميّ
القانونُ الرُّوماني
الاقتِصاد
الإجَارة
النظامُ الاجتماعيّ في الإسلام
تنظِيمُ العَلاقات
مقاصِدُ كُلِّ حُكْمٍ بعَيْنِه
الخاتِمَـة

تنظِيمُ العَلاقات
لا يعني كونُ المرأةِ تثيرُ غريزةَ النوعِ عند الرجل، وكونُ الرّجل يثيرُ غريزةَ النّوعِ عند المرأةِ، أنَّ هذه الإثارةَ أمرٌ حتميُّ الوجودِ كلّما وُجِدَ الرجلُ مع المرأةِ أو المرأةُ مع الرجل، بل يعني أنّ الأصلَ في كلٍّ منهما أن يثيرَ وجودُه مع الآخر هذه الغريزةَ، فتوجدَ عند وجودِ هذه الإثارةِ العلاقةُ الجنسيّةُ بينهما. لكنهما قد يوجدان معًا ولا تثارُ هذه الغريزة. كما لو وجدا للتّبادلِ التجاريِّ، أو للقيامِ بعمليّةٍ جراحيةٍ لمريضٍ، أو لحضورِ دروسِ العلمِ أو غيرِ ذلك. ولكن في جميعِ هذه الحالاتِ وفي غيرِها توجدُ قابليةُ إثارةِ الغريزةِ الجنسيّةِ بينهما إلا إنَّه ليس معنى وجودِ القابليّة وجودَ الإثارة.
ولهذا لا يجوزُ أن يُجعلَ كونُ المرأةِ تثيرُ غريزةَ النّوع عند الرجلِ، وكونُ الرّجلِ يثيرُ غريزةَ النّوعِ عند المرأةِ سببًا لِفَصلِ المرأةِ عن الرجلِ فصلًا تامًّا، أي لا يصحُّ أن يُجعلَ وجودُ قابليّةِ الإثارةِ حائلًا دون اجتماعِ الرجالِ والنساءِ في الحياةِ العامّةِ ودون التّعاونِ بينهما. بل لا بدّ من اجتماعهما وتعاونهما في الحياة العامة، لأنَّ هذا التعاونَ ضروريٌّ للمجتمع إلا إنه لا يمكنُ أن يتمَّ هذا التعاونُ إلا بنظامِ تنظيمِ الصّلاتِ، وينبثقُ هذا النظامُ عن النّظرةِ إلى هذه الصّلاتِ بين الرجلِ والمرأةِ بأنَّها نظرةٌ لبقاءِ النوع، وبهذا يمكنُ اجتماعُهما والتّعاونُ بينهما من دونِ أي محذور. والنظامُ الوحيدُ الذي يضمنُ هناءَ الحياةِ، وينظّمُ صلاتِ المرأةِ بالرجلِ تنظيمًا طبيعيًّا تكونُ الناحيةُ الروحيّةُ أساسَهُ والأحكامُ الشّرعيّةُ مقياسَهُ ممّا يُحقّقُ القيمةَ الخلقيةَ، هذا النّظامُ هو النّظامُ الاجتماعيُّ في الإسلام، فهو ينظرُ إلى الإنسانِ رجلًا كان أو امرأةً بأنَّه إنسانٌ، فيه الغرائزُ، والمشاعرُ والميولُ، وفيه العقلُ، ويُبيحُ لهذا الإنسانِ التمتّعَ بلذائذِ الحياةِ، ولا يُنكرُ عليه الأخذَ منها بالنّصيبِ الأكبرِ، ولكن على وجهٍ يحفظُ الجماعةَ والمجتمعَ، ويؤدّي إلى تمكينِ الناسِ من السيرِ قُدُمًا لتحقيقِ هناءِ الإنسان. وهذا النظامُ ينظرُ إلى غريزةِ النّوعِ على أنَّها لبقاءِ النّوعِ الإنسانيّ، وينظّمُ صلاتِ الناحيةِ الجنسيّةِ بين الرجلِ والمرأةِ تنظيمًا دقيقًا، بحيث يجعلُ هذه الغريزةَ محصورةَ السير في طريقها الطبيعيّ موصلةً للغايةِ التي من أجلها خلقها اللهُ في الإنسان.
هذه هي نظرة الإسلام إلى النظام الاجتماعي أي إلى اجتماعِ الرجل بالمرأة.
وإليكم كيف كان يتم قبل الإسلام وبعده.

كيفَ كان يَتِمّ الزواجُ قَديمًا
وكيفَ يُريدُونَهُ حَديثًا
يتزوجُ الإخوةُ في بعضِ القبائلِ في الهندِ عددًا من النساءِ اللواتي يُصبحنَ مشاعًا بينهم ويُنسبُ الأولادُ إلى جميعهم، أو يُكتفى بأن يتزوّج الأخُ الأكبرُ امرأةً فتصبحَ زوجةً لجميعِ إخوتهِ وإذا أنجبت أولادًا يُنسبونَ إليهم جميعًا، ولا يزالُ هذا النّوعُ من الزواجِ قائمًا في الهند إلى يومنا هذا. وفي الجاهليّةِ قبلَ الإسلامِ كانَ يجتمعُ الرّهطُ دونَ العَشَرةِ فيدخلونَ على المرأة فيُصيبونها فإذا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ تُرسِلُ إليهم فلا يستطيعُ واحدٌ منهم أن يمتنعَ، فإذا اجتمعوا عندها تقولُ لهم: قد عَرَفتُمُ الذي كانَ من أمركُم، وقد وَلَدْتُ فهو ابنكَ يا فلانُ تُسمّي من أحبّت باسمهِ فيلحَقُ به ولدُها ولا يستطيعُ أن يمتنعَ عنهُ الرجلُ.
وكانَ يحصلُ أيضًا نوعٌ آخرُ من أنواعِ النكاحِ وهو نكاحُ الاستبضاعِ، الذي يتمُّ بإعارةِ الزّوجةِ إلى صديقٍ له أو عظيمٍ لتأتيّ له بأولادٍ نُجَبَاءَ، وكانَ الرجلُ يقولُ لامرأتهِ إذا طَهُرَتْ من طمثِها: اذهبي إلى فلانٍ فاستبضعي منهُ ويعتزلُها زوجُها ولا يَمَسُّها أبدًا حتى يَتَبَيّنَ حملُها من ذلك الرّجل الذي تستبضعُ منهُ فإذا تبيّنَ حملُها أصابَها زوجها إذا أحبَّ، وإنّما يفعلُ ذلكَ رغبةً في نجابةِ الولدِ.
واليومَ وفي أواخرِ القرنِ العشرينَ يحصلُ الزّواجُ الجماعيُّ المُشتركُ في بعضِ البُلدانِ الأوروبيّةِ الإسكندينافية والتي يقالُ عنها إنَّها من أكثرِ البُلدانِ حضارةً وتقدّمًا.
وأمّا الذي وَرَدَ في مدينةِ أفلاطونَ الفاضلةِ حيثُ تمنّى أن تسيرَ مدينتُهُ على نظامِ الشيوعيّةِ الجنسيّةِ فتكونَ جميعُ نساءِ المجتمعِ حقًّا مشاعًا لرجالهِ، وقد ذهبَ إلى ذلك فريقٌ من الباحثينَ مثلَ باخوفين السويسريّ في كتابهِ عنِ الأمّ الصادرِ في عام 1861، وتبنّى فريدرش أنجلس كثيرًا من أقوالهِ ومنها: «إنّ نظامَ الشيوعيّةِ الجنسيّةِ هوَ النّظامُ السائدُ في فجرِ الإنسانيّةِ».
وأخيرًا في موضوعِ النظامِ الاجتماعيّ تبقى مسألةُ قيادةِ الرجلِ للمرأةِ أو قوامتهِ عليها وفقَ التّعبيرِ الإسلاميّ. فالآيةُ الكريمةُ تقولُ: «الرجالُ قوّامونَ على النِّسَاءِ بِمَا فَضّلَ اللهُ بعضَهُمْ على بعضٍ وبِمَا أنفقُوا مِنْ أموالِهِمْ».
هذهِ المسألةُ كَثُرَ حولَها الجدلُ، ففي المفهومَيْنِ الرأسماليّ والماركسيّ اللّذينِ يَعُدَانِ أنَّ قيادةَ الرجلِ للمرأةِ تعودُ إلى كونِ المرأةِ مُعْتَمِدَةً كليًّا في الحياةِ على الرجلِ أي من حيثُ الإنفاقُ عليها فيكونُ سببُ القيادةِ بنظرهم اقتصاديًّا، فعندما يزولُ السّببُ يزولُ الأثرُ وتتلاشى القوامةُ أي القيادةُ ويصبحُ الاثنانِ سواسيةً. فالشرطُ الأساسيُّ بنظرهم لتحريرِ النساءِ من سيطرةِ الرجلِ أي من إمْرَته هو إعادةُ إدخالِ جميعِ النساءِ في الصناعةِ العامّةِ لهذا أدخلُوها تعملُ في جميعِ أنواعِ الصناعةِ.
وأوّلُ ما يَلفتُ النظرَ في هذا المجالِ أنَّ المرأةَ الغربيّة التي تَلَقّفَتْ دعواتِ الثورةِ ضدَّ قيادةِ الرجلِ، أي للانفلاتِ من إمرَتهِ خرجت تكدحُ وتنصبُ وأخيرًا أدركت أنَّها هي الخاسرةُ في هذهِ الثورة العاتية. فلقد أضعفتْ في الرجلِ الذي تهوى أعظمَ صفةٍ فيه فلم يعدُ يملكُ الرجولَة، تلكَ الصفةَ الرائعةَ التي تتراقصُ لها نفسُ المرأةِ وتَعْذُبُ بها وتُسَرُّ، فراحت تحاولُ جمعَ شَتاتِ الرجولةِ في عددٍ منَ الرجالِ لعلّها بذلكَ تُعوّضُ رجولةَ رجلٍ واحدٍ. وأنّى لها ذلك!
ثمَّ هيَ بعدَ خسارتِها الرّجولةَ خَسِرَتْ راحتَها واستقرارَها فهيَ تَكْدَحُ مثله وربما تكسِرُ الحجارةَ أو تعملُ في البناءِ تاركةً وراءَها أطفالًا بلا أمومةٍ وبيتًا بلا مُشرِفٍ ولا مُدبِّرٍ. كلُّ ذلكَ من أجلِ دُريهماتٍ تُنفِقُها معَ زوجها على أسرتِها التّعيسة، وقد يسعدُ الزوجُ بهذهِ المساعدةِ الماديةِ وقد يهجرُها أو يطلِّقها، إنْ هيَ امتنعت عنِ الإنفاقِ، لقد غَدَتْ مُجبَرَةً عليهِ حتى لكأنّهُ في حقيقتهِ جزاءُ تمرّدَها على قَوَامَةِ الزّوجِ.
لذا فهيَ لم تَعُدْ تشعرُ بلذّةِ الحياةِ الزوجيّةِ وبهجتها، فلا هيَ سعيدةٌ في حياتها ولا في وصالِها ولا في أمومتِها ولا في عملِها. من أجلِ ذلكَ كلِّهِ قذفتِ المرأةُ الثائرةُ بنفسِها من جديدٍ في أحضانِ رجولةٍ جديدةٍ تتمنّى لو تستيقظُ في كل الرّجالِ وهذا ما شَهِدَتْ بهِ الإحصاءاتُ التي تُشيرُ إلى حنينٍ عنيفٍ يكادُ يتحوّلُ إلى ثورةٍ في سبيلِ الرّجوعِ إلى الوضع السّوِيِّ حيثُ يكونُ الرجلُ قائدًا في أُسرتهِ، وحيثُ تكونُ الزوجةُ أمًّا في بيتها. ومعنى ذلكَ أنَّ القَوَامَةَ ليست للإنفاقِ فحسْبُ كما ذهبَ إلى ذلكَ التصوُّرُ الماديُّ.
إنَّ القوامةَ أمرٌ أكبرُ منَ الإنفاقِ ولا تتحدّدُ به فحسْبُ إنَّها إنفاقُ المالِ، وإنفاقُ منِ اعتدادِ الرجلِ وثقتهِ بنفسهِ وألمَعِيّتهِ وتفوّقهِ على زوجتهِ على حدِّ تعبيرِ النّساءِ الألمانيّاتِ عندما أبدَيْنَ رغبتَهُنَّ في الرّجالِ، فهي إذن ضرورةٌ لا مفرَّ منها في الحياةِ الزوجيّةِ السعيدةِ السّوِيّةِ إلَّا إليها. وتعني القَوَامَةُ، في المفهومِ السّليمِ، القيادةَ (الرّجالُ قوّامونَ على النساءِ) أي قيّمُونَ على النساءِ في التدبيرِ، وهل يمكنُ أن تعيشَ مجموعةٌ ولو صغيرةً مدّةً كبيرةً منَ الزَّمنِ من دونِ قائدٍ؟
الماركسيّةُ أعلنت حتميّةَ زوالِ الأُسرةِ وفشلت، وهي ترى أنّ السفينةَ يتحتمُ أن تسيرَ من دونِ ربانِ. ودعاةُ الانحلالِ والتّخلصِ من سيطرةِ الرجل في الغرب قالوا بمساواةٍ مطلقةٍ بين الجنسينِ حتى في القيادةِ. فالرئاسة المزدوجةُ محظورةٌ ومرفوضةٌ عندَ الجميعِ في الميادينِ كافة فَكَيفَ يمكنُ أن تُقبلَ في أضخمِ حلقةِ اجتماعيّةٍ؟!
إنّ الأطفالَ الذين يَتَرَبَّوْنَ في ظلّ أبوَينِ مُتنازِعَيْنِ على القيادةِ تكونُ عواطفُهُمْ مختلّةً وتكثُرُ في نفوسِهِم العُقَدُ والاضطراباتُ.
إذَنْ لا بدَّ من قائدٍ قَوّامٍ على حياةِ العائلةِ. والسّؤالُ الفيصلُ، لمن تُعطى هذه القيادةُ للمرأةِ أم للرّجلِ؟
لقد سُئِلَ مثلَ هذا السؤالِ نساءٌ كثيراتٌ في أوروبا وأميركا حيثُ أجَبْنَ بأعلى أصواتِهِنَّ: لِنَعُدْ إلى البيتِ وَلْيَتَسلّمِ الرجلُ دفّةَ القيادةِ.
وهنا لا بدَّ لنا من تأكيدِ حقيقتَيْنِ أساسيّتيْنِ أولاهما:
أنَّ القيادةَ في حاجةٍإلى مقوّماتٍ فطريّةٍ، فالقرآنُ لا يقتصرُ على الإنفاقِ بل يقولُ: [بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ] والمرأةُ بما مُنِحَتهُ من رقّةٍ وعذوبةٍ لا تصلحُ لأن تكونَ قائدة على الرجل، والمرأةُ لا تُسَلِّمُ قيادتَها لأيِّ رجلٍ تقدّمَ لها فهيَ لا تسلّمُها إلا للرجلِ الذي يكونُ متفوقًا عليها في أمورٍ تعتزُّ هيَ بها، وبمعنًى آخرَ لا بدَّ من مميّزاتٍ أصيلةٍ يتمتّعُ بها الرجلُ لجعلهِ في نظرِ المرأةِ كُفْوءًا لها وعندها تبقى في ظلِّهِ تبتغي عندهُ السعادةَ والهناءَ.
وثانيتُهُما أنَّ القيادةَ لا تعني الاستبدادَ والتحكُّمَ فقيادةُ الجَبْرِ نهايتُها الدّمارُ والتفكّكُ لأنَّها مبنيّةٌ على الجهلِ بطبائعِ الإنسانِ. والقائدُ النّاجحُ ذلكَ الذي يتعاونُ ويستشيرُ ولا يحسمُ الأمورَ قبلَ أن يقفَ على رغباتِ الآخرينَ ويبقى القائدُ قائدًا ما دام يُحيطُ مَنْ يقودُهُ بالعطفِ والمحبّةِ واللّهفةِ والحنينِ. فإذا ما تقلّصت هذهِ عنهُ انحسرت تلكَ وانقلبَ هوَ إذا ما حاولَ الاستمرارَ في قيادتهِ إلى مستبدٍّ غيرِمرغوبٍ فيه. والقَوَامَةُ، بعدَ ذلكَ، لا ترفُضُ المعاونةَ الماديّةَ من قِبَلِ المرأةِ إذا ما كانت هذهِ مُوسِرَةً أو كانت صاحبةَ دخلٍ من عملٍ معقولٍ ومطلوبٍ.
بيدَ أنَّ الإنفاقَ هذا غيرُ مشروطٍ، وهوَ محمولٌ على التّعاونِ ومتروكٌ للاختيارِ ولا ريبَ في أنَّ الذي يأتي أو يقومُ عن طريقِ الرّضا أبعثُ في النفسِ للمسرّةِ مما قد يكونُ عن طريقِ القسْرِ والإكراهِ.
والإسلامُ أعطى الرجلَ القَيّم على المرأةِ صلاحيات زجرية لتصحيح الإعوجاج وحفاظًاعلى التماسك وخوفًا من الانزلاقِ فذكر أنَّ النساءَ صنفان أتى على ذكرهما القرآن الكريم فقال:
[فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ] فأتى على ذكر الصنف الأول فوصفهن بالصالحات المطيعات لله والحافظات لأنفسهن وفروجهن وحقوق أزواجهنَّ وأموالهم وحرمتهم في حال غيبتهم وهذا الصنف من النساء يساعدُه الله تعالى بحفظه لهن وعصمته.
وأما الصنف الآخر قال الله تعالى في حقه:
[وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ] أي المرأة التي تخافون عصيانها لزوجها واستيلاءها عليه ومخالفتها إياه ضمن حدود الشرع هنا، وفي هذا المقام على الزوج القيم على المرأة أن يستعمل الصلاحيات التي أعطيت له من قبل الله سبحانه بقوله تعالى:
[فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًّا] أي فعظوهن أولًا بالقول والنصيحة فإن لم ينجح الوعظ ولم يؤثر النصح بالقول تستعملون الأمر الثاني فاهجروهن في الفراش والمبيت وسيظهر بذلك حبها للزوج وبغضها له فإن كانت مائلة إليه لم تصبر على فراقه في المضجع وإن كانت بخلاف ذلك صبرت عنه، ثالثًا فإن لم ترجع عن تعاليها على زوجها ومعصيتها له ضربها ضربًا غير مبرح أي ضربًا لا يقطع لحمًا ولا يكسر عظمًا.
[فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ] أي رجعن إلى طاعتكم في الائتمار لأمركم سواء كان بالأولى أم بالثانية أم بالثالثة أو بالثلاثة معًا أو بواحدة منها منفردة [فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً] أي إذا أطاعتكم بالأولى عندما قمتم بوعظِها بالنصحِ فلا تبغوا سبيلًا عليهن بالضرب والهجران مما أبيح لكم فعله عند النشوز وإذا استقام لكم ظاهرهن فلا تعللوا عليهن بما في باطنهن [إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا] أي متعاليًا عن أن يكلف إلا الحق مقدار الطاقة فالله سبحانه وتعالى مع علوه وكبريائه وتدبيره لشؤون جميع المخلوقاتِ وقيامه على السموات والأرض لم يكلفكم أيها الأزواج إلا ما تطيقون فكذلك لا تكلفوهن إلا ما يطقن. وإذا لم تنفع جميع هذه الزواجر مع المرأة أو نفعت وكان التجني من الرجل يقول الله تعالى: [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَـمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَـمًا مِّنْ أَهْلِهَا] أي وإن خشيتم مخالفة وعداوة بين الزوجين وجهوا حكمًا من قوم الزوج وحكمًا من قوم الزوجة لينظرا في ما بينهما وهذان الحكمان لهما أن يفرقا بالطلاق إن رأياه مناسبًا وإن أرادا الإصلاح يوفق الله بينهما.
وهكذا تغدُو القَوَامَةُ وظيفةً اجتماعيَّةً يمارسُها الرجلُ في صالحِ مجموعتهِ. يجدُ فيها الزوجُ والأبُ مكانَهُ الطبيعيَّ وتجدُ فيها الزوجةُ والأمُّ رُجولةَ القائدِ الرّائدِ، ويجدُ فيها الأبناءُ تجسيدًا لوحدةِ والدَيْهم وكأنّهم كلٌّ متّحدٌ ـــ أو نفسٌ واحدةٌ على حدِّ التعبيرِ القرآنيّ. وبعدَ هذا العَرضِ نجدُ أنَّ التصوّرَ الماديَّ المبنيَّ على تحسين العقلِ لهذهِ الأمورِ قدِ انطلقَ من مُعطياتٍ مخالِفةٍ لأبسطِ قواعدِ الفِطرةِ في الإنسانِ، فتراكمتِ المشاكلُ أمامَهُ وعَجزِ عن حلِّها، وفَشِلَ فَشلًا ذريعًا في اتّخاذِ مَنهجٍ مستقيمٍ في الحياةِ تَنعمُ به الأسرةُ بكاملها.

مَقَاصِدُ الشريعةِ الإِسْلامِيَّة
قالَ اللهُ تعالى في بعثةِ الرّسولِ، صلى الله عليه وآله وسلم: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ]، وقالَ في شأنِ القرآنِ الكريمِ [وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ] فكونُ الرّسولِ رحمةً، وكونُ القرآنِ شفاء ورحمةً كلُّ ذلكَ يدلُّ على أنَّ الشّريعةَ جاءت رحمةً للعباد. إلَّا إنَّ كونَ الشريعةِ جاءت رحمةً هوَ النّتيجةُ التي تترتّبُ على الشريعةِ وليس الباعثَ على تشريعِها، أي إنَّ الشريعةَ رحمةٌ للناسِ هو غايةُ الشارعِ التي يهدفُ إليها من تشريعِها، وليس السّببَ الذي من أجلهِ شُرِّعَتْ.
«والشّفاءُ والرّحمةُ» هو وصفٌ للشّريعةِ من حيثُ نتيجتُها وليس علّةً لتشريعِها، فالصيغةُ لا تدل على التّعليلِ، لذلك تنتفي العليّةُ وتبقى الآياتُ على مدلولِها من حيثُ إنَّ حكمةَ الله من تشريعِ الشريعة أن تكونَ رحمةً.
ولا يقالُ إنَّ هذهِ الآياتِ قد عرّفتنا مقصودَ الشارعِ من الشريعةِ كما عرّفتنا الآياتُ التي بيّنت علّةَ الشريعةِ، لذلك تكونُ علّةً للشريعةِ، لا يُقالُ ذلكَ لأنّ هذهِ الآياتِ وإنْ عرّفتنا قصدَ الشّارعِ وهدفَهُ من تشريعِ الشّريعةِ، لكنها لم تعرّفنا أنّها الدافعُ له لتشريعها. فهناكَ فرقٌ بينَ الغايةِ والدافعِ فالآياتُ عرّفتنا الغايةَ لكنّها لم تعرّفنا الدّافع، ولا توجدُ نصوصٌ تدلُّ على الباعثِ، أي على الدّافعِ، لا منَ القرآنِ ولا مِنَ السنّةِ، وإنّما هناكَ نصوصٌ تدلُّ على الغايةِ منَ الشريعةِ. ومقاصدُ الشريعةِ هذه هي مقاصدُ الشريعةِ ككلٍّ وليست هي مقاصدَ كلِّ حكمٍ بعينهِ، فإنَّ الدليلَ الذي دلَّ عليها واضحٌ فيه أنّ الرحمة إنما تنجم عن الشريعةِ ككلّ لا عن كلِّ حكمٍ بعينهِ إذ قالَ: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً] أي الرِّسالةُ رحمةٌ، وقالَ: [وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ] و«منْ» هنا للبيانِ، أي ننزّلُ القرآنَ شفاءً ورحمةً وليس معناها ننزّلَ بعضَ القرآنِ شفاءً ورحمةً، وبعضَهُ ليسَ كذلكَ. لذلكَ نجدُ الشّارعَ في الوقتِ الذي بيّنَ فيهِ مقاصدَ الشريعةِ من حيثُ هي ككلٍّ بيّنَ مقصدَهُ من شرعِ بعضِ أحكامٍ بعينِها.


مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢