نبذة عن حياة الكاتب
معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم

المقَـدّمـة
قول في القرآن الكريم

من الذي أنزله
ومن الذي أُنزِل عليه
ومن الذي ترعرع في ظلاله


بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى
{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
[سورة فصلت، الآية: 3]
*
{...كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}
[سورة هود، الآية: 1]
*
{لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}
[سورة فصلت، الآية: 42]
*
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
[سورة محمد، الآية: 24[


}إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ}
[سورة الإسراء، الآية: 9]
*
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}
[سورة الإسراء، الآية: 82]
*
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ
[سورة الإسراء، الآية: 89]
*
{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
[سورة الحشر، الآية: 21[


عَن رَسُول اللّهِ (ص) أنّه قَال:
«أشْرافُ أمّتي حَمَلَةُ القُرآن»(1).
وَقالَ: «القُرآنُ غِنيٌّ لا غِنَى دُونَهُ وَلا فَقْرَ بَعْدَهُ»(2).
وَقالَ: «إنّ هـذا القُرآنَ مَأدُبَةُ اللّهِ فَتعَلَّمُوا مِنْ مَأدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(3).
وَقالَ: «حَمَلةُ القُرآنِ المَخْصُوصُونَ برَحْمَةِ اللّهِ، المعلِّمونَ كلامَ اللّهِ، المُقَرَّبُونَ إِلى اللّهِ، مَنْ وَالاهُمْ فقد وَالى اللّهَ، وَمَنْ عَادَاهُمْ فقد عَادَى اللّهَ، وَيَدْفَعُ اللّهُ عَنْ مُسْتَمِعِ القُرآنِ بَلاءَ الدّنيَا، وَيَدْفَعُ عَن قَارِئ القُرآنِ بَلاءَ الآخِرَةِ»(4).
«يا حَمَلةَ القُرآنِ تحبَّبُوا إِلى اللّهِ بتَوْقِيرِ كِتابِهِ يَزِدْكُمْ حُبّاً وَيُحَبِّبْكُمْ إِلى عِبَادِهِ».(5)
* * *
وَعَن أَميرِ المؤمنِينَ عَليّ (ع) قَالَ في حَدِيثٍ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ (ص) يَقولُ:
«إنَّها سَتكونُ فِتَنٌ»، قُلْتُ: فما المَخْرَجُ يا رَسُولَ اللّهِ؟
قالَ: «كِتابُ اللّهِ فيهِ خَبَرُ ما قَبْلَكُمْ، وَنَبَأُ ما بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنكُمْ، هُوَ الفَصْلُ ليسَ بالهَزْلِ، هُوَ الّذي لا تَزيغُ بهِ الأهْواءُ، ولا تشبعُ مِنْهُ العُلَماءُ، ولا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ رَدٍّ، وَلا تَنْقَضِي عَجائِبُهُ، وَهُوَ الّذي مَنْ تَرَكَهُ مِن جبارٍ قصَمَهُ الله، وَمَنِ ابْتَغَى الهُدَى في غَيْرِهِ أضَلّهُ اللّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللّهِ المَتِينُ، وَهُوَ الصِّراطُ المُسْتَقيمُ، هُوَ الّذي مَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إليهِ دَعَا إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»(6)

قال علي كرم الله وجهه
القرآنُ ظاهِرُهُ أنِيقٌ وَباطِنُهُ عَمِيقٌ لا تَفْنَى عجائِبُهُ ولا تَنْقَضي غَرائِبُهُ ولا تُكْشَفُ الظُّلُماتُ إلاّ بِـهِ، وَهُوَ آمِرٌ زاجِرٌ، وَصامِتٌ ناطِقٌ، وَحُجَّةُ اللّهِ عَلَى خَلْقِهِ.
أنْزَلَهُ اللّهُ نُوراً لا تُطْفَأُ مَصابِيحُهُ، وَسِراجاً لا يَخْبُو تَوَقُّدُهُ، وَبحراً لا يُدرَكُ قعْرُهُ، جَعَلَهُ اللّهُ رِيّاً لِلعُلَماءِ، وَرَبيعاً لِقُلوبِ الفُقَهاءِ، وَمَحاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحاءِ، ودَواءً لَيْسَ بَعْدَهُ داءٌ.
وَهُوَ كِتابُ اللّهِ بَيْنَ أظْهُرِكُمْ، ناطِقٌ لا يَعْيا لِسانُهُ، وبَيْتٌ لا تُهْدَمُ أركانُهُ، وَعِزٌّ لا تُهْزَمُ أعْوانُهُ.


أيُّها المسلمون:
نَضَعُ بَينَ أَيديكم كتابَ «مُعجَم تَفسير مُفرَدات أَلفاظ القُرآن الكَريم» في طبعته السَّادسة مزيدة ومنقَّحة، ولقد أضفنا، إلى بعض الألفاظ، كثيراً من المعاني التي نعيشها، وحذفنا كل معنى غير متداول بين الناس، وأتينا على كثيرٍ من المعاني التي استعصت على عددٍ من المفسّرين وقد فسّرها البعض، ممّن أشكلت عليه، على وجوهٍ عدّة. فأعطينا فيها رأياً واحداً كوّنّاه مما فتح الله به علينا، ومما أورده البعض من المفسّرين. كذلك أتينا على بعض تراكيب الألفاظ التي لها سموٌّ في البلاغة ونوّهنا بها موضِّحين ومعلِّلين.
أيُّها المُسلمون، بل أيُّها الناسُ جميعاً:
قال رَسولُ اللَّه (ص) : «الدِّينُ النصيحةُ»(7).
وإنّنا نَنْصَحُ لَكُم أَن تَقْتَنوا هذا السِّفرَ الجليلَ فإنَّهُ يُغنيكُمْ عن كَثيرٍ من تَفاسيرِ القُرآنِ الكَريم.
وَنَرجو اللَّهَ سُبحانَهُ أن نَكونَ قَد وُفِّقنا، بعَمَلِنا هذا، إلى ما نَصبُو إليهِ مِن هِدايته ورِضاهُ.


بسم الله الرحمن الرحيم


المقَـدّمـة
معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم
التفسير
هذا المعجمُ يحتوي على تفسيرِ مفرداتِ ألفاظِ القرآنِ الكريمِ.
التفسيرُ هوَ البيانُ، تقولُ: فَسَرْتُ الشيءَ (بالتخفيفِ)، وفسّرْتُهُ (بالتشديدِ) تفسيراً إذا بيّنْتُهُ.
والفرقُ بينَ التفسيرِ والتأويلِ:
أنّ التفسيرَ بيانُ المرادِ باللفظِ.
والتأويل بيانُ المرادِ بالمعنى.
وقد اختصّتْ كلمةُ التفسيرِ على الإِطلاقِ ببيانِ آياتِ القرآنِ الذي نزلَ باللغةِ العربيّةِ. أمّا الألفاظُ التي أصلُها أعجميّ، مثل: «إستبرق»، فقد عُرِّبَتْ في ضوءِ الأصولِ العربيّةِ وأصبحتْ منها. وأمّا أساليبُهُ فهيَ أساليبُ العَرَبِ في كلامِهِمْ.
كانَ العـربُ يقرأُونَهُ وَيُدْرِكُـونَ قوّةَ بلاغتِه ويفهمـونَ معانيَه، إلاَّ أنّ القرآنَ الكريمَ لمْ يكنْ في متناولِ الفَهْمِ العربيّ على مستوى شاملٍ بحيثُ يستطيعُ العربُ أن يفهموهُ إجمالاً وتفصيلاً بمجرّدِ سماعِهِ، لأنّ نزولهُ بلغةِ العربِ لا يقتضي أنْ يفهمَهُ جميعُ العربِ، في مفرداتهِ وتراكيبهِ، إذْ لَيْسَ كلّ كتابٍ مؤلّفٍ بلغةٍ يستطيعُ أهلُ اللغةِ أنْ يفهموه، لأنّ الفهمَ لا يتوقّفُ على معرفةِ اللغةِ وحدَها، وإنما يتطلّبُ درجةً عقليّةً خاصّةً، ومستوى معيّناً منَ المعرفةِ يتناسبُ مع محتوياتِ الكتابِ، ولمْ تكنْ لجميعِ العربِ هذهِ الطاقةُ.
كيف يجب أن يُفَسَّرَ القرآنُ الكريمُ وخاصةً في عصرنا هذا؟
لقد شَاهَدْنا في القرنِ العشرينَ محاولاتٍ لتفسيرِ القرآنِ الكريمِ من قبل علماءٍ أعلام أجلاَّء نرجو الله سُبحانَهُ وتعالى أنْ يكونوا قد وُفِّقُوا إلى ما كانوا يَصْبُونَ إليه.
ولكن، نحن نرى أنَّ تفسيرَ القرآنِ الكريمِ، بوصفِهِ كلاماً عربيّاً، ونصّاً عربيّاً {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} [طه: 113] يتطلب من حيث اللُّغةُ وقبل أيِّ شيء آخر، إدراك الواقـع العربيّ في ماضيه وحاضـره، أي ما كانت عليه ألفـاظ اللغة العربية وتراكيبها وما استجدَّ عليها بفعل التطور الفكريّ والسياسيّ والفقهيّ والاقتصاديّ وغيرها من أمور الحياة البشرية. أمّا من حيثُ الموضوعُ فيتوقفُ هذا التفسير على الإِلمامِ بالتاريخِ ولا سيما ما اختصّ بأسباب التَّنزيل الموثوقة، والعقائدِ، والتشريعِ، والقصصِ، وكثيرٍ منَ الأشياءِ التي ينطوي عليها هذا الكتاب المبين لأنه رسالةٌ من اللَّهِ ـ جلّت عظمته ـ للبشرِ، ويُبلِّغُها رسولٌ منَ اللَّهِ ـ كريم على ربه تعالى ـ إذ قد تجد فيه كلَّ ما يتعلّقُ بالرسالةِ من مثل العقائدِ والأحكامِ والبشارةِ والإِنذارِ وقصصِ العِظَةِ والذِّكرى والوصْفِ الرّائِعِ لمشاهدِ القيامةِ والجنَّةِ والنّارِ. والغايةُ من ذلكَ متنوعة ومتشعِّبة بحيث يمكن أن تطال الأمر والنهيَ، والوعْدَ والوعيد، وإثارةَ الشّوقِ، والقضايا العقليّةَ، والأمورَ الحسيّةَ والغيبيّاتِ المبنيّةَ على أصلٍ عقليٍّ للإِيمانِ والعملِ، وغيرَ ذلكَ ممّا تقتضيهِ الرسالةُ التامّةُ لبني الإِنسانِ ... إلاَّ أنَّ الوُقوفَ على هذا الموضوعِ وقوفاً دقيقاً، وقائماً على معرفةِ التفاصيلِ، لا يمكن أن يكونَ إلاَّ عن طريقِ الرسولِ، تسليماً بما أعلمنا به اللَّهُ تعالى من أنّ القرآنَ أُنزلَ على الرسولِ لِيُبَيّنَهُ للنّاسِ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النّحل: 44]، ومعرفةُ ما بيّنه الرسول (ص) تأتي من السُّنّة، أي مَا يُرْوَى عنهُ روايةً صحيحةً منْ أقوالٍ وأفعالٍ وإقرار. ولذلكَ كانَ الواجبُ يفرِضُ الاطّلاعَ على سنّةِ الرسولِ قبلَ البدْءِ بتفسيرِ القرآنِ. إذْ لا يمكنُ فَهْمُ مواضيعه إلاَّ من خلال هذا الاطّلاع الذي يجبُ أنْ يكون اطّلاعاً واعياً لمتن السنّة بغضّ النظرِ عنِ الاطّلاع على سندها. بمعنى أن التفسير يستدعي العلم بالسنّة النبوية الشريفة علمَ تدبّرٍ لمحتواها بوصفها مفاهيمَ إسلامية شمولية أو تفصيلية، لا مجرد معرفة سطحية أو إلمامٍ بحفظ ألفاظها.
من الواجب على المفسِّر أنْ يُدركَ مثلاً مدلولَ الحديثِ، ولا يَضيرُ أن لا يهتمّ بحفظِ الألفاظِ أو معرفةِ السندِ والرّواةِ ما دامَ واثقاً من صحّةِ الحديثِ بمجرّد تخريجهِ. لأنّ التفسيرَ متعلّقٌ بمدلولاتِ السنّةِ لا بألفاظِها وسندها ورُواتها فقط، أي يجبُ توفّرُ الوعي للسنّةِ حتى يتأتى لهُ تفسيرُ القرآنِ. ومنْ هنا يتبيّنُ أنّهُ لا بدّ لتفسيرِ القرآن، أوّلاً وقبلَ كلِّ شيءٍ، من دراسةِ واقع القرآن دراسةً تفصيليّةً، ودراسةِ ما ينطبقُ عليهِ هذا الواقعُ منْ حيثُ الألفاظُ والمعاني وإدراكُ موضوعِ بحثهِ. ويجبُ أنْ يعلمَ أنّهُ لا يكفي الإدراكُ الإِجماليّ، بلْ لا بدّ منَ الإِدراكِ التفصيليّ للكليّاتِ والجزئيّاتِ، ولو بشكل إجماليّ، ولأجلِ تصوّرِ هذا الإِدراكِ التفصيليِّ نَعْرِضُ لوْحةً أوْ إشارةً لكيفيّةِ الإِدراكِ التفصيليّ لواقعِ القرآنِ من حيثُ مفرداتُهُ وتراكيبُهُ وتصرّفُه في المفرداتِ والتراكيبِ ومنْ حيثُ الأدبُ العالي في الخطابِ والحديثِ منَ الناحيةِ اللغويةِ، ومنْ حيثُ لغةُ العربِ ومعهودُهُمْ في كلامِهِمْ.
أمّا واقعُ القرآنِ منْ حيثُ مفرداتهُ: فإِنّا نشاهِدُ فيهِ مفرداتٍ ينطبقُ عليها المعنى اللغويّ حقيقةً ومجازاً.
وقد يُسْتَعْمَلُ المعنى اللغويّ بقسميهِ المجازيِّ والحقيقيِّ، وتكونُ القرينةُ أداةَ المقصودِ في كلِّ تركيبٍ. وقد يُتناسى المعنى الحقيقيُّ ويبقى المعنى المجازيُّ فيصبحُ المقصودَ الأساسيّ. وهناكَ مفرداتٌ ينطبقُ عليها المعنى الحقيقيُّ فقط. كما أنّ هناك مفرداتٍ ينطبقُ عليها المعنى اللغويُّ الحقيقيُّ، وينطبقُ عليها معنى شرعيّ جديدٌ غيرُ المعنى اللغويّ حقيقةً، وغيرُ المعنى اللغويّ مجازاً، واستُعْمِلَتْ في المعنى اللغويّ والشرعيّ في آياتٍ مختلفةٍ. والذي يُعيّنُ المقصودَ منهما تركيبُ الآيةِ. أو ينطبقُ عليها المعنى الشرعيُّ فحسب، ولا تُستعملُ في المعنى اللغويّ. فكلمة «قرية» ـ مثلاً ـ استُعملتْ بمعناها اللغويّ الحقيقيّ فقط في قولهِ تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} [الكهف: 77] وقوله {أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} [النِّسَاء: 75]. واسْتُعْمِلَتْ بمعناها المجازيّ في قوله عزّ وجلّ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يُوسُف: 82] فالقريةُ لا تُسأل، والمقصودُ أهْلُ القريةِ فيكون قد استعمل التعبير المجازيّ. وفي قولهِ تعالى: {وَكَأَيِّن مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا} [الطّلاَق: 8] والمرادُ أهْلُ القريةِ. وفي قولهِ سبحانه وتعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النِّسَاء: 43]، فالغائطُ هوَ المكانُ المنخفضُ، وقدِ اسْتُعْمِلَتْ في قضاءِ الحاجةِ مجازاً، لأنّ الذي يقضي الحاجَةَ يذْهَبُ إلى مكانٍ منخفضٍ. فاسْتُعْمِلَ المعنى المجازيُّ وتُنُوسيَ المعنى الحقيقيّ. أمّا في قولهِ تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المَائدة: 42] وقوله: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرَّحمن: 9] فالمقصودُ المعنى اللغويّ، ولم يَرِدْ لها معنى آخر، وكذلكَ قولهُ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدَّثِّر: 4] فإِنّ المرادَ المعنى اللغويّ. أمّا في قولهِ تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المَائدة: 6]، {لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقِعَة: 79] فالمرادُ المعنى المجازيّ، وهوَ إزالةُ الحَدَثِ لأنّ إزالةَ الحدثِ الأكبرِ والحدَثِ الأصغرِ يُقالُ لهُ في الشرعِ «طهارة»، معَ الأخْذِ بعين الاعتبار حقيقةَ أنّ «المؤمن لا ينجسُ». وأمّا في قولهِ تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العَلق: 9] ، فإِنّ المرادَ معناها الشرعيّ. وفي قولهِ تعالى: {يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزَاب: 56]، يُرادُ المعنى اللغويّ وهُو الدّعاءُ. هذا منْ حيثُ المفرداتُ.
أما مِن حيثُ التراكيبُ فإِن اللغةَ هيَ ألفاظٌ دالّةٌ على معانٍ. وإذا تقصينا هذهِ الألفاظَ، من حيثُ وجودُها في تراكيبَ سواء أكانت منْ حيثُ معناها الإِفراديّ في التركيبِ أمْ منْ حيثُ المعنى التركيبيّ، فإِنّها لا تخرجُ عن نظرتينِ اثنتينِ:
إحداهما أنْ يُنْظَرَ إليها منْ جهةِ كونها ألفاظاً وعباراتٍ مُطلقةً دالّةً على معانٍ مُطلقةٍ، وهيَ الدّلالةُ الأصليّةُ. والثانية منْ جِهةِ كونها ألفاظاً وعباراتٍ دالّةً على معانٍ خادمةٍ للألفاظِ والعباراتِ المُطلَقَةِ، وهيَ الدّلالةُ التابعةُ. أمّا بالنسبةِ للقسمِ الأوّلِ وهو كونُ التراكيب ألفاظاً وعباراتٍ مطلقةً دالّةً على معانٍ مطلقةٍ، فإِنّ في اللغةِ من حيثُ المفرداتُ ألفاظاً مشتركةً، مثل كلمات: «العين»«والقدر»«والروح» وما شاكلَ ذلك. وفيها ألفاظٌ مترادفةٌ، مثل: كلمتي «جاءَ وأتى» وكلمتي «ظنّ وزعم» إلى غيرِ ذلكَ. وفيها ألفاظٌ مُضادّةٌ، مثل: كلمةِ «قروء» للحيضِ والطّهارة، وكلمة: «عزر» للإِهانةِ والنصرةِ وكذلك للّوْم والتنكيلِ، وما شابهَ ذلك.
ويحتاجُ فهْمُ المعنى المرادِ من الكلمةِ، إلى فَهْمِ التركيب، ولا يمكنُ أن يُفْهَمَ معناها بمجرّد مراجعةِ قواميسِ اللغةِ، بل لا بدّ من معرفةِ التركيبِ الذي وَرَدَتْ فيهِ الكلمةُ، لأنّ التركيبَ هوَ الذي يُعيّنُ المعنى المرادَ منها. وكما نقولُ ذلكَ في المفرداتِ بالنسبةِ للتركيبِ، نقولهُ بالنسبةِ للتراكيبِ نفسها، من حيثُ هي ألفاظٌ وعباراتٌ مُطلَقَةٌ دالّةٌ على معانٍ مطلقةٍ، وهذهِ هيَ دلالَتُها الأصليّةُ، وما لمْ ترِد قرينةٌ دالّةٌ على غير ذلكَ فإِنّ معناهَا المطلق هو المراد، وهذا كثير في القرآنِ لا يحتاجُ إلى أمثلةٍ لأنّهُ الأصلُ.
وأمّا بالنسبةِ للقسمِ الثاني، وهو كونُ التراكيبِ ألفاظاً وعباراتٍ دالّةً على معانٍ خادمةٍ للألفاظِ والعباراتِ المطلقةِ، فإِنّ كُلّ خبرٍ يقالُ في الجملةِ يقتضي بيانَ ما يُقْصَدُ منها بالنسبةِ لذلكَ الخبر. فتوضعُ الجملةُ في شكلٍ يؤدّي ذلك القصدَ بحسبِ المخبرِ والمُخْبَرِ عنهُ، ونفْسِ الإِخبارِ في الحالِ التي وُجِدَ عليها، وفي المساقِ الذي سيقَتْ بهِ الجملةُ، وفي نوعِ الأسلوبِ منَ الإِيضاحِ والإِخفاءِ والإِيجازِ والإِطنابِ وغير ذلكَ. تقولُ في ابتداءِ الإخبارِ: «قامَ زيدٌ» إنْ لمْ تكنِ العنايةُ بالمخبرِ عنه بَلْ بالخبرِ، فإِنْ كانتِ العنايةُ بالمُخْبَر عنهُ قلت: زيدٌ قامَ، وفي جوابِ السؤالِ أو ما هو مُنَزَّلٌ منزلةَ السؤالِ قلت: إنّ زيداً قائم، وفي جوابِ المنكرِ: واللَّهِ إنّ زيداً لقائم! وفي إخبارِ مَنْ يتوقّعُ قيامَ زيد: قامَ زيدٌ، ومثلها في القرآن الكريمِ: قوله تعالى {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ *إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ *قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَانُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ *قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} [يس: 13-16] فإِنّ الرّسُلَ حين أحسّوا إنكارَهُمْ في المرّةِ الأولى اكتفَوا بتأكيدِ الخبرِ بـ«إِنّ» فقالوا: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} [يس: 14]، فلمّا تزايدَ إنكارُهمْ وجُحودهم قالوا: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} [يس: 16]، فأكّدوا مهمة إرسالهم: بالقسمِ وإنَّ والّلام.
وقد رُويَ أنّ يعقوبَ بنَ إسحقَ الكِنديّ ركبَ إلى أبي العباسِ المبرّدِ وقالَ لهُ: «إني لأجِدُ في كلامِ العرب حشواً!»، فقالَ أبو العبّاسِ: «أينَ وجدتَ ذلكَ؟» فقال: «وجدتهُمْ يقولونَ: عبدُ الله قائمٌ»، ويقولون: «إنّ عبدَ اللَّهِ قائمٌ»، ثمّ يقولونَ: «إنّ عبدَ اللَّهِ لقائمٌ»، فالألفاظُ مكرّرةٌ والمعنى واحد. فقالَ أبو العباسِ: «بلِ المعاني مختلفة».
فالأول: إخبارٌ عن قيامِهِ.
والثاني: جوابٌ عنْ سؤال.
والثالث: ردّ على مُنْكرٍ.
هذه الأمور يجبُ أنْ تُلاحَظَ في النّصوصِ العربيّةِ. وقد استوفى القرآنُ هاتينِ النظرتينِ، فجاءَتِ الألفاظ والعباراتُ المطلقة الدالّةُ على معانٍ مطلقة، وجاءت الألفاظُ والعباراتُ المقيدة الدالة على معانٍ خادمةٍ للمعاني المطلقة، وفي وجوهٍ متعدّدةٍ من البلاغةِ. ومن أروعِ ما رُوعِيَ فيه وجودُ المعاني الخادمةِ التي هيَ الدّلالةُ التابعةُ، والتي تتكوَّنُ مِنَ الآياتِ وأجزاءِ الآياتِ التي تتكرّرُ في السورةِ الواحدةِ أو في السّوَر المختلفةِ من القرآن الكريم، وكذلكَ القصَصُ التي تتكرّرُ أحياناً بصورة موجزة وأحياناً مطولة وبعبارات قليلة أو آيات متعددة؛ وكذلك ما جاء فيهِ من تقديمِ المحمولِ على الموضوعِ، ومنَ التأكيدِ بأنواع من التأكيد، أو بنوعٍ واحدٍ حَسْبَ مساقِ التركيب المطلوب؛ ومنَ الاسـتفهامـات الإِنكـاريّةِ وغيـر ذلكَ، ممّـا يتضمّـنُ أعلى أنـواعِ الدّلالـةِ التّابعـةِ. وبمعنى آخر، فإنَّك تَجدُ الآيةَ أو جزءاً منَ الآيةِ أو جملةً من الآيات، أو القِصّةَ تأتي في مساقٍ على وجهٍ في بعضِ السورِ، وتأتي على وجهٍ آخرَ في سورٍ أُخرى، وتأتي على وجهٍ ثالثٍ في موضوعٍ آخرَ، وهكذا لا تجدُ تعبيراً حُوِّلَ عنْ وضعهِ الأصليّ، كتقديمِ الخبر على المبتدإ، وتأكيد الخبرِ والاكتفاءِ بذكـرِ البعضِ عنِ البعضِ الآخر، ممّـا يُذْكَرُ عـادةً، إلاَّ وجـدتَ لذلك تعبـيراً بلاغيّاً قائماً على معنى يخدمُ المعانيَ المطلَقَةَ التي تتضمّنها الألفاظُ والعباراتُ في الآيةِ.
وكل ذلك لأنَّ الكلامَ في اللغةِ العربيّةِ ألفاظٌ دالّةٌ على معانٍ، سواءٌ من حيثُ النظرةُ إلى المفرداتِ في تراكيبها، أوْ من حيثُ التراكيبُ جُمْلَةً.
أمّا من حيثُ التصرّفُ في المفرداتِ في تركيبها، أو التصرّفُ في التراكيبِ، فإِنّ القرآنَ سائرٌ فيها على معهودِ العربِ الذي نزلَ بلسانهم. ومع إعجازه للعربِ فلمْ يحصُلْ فيهِ العدولُ عنِ العُرْفِ المستمرّ.
وواقعُهُ من هذهِ الجهةِ هوَ عينُ واقِعِ معهودِ العربِ في ذلكَ. وبالرّجوعِ إلى واقعِ معهودِ العربِ نجدُ أنّ العَرَبَ لا ترى حتميّةَ الالتزام بالألفاظِ حينَ يكون المقصودُ المحافظةَ على معنى التراكيبِ وإنْ كانتْ تراعيها، وكذلكَ لا ترى جوازَ العدولِ منَ الألفاظِ بحالٍ منَ الأحوالِ بلْ تُوجِبُها حيثُ يكونُ المقصودُ أداءَ المعاني التي تقتضي الدقّةُ في أدائها التزامَ اللفظِ الذي يكونُ أداؤها بهِ أكملَ وأدَقّ، فليسَ أحَدُ الأمرين عندهم بملتزَمٍ، بل قد تُبْنى المعاني على التركيب وحدَهُ معَ عدمِ الالتزامِ بالألفاظِ، وقد تُبْنى المعاني على الألفاظِ في التركيبِ عندَ العربِ كاستغنائهمْ ببعضِ الألفاظِ عمّا يرادفُها، أو يُقاربُها إذا دلّ المعنى المقصودُ على استقامتِهِ، فقد حكى ابنُ جني عن عيسى بن عمرَ قالَ: سمعتُ ذا الرّمّة ينشدُ:
وظَاهِرْ لها مِنْ يابسِ الشختِ(8) واسْتَعِنْ عليها الصبا واجْعَلْ يَدَيْكَ لها سترا
فقلتُ: أنشدتَني من «بائس» فقال: «يابس وبائس واحدٌ». وعن أحمدَ ابن يحيى قال: أنشدني ابنُ الأعرابي قال:
ومَوْضِعِ زيرٍ لا أُريدُ مَبيتَهُ كأنّي بهِ مِنْ شِدةِ الروع آنس
فقالَ لهُ شيخٌ من أصحابِه: ليسَ هكذا أنشدتني بل قلتَ «وموضع ضيق» فقالَ: «سبحانَ الله! أصبَحنا من كذا وكذا، ولا تعلمُ أنّ الزيرَ والضيق واحدٌ». وقد حصلَ ذلكَ في القرآن، كما حصلَ بالاستغناء ببعضِ الألفاظِ عمّا يرادفُها أو يُقارِبُها كالقراءاتِ في القرآن مِنْ مثل:
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفَاتِحَة: 4] {ملك يوم الدين}. أما في قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسرَاء: 85] فالروح: سرِّ الحياة، بينما في قوله تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقِعَة: 89] الرَّوْح: الراحة.
ومنْ شأنِ العربِ الالتزامُ بالألفاظِ بعينها حينَ يكونُ هنالكَ قصْدٌ من التعبيرِ بها، كأن يُروى أن أحدَ الرواة حين أنشد:
لَعَمْرُكَ مَا دَهْرِي بِتَأبِينِ هالِكٍ ولا جزعٍ مِمّا أصابَ فَأوْجَعَا
وضع كلمة «هالك» بينما هي في الأصل «مالك» فغضب وقالَ: الرواية «مالك» وليس «بهالك» والمرثيّ «مالك» لا مُطْلَقُ شخصٍ هالكٍ.
والقرآنُ الكريم وردتْ فيهِ ألفاظٌ ملتزمةٌ لا يمكنُ أن يُؤدّى المعنى بدونها، ففي قوله تعالى: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النّجْم: 22] كلمةُ «ضيزى» لا يُمكنُ أنْ تُؤدّيَ معناها أيّةُ كلمةٍ مرادفةٍ أو مقاربةٍ، فلا «قسمةٌ ظالمةٌ» ولا «جائرة» بقادرةٍ على تأديةِ المعنى ذاتهِ. ومن أجلِ ذلكَ رُوعيَ لَفْظُها في التركيبِ محافظةً على المعنى. هذا منْ حيثُ المحافظةُ على التعبير باللّفظِ الخاصّ أو عدمِ المحافظةِ.
أمّا من حيث المحافظةُ على المعنى الإِفراديّ بتبيانهِ أو عدمِ المحافظةِ فإِنّ من معهودِ العربِ أن يكون الاعتناءُ بالمعاني المبثوثةِ في الخطابِ هوَ المقصودَ الأعظمَ بناءً على أنّ عناية العربِ كانت بالمعاني، وإنما أُصلحتِ الألفاظُ من أجلِها.
ولكنْ إذا كانَ مقصودُ الجملة المعنى الإفراديْ فيجبُ أنْ تُوجّهَ العنايةُ إلى معاني المفرداتِ معَ الهيئةِ الاجتماعيةِ للجملةِ، وإذا كانَ مقصودُ الجملة المعنى التركيبيَّ فيُكتفى بالمعنى الإفراديِّ لئَلا يَفْسُد على القارِىءِ فَهْمُ المعنى التركيبيِّ للجُملةِ. وقد جاءَ القرآنُ الكريمُ على هذا المعهودِ وسارَ عليهِ في مُخْتَلَفِ الآياتِ. ولذلكَ فإن عمرَ بنَ الخطّابِ (رضي الله عنه) حينَ سُئِلَ عن معنى قولِه تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عَبَسَ: 31] قال: نُهِينا عنِ التكلّفِ والتعمّقِ، أي في المعنى الإفراديّ. وفي مثلِ هذهِ يُرادُ المعنى التركيبيّ، ولكنْ إذا كانَ المعنى الإفراديّ يتوقّفُ عليه المعنى التركيبيّ، فيجبُ بذلُ العنايةِ للمعنى الإفراديّ.
ولهذا نجدُ عمرَ بنَ الخطّابِ نفسَهُ سَأَلَ وهو على المنبر عن المعنى الإفراديِّ لكَلِمَةِ «التخوُّفِ» حينَ قرأَ {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النّحل: 47] فقالَ رجلٌ من هذيل: التخوفُ عندنا التَّنَقُّص. وأنشده:
تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنْها تامِكاً قَرَداً كما تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السّفَنُ
التامكُ: المُرتَفَعُ من السّنام.
القَرَدُ: المتلبِّد بعضهُ على بعض.
والسّفَنُ: المِبْرَد.
أيْ أن الرجلَ في أثناءِ السّير تنقص النّاقَة وتبرد ظَهرها كما يُنقِصُ المبردُ خَشَبَ القَصي.
وحينَ أنشدَ الهُذيليُّ بيتَ الشّعر وفسّر معنى التخوف، قالَ عُمَرُ: «يا أيها النّاسُ تمسكُوا بديوانِ شِعْرِكُمْ في جاهِليتكُمْ فإنَّ فيه تَفسيرَ كِتابكمْ». وأتى أعرابيٌّ إلى ابنِ عباس فقالَ:
تخوَّفَنِي ماليَ أخٌ ليَ ظَالِمٌ فَلا تَخْذُلنِّي اليومَ يا خيرَ مَنْ بقي
قالَ: نَعَمْ، الله أكبر {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النّحل: 47] أي تَنَقُّصٍ مِنْ خِيارِهِمْ.
وفوقَ ذلكَ كانَ القرآنُ يراعي عندَ الكلامِ تعبيراتٍ يُقصَدُ منها مراعاةُ الأدب العالي، فإِنّهُ أتى بالنداءِ من الله تعالى للعبادِ ومن العبادِ للّهِ تعالى، إمّا حكايةً وإمّا تعليماً.
فحينَ أتى النداءُ منَ اللَّهِ للعبادِ جاءَ بحرفِ النداءِ المقتضي للبُعْدِ ثابتاً غير محذوفٍ، ليُشْعِرَ العبدَ بالبُعْدِ كقولهِ تعالى:
{يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العَنكبوت: 56]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [فَاطِر: 3]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البَقَرَة: 104]. هذا بالنسبةِ لنداءِ العليّ العظيم. أمّا بالنسبةِ لنداءِ العبادِ للّهِ السميع العليم فقد أتى بالنداءِ مجرَّداً منَ الياءِ كقولهِ تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا} [البَقَرَة: 286]، {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ} [آل عِمرَان: 193]، وقالَ عيسى ابنُ مريمَ: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المَائدة: 114]، فهذه كُلُّها مُجَرّدَةٌ مِنَ الياءِ المُشْعِرَةِ بالبُعْدِ، لِيشْعُرَ العبدُ بأنَّ الَّلهَ قريبٌ منهُ. ولأنّ الهاءَ كما في قوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البَقَرَة: 104] تُفيد التنبيه.
وهناكَ عنايةٌ بالعباراتِ التي ترْمي إلى مراعاةِ الأدَبِ العالي جاءَتْ في القرآنِ بالكنايةِ بدَلَ التّصريحِ في الأمورِ التي يُسْتَحَى منْ ذِكْرها والتصريحِ بها، كما كنى عن الجِماعِ باللّباسِ والمباشرةِ في قولهِ عزّ وجلّ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البَقَرَة: 187]، وقوله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البَقَرَة: 187]، وكَنّى عنْ قضاءِ الحاجةِ بقولِهِ: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} [المَائدة: 75].
وهناكَ الكثيرُ منَ الآياتِ الكريمة التي تَنتهي بـِ: {اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعَام: 103] و {الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحَجّ: 62] و {الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحَجّ: 64]، فهذا يعتبر من مراعاة النظير في اللغة، الذي هوَ: تشابُهُ الأطرافِ، وهوَ أن يُختَتَم الكلامُ بِما يُناسبُ ابتِداءَهُ في المعنى نحو قوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعَام: 103]. فإِنَّ «الَّلطيفَ» يناسِبُ كونَهُ غيرَ مُدْرَكٍ للأَبصارِ «والخبير» يُناسبُ كونَهُ مُدْرِكاً للأشياءِ لأنَّ المدْرِكَ للشيءِ يكونُ خبيراً بهِ. وكقولهِ تعالى {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحَجّ: 61]. أيْ سميعٌ لِدُعاءِ المؤمنين في الليل والنهارِ وحتى أثناءَ إدخالِ الليلِ في النّهارِ، وبصيرٌ بهم وبأحوالِهم في ظلمةِ الليلِ البهيمِ الألْيَلِ، كما أنّهُ بصيرٌ بهم وبِأعمالِهِم في وَضَحِ النّهارِ وخِلالَ تَفَجُّرِ النهارِ من الليلِ.
وكقولهِ تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمَان: 30]. هوَ «العليُّ»: ذو العلوّ على جميع الأشياءِ المحسوسةِ وغير المحسـوسـةِ وكل شـيء دونـه؛ «والكبيرُ» يعني العظيم الذي كلُّ شـيء سواهُ يَصْغُرُ مقدارُهُ عن معناه. فيكونُ العليّ هُوَ الحقّ، لأنَّ الحقَّ لا يُعْلَى عليهِ وأنّ ما يدعونَ من دونه هو الباطِلُ، وكلُّ باطل صغيرٌ حقيرٌ، واللَّهُ سُبحانه وتعالى هو العليُّ وهوَ الكبيرُ. وكقول ربّ العالمين: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحَجّ: 64]. أي له ملكُ ما في السمواتِ ومـا فـي الأرضِ جميعـاً هـم عبـيدُه ومماليكُهُ وَخَلْقُـهُ لا شـريكَ لهُ في ذلكَ ولا في شيء منهُ؛ وإنّ الله هو (الغنيُّ) عن كلِّ ما في السمواتِ وما في الأَرضِ مِنْ خَلْقِهِ وهم المحتاجونَ إليهِ، وهوَ الغَنيُّ عنهم، (والحميد) عند عبادِهِ في أَفْضالِه عليهم وأياديهِ عندهم.
ومن مراعاةِ النظير «اللفُّ والنشرُ» أيْ أن تَلُفّ بَيْنَ شيئينِ في الذِّكر، وتَنْشُرَ بمعلقِهِما من غير تعيينٍ، أي بأنْ تَرُدَّ كُلاًَّ إلى ما هو له، نحو قوله تعالى {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القَصَص: 73] أي لتسكنُوا في الليلِ، ولتبتَغوا من فضلهِ بالنهارِ بأنواعِ المكاسبِ.
ورُبّما يَقَعُ بغير ترتيبٍ كقول خير الرازقين: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [الرُّوم: 23]. أي ومن آياته منامكم في الليل، الذي يجلب لكم الراحة الفكرية والجسدية، وابتغاؤكم من فضلهِ في النهار طلباً للرزق.
وهناك تعابيرُ قائمةٌ على الالتفاتِ الذي يُنْبِىءُ عنْ أدَبِ الإِقبالِ منَ الغَيْبَةِ إلى الحضورِ إذا كانَ مُقْتَضى الحالِ يستْدعيهِ، كقولهِ تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ *مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفَاتِحَة: 2-4]، ثم عَدَلَ عَنِ الغَيْبَةِ إلى الخِطَابِ فقالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفَاتِحَة: 5]. وكقولهِ تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يُونس: 22] فعدلَ عنِ الخطابِ إلى الغَيْبَةِ. وقوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى *أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عَبَسَ: 1-2] فجرى العتابُ على حالٍ بأُسلوبِ الغَيبَةِ. معَ أن الآيةَ نَزَلَتْ عليهِ، وهوَ المُخَاطَبُ بها، ثم انتقلَ إلى الخطابِ فقالَ تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عَبَسَ: 3] فهذا العدولُ منَ الخطابِ إلى الغَيْبَةِ، ومِنَ الغَيْبَةِ إلى الخطابِ قائمٌ على الأدبِ العالي، لِما في الخطابِ بعدَ الغيبةِ مِنْ تَقويَةٍ للمعنى الثاني أو تخفيفٍ للمعنى الأولِ على النّفسِ حينَ إلقائها. ألا ترى أن في الشكر للّهِ والثناءِ عليهِ، كانَ الأدبُ يقتضي الغَيْبَةَ، وحينَ العبادةِ وإظْهَار الضعفِ كانَ الخطابُ أليَقَ بأدبِ الخطابِ، ولعل العتابَ أخفُّ على المعاتَبِ بلفظِ الغيبةِ. والاستفهامُ أليقُ بهِ أنْ يكونَ منْ مُخاطَبٍ. ومن ذلكَ أيضاً ما عَلّمَنا اللَّهُ تعالى في تَرْكِ التنصيصِ على نسبةِ الشر إِليهِ تعالى، وإن كانَ هوَ الخالقَ لكل شيء: «بِيَدِكَ الخيرُ» واكتفى بذلكَ واستغنى به عن ذكْر الشّر فلم يقلْ «بيدكَ الشر» وقد جاءَ ذلكَ بعدَ قولهِ تعالى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عِمرَان: 26] معَ أن السّياقَ يقتضي أن يقولَ: «وبيدكَ الشر» لأنَّ ما نص على فعلِ اللَّهِ لهُ خيرٌ وشرّ، باعتبارِ إطلاقِ الإِنسانِ، فإِتيانُ المُلكِ وعِزّةُ الشّخصِ هيَ خيرٌ بالنّسبةِ للإِنسانِ، ونَزْعُ الملكِ وذلّةُ الشّخصِ هيَ شرّ للإِنسانِ. وقد نَسَبَهَا اللَّهُ لنفسِهِ بأنّهُ هو الذي فَعَلَها. وقالَ في ختامِ الآيةِ {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عِمرَان: 26]. هذا القولُ يشملُ الشّرّ كما يشملُ الخيرَ، ومع ذلكَ قالَ: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عِمرَان: 26] واكتفى بذلكَ عنِ الشرّ، تَعْلِيماً لنا بأنْ نَتَأدّبَ بأدَبِ الخطابِ. ويقصِدُ بذلكَ كلّهِ مراعاةَ الأدبِ العالي، وهوَ من معهودِ العربِ في كلامِهِمْ. وقدْ وَرَدَ في الشّعرِ والخطبِ.
ومن القواعد اللُّغوية لفهم بعض مدلولات القرآن الكريم القاعدةُ التي تقول: «سببُ الشيء يقوم مقامَه ويُطلَق عليه اسمُه». ومن الأمثلة التي تفسر هذه القاعدة:
ـ كما تَدينُ تُدانُ، فالإدانة الأولى غيرُ الإدانة الثانية.
ـ كما تجزي تُجزى به، فالجزاء الأول غيرُ الجزاء الثاني.
ـ «وجزاء سيئة سيئة مثلها» أي عقوبة السيئة سببها السيئةُ الأولى.
ـ «إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً» الكيدُ من الناس أنتج العقوبة من اللّه تعالى وهو السبب.
وهكذا يمضي القرآنُ في ألفاظِه وعباراتِهِ، على اللفظِ العربيّ وعباراته ومعهوده في الكلامِ، لا يخرجُ عن ذلكَ قيدَ أَنْمَلَة، ويحيطُ بكلِّ ما هو في أعلى مرتبةٍ من بليغِ القولِ، ممّا سارَ العربُ عليهِ. فواقعُهُ أنّهُ عربيٌّ محْضٌ ولا علاقَةَ لهُ بما هوَ أعْجَميّ، فكانَ حتماً على كلِّ منْ أرادَ تَفَهّمَ القرآنِ أن يأتيَه من هذهِ الجهةِ، ولا سبيلَ إلى فهمه من غيرها.
ولذلكَ كانَ الواجبُ أن يُفَسّرَ القُرآنُ من حيثُ ألفاظُهُ وعباراتُهُ، ومن حيثُ مدلولاتُ الألفاظِ والعباراتِ مفرداتٍ وتراكيبَ في اللغةِ العربيّةِ فَقَطْ.
فما تُرْشِدُ إليهِ اللّغةُ العربيّةُ وما يقْتضيهِ مَعْهُودُها يُفَسّرُ به القرآنُ، ولا يجوزُ أنْ يُفَسّرَ منْ هذه النّاحيةِ إلاَّ بما تقتضيهِ اللّغةُ العربيّةُ لا غير. وطريقُ ذلكَ، النقلُ الموثوقُ بِهِ منْ طريقِ الروايةِ التي يرويها الثّقةُ الضابطُ كما يقولُ عن «فصحاءِ العربِ الخالصةِ عربيّتُهُمْ». وبناءً على ذلكَ، فتفسيرُ المفرداتِ والتراكيبِ، ألفاظاً وعباراتٍ، محصورٌ في اللّغةِ العربيةِ وحدها ولا يجوزُ أنْ يُفَسّرَ بغيرِها إطلاقاً. وهذا هو واقعُهُ منْ هذهِ الجهةِ.
أمّا واقعُهُ منْ حيثُ المعاني الشرعيّةُ كالصلاةِ والصومِ، والأحكامُ الشرعيّةُ كتحريمِ الربا وتحليل البيعِ، والأفكارُ التي لها واقعٌ شرعيّ كالملائكةِ والشياطينِ، فإِنّ الثابتَ أنّ القرآنَ جاءَ في كثيرٍ منْ آياتهِ مُجْملاً وجاءَ الرّسولُ وفَصّلَهُ. كما جاءَ عامّاً ولكنّ الرسولَ خَصصَهُ. ومطلقاً فَقَيّدَهُ. وذكَرَ اللَّهُ فيه أنّ الرسولَ هو يُبيّنهُ، قال تبارك وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النّحل: 44].
فالقرآنُ منْ هذهِ الجهةِ يحتاجُ فَهْمُهُ إلى الاطّلاعِ على ما يُبَيّنُهُ الرسولُ من مفرداتٍ القرآنِ وتراكيبهِ ومعانيها كلِّها. سواءٌ أكانَ هذا البيانُ تَخصيصاً أم تقْييداً أم تَفصيلاً أم غَيْرَ ذلكَ.
ولذلكَ كانَ فَهْمُ القرآنِ الكريم مُتوقّفاً على فَهْمِ السنّةِ المتعلقةِ بالقرآنِ، أيْ أنّهُ مُتوقّفٌ عليها توقّفاً تامّاً لأنّها بيانٌ للقرآنِ حتى يُعرفَ بواسطتها ما في القرآنِ المنْزَلِ منْ معانٍ وأحكامٍ وأفكارٍ.
ولهذا كانَ الاقتصارُ على فَهمِ القرآنِ فَهْماً كامِلاً لا يكفي فيه الاقتصارُ على اللّغة العربيّةِ فحسْب، بلْ لا بدّ أنْ يكونَ، فوقَ معرفةِ اللّغةِ العربيّةِ، معرفةُ السنّة أيضاً، وإنْ كانَتِ اللّغةُ العربيّةُ وحدها هي التي يُرْجَعُ إِليها لِفَهْمِ مدلولاتِ المفرداتِ والتراكيبِ، من حيثُ ألفاظُها وعباراتُها.
ولكي نَفْهَمَ القرآنَ كلّهُ، فلا بدّ منْ جعلِ السنّةِ واللُّغةِ العربيّةِ أمْرينِ حتميّينِ، ومنَ المُحتمِ أيضاً أنْ يسيرا معاً لفَهْمِ القرآنِ، وأنْ يتوفَّرا لمَنْ يريدُ أنْ يفسّرَ القرآنَ. أمّا القصصُ الواردةُ فيهِ عنِ الأنبياءِ والرّسُلِ والحوادث التي قصّها عنِ الأممِ الغابرةِ فيتوقّفُ أمرُها على الحديثِ، إنْ وَرَدَ فيها حديثٌ، وإلاَّ اقْتُصِرَ فيها على ما وَرَد عنها في القرآنِ.
ولا يصحّ أنْ تُعْرَفَ عنْ غير هذينِ الطّريقينِ لأنّ اللَّهَ أمرَنَا بالرجوع إلى الرّسولِ (ص) ، وبيّنَ لنا أنّ الرّسولَ هوَ الذي يحقّ لهُ أنْ يُبيّنَ القرآنَ، ولم يأمرْنا بالرجوعِ إلى غيرِهِ. فلا يجوزُ أن نرجعَ إلى الإِسرائيليّات وما شاكَلَهَا لِفَهْمِ قَصَصِ القرآنِ وأخْبارِ الأمَمِ الماضيةِ. وليس الموضوعُ شَرْحَ قِصّةٍ حتى يُقال: إنّ هذا مصْدَرٌ أوْسَعُ، على فرْضِ صِدْقِهِ. وإنما الموضوعُ هو شرحُ نصوصٍ مُعينةٍ نعتقِدُ ونؤمن أنها كلامُ ربّ العالمينَ، فيجبُ الوقوفُ عندَ مدلولاتِ هذه النصوصِ من حيثُ اللّغةُ التي جاءَتْ بها، ومنْ حيثُ الاصطلاحُ الشرعيّ من صاحبِ الاصطلاحِ، وهوَ الرسولُ الذي قالَ اللَّهُ جلّ جلالُهُ عنه: إنّ القرآنَ أُنْزلَ عليهِ لَيُبينهُ للناسِ. ومن هنا يجبُ أنْ يُنفى من التفسير كلّ قولٍ جاءَ عن طريقِ الإِسرائيليّاتِ، أوْ كُتُبِ التّاريخِ وغيرها. ويكونُ منَ الافتراءِ على اللَّهِ أنْ نزعمَ أنّ هذهِ المعانيَ هيَ كلامُ اللَّهِ ولا يوجدُ دليلٌ أو أمارةُ دليلٍ أنّ لها علاقةً بمعاني كلامِ الله عزَّ وجلَّ.
وأمّا ما يزعمُهُ الكثيرُ منَ النّاسِ، قديماً وحديثاً، من أنّ القرآنَ يحوي العلومَ والصناعاتِ والاختراعاتِ وأمثالَها، حتى أضافوا فنسبوا إليه كلّ عِلْمٍ مذكورٍ للمُتَقَدّمينَ والمُتأخّرينَ من علومِ الطبيعياتِ والكيمياءِ والمنطقِ وغيرِ ذلكَ، فلا أصلَ لهُ. فواقعُ القرآنِ يكذّبهُمْ، لأنّهُ لمْ يقْصِدْ بهِ تقريراً لشيءٍ ممّا زعموا. وكلّ آياتهِ المحْكَماتِ أفكارٌ للدّلالةِ على عَظَمَةِ اللَّهِ، وأحْكَامٌ لمعالجةِ أعْمالِ عبادِ اللَّهِ.
وأمّا ما حدثَ منَ العلومِ، فلم تَردْ بهِ آيةٌ ولا جُزءُ آيةٍ فيها أدنى دلالةٍ على أنّ أيّ علْمٍ منَ العُلومِ، وما وَرَدَ فيهِ مما يمكنُ أنْ ينطبقَ على نظرياتٍ أو حقائقَ علميةٍ كآية {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} [الرُّوم: 48] الآية.. فإنها جاءَتْ للدّلالةِ على قُدْرَةِ اللَّهِ اللامحدودة، لا لإِثباتِ النواحي العلميّة. وأمّا قولُهُ تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النّحل: 89] فالمُرادُ منها لِكُلِّ شيءٍ من التكاليف والتعبدِ وما يَتَعَلّقُ بذلكَ، بدليلِ نَص الآيةِ، فإِنها تتعلّقُ بموضوع التكليفِ الذي بلّغَهُ الرَّسولُ للنّاسِ. وأما نَصُّ الآيةِ:
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النّحل: 89].
فكونُ اللَّهِ جاءَ بالرّسول شهيداً على أُمتهِ، يعني شَهِيداً عليها بما بَلّغها. وكونهُ نَزّلَ القرآنَ لِيُبَيِّنَ ـ أي القرآن ـ كُلّ شيءٍ يكونُ هدىً ورحمةً وبُشرى للمُسلمينَ، يُحتّمُ أنّ الشيءَ المقصودَ لا يتعلّق بعِلْمِ الطبيعةِ أو المنطقِ أوِ الجغرافيا أو غير ذلك، بلْ هوَ شيءٌ يتعلّقُ بالرّسالةِ، أي أنّ الكتاب تبيانٌ للأحكامِ والتعبّدِ والعقائدِ، وهدىً يهدي النّاسَ ورحمةٌ لهمْ، يُنقذهُمْ مِنَ الضّلالِ، وبشرى للمسلمينَ بالجنّةِ ورضوانِ اللَّهِ، ولا علاقةَ لغير الدينِ وتكاليفهِ بشيءٍ منْ ذلك.
فيتعيّنُ أنْ يكونَ معنى قولهِ «تِبياناً لكُلِّ شيءٍ» أمورَ الإِسلامِ.
وأمّا قولُهُ تعالى، وهو المحيط بكلِّ شيء عِلماً:"ق
{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعَام: 38] فالمرادُ بـ «الكتاب» اللّوْحُ المَحْفُوظُ، وهوَ كناية عنْ عِلْمِ اللَّهِ تعالى. وكلمةُ «كتاب» مِنَ الألفاظِ المُشتركةِ يُفَسِّرُها التركيبُ الذي وَرَدَتْ فيهِ، فحينَ يقولُ اللَّهُ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البَقَرَة: 2]، يُرادُ بهِ القرآنُ، وحينَ يقولُ: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ} [الشّورى: 52] يَقْصِدُ بهِ الكتابةَ، ولكنْ حين يقولُ {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرّعد: 39] أو {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الإسرَاء: 58] أو {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ} [الأنعَام: 38] أو {لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفَال: 68] أو {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعَام: 59] أو {كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هُود: 6] أو {وَلاَ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ} [فَاطِر: 11] إنّما يَقْصِدُ بذلكَ كلهِ عِلْمَ اللَّهِ العليم الحكيم، فقولُهُ تعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرّعد: 39] يَقْصِدُ اللّوْحَ المحفوظَ وهو كنَايَةٌ عن عِلْمِ اللَّهِ، فهذا كلّهُ يدلُّ على أنّهُ ليسَ المرادُ في هذهِ الآيةِ من كلمةِ الكتاب: «القرآن»، بلِ المُرادُ اللوحُ المحفوظُ وهو كَنَايةٌ عن عِلْمِ اللَّهِ نَفسهِ.
فلا دلالَةَ في الآيةِ، إذاً، على أنّ القرآنَ يحوي العلومَ وأمثالَها، لأنّ مفرداتهِ وتراكيبَهُ لا تدلّ عليها، ولأنّ الرسولَ لمْ يُبَيّنْها، فلا علاقةَ لها بهِ.هذا هو واقعُ القرآنِ وهو يدلّ دلالةً صريحةً واضحةً على أنّهُ نصوصٌ عربيّةٌ جاءَ بها رسولُ اللَّهِ منْ عِنْدِ اللَّهِ، ولا تُفَسّرُ بغيرِ اللّغةِ العربيّةِ وسنّةِ رسولِهِ. أمّا تفسيرُهُ بالاستناد إلى دليلٍ شرعيٍّ وردَ في كيفيّةِ تفسيرِهِ فغيرُ واقِعٍ ولا أصلَ لهُ إطلاقاً.
ومن هنا فإنَّ القرآنَ نَفْسَهُ لمْ يُبيّنْ كيفَ تُفَسّرُ آياتُهُ، ولم يصحّ عنِ الرسولِ بيانٌ لكيفيّةٍ مُعينةٍ للتفسير.
وأمّا تفسيرُ الصّحابةِ رضوانُ اللَّهِ عليهِمْ، فإِنْ كانَ مُسْتَنِداً إلى سببِ النّزولِ فهوَ من قبيلِ الحديثِ الموقوفِ، لا منْ قَبيلِ التفسيرِ، وإنْ كانَ منْ قبيلِ الشّرحِ والبيانِ، فقد اختلفُوا في الآياتِ ولم يحصُلْ إجماعٌ منهمْ على كيفيّةٍ مُعيّنةٍ للتفسيرِ. ومنهمْ مَنْ كانَ يأخذ مِنْ أهلِ الكتابِ بعضَ الإِسرائيليّاتِ ويرويها عنهُ التّابعونَ، ومنهمْ مَنْ كانَ يرفُضُ أخْذها. ولكنّهُمْ جميعاً كانوا يفهمونَ القرآنَ بما يعرفونَهُ منَ اللّغةِ العربيّة، وبما يعرفونَ منْ سنّةِ رسولِ اللَّهِ قولاً، وفعلاً، وسكوتاً، ووصفاً بخَلْقِ وخُلُقِ رسولِ اللَّهِ، وذلكَ مشهورٌ عنهم جميعاً. ومَنْ كانَ يتحرّجُ عن تفسيرِ بعضِ الكلماتِ أو الآياتِ، فقدْ كانَ تحرّجُهُ للوثوقِ منَ المعنى لا على ما وَرَدَ به النصّ حتى لا يُفتيَ إلا بعدَ علمٍ موثوقٍ. ولكنّ ذلكَ لا يُسمّى إجماعاً لأنّهُ لا يَكْشِفُ عنْ دليلٍ منَ الرسولِ. فبيانه، كما قلنا، سُنّةٌ لا تفسيرٌ.
ولمّا كانَ الصحابةُ هم أقربَ النّاسِ إلى الصّوابِ في تفسير القرآنِ لمعرفتهم العميقةِ بأسرارِ اللّغةِ العربيّةِ ومُلازَمَتِهِمْ للنبيّ الذي أُنزِلَ عليهِ القرآنُ... فلقد اتفقوا على جَعْلِ اللّغةِ العربيّةِ والشّعرِ الجاهليّ والخُطَبِ الجاهليّةِ وغيرِها الأدواتِ الوحيدةَ لِفَهْمِ مفرداتِ القرآنِ وتراكيبه.
وفي وقوفِهِم عندَ حدِّ ما وَرَدَ عنِ الرّسولِ، وإطلاقِ عَقْلِهِمْ في فَهْمِ القرآنِ خيرُ طريقةٍ تُتّبَعُ ويُقْتَدَى بها في فَهْمِ القرآنِ، ولذلكَ فإِنّا نرى أنّ طريقةَ تفسيرِهِ لا تتعدى اتّخاذَ اللّغةِ العربيّةِ، والسنّةِ النبويّةِ الأداةَ الوحيدةَ لِفَهْمِ القرآنِ وتفسيرِهِ، منْ حيثُ مفرداتُهُ وتراكيبُهُ، ومن حيثُ المعاني الشرعيّةُ والأفكارُ التي لها واقِعٌ شرعيّ. كما نرى أنْ يُطْلَقَ للْعَقْلِ فَهْمُ النصوصِ بقدرِ ما يدلّ عليهِ كلام العربِ ومعهودُ تصرّفِهِمْ في القولِ، وبما تدلّ عليهِ الألفاظُ منَ المعاني الشّرْعِيّةِ الواردةِ بنص شرعيٍّ من قرآنٍ أو سُنّةٍ، وألاَّ يكونَ غَيرَ مُقَيّدٍ بما فَهِمَ الأوّلونَ السابقونَ ـ لا العلماءُ ولا التّابعونَ حتى ولا الصّحابةُ منهم ـ إذ قد نشأت اجتهاداتٌ قد تُخطِىءُ وقد تُصيبُ. فربما أرْشدَ العقلُ إلى فَهْمِ آيةٍ كانَ لها واقعٌ للمفسِّر من خلالِ كثرةِ مطالعاتهِ للعربيّةِ والشريعةِ، أو ظهرَ له منْ تجدّدِ الأشياءِ وتقدّمِ الأشكالِ المدنيّةِ والوقائعِ والحوادثِ ما يعينُهُ على التفسير. فبإِطلاقِ العقل بالفَهْمِ لا بالوضعِ يحصُلُ الإِبداعُ في التفسير وذلكَ في حُدُودِ ما تقتضيهِ كلمةُ التفسير منَ الحمايةِ والصّوْنِ منَ الوقوعِ في ضلالِ الوضعِ لمعانٍ لا تمتّ إلى النّصّ بِصِلَةٍ منَ الصّلاتِ. وهذا الانطلاقُ في الفَهْمِ وإطلاقِ العنانِ للعقلِ بأقصى ما يَفْهَمُهُ منَ النصّ دونَ التقيّدِ بفهمِ أيّ إنسانٍ ما عدا النبيّ ـ لأنَّ النبيّ ليس مفسراً بل هو مبيّن ـ يُحتّمُ إبعادَ الإِسرائيليّاتِ كلِّها ويُوجِبُ الاقتصارَ في القصصِ على ما وَرَدَ بهِ في القرآنُ عنها، يُضافُ لذلكَ إبعادُ ما يزعمونَ منْ علومٍ تضمّنَها القرآنُ. وهنا، أي ما يتعلق بالعلوم، يجبُ الوقوفُ لننظرَ في ما تعنيه تراكيبُ القرآن من الآياتِ الباحثةِ في الكون، وما قُصِدَ منها من بيانِ عَظَمَةِ الله في الخلق والإبداع في التكوين، وفي السنن التي ينتظم بموجبها هذا الكونُ في أبعادِهِ التي لم تُعرف لها حدودٌ حتى الآن. فمثلاً عندما يقولون بأن الاكتشافات العلمية قد أكَّدت كروية الأرض وأنها تطير مسرعةً في الفضاء بكل ما تحمل على ظهرها وفي باطنها... نجد أن القرآن الكريم قد أتى على ذكر هذه الحقيقة في سورة المرسلات عندما قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا *أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المُرسَلات: 25-26].. فالكفات هو طائر يطير مسرعاً وهو قابضٌ بجناحيه على شيءٍ يخصُّهُ.
وليست هي الحقيقة الكونية الوحيدة في القرآن الكريم، بل هنالك آياتٌ كثيرة تؤكد جميعها على كيفية تركيب الكون، وأنَّ جميع ما فيه من الأجرام بما في ذلك المجرّات والنجوم والكواكب والاقمار والشهب والسحب الدخانية الخ.. أجل جميعها في حركة دائمة، وكلٌّ منها يسير في مداره، وفي الفلك الذي جعل فيه حتى تبقى حركة الكون منتظمة، وسائرة بالدقة والاتجاه التي أعدَّت له بإحكام، وهذا، ولا ريب، منتهى عظمة الابداع في الخلق والتكوين، وهيهات للإنسان أن يبلغ حدود ما خلق الله تعالى في السماوات والأرض مهما بلغت القدرة لديه على الاكتشاف، لأن علومَهُ ـ ومهما تطاولت واتسعت ـ تبقى محدودة ضمن دائرة ما يشاءُ الله تعالى له: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} [البَقَرَة: 255] وكلُّ ما توصَّل إليه الإنسان من اكتشافات علمية، يبقى في حدود التفسير..
والتفسير هو اجتهاد؛ والمجتهد ـ كما قلنا ـ قد يخطىء وقد يصيب؛ وليس اجتهاده يقينياً بينما النصوص القرآنية وحدها يقينية لأنها من عند الله تعالى، ومع ذلك نحن نعتبر أن ما توصل إليه العلم لا يخرج عن كونه تفسيراً، والتفسير مطلوب في كل عصر. وإنما علينا ألاَّ نعتبر الاكتشافات العلمية ـ والتجريبية منها خاصة ـ على أنها حقائق ثابتة ونهائية، لأنّ أصحابها يقولون عنها أنها حقائق علمية ومن الممكن أن تأتي حقائق علمية أخرى فتبطلها. ولذا نعود ونكرر بأن ما أنزله سبحانه وتعالى هو وحده يبقى يقيناً لا يحتمل الظن.
وقد اتخذنا كتابَ مجمعِ البيانِ للإِمام الطبرسي رضيَ اللَّهُ عنه أساساً ومنطلقاً لتفسير القرآنِ لأنَّنا وَجَدْنَاهُ أسهَلَ التفاسيرِ وأكْثَرَها جمعاً للآراء الإسلاميّة المختلفةِ وأحْرَصَها على جمعِ كلمةِ المسلمين. مع أن تفسيرَ الإمام الطبرسي هو تفسيرٌ تجزيئيّ، وليس بخالٍ تماماً من الإِسرائيليّات (الروايات التي تحرِّف بعض المفاهيم الإسلامية، أو التي حرَّفت في الأصل تعاليمَ التوراة والإنجيل)، كما أنه ليس بخالٍ من الزيادات والمبالغات، التي لن نعتمدها في تفسيرنا الموضوعيّ الذي أطلقنا عليه اسم: «مجمع البيان الحديث»، والذي يُعدّ رائداً في التفسيرات الموضوعية للقرآن الكريم، في العالم الإسلاميّ. وهو يشتملُ على المواضيع التالية:
أولاً: معجم تفسير معاني مفرداتِ ألفاظِ القرآنِ الكريم (وهو المعجم الذي بين أيدينا) وقد جَعَلْتُهُ مستوفياً جميعَ معاني مفرداتِ ألفاظ القرآنِ الكريم، مُنَسِّقاً إيّاه على حروفِ التهجّي، مقدِّماً الألفَ ثم الباء على ترتيبِ حروفِ المعجمِ، معتبراً فيهِ أوائلَ حروفهِ الأصليَّة دونما الزوائد، ومشيراً فيه إلى الصلةِ التي بينَ الألفاظ المستعاراتِ منها والمشتقّاتِ حسبما يقتضي التوسُّعُ اللازمُ لهذه المعاني. وربما أيها القارىء الكريم لا تجد جميع الآيات المتعلقة بالمعاني ولكنك بحولِ الله وقوته ستجدُ جميع مَعاني مفردات ألفاظِ الآيات.
ثانياً: معجم إعراب مفردات ألفاظ القرآن الكريم، وقد نسقته على أحرف التهجّي.
ثالثاً: قصص الأنبياء وفقاً للقُرآن الكريم والسُّنّة النبويّة الشريفة.
رابعاً: خاتم النبيين، وهو الكتابُ الذي يحكي سيرة النبيّ محمد (ص) ، وهو عبارة عن مجلدين: الأول يروي سيرة حياته في مكة المكرَّمة، والثاني يروي سيرة حياته في المدينة المنورة.
خامساً: كتاب الأمثال في القرآن الكريم.
سادساً: كتاب علم النفس. وهو عبارة عن مجلدين، فيهما الأبحاثُ الدّالةُ على معرفة النفسِ الإنسانيةِ حسب مضامينها في الكتاب والسنّة.
سابعاً: كتاب موسوعة الأحكام الشرعية الميسَّرة في أربعة مجلدات:
المجلد الأول: في علم الأصول، وفيه قدّمنا شرحاً مستفيضاً للتفسير الموضوعيّ، وبيّنا الفارق بينه وبين التفسير التجزيئيّ الذي سار عليه العلماءُ المسلمون منذ القرن الأول الهجريّ.
المجلدات الثلاثة الأُخرى: في الأحكامِ الشرعيةِ على المذاهبِ الخمسة:
ـ الشيعة الإمامية.
ـ الحنفية.
ـ المالكية.
ـ الشافعية.
ـ الحنبلية.
وبصدور الكتابِ السابع نكونُ قد أنْهَيْنا بعونِ الله التفسيرَ الشاملَ الكاملَ للقرآنِ الكريم الذي يتطلبه العصر الحاضر.
وها نحن نقدِّمُ الكتابَ الأوَّلَ في معاني مفرداتِ ألفاظِ القرآن الكريمِ بإِذنِ الله ومشيئته.

مقدمة الكتاب
القسمُ الأوّل
القِسم الثاني
القِسم الثالِث
القسم الرابع
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢
الإسلام وثقافة الإنسان
الطبعة: الطبعة التاسعة
المؤلف: سميح عاطف الزين
عدد الصفحات: ٨١٦
تاريخ النشر: ٢٠٠٢